د. محمد بن خلفان العاصمي

 

جاء إعلان الأمم المتحدة عن أهداف التنمية المستدامة الـ17 بهدف تخليص العالم من المشكلات التي يعاني منها، خاصة تلك المجتمعات التي تعاني من الفقر والبطالة وتدني مستوى التعليم والصحة، خاصةً الدول التي عانت من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ودخلت في صراعات مسلحة داخلية أو خارجية.

هذا الإعلان الأممي بمستهدفاته السبعة عشر، وخلال خمسة عشر عامًا، مثَّل فرصة لتلك الدول التي ترغب في التخلص من مشاكلها، وهناك عديد الدول التي استفادت من البرامج التنموية التي رافقت هذا المشروع، خاصة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.

الهدف الرابع بالتحديد والمتمثل في "ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعليم للجميع مدى الحياة"، يُعد من بين الأهداف المهمة التي جاءت في مصفوفة التنمية المستدامة، واعتبرُ هذا الهدف هو الركيزة الأساسية لتحقيق بقية الأهداف لما يمثله من نقطة ارتكاز يمكن البناء عليها، والارتباط المباشر مع باقي الأهداف، وأهمية أن تبدأ التنمية الحقيقية من خلال توفير التعليم والتدريب الجيد ليكون التغيير مبنيًا على أساس صلب وفعال، ولذلك جميع التجارب الناجحة للاستفادة من هذا البرنامج الأممي انطلقت من ملف التعليم وعلى سبيل المثال لا الحصر رواندا؛ حيث بدأت التغيير من خلال منظومة التعليم.

ما دفعني للحديث عن هذا الأمر في الحقيقة هو ما تابعته وتابعه الجميع خلال الفترة الماضية في قضية المُسرَّحين عن العمل وملف الباحثين عن عمل كذلك، وهذا الأمر جعلني أطرح تساؤلات عديدة في ذهني؛ وهي: هل أنتج تعليمنا وثقافتنا وأسلوب حياتنا أفرادًا لا يؤمنون إلّا بالوظيفة؟ وهل هم غير قادرين على التكيُّف مع التغييرات التي تحدث ومنها احتمالية فقدانهم للعمل؟ وهل نحن جميعًا في مأمن من فقدان أعمالنا في أي لحظة؟ وإذا حدث ذلك، فما الحلول التي لدينا وكيف سنتعامل مع الوضع؟

عديد الأسئلة التي لا توجد إجابات لها، ولا ألومُ فيها أحدًا؛ فالسائد في المجتمع يصبح واقعًا حتميَّ القبول!!

لم يكن العُماني في أي يوم وأي مرحلة من مراحل التاريخ الماضي والحاضر، سوى إنسان مُثابر ومُتقبِّل ومُتكيِّف لكل الظروف، ومُتسلِّح بالمهارات والمعرفة ولديه قابلية للتماشي مع الظروف المختلفة، وما زال العُماني صاحب همَّة عالية ولا يقبل أن يكون عالةً على الآخرين، ويرفض إلّا أن يكسب من عمل يده، غير منتظر للإحسان، وهو قادر على العمل. هكذا كان الآباء قبل وجود الوظيفة وهكذا سوف يستمر الأبناء، ومهما كانت الظروف والأسباب فهذه السمات لا تتبدل في شعب عرف عنه الجد والاجتهاد.

وعودٌ على بدء.. علينا أن نبحث ونناقش ونتحدث بصوت مسموع: هل أنتج تعليمنا أفرادًا بمهارات القرن الواحد والعشرين؟

هذا التساؤل جدير بتغيير واقع التعليم بشقيه حتى نتجنب الوقوع في التحديات التي تكلفنا الكثير لعلاجها إن كانت الإجابة لا، وإذا كان غير ذلك فعلينا التحسين والتطوير؛ لأن سباق الزمن هو التحدي الحقيقي والأكبر في عالم متسارع متغير لا يكف عن التجديد في كل لحظة، ووسط هذا التطور الهائل والسريع في التكنولوجيا فإن المواكبة ليست خيارًا؛ بل هي إلزام وطريق لا مهرب منه، وما زال هناك وقت ولدينا كلّ الأدوات اللازمة للتحول والتغيير والمنافسة.

إنَّ التحديات التي تنتظر الأجيال كبيرة جدًا، واجتيازها يتطلب الاستعداد الجيد لها، والعيش مع أفكار قديمة لا يساعد الفرد على التفاعل الإيجابي مع الواقع؛ إذ لم تعُد الوظيفة هي الضمان الوحيد الذي يمكن للفرد أن يحققه ويعيش حياته بشكل مستقر وسليم، ومع التغييرات التي تحدثت عنها مُسبقًا، حتى بنية الوظائف ونوعها سوف تتغير. واليوم نشاهد نمو شركات تدار بالفرد الواحد أو مجموعة بسيطة دون وجود مقر لها، وهناك وظائف سوف تختفي وسوف تظهر غيرها، ومن أجل التمكن من العيش في هذا العالم يجب أن يتسلح الفرد بخاصيتين مهمتين وهما القدرة على التعلم الذاتي، والقدرة على اكتساب المهارات.

لقد تخطى العالم فكرة الشهادات العلمية وخاصة عالم المال والاقتصاد، وأصبحت الشركات الكبرى تتنافس في استقطاب الفرد متعدد المهارات والكفايات، هذا الفرد الذي يمكنه تحقيق عوائد ونتائج أفضل، وينمو بالأعمال بشكل أفضل وأسرع، وهي خصائص مهمة في عالم الأعمال، لذلك من الحكمة أن يفكر شبابنا في هذا الجانب بشكل جديٍّ، خاصة وأن عملية التعلم والتدريب لم تعد صعبة في وجود التكنولوجيا الحديثة، ولا يتطلب الأمر من الفرد سوى مهارات التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليستفيد مما فيها من مميزات، فالتعليم والتدريب عن بعد متوفران وفي جميع المجالات، والمؤسسات التعليمية الرائدة أصبحت متاحة للجميع، وهذه ميزات لم تكن موجودة سابقًا.

إنَّ التقوقع وانتظار الفرص والزمن يمُر، لن يُغيِّر من واقع الإنسان شيئًا، والركون إلى ما سوف يُقدَّم إليك من فرص لا يجعلك مُميزًا عن غيرك، وسوف تكتشف بعد فوات الأوان أنك أهدرت الوقت، وكان بالإمكان القيام بأمر يُغيِّر من واقعك وحالك. وهذه ليست دعوة لعدم البحث عن فرصة وظيفية، وإنما نافذة لفكرك لعلها تكون سببًا في صياغة مستقبل أفضل لكل باحث عن عمل، والخيار لك: هل تريد الانتظار أم التحرك نحو أهدافك، واكتشاف قدراتك ومهاراتك وتنميتها، لتفتح لك باب النجاح؟!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الانتهاء من تطوير مناهج المهارات الرقمية لجميع الصفوف الدراسية في الأردن

صراحة  نيوز  – أعلنت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة عن الانتهاء من تطوير مناهج المهارات الرقمية الجديدة لكافة الصفوف الدراسية من الأول وحتى الثاني عشر.

وذكرت الوزارة، في بيان صدر أمس الخميس، أن عملية تطوير هذه المناهج تمت ضمن إطار مشروع «الشباب والتكنولوجيا والوظائف» الذي تنفذه الوزارة بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم والمركز الوطني لتطوير المناهج، وبالتعاون مع تحالف شركات وطنية تقوده شركة عالم الاستثمار للتنمية والتكنولوجيا.

وجاء تطوير هذه المناهج استنادًا إلى الإطار الوطني لمهارات الحاسوب والمهارات الرقمية، إضافةً إلى اعتماد المعايير العالمية وأفضل الممارسات الدولية، إلى جانب مراجعات شاملة للوثائق الوطنية والمناهج الأردنية الحالية. كما اعتمد التطوير على دراسة فجوة العرض والطلب في سوق العمل الرقمي التي أطلقتها وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة عام 2022.

 

 

مقالات مشابهة

  • بحضور رئيس أركان ‎القوات البحرية.. تخريج الدفعة «226» من دورة الفرد الأساسي
  • مقاومة وصمود في وجه التحديات: دعم الصناعات الصغيرة التي تقودها النساء استثمار في التنمية المستدامة
  • الانتهاء من تطوير مناهج المهارات الرقمية لجميع الصفوف الدراسية في الأردن
  • مختص: تقنيات الذكاء الاصطناعي واللغات أبرز المهارات المطلوبة في سوق العمل
  • وزير التعليم العالي: التقديم على 34 جامعة خاصة و32 جامعة أهلية معتمدة متاح عبر رابط رسمي
  • 5900 مستفيد من برامج التدريب بهيئة الهلال الأحمر بمكة خلال شهر
  • الأردن يُنجز تطوير مناهج المهارات الرقمية لكافة الصفوف
  • 55 ألف طالب وطالبة في برامج جامعية صيفية لصناعة قادة المستقبل
  • أول برنامج وطني لاكتشاف المهارات وتحويلها إلى مصدر دخل للناشئة