التجويع والإبادة والضمير العالمي
تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT
محمد بن رامس الرواس
أصبح التجويع الظالم الذي تمارسه دولة الكيان الإسرائيلي في غزة سلاحا فتاكا يمارس ضد أهلها الكرام، يقابله صمت مخزٍ للمجتمع الدولي في ظل ممارسات بشعة وجرائم تجاوزت حدود الإنسانية، إنها جرائم تنقل بالصوت والصورة مباشرة إلى أنحاء المعمورة، ولا تجد صدى لها إلا ما رحم الله.
وجريمتا التجويع والإبادة برغم أن القانون الدولي وثقهما وحذرت منهما تقارير المنظمات الأممية إلا أن ما يحدث في قطاع غزة ليس نتيجة حرب؛ بل هو سياسة منهجية مقصودة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة وتدمير مقومات حياته ومحو وجوده.
إن الشواهد على ذلك كثيرة، منها كمائن الموت عند طوابير المساعدات، فعندما يقف الفلسطيني منتظرا بالطوابير بالساعات الطوال للحصول على لقمة العيش أو عندما يخرج من بيته يكون الموت بانتظاره في أي لحظة، لقد أشارت تقارير الأمم المتحدة ونقل لنا مراسلو المحطات التلفزيونية مقتل مئات الأشخاص أثناء انتظارهم للمساعدات الغذائية أو قل حتى كيس من الطحين نتيجة لاستهداف الجيش الاسرائيلي للقوافل الإغاثية وهي ليست حوادث فردية، بل نمط متكرر يظهر يوميا عند ظهور الغذاء ليصبح الغداء فخًا للموت.
الأرقام لا تكذب، فقد أفادت منظمة اليونيسف بأن الأطفال في غزة "عالقون في دوائر لا تنتهي من الخوف والعنف والحرمان، ففي شمال قطاع غزة تضاعفت أعداد الوفيات بين الأطفال الرضع بسبب سوء التغذية الحاد والجفاف الذي أصابهم، ووفقًا لتقارير أممية لا يقتصر الأمر على منع دخول الغذاء بل يتعداه إلى تدمير مصادر الحياة نفسها بداخل القطاع، ولقد وثّقت منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" تدمير خزانات المياه الأساسية، واستهداف محطات تحلية المياه مما أجبر السكان على شرب مياه غير صالحة، الأمر الذي زاد من انتشار الأمراض والأوبئة.
ويصف المُقرِّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالسكن اللائق أن تدمير إسرائيل لغزة "يشكل عملًا من أعمال الإبادة الجماعية" فهناك أكثر من 80% من المنازل و50% من المباني دُمرت، مما يجعل القطاع "غير صالح للسكن". هذا التدمير لا يقتل الأفراد فحسب؛ بل يمحو أي فرصة للعودة والاستقرار، أضف إلى ذلك أن عددا قليلا جدا من المستشفيات من أصل 36 ما زالت تعمل بشكل جزئي في ظل نقص حاد في الإمدادات، هذا الاستهداف لا يقتل الجرحى والمرضى فحسب، بل يُفقد الأمل في أي رعاية طبية.
ختاما.. في ظل هذه الوقائع أصبح الوقوف مع أهل غزة والتضامن معهم واجبا إنسانيا قبل أن يكون واجبا أخويّا وانتصارا للحرية والعدالة، فصمود أهل غزة ليس مجرد مقاومة؛ بل هو معركة كبرى كشفت هشاشة الضمير العالمي وغيابه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مؤسسات الأسرى: منظومة سجون الاحتلال تمارس تدميرًا نفسيًا وجسديًا تجاه الأطفال
رام الله - صفا
أكدت مؤسسات الأسرى الفلسطينية، في تقرير مشترك بمناسبة يوم الطفل العالمي، أن منظومة الاحتلال الإسرائيلي تمارس "عمليات تدمير جسدية ونفسية" بحقّ الأسرى الأطفال.
وذكرت المؤسسات في تقرير لها يوم الخميس، أن طفلًا أسيرًا استشهد جوعًا منذ بدء حرب الإبادة، واعتقال أكثر من 1,630 طفلًا وطفلة من الضفة الغربية، إضافة إلى عشرات الأطفال من غزة.
وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، إن الطفل الفلسطيني كان ولا يزال من أكثر الفئات تعرضًا للانتهاكات الإسرائيلية، سواء عبر القتل والإصابة، أو الحرمان من التعليم، أو الاقتحامات الليلية، أو الاعتقال الذي طال عشرات الآلاف من القاصرين منذ بداية الاحتلال.
وأوضح التقرير أن الطفل الفلسطيني "لم يكن يومًا بمنأى عن سياسات القمع، بل كان دائمًا في قلب المواجهة"، وأنه يدفع ثمن وجوده في واقع خاضع لسيطرة استعمارية لا تفرّق بين كبير وصغير.
وأضاف أن ما جرى منذ بدء حرب الإبادة شكّل نقطة تحوّل خطيرة وغير مسبوقة، حيث انتقل الاحتلال من مستوى متواصل من الانتهاكات إلى "مستوى تصاعدي ومنهجي يستهدف الطفولة بكثافة أكبر"، في سياق حرب أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين، وامتدت إلى داخل السجون عبر ملفات الأسرى الأطفال.
وأشار إلى أن المؤسسات الحقوقية سجّلت، منذ اندلاع الحرب، أكثر من 1,630 حالة اعتقال لأطفال في الضفة بما فيها القدس خلال فترة زمنية قصيرة، بالإضافة إلى عشرات الأطفال من غزة الذين تم اعتقالهم أثناء الحرب، ومورس بحقهم "جرائم منظمة" و"إخفاء قسري" ومنع من الزيارات، بما حال دون معرفة أعدادهم الدقيقة. وترى المؤسسات أن هذه المعطيات "توضح حجم التصعيد واتساع دائرة الاستهداف للأطفال".
وأكدت أن الأطفال لم يُعتقلوا في سياقات معزولة أو وفق إجراءات قانونية، بل جرى اقتيادهم بعد عمليات اقتحام للمنازل، أو خلال المواجهات، أو من الحواجز والشوارع، أو حتى من المدارس ومحيطها.
وبحسب المعطيات الواردة في التقرير، يقبع اليوم داخل سجون الاحتلال نحو 350 طفلًا معتقلًا، بينهم طفلتان، في ظروف تتعارض مع المعايير الدولية الخاصة بحماية القاصرين، حيث يواجهون "جرائم التعذيب، والتجويع، والجرائم الطبية، وعمليات السلب والحرمان الممنهجة، إضافة إلى العزل الجماعي".
وأشارت المؤسسات إلى أن الأطفال الأسرى كانوا جزءًا مباشرًا من السياسات الانتقامية التي صعّدها الاحتلال داخل السجون بعد حرب الإبادة، إذ تؤكد شهادات لأطفال محرَّرين أن سلطات الاحتلال تعمّدت منذ الساعات الأولى عزلهم بالكامل عن باقي الأقسام، وأن عشرات الشهادات وثّقت تعرّضهم للضرب المبرح والإيذاء المباشر خلال فترات احتجازهم، في ظل ظروف قاسية ومهينة.
وأوضحت أن "الغالبية الساحقة من الأطفال المعتقلين واجهوا شكلاً واحدًا على الأقل من التعذيب الجسدي أو النفسي"، ضمن منظومة مدروسة من الانتهاكات، قالت إنها تتعارض بشكل صارخ مع القانون الدولي والأعراف الإنسانية وكافة الاتفاقيات الخاصة بحماية الطفل وحقوقه.
وترى المؤسسات أن طبيعة الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال منذ لحظة الاعتقال الأولى تُظهر أن الاحتلال يتعامل معهم بوصفهم "خطرًا أمنيًا" لا أطفالًا يحتاجون إلى حماية ورعاية.
وبينت أن الأطفال يتعرضون للعنف أثناء الاقتحام، ثم إلى التقييد المفرط والنقل القاسي داخل "البوسطات"، ثم التحقيق دون حضور محامٍ أو أحد أفراد العائلة، وصولًا إلى الزنازين المكتظة، وغياب الرعاية الصحية، ومنع الزيارات، وحرمانهم من التعليم.