#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية الآية الأولى من سورة (المنافقون): “إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ”.
المنافقون هم تلك الفئة التي تتظاهر بالإيمان والتقوى والاخلاص للأمة، فيما هي حقيقة معادية لها، تظهر الإيمان وعلامات التدين تقية، فيما هي غير مؤمنة وتتمنى أن يعود الآخرون عن إيمانهم.
هؤلاء موجودون حصرا وتحديدا في الأمة الاسلامية التي تتبع منهج الله، ولا يوجدون في الأمم الأخرى، لأن مناهج أولئك زائغة أصلا عن منهج الله ولا يتبعونه، فلا حاجة لصدهم عنه.
سورة (المنافقون) هي من السور الكاشفة، فهي تكشف حقيقة هذه الفئة الخطيرة المحسوبة على المسلمين، وخطورتها أنهم يتخفون بصورة المؤمنين، فيما هم يضمرون العداوة لهم، وقلوبهم تقطر حقدا عليهم، لذلك فهم خطرون على المجتمع المسلم، لأنهم يبذلون قصارى جهدهم في الصد عن منهج الله وفي تخذيل المسلمين عن نصرة دينهم.
لذلك حذر تعالى في الآية الرابعة من خطورتهم لدرجة أنه اعتبرهم العدو الحقيقي للأمة: “هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ”.
صحيح أن مناسبة نزول هذه الآية كانت في منافقي المدينة، لكنها ككل السور القرآنية تعالج كل حالات النفاق لقادم الزمان، بدليل ورود أداة الشرط (إذا)، التي تفيد حتمية وقوع الأمر لكن من غير تحديد أوانه، ومع إمكانية تكراره مع توفر الفعل.
في هذه الآية جاء الله تعالى بفعل الشرط لكنه أغفل جوابه، فلم يكمل بالقول: اذا جاءك المنافقون فقل لهم كذا أو افعل بهم كذا، بل تركه مفتوحا، مما يدل على أن المراد هو أعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يتنبه فلا ينخدع بقولهم المعسول.
لكن لو كانت لمعالجة حالة ظرفية حدثت وانتهت، لكان اعلام رسول الله بالوحي كافيا لتنبيهه.
لذلك فلا شك أنه تعالى أنزل هذه السورة لتبقى تنبيها لكل الأمة عبر العصور، لأنه أنزل هذا القرآن منهاجا يتبعوه، ودليلا يهديهم.
لكن كيف نعرف المنافقين في هذا العصر؟.
لقد عرّفهم الله تعالى لنا بمواصفاتهم التالية:
1 – الكذب، فهم يقولون عكس ما يفعلون “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ”، يدّعون انهم يحبون الاسلام ويريدون تخليصه ممن يستغلونه لأغراضهم، لكنهم في كل أفعالهم يصدون عنه، ويتحالفون مع من يعاديه، ويحاربون الدعاة لاتباعه منهجا يحتكم اليه.
2 – “ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ”، يقسمون أنهم مسلمون، متبعون لمنهج رسول الله، لكنهم فعليا متبعون لمنهج أعداء الله، ويطبقونه في منهج الحكم ويلتزمون بتعليماتهم ومقرراتهم المناقضة للشريعة.
3 – “وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ” فهم يخدعون الناس بمظهرهم المهيب، تحسبه وقار الحكمة والعقلانية، لكنه رداء خادع لمواطنيهم حتى ينالوا احترامهم، اذ هم فعليا أمام أعداء الله أذلاء منبطحون، ينفذون املاءاتهم بلا نقاش، وفي لقاءاتهم مع قيادات من يعلنون بكل صراحة عداءهم للمسلمين، لا يجرؤون على طرح أية فكرة لا ترضيهم، ومثال على ذلك قول “كارتر”: (في كل لقاءاتي مع الزعماء العرب، لم أسمع من أحد منهم أي حديث عن القدس، مع أنهم أمام شعوبهم يكثرون الحديث عنها).
4 – “وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ”، خطاباتهم رنانة، وأقوالهم إنشائية مبهرة للسامعين، لكنها ليست صادرة عن وجدانهم ولا هي نتاج عواطفهم ومشاعرهم، فكأنما هم أجهزة صماء لا علاقة لها بما تبثه وتصدره من أقوال.
5 – أما المواصفة الأبرز من بين كل صفاتهم، فهي الجبن: “يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ”، فتراهم يعيشون في حالة رعب دائم من احتمالية اغتيالهم أو الانقلاب على حكمهم، فلا يبيتون في مكان واحد ليلتين، ويغيروا على الدوام طرق مرورهم، ولا يمرون من طريق إلا بعد أن تقوم حراساتهم الخاصة بتمشيطه، ويتألف الموكب من عدة سيارات متشابهة للتمويه على أيها يكون فيه.
كما أنهم يرتعدون فرقا من العدو، فتراهم لا يبادرون بهجوم عليه، وإن كان الهجوم من قبله يأمرون بانسحاب قواتهم من قبل أن تبدأ المعركة، بذرائع واهية، كالقول بفقدان الغطاء الجوي، أو أن أمريكا تدعم العدو ونحن لسنا بقدرة مواجهتها.
هذه هي مواصفات المنافقين المعاصرة، قد أنبأنا الله بها في كتابه..فهل لنا حجة في التعامي عنها!؟. مقالات ذات صلة مبتدأ وخبر 2025/05/07
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
النذر المعلق على مشيئة الله تعالى .. الإفتاء توضح معناه وحكمه
ما حكم النذر المعلق على مشيئة الله تعالى؟، سؤال أجابته عنه دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي، ونوضحه من خلال التقرير التالي.
حكم النذر المعلق على مشيئة الله تعالىقالت الإفتاء إن النَّذْرُ عبارة عن إِيجاب المرءِ على نفسه فِعْلَ الْبِرِّ من صَدَقَة، أَو عبَادَة، أَو نَحْوهمَا، وقد أوجب الشرع الشريف على المُكلَّف الوفاء بالنذر ما دام المنذور طاعة لله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة:270]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» أخرجه البخاري في "صحيحه". وقال صلى الله عليه وآله وسلَّم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ»؛ حينما قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ" متفقٌ عليه.
حكم النذر المعلق على مشيئة الله تعالى
أما النذر المعلق على مشيئة الله تعالى فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا ينعقد، ولا يكون نذرًا يجب الوفاء به أو تلزم عند عدم الوفاء به الكفارة، واشترطوا لذلك أن يتصل الاستثناء أو التعليق بالنذر لفظًا أو حكمًا فلا يضر الانفصال اليسير كانقطاعه بتنفس أو سعال ونحوه.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (8/ 143، ط. دار المعرفة): [وإذا حلف على يمين أو نذر، وقال: إن شاء الله موصولًا فليس عليه شيء عندنا.. ولكنا نستدل بقوله تعالى: ﴿سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرًا﴾ [الكهف: 69] ولم يصبر، ولم يعاتبه على ذلك، والوعد من الأنبياء عليهم السلام كالعهد من غيرهم، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنِ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ»، وعن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم موقوفًا عليهم ومرفوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى، وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» ... وإن كان مفصولا لقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: 24]، يعني إذا نسيت الاستثناء موصولا فاستثن مفصولا، ولسنا نأخذ بهذا] اهـ.
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (11/ 25-26، ط. دار إحياء التراث): [قوله: (وإن حلف، فقال:"إن شاء الله" لم يحنث، فَعَلَ أو ترك إذا كان متصلًا باليمين)، يعني بذلك في اليمين المكفرة، كاليمين بالله والنذر والظهار، ونحوه لا غير، وهذا المذهب... وقال: ويشترط الاتصال لفظا أو حكما، كانقطاعه بتنفس أو سعال ونحوه] اهـ.
ووافق الشافعيةُ الحنفيةَ والحنابلةَ في قولهم بعدم انعقاد النذر ولا الوفاء به أو الكفارة عند عدم الوفاء بشرط قصد الناذر محض التعليق، لا التبرك بذكر الله تعالى، أو الاستعانة بالله على الوفاء، أو أطلق اللفظ دون قصد.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" -بـ"حاشية الرملي الكبير"- (1/ 575، ط. دار الكتاب الإسلامي) في بيان عدم وجوب الوفاء بالنذر إذا كان مُعلَّقًا: [(لا إن عَلَّقَ) النذر (بمشيئة الله، أو مشيئة زيد) فلا يصح (وإن شاء) زيد؛ لعدم الجزم اللائق بالقُرَب، نعم: إن قصد بمشيئة الله التبرك أو وَقَعَ حدوث مشيئة زيد نعمةً مقصودة كقدوم زيد في قوله: إن قدم زيد فعلي كذا، فالوجه الصحة، وبه صرح الأذرعي في الْأُولَى] اهـ.
وقال الإمام شهاب الدين الرملي الشافعي في "حاشيته" (1/ 575): [(قوله لا إن علق بمشيئة الله) خرج به ما إذا لم يقصد التعليق بأن قصد التبرك أو الاستعانة بالله على الوفاء أو أطلق فإنه يصح (قوله فالوجه الصحة) أشار إلى تصحيحه] اهـ.
وأما المالكية فالمشهور عندهم وهو المعتمد أن النذر المعلق على مشيئة الله تعالى يصح، ويجب الوفاء به، أو الكفارة عند عدم الوفاء، وذلك ما دام النذرُ غيرَ مبهمٍ، كقوله الإنسان: لله عليَّ شيء.
قال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (3/ 92، ط. دار الفكر): [وأما إن علق النذر على مشيئة الله، كإن كلمت فلانًا فَعَلَيَّ المشي إلى مسجد مكة أو عَلَيَّ الحج إن شاء الله ثم كلمه لزمه ذلك على المشهور] اهـ.
وقال الشيخ عليش في "منح الجليل" (3/ 99، ط. دار الفكر): [(وإن قال) المسلم المكلف: عَلَيَّ كذا (إلَّا أن يبدو لي) أن لا أفعل أو إلا أن يشاء الله، فالمشيئة لا تُفيد في النذر غير المبهم مطلقا على المشهور؛ لأنه نص "المدونة" خلافا لما في الجلاب من قوله: تنفعه المشيئة] اهـ.
والمختار للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة من عدم انعقاد النذر المعلق على مشيئة الله، وهو الموافق لقول الشافعيَّة حالة قصد الناذر محض التعليق، ومن ثمَّ لا يجب الوفاء به، وذلك لغلبة جريان لفظ المشيئة على ألسنة الناس بعد كل كلام، ولو وجب الوفاء بالنذر لما كان للتعليق معنىً، ولحقهم الحرج الشديد، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وقال أيضا: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: 6]، ولأن إعمال الكلام أولى من إهماله، ما لم يقصد التبرك أو الاستعانة بالله على الوفاء فإنه يصح نذره، ويلزمه الوفاء به.
وشددت بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه لا يجب شيء على من علَّق النذر على المشيئة بأن قال: نذرت لله ذبح شاة إن شاء الله، ما دام قد وصل الاستثناءَ بالنذر، كما اشترط الحنفية والحنابلة، أو قصد محضَ التعليق لا غيرَهُ كما قال الشافعية، فإن قصد بقوله: "إن شاء الله" التبرك أو الاستعانة بالله على الوفاء أو أطلق فإنه يصح نذره، ويلزمه الوفاء به.