جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-09@17:04:13 GMT

حين يتغير الحال

تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT

حين يتغير الحال

 

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

 

لا شك أن الضيق النفسي والقلق والانزعاج أكثره يأتي من عدم توفر المال أو وجوده قليلًا، بما لا يكفي لتلبية الاحتياجات اليومية الضرورية للفرد والأسرة لمن يعاني من ذلك.

ومن حق الإنسان في هذه الحالة أن يتضايق ويقلق وينزعج، ولكن إلى مستويات معتدلة بحيث لا يفقد فيها اتزانه النفسي، بما يسمح له بالتفكير العقلاني وإيجاد حلول لتدبير أموره يومًا بعد يوم.

فلا تنعدم الوسائل في هذا المجتمع طالما للإنسان عقل يفكر به، وإذا لم يجد منفذًا لمشكلته؛ فالصبر على شدائد الأيام إلى غدٍ تُفرج فيه الأمور.

ومن المؤكد أن "المال عصب الحياة"، والنقود -لا غيرها- هي التي تتكفل بالمصاريف في الرعاية المادية للعائلة، ودفع إيجار السكن، وتسديد الأقساط البنكية، ودفع فواتير الكهرباء والماء، وشراء مواد التموين المعيشية للبيت، وأمور كثيرة ومتنوعة لا يحلها إلا المال.

وما إن يصل الراتب الشهري إلى الحساب البنكي للموظف، حتى تتناهشه المتطلبات المعيشية من كل حدب وصوب، كلٌّ يريد أن يقضم منه قضمة، إلى أن يتم القضاء عليه قبل أن ينتهي الشهر، ليأتي الشهر الآخر على نفس المنوال!
هذا حال من لديه وظيفة يستلم منها راتبًا شهريًا، فماذا عمن هم باحثون عن عمل أو مُسرَّحون ليس لديهم عمل؟!

الوضع بالنسبة لهم أصعب وبحاجة إلى حلول سريعة للتخفيف مما هم عليه وانتشالهم مما هم فيه، لكن هذا لا يعني أن على هؤلاء أن يكونوا في هذه الأثناء خائبين عاجزين مُحبَطين يائسين.

لا يجب أن ييأسوا من رحمة الله، وإذا أصابتهم الضائقة المالية؛ فليصبروا وليثبتوا بشجاعة أمام الشدائد، لكي لا يهزهم التوتر والقلق والإحباط ويصل بهم إلى مستويات عالية من الاضطراب تُسبب لهم الاكتئاب والانعزال والأمراض المزمنة؛ لأنهم بذلك يُعرِّضون حياتهم لأخطار صحية بما لا يُحمد عقباه.

وماذا يفيدهم ذلك إذا مرضوا؟! سيزداد وضعهم إلى الأسوأ، وستتصاعد الحالة من مشاكل مالية صعبة إلى مشاكل مالية وصحية أصعب، وإذا حصل وانفرجت أزمتهم وتعافوا من الضائقة المالية -وهذا وارد- فلن يسلموا مما رموا أنفسهم فيه من أمراض مزمنة بالقلق والتوتر والإحباط الشديد المستمر، حين لم يروا بصيص أمل واضحًا للعيان وهو قريب.
فالهدوء والرضا والتكيف بما قسم الله، وإن بعد العُسر يُسرًا، وبعد الشدة يأتي الفرج إن شاء الله. والأمل بالله كبير...

وهناك قصة في القرآن الكريم في سورة يوسف تنير الطريق وتحيي الأمل، وهي رؤيا أحد الملوك حين قال: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ" (يوسف: 43).

وقام النبي يوسف عليه السلام بتفسير رؤيا الملك بما معناه: بعد السنوات العجاف الصعبة سيأتي الفرج والغيث والثمر والطمأنينة.

وهكذا حال الدنيا متغيِّرة لا تبقي على حال، فلا يجب أن نفقد الأمل مهما حصل، فما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حالٍ إلى حال، وأي صعوبات وشدائد قد تزول في لحظات وتنجلي الغُمَّة، وهناك دائمًا فرصة للتغيير للأفضل.

وقد قال الإمام الشافعي: "ضاقت.. فلما استحكمت حلقاتها، فُرِجَت وكنتُ أظنها لا تفرج".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القراءة القرآنية العملية في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، رضوان الله عليه

 

 

يمثل الخطاب القرآني في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) بوصلة فهم وتحليل الواقع، ومفتاحًا لبناء الوعي الإيماني العملي المتجذر في الواقع، وفي قراءته للآية الكريمة: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، يقدّم الشهيد القائد رؤية فكرية متكاملة، تنتقد بعمق المفاهيم المغلوطة السائدة، وتعيد تشكيل الوعي برسالة الإنسان، وموقع الدنيا من الدين، وتكشف العلاقة بين الوعد والوعيد الإلهي من جهة، وحالة الأمة من جهة أخرى.
مركزية مهمة الإنسان وارتباطها بخلافة الله
الشهيد القائد ينطلق من تأصيل جوهري، بأن مهمة الإنسان هي خلافة الله في الأرض، وهي مسؤولية واسعة النطاق، تشمل عمارة الأرض، وإقامة العدل، ومقاومة الفساد، وكل ذلك على هدي الله لا وفق أهواء البشر، وبالتالي، من يخرج عن هذا الهدي يكون مفسدًا في الأرض، وينتج عنه فساد ظاهر في البر والبحر، تمامًا كما وصفت الآية، القراءة هنا تتجاوز التفسير الظاهري للآية لتجعلها مرآة لواقع الأمم؛ فالفاسد لا ينتظر العقوبة في الآخرة فقط، بل يعيش آثار فساده عقوبة في الدنيا.
تفكيك المفهوم المغلوط للدنيا والدين
ينتقد الشهيد القائد فهمًا سائدًا اختزل الدين في طقوس مرتبطة بالآخرة فقط، مع تجاهل لحقيقة وعد الله ووعيده في الدنيا، فالدين هو مشروع حياة، وميدان ابتلاء عملي، وموقع نزول البركات أو حلول العقوبات، لقد حصر الناس الوعيد في النار فقط، وغفلوا عن الآيات التي تتحدث عن العقوبات الإلهية في الدنيا، وفُهم الصبر على الذل، والهوان، والفقر، كعبادة، بينما هي حالات عقوبة أصاب الله بها من أعرض عن هديه، لكن دون وعي من الأمة، وهنا يتجلى البُعد النقدي القوي في خطابه، حيث يحمّل الأمة مسؤولية ما تعيشه من ذلة واستضعاف، باعتباره نتيجة واقعية لترك الهداية، وليس ابتلاءً مفصولًا عن أفعالها.
شمولية الوعد والوعيد الإلهي في الدنيا والآخرة
يبني القائد فكرته المركزية في هذا الخطاب على قاعدة قرآنية صلبة، مدعّمة بالآيات، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا…}، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ…} ، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا…}، هذه الآيات كلها وعود إلهية في الدنيا، لا مجرد بشارات للآخرة، وعلى الجانب الآخر، هناك وعيد في الدنيا أيضاً، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ…}، {ظَهَرَ الْفَسَادُ… لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}، الشهيد القائد يرى أن هذه السنن ثابتة، وأن كل ما يصيب الأمة من ذل، قهر، استضعاف، فقر، فساد، هو نتيجة عملية للانحراف عن نهج الله، وبالتالي فإن الإيمان الحقيقي يتجلى في فهم هذه السنن، والعمل لتغيير الواقع بما يعيد الناس إلى طاعة الله وهديه.
أثر الإيمان بالجنة والنار واليوم الآخر
الشهيد القائد يُعيد تعريف الإيمان بالله ليكون إيمانًا فعّالًا، لا إيمانًا تجريديًا مشلولًا، فمقتضى الإيمان بالله بأنه “غفور رحيم”، يقتضي أيضاً الإيمان أنه “شديد العقاب”، وإهمال هذا الجانب من أسماء الله وصفاته، يُنتج إيمانًا ناقصًا، غير دافع نحو العمل أو الخوف من الله، وهنا يؤسس الشهيد القائد لمفهوم متوازن للتوحيد، يجمع بين الرجاء والخوف، المحبة والرهبة، الغفران والعقاب، تمامًا كما بيّنها القرآن.
دلالة الآية في سياق الواقع المعاصر
في ضوء هذه الرؤية، تتجلى الآية {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ، كدلالة مباشرة على واقع الأمة، إذ أن مظاهر الفساد السياسي، الاقتصادي، الأخلاقي، إنما هي نتاج لترك هدي الله، ونتيجة حتمية لضعف الوعي بعلاقة الدين بالحياة، وهنا الشهيد القائد لا يقرأ الفساد كحدث عابر، بل كإنذار قرآني على أن الأمة تمر بمرحلة وعيد دنيوي، تحتاج إلى وعي نهضوي يعيد لها علاقتها بالقرآن، ويصوب المفاهيم المغلوطة.
خاتمة
يُعيد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-، في قراءته الدلالية والحركية إحياء البعد العملي للقرآن، ويؤسس لتصور قرآني شامل يربط بين الدنيا والآخرة، وبين الغيب والواقع، وبين الإيمان والعمل، فالآية ليست مجرد تقرير عن فساد كوني، بل تشخيص لحالة أمة، وتوجيه نحو الحل، العودة إلى هدى الله، واستيعاب سننه، والإيمان بوعده ووعيده في الدنيا والآخرة.

مقالات مشابهة

  • وقف الحال وحش.. رسالة غامضة من مسلم فمن يقصد بها؟
  • القراءة القرآنية العملية في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، رضوان الله عليه
  • يوسف طلال عبيدات … مبارك النجاح بالثانوية العامة
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • إعلامي رياضي: المبلغ المتفق عليه بين الهلال وعبدالرزاق حمدالله هو 2.7 مليون ريال
  • حكم الاستخارة بالدعاء فقط لمن تعذر عليه أداء الصلاة.. الإفتاء تجيب
  • تعلن محكمة باجل الابتدائية بأن المدعي عليه/ علي يوسف دهل تقدم إليها بطلب انحصار وراثة
  • روبيو: نعتقد أننا أصبحنا أقرب إلى نهاية النزاع في أوكرانيا مما كان عليه الحال سابقا
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام