د. محمد بن عوض المشيخي **

 

هناك عبارة تتردد على الدوام بين الحلقات الضعيفة في أي مجتمع يُعاني من الفقر وهي "قطع الرقاب ولا قطع الأرزاق"؛ فالإنسان عند ما تُسَد أمامه مصادر الرزق الحلال والمتمثلة في الوظيفة أو فرصة العمل التي تُوفِّر له ولأسرته الحياة الكريمة وتحميه من الذُل والهوان من السؤال في الأماكن العامة، يصبح مع مرور الأيام بمثابة رقم صفري، ويجد صعوبة في الاستمرارية في العيش في عالم يعاني من الظلم وغياب العدالة الاجتماعية، وقبل ذلك كله الاستراتيجيات الحقيقية من الذين يُفتَرَض منهم أن يُوفِّروا للمواطن الظروف التي تساعده على الحصول على دخل شهري ثابت من خلال الوظيفة أو عبر مظلة رسمية ثابتة في دعمها، وأخص بالذكر هنا المُسرَّحين من أعمالهم والباحثين عن عمل.

وبعيدًا عن الإجراءات الحالية التي تُقدِّم أنصاف الحلول، فإن من المهم توفير مظلة رسمية تتبع الدولة لتكون الحضن الدافئ للمواطن الضعيف، خاصة الذين ساقتهم الأقدار إلى التسريح من الوظيفة، أو الذين قضوا سنوات طويلة يبحثون عن الوظيفة دون جدوى. ومن المؤسف حقًا أن نُتابع بشكل مُستمر التسريح المُمَنهَج من العمل في بلد يعيش فيه أكثر من مليوني وافد. ومن المفارقات العجيبة أن تزيد أعداد القوى العاملة الوافدة وتتضخم سنة بعد أخرى، بينما يبلغ أعداد المُسرَّحين في 2023 حوالي 4000 مُسرَّح عُماني من 51 شركة من الشركات التي تُطلق على نفسها أنها شركات وطنية اسمًا فقط! لكن الذي يتخذ فيها القرار هم الأجانب الذين يهدفون بالدرجة الأولى إلى تثبيت أقدامهم والمحافظة على وظائفهم في تلك الشركات، خاصةً أولئك الذين يتقاضون رواتب عالية ويتولون وظائف عُليا، تُمكِّنهم من تجاوز التشريعات والقوانين التي وُضِعَت لضبط سوق العمل ومنح المواطن فرصة في بلده وحمايته.

قبل عدة سنوات بلغ عدد المديرين التنفيذيين للشركات العُمانية وخاصة العائلية منها، أرقامًا لا يصدقها عقل؛ إذ تشير تلك الأرقام إلى عشرات الآلاف من كبار المسؤولين عن ذلك القطاع الحيوي ومعظمهم من الجنسية الهندية، ويحصل ذلك على الرغم من بعض التصريحات المُبشِّرة بالخير لبعض المسؤولين الذين يُقلِّلُون من التحديات الكبيرة التي تواجه توظيف الكوادر الوطنية ويُشيرون إلى وجود موارد وفرص عمل في السلطنة تُغطِّي جميع الباحثين عن عمل؛ بل وحتى حديثي التخرج من الجامعات العُمانية سنويًا، والذين تُقدَّر أعدادهم بين 30 ألفًا إلى 40 ألف خريج في السنة الواحدة!

يبدو لي أن ملف المُسرَّحين وما يحمله من تحديات، أصبح خارج سيطرة المختصين وأصحاب القرار، على الرغم من وجود جهود جديرة بالتقدير من وزارة العمل، لكن المُراقِب لواقع الحال يجد أننا ندور في حلقة مُفرغة منذ سنوات طويلة، ليس فقط في ملف المُسرَّحين الذين يفترض أن تحميهم المنظومة القانونية والتشريعات العُمَّالية من القرارات التي قد تكون بعضها تعسفية؛ بل وحتى الذين يبحثون عن الوظيفة من الكوادر العُمانية المدربة؛ إذ يُمكن تشخيص المشكلة في النقاط الآتية:

 لدى معظم أصحاب الأعمال اعتقاد خاطئ بأن المواطن أقل خبرةً من الوافد، مهما كانت شهادته وخبراته التدريبية، وبالتالي ليس بإمكانه إدارة الشركة بنفس النجاح الذي تحققه إدارة الوافد لها، خاصةً في مجال التسويق.  وجود رجال أعمال يُفضِّلون بقاء أعمالهم ودخلهم السنوي من أنشطتهم التجارية بعيدةً عن عيون المواطنين، حتى لا يتم اكتشافها وتسريبها للآخرين، وهؤلاء التجار يشعرون بالاطمئنان لوجود الوافد أكثر من المواطن.  الخوف من منافسة هؤلاء الموظفين لرجال الأعمال، وتحولهم إلى ممارسة التجارة؛ فيصبحوا بالتالي منافسين محتملين للمؤسسات التي كانوا يعملون فيها بالأمس القريب.  أثبتت الأيام وجود فئة من التجار، يُعلنونها صراحةً، أن لا حق لوزارة العمل أن تُجبِر الشركات على توظيف العُمانيين؛ بل يعتقد هؤلاء أن على الحكومة أن تتولى توظيف مواطنيها في القطاع العام، فقد سمعنا من هؤلاء التجار أنهم يفضلون إغلاق شركاتهم، بدلًا من التعاون مع الجهات المختصة التي تدير ملف الباحثين عن عمل.  بعض الوظائف في شركات القطاع الخاص رواتبها أقل من الوظائف التي يُفترض أن يعمل فيها المواطن، وتحديدًا عند 250 ريالًا فقط، لكن الشركة تتحمل السكن والتذاكر والتي تُشكِّل تكاليف إضافية غير منظورة لدى تلك الشركات.

ليست المشكلة فقط في القطاع الخاص الذي فضَّل الأجنبي على المواطن؛ بل وحتى الوزارات الحكومية التي يرى بعض المسؤولين فيها أنه قد حان الوقت لاستبعاد الخريجين من التوظيف الحكومي إلّا في بعض الوزارات، مثل: التربية والتعليم، والصحة، على سبيل المثال.

وفي الختام.. من المبادرات الرائعة التي تُحسب لوزارة العمل مبادرة "ساهم"، والتي أتاحت الفرصة لعدد كبير من الكوادر الوطنية، العمل في القطاع الحكومي، وضخَّت دماءً جديدة في الوزارات والهيئات التي جرى إفراغ بعضها من الخبرات، بسبب التقاعد الإجباري قبل سنوات، لكن بعد مرور الفترة الزمنية المُتعلقة بانتهاء تلك العقود، نجد معظم تلك الكوادر مُعلَّقة بانتظار قرار من وزارة المالية التي يتوقع منها إيجاد درجات مالية لكي يتم تسكين هؤلاء الشباب الذين أثبتوا جدارتهم في العمل، والاستثناء الوحيد من تلك البيروقراطية الحكومية (هيئة البيئة) التي قامت بتثبيت موظفي مباردة "ساهم" جميعًا والبالغ عددهم 28 موظفًا.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير العمل: نستهدف نقل عمال الديليفري للقطاع الرسمي

أكد محمد جبران، وزير العمل، أن  هناك اختلافًا في أنماط العمل بين من يعملون بتوصيل الطلبات والمنتجات، فبعضهم يعتمد على التوصيل باستخدام التوصيل الذاتي، وبعضهم الآخر يعمل بعقود إيجار على الدراجة البخارية. لذلك، تسعى الوزارة لإيجاد معالجات مناسبة لهذه الأنماط بحيث يكون العامل متعاقدًا رسميًا مع المنشأة.

وزير العمل: لا يعتد بالاستقالة إلا إذا اعتمدت من الوزارة أو المديرياتمحمد جبران: نظمنا ندوات كثيرة للتوعية بقانون العمل الجديدوزير العمل: لا فصل تعسفي في القانون الجديد والفصل بحكم محكمةوزير العمل: تحرير العقد مهم لضمان الأجر العادل والتأمين الطبي والاجتماعي

وأضاف جبران خلال حواره مع الإعلامية رانيا هاشم، مقدمة برنامج "البعد الرابع"، عبر قناة "إكسترا نيوز"، أنّ مشكلة عمال التوصيل (الدليفري) تتطلب اهتمامًا خاصًا نظرًا لأنهم يعانون من ضعف الرواتب وقلة التأمينات الاجتماعية والصحية، مؤكدًا أن الوزارة تدرس أنماط العمل الجديدة بعناية مع الشركات المعنية للخروج برؤية موحدة.

وتابع، أنّ  الهدف هو نقل هؤلاء العمال من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، مما يتيح لهم الاستفادة من التأمينات الاجتماعية والطبية، مشيرًا إلى أهمية وجود تعاقدات واضحة تحفظ حقوق العامل وصاحب العمل على حد سواء.

وأكد أن هناك خططًا للعمل مع الشركات لإنشاء صناديق دعم إضافية توفر حماية أكبر لهذه الفئة، داعيًا إلى التعامل الإنساني مع عمال التوصيل، مبرزًا دورهم الحيوي في توصيل الخدمات وإنقاذ حياة الأسر بسرعة، ومشددًا على ضرورة توفير بيئة عمل آمنة لهم بما يضمن سلامتهم وكرامتهم.

طباعة شارك العمل وزير العمل اخبار التوك شو العمال الديليفري

مقالات مشابهة

  • جدلية العلاقة بين أرباب العمل والمواطنين
  • ماذا قال الذين صوروا غزة المنكوبة من داخل طائرات المساعدات؟
  • الصحة تبحث مع الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية القوانين والمراسيم التي تتطلب التعديل
  • وزير العمل: نستهدف نقل عمال الديليفري للقطاع الرسمي
  • عن الوزراء الذين انسحبوا من الجلسة... هذا ما كشفه نصّار
  • «هيئة الإعلام الإبداعي» تتعاون مع 4 جامعات وطنية
  • الجزيرة .. توفير المعينات الفنية واللوجستية التي تساهم في تعزيز العمل الأمني والمنعي
  • لبنان بين مطرقة الضغط الأمريكي وسندان العرب
  • البرلمان في زمن اللكمات: حين تتكلم الأيدي وتسكت القوانين