إسماعيل بن شهاب البلوشي
حين أكتب عنوان "الباحثون والعمل"، فإنني أعِي تمامًا أنني لم أكتب "الباحثون عن العمل"، كما جرت العادة؛ بل اخترت صيغة مختلفة متعمَّدةً، ليس خطًا إملائيًا ولا سهوًا لغويًا، وإنما رؤية فكرية بعيدة؛ لأن العلاقة بين الباحث والعمل ليست علاقة طرف يبحث والآخر يُعطي؛ بل إنها علاقة شراكة ومسؤولية متبادلة، يتقابل فيها طرفان: الإنسان الذي يسعى لإثبات قدرته وموهبته، والمنظومة التي تخلق له الأرضية المناسبة وتفتح له الأبواب.
هذا الموضوع ليس نداءً عاطفيًا، ولا صرخة استجداء، ولا اتهامًا لجهة بعينها، وإنما محاولة لتأسيس فكرة حل مستدام، حلٍّ يخرج من دائرة الشعارات اللحظية والمطالبات الموسمية، إلى مشروع وطني طويل المدى.
الباحثون: من الانتظار إلى المنافسة
الباحث عن العمل ليس متلقيًا سلبيًا ينتظر “الوظيفة الحكومية” أو “الفرصة الذهبية” لتطرق بابه؛ بل هو عنصر فاعل، عليه أن يهيئ نفسه فكريًا ومهنيًا، وأن يخرج من دائرة التنافس المحدود على الوظائف النمطية إلى دائرة الابتكار والمهارات المتنوعة.
المثال الأول: شاب في ولاية نزوى لم يجد وظيفة بعد التخرج، لكنه امتلك مهارة النجارة، فحوّل غرفة صغيرة في منزله إلى ورشة، وصار يبيع منتجاته عبر الإنترنت وفي سوق المناداة، حتى أصبح اليوم يوظف معه ثلاثة شباب من أبناء ولايته. المثال الثاني: شاب من صلالة درس الإعلام، وحين تأخر تعيينه، أنشأ قناة على "يوتيوب" يُقدِّم فيها محتوى سياحيًا عن محافظة ظفار، واليوم هو من أشهر الوجوه في الترويج للسياحة العُمانية.هؤلاء لم ينتظروا؛ بل خلقوا فرصًا، فصاروا مصدر عمل لأنفسهم ولغيرهم.
العمل: مسؤولية المنظومة لا الوزارة فقط
وزارة العمل ليست وحدها المسؤولة عن خلق الوظائف؛ بل جميع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص شريكة في هذا الملف. من هنا يجب أن نعيد النظر في بعض السياسات:
تخصيص الوظائف وفقًا للقبول الاجتماعي والثقافة المحلية؛ إذ ليس من الحكمة فرض تشغيل النساء في كل قطاع وكل بيئة، إذا كان المجتمع المحلي لا يتقبل ذلك أو إذا كانت الجدوى محدودة. وبدلًا من ذلك، يمكن توجيه الكوادر النسائية إلى المجالات التي تناسب خصوصية المجتمع وتحقق إنتاجية حقيقية. إعادة تفعيل برامج الدعم والمشاريع الصغيرة؛ حيث إن برامج التمويل والدعم التي كانت تمنح الشباب رأس مال تأسيسيًا لمشاريعهم يجب أن تعود، ولكن بإدارة رشيدة، مرتبطة بمتابعة وإشراف لضمان استمرار المشروع وعدم تحوله إلى مجرد منحة تُصرف وتنتهي. تعويض المجتمع عند الاستغناء عن القوى العاملة بسبب التقنية؛ فاليوم، البنوك والشركات الكبرى تستبدل الموظفين بالتطبيقات الإلكترونية: قراءة العداد عن بُعد، التحويل البنكي الذاتي، الدفع الإلكتروني… هذه خطوات طبيعية للتطور، لكنها تترك أثرًا سلبيًا على فرص العمل. وإذا كان القطاع الخاص يقلّص وظائفه بفعل التقنية، فعليه أن يلتزم بدفع مساهمات لصندوق وطني يخلق وظائف جديدة في مجالات أخرى.البُعد الاجتماعي: من المعونة إلى المسؤولية المباشرة
هناك فئة في المجتمع لا تملك عملًا ولا مصدر دخل؛ بل لا تمارس أي نشاط إنتاجي حتى داخل المنزل. هؤلاء يجب أن تكون مسؤولية توفير العمل لهم مباشرة على عاتق المحافظين والمجالس المحلية، مع خطط تشغيل تناسب بيئتهم ومهاراتهم.
المثال الثالث: في بعض الولايات الجبلية، يمكن تشغيل هذه الفئة في برامج إعادة تأهيل المزارع المهملة، مقابل دخل ثابت، بدلًا من بقائهم دون إنتاجية. المثال الرابع: في الولايات الساحلية، يمكن تدريبهم على صيانة القوارب ومحركات الصيد، وهي مهنة يحتاجها السوق وتوفر دخلًا جيدًا.ومع علمي الأكيد أنني لم أضع أمثلة مُطلقة الصفة، إلّا أنني فقط أقول إن الإنسان يمكنه فتح آفاق العمل ليس إلّا.
دور "الغرفة"
غرفة تجارة وصناعة عُمان ليست فقط لتمثيل التُجَّار وأصحاب الأعمال وعقد الندوات والمؤتمرات؛ بل يجب أن تُسخِّر جزءًا من مواردها وأرباحها لتنفيذ مشاريع تشغيلية للشباب؛ سواء من خلال التدريب أو رعاية المشاريع الناشئة أو فتح أسواق خارجية لمنتجاتهم او حتى تقسيم ميزانيتها لدعم نفس الصندوق الوطني للتوظيف.
الرسالة التالية لأصحاب مقاطع الفيديو المُستغِلة لوضع الباحث عن العمل، فإن مصداقية الرسالة هي الاخلاص في التوازن وليس الحديث العاطفي الذي يضع كل اللوم على جهة واحدة؛ فالباحث عن العمل ابنك وابني ونريدهم أقوياء بسندنا، ومقبولين بتفوقهم وإيمانهم بأن العمل والمثابرة تنطلق من عمق ديننا الحنيف، حيث قول رسولنا الكريم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخيرًا.. إنني لست أكثر من صاحب فكر عام، يفتح أبواب الرؤية العامة وهنالك من هم أفضل مني لإعادة توضيحها وتفصيلها، وأن حل مشكلة الباحثين عن العمل لن يكون بمعادلة “حكومة تعطي” و”باحث يستلم”؛ بل بمنظور شراكة ثلاثية: 1) الباحث الذي يطور نفسه ويقبل المنافسة والواجب علينا أن نجعل التعليم العملي المساير للطموح هو ذلك الفيصل المنتقى للوصول إلى ذلك التنافس. 2) الحكومة التي تهيئ البيئة وتضع القوانين الداعمة. 3) القطاع الخاص الذي يشارك بالتمويل والفرص.
وإنْ أردنا حلًا نهائيًا لهذا الملف، فعلينا أن ننتقل من التفكير في الوظيفة إلى التفكير في دورة العمل الكاملة؛ حيث يكون كل فرد منتجًا، وكل مؤسسة شريكًا، وكل فرصة قابلة للتجديد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حملة بيئية شاملة في سوم لتعزيز العمل التطوعي وتحسين المظهر الجمالي
صراحة نيوز – نفذت بلدية غرب إربد، اليوم السبت، بالتعاون مع شباب “تآلف سوم”، وجمعية سوم الخيرية، وأكاديمية الزرنوجي الرياضية، حملة بيئية واسعة في بلدة سوم، بهدف تعزيز الانتماء، وغرس قيم العطاء والعمل التطوعي بين أبناء المجتمع المحلي.
وأكد رئيس لجنة البلدية، المهندس محمد القضاة، أن المبادرة تعكس وعي المواطنين بمسؤولياتهم تجاه بيئتهم ومجتمعهم، داعيًا إلى المشاركة الفاعلة في مثل هذه الأنشطة التي تسهم في رفع جودة الحياة وتحسين المظهر الخدمي والجمالي للبلدة.
وأشاد القضاة بالتعاون القائم بين كوادر البلدية والمتطوعين من مؤسسات المجتمع المحلي وأفراده، واصفًا إياه بالنموذج المشرف للعمل الجماعي الذي تسعى البلدية إلى تعميمه في جميع مناطق اللواء.
وشملت الحملة تنظيف وخدمة مقبرتي البلدة القديمة والجديدة، ودهان “الكندرين” في الشوارع الرئيسية، إضافة إلى تنظيف حديقة سوم، التي كلفت البلدية مختصين بإعداد دراسة لتطوير مرافقها وتحسين خدماتها.
سباق السيطرة في الفضاء يشتدّ.. الولايات المتحدة تستعد لإنشاء مفاعل نووي على القمر