هي ساعاتٌ قليلةٌ تسبق زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كلٍ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، التي سيكون لها فيما يبدو تداعيات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط خاصةً، والعالم بصورةٍ عامةٍ، إذ سبقتها مجموعة من الأخبار والتصريحات والتوقعات، تشير كلها بدرجاتٍ متفاوتة من الدقة، وإن كانت لا ترقى إلى درجة الحسم واليقين، إلا أنها تكشف شيئا من الحقيقة، وتظهر جانبا من جوانب التغيير، أن الزيارة تحمل معها إشاراتٍ جادةً لمنعطفاتٍ قد تصل إلى درجة التحولات الكبرى في السياسة الأمريكية تجاه قضايا التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وتوسيع إطار الاتفاقيات الإبراهيمية، وتعزيز التحالفات والشراكات الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الثلاث محل الزيارة، ودول الخليج العربي بصورةٍ عامةٍ.

فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يزور منطقة الشرق الأوسط في أول زيارةٍ خارجية له، في ولايته الجديدة بعد مشاركته في مراسم تشييع بابا الفاتيكان الراحل، يستثني منها الكيان الصهيوني، الذي يعتبر محطة ثابتة لدى كل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يتخذون منه منطلقا لأي جولة، وعرفا رئيسا لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يخرقه أو أن يتخلى عنه، لكن مستشاريه أكدوا أنه لن يلتقي رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبالتالي فإنه لن يزور كيانه، ولهذا الاستثناء دلالاتٌ كثيرة، وأشاروا إلى خلافاتٍ جوهرية أدت إلى حدوث قطيعة حقيقية بينهما، إذ لا اتصالات ولا مشاورات، ولا تطمينات ولا تقدير للأولويات الإسرائيلية، أو تبني لخياراتهم الاستراتيجية.

بدا من خلال تصريحات ترامب المتفرقة، والمبعثرة هنا وهناك، والمبهمة حينا والصريحة في أحيان أخرى،والمباشرة والمنقولة عنه، أنه سيقدم على الإعلان عن قراراتٍ كبيرة وخطيرة، تتعلق بالمنطقة ودولها، وبمستقبلها واستقرارها، وهو لا يستعجل الإعلان عنها قبل وصوله إلى الرياض، لكن بات من شبه المؤكد أن إعلانه سيواكب زيارته إلى المنطقة أو سيسبقها، ولن يكون إعلانه إلا عن غزة والحرب الإسرائيلية ضدها، وسيكون، ليس ثقةً فيه ولا أملا منه نرجوه، بل هي قناعات توصل إليها وحقائق بات يتعامل معها، بعد قرابة سنة ونصف من الحرب المدمرة التي يشنها العدو الإسرائيلي بمختلف الأسلحة الأمريكية المتطورة، والفتاكة المدمرة، إعلاناً عن الاتفاق على هدنةٍ طويلة الأمد بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، وقد يكون الإعلان عنها بصورته وصوته، بما يذكرنا بالمبادرة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو من العام الماضي، إلا أن نتنياهو استخف به حينها، ولم يحترم كلمته، ولم يلتزم بمبادرته، وضرب بها وبه عرض الحائط.

الأمر هنا اليوم مختلف تماما، ولا يشبه ما حدث مع بايدن في نهاية ولايته، التي بدا فيها عجوزا خرفا، مترددا جزعا، يخشى نتنياهو ويخاف ردة فعله، ويتجنب غضبه وينأى بنفسه عن رفض خياراته، ولا يتمعر وجهه إذ يحرجه ويستخف به، ويهزأ بما عرض ولا يقيم وزنا لما أعلن، ويهز صورة الإدارة الأمريكية ويظهر ضعفها، ويكشف عن عجزها وتبعيتها، وخضوعها للكيان واستسلامها لسياساته.

فترامب الغريب الأطوار، المهووس المغرور، الطاووس المختال، الراقص المتبختر، المسكون بالقوة، والمعجب بنفسه، والمتطلع لوقف مشاركة بلاده في الحروب الخارجية وتمويلها، والحالم في أمريكا قوية، عسكريا واقتصاديا، والطموح لنيل جائزة نوبل للسلام، لا يقبل بأن يكون أجيرا عند نتنياهو، وإن كان يدعم كيانه ويحرص عليه قويا آمنا مستقرا، ولا يتردد في إحراجه وإهماله، وإهانته والإساءة إليه، ولا يخاف من إشاعة مقاطعته وعدم الاهتمام بمقابلته، ولست أمدح

ترامب وأشيد بخصاله، بقدر ما أستعرض صفاته وأبين سلوكه وتصرفاته.

يبدو أن ترامب الذي لوح بالعصا في وجه نتنياهو وقطب جبينه غضبا منه وأعرض عنه، سيجبر دولا أخرى في المنطقة على فتح المعابر وتسهيل إدخال المؤن والمساعدات، والسماح بعبور آلاف الشاحنات المصطفة طوابير طويلة تمتد لمئات الكيلومترات على الطريق الدولية، والمحملة منذ شهورٍ بالمواد التموينية والطبية، وعدم تأخيرها وتعطيل حركتها، إذ لا يكفي رضوخ حكومة الكيان الإسرائيلي لأوامر ترامب بإدخال الشاحنات، وإنما يلزم الضغط على غيره ليسهل عبور القوافل، ويزيل العقبات من طريقها، ويخفف الأعباء عنها، ويبسط إجراءات حركتها.

لا يستبعد الفلسطينيون عموما، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، أملا ورجاءً، وإيمانا بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر»،وليس أكثر فجورا وأشد بؤسا وعداوةً من ترامب، لكن ليس أقدر منه على الفعل اليوم والضغط على الكيان،وهو ما يجعل الفلسطينيين يعيشون بارقة أملٍ، ويحبسون أنفاسهم انتظارا لفرجٍ، ويشعرون بأنه قد يحمل معه لهم حلا، يوقف الحرب ضدهم، ويخفف من معاناتهم، ويرفع الحصار المفروض عليهم، ويجبر نتنياهو على احترام الهدنة والقبول بالصفقة، وعدم الانقلاب عليها أو وضع العراقيل أمامها،وليس ذلك على الله عز وجل بعزيز، أن يسخر من يجري قدره، ويستخدم من يفرض قضاءه ويمضي حكمه، ولو كان فاجرا كفارا عدوا غدارا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

معاريف: الأميركيون ينسقون مع الجيش الإسرائيلي ويدركون مراوغة نتنياهو

قال المحلل السياسي لصحيفة معاريف ران أديليست إن الإدارة الأميركية باتت تدرك أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعى إلى إشعال مواجهة عسكرية جديدة مع حركة حماس من خلال الادعاء بأنها تخرق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليس لأسباب أمنية أو إستراتيجية، بل كمحاولة للهروب من المحاكمة والضغوط الدولية المتزايدة عليه، في ظل مسار سياسي جديد نحو "تدويل الصراع" يقوده الأميركيون وشركاؤهم الإقليميون.

يقول الكاتب في معاريف إن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو زار إسرائيل للتحقق من مدى التزامها بالاتفاقات (الفرنسية)واشنطن تدرك تلاعب نتنياهو

وأوضح أديليست أن مبعوث الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف ومستشاره جاريد كوشنر رصدوا بوضوح الخطوة الوحيدة المتبقية أمام نتنياهو لإيقاف مسار التسوية التي تم التوصل لها في شرم الشيخ المصرية، وهي "الادعاء بأن حماس تخرق اتفاق وقف إطلاق النار، لتبرير هجوم جديد".

ويضيف "نتنياهو يبحث عن حرب، وهم (الأميركيون) يعرفون تماما لماذا.. لأنه يريد الإفلات من محاكمته".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2خبير روسي: هذا هو رد موسكو المحتمل إذا هوجمت بتوماهوكlist 2 of 242 مليون أميركي مهددون بالجوع بسبب الإغلاق الحكوميend of list

وأشار المحلل السياسي إلى أن واشنطن ترى في زعم نتنياهو بأن حماس تتعمد تأخير تسليم جثث الجنود الإسرائيليين مجرد ذريعة سياسية داخلية هدفها تحريك الرأي العام وخلق مبرر لتجديد القتال. ويرى أن هذا "التمسكن" يتجاهل الصورة الكبرى التي تعمل عليها الإدارة الأميركية، وهي مشروع تسوية شامل قد يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية بمشاركة دولية واسعة.

ويصف أديليست وصول كوشنر وويتكوف إلى إسرائيل بداية الأسبوع بأنه خطوة شبيهة بـ "زيارة مبعوثي المافيا إلى تاجر خضار يرفض دفع الإتاوة"، في إشارة ساخرة إلى الضغوط التي مارسها المبعوثان لإقناع نتنياهو بضرورة الالتزام بمسار التسوية الذي ترعاه واشنطن.

وبحسب المقال، تلت زيارة كوشنر وويتكوف زيارة أخرى قام بها جاي دي فانس، نائب ترامب، وماركو روبيو، وزير خارجيته، للتحقق من "مدى التزام إسرائيل بالاتفاقات". ومع ذلك، يصرّ نتنياهو وشركاؤه -كما يقول أديليست- على تجاهل حقيقة أن "بنود اتفاق شرم الشيخ ماتت يوم وُلدت"، لأن الواقع الجديد على الأرض يتشكل من خلال نشاط ميداني أميركي متزايد يتم بتنسيق مباشر مع الجيش الإسرائيلي.

إعلان

كما يؤكد المحلل السياسي أن أهداف الجيش الإسرائيلي لم تعد متطابقة مع أهداف الحكومة، وأن المؤسسة العسكرية تتحرك حاليا ضمن تصور مشترك مع البنتاغون لتنفيذ تفاهمات شرم الشيخ، مشيرا إلى أن "مؤتمر شرم الشيخ كان بمثابة الإعلان غير الرسمي عن محاولة دولية شاملة لإبعاد نتنياهو ورفاقه عن أي دور في ترتيبات الشرق الأوسط المقبلة".

حماس باقية.. ومسار نحو الدولة

ويقول أديليست إنه "ليس من الصعب فهم حاجة القوى الأجنبية المتجهة إلى غزة للتفاهم مع حماس"، مضيفا أن هذه القوات "لن تقاتل الحركة بل ستعمل على ضمان ألا تهاجمها إسرائيل".

ويضيف أن "ملف إدارة القطاع سينتقل إلى حكومة خبراء تتولى إعادة الإعمار، في حين يجري التحضير لتعيين توني بلير منسقا دوليا عاما للمهمة، وهو ما سيضع حكومة سموتريتش أمام اختبار صعب، لأن بلير معروف بدعمه إقامة دولة فلسطينية" حسب رأي المحلل السياسي.

ويحذر المحلل السياسي من هشاشة هذا المسار قائلا "السؤال المتفائل القَلِق هو ما الذي يمكن أن ينهار؟ والجواب: كل شيء".

ويشير أدليست إلى أن تصريحات عدد من المشاركين في المؤتمر، مثل المراسلة كلاريسا وارد من سي "إن إن" (CNN)، التي قالت إن هدفه "تمهيد الطريق نحو دولة فلسطينية"، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك الذي أكد أن "في وثيقة ترامب زخم حقيقي نحو الدولة الفلسطينية"، تكشف أن الاتجاه الدولي أصبح واضحا.

ويضيف أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد من جانبه أن المطلوب هو "استمرار الزخم".

وبحسب المقال، فإن "انتشار القوات الأجنبية في القطاع سيكون المؤشر الحقيقي على جدية العملية"، موضحا أن الهدف هو "منع إسرائيل من العودة إلى غزة"، وأن حديث ترامب عن "استئناف القتال بكل قوة" ليس سوى خطاب سياسي فارغ.

يقول المحلل السياسي إن "استعادة جثث الجنود مطلب عادل"، لكنه يتساءل "هل التأخير في ذلك سبب كافٍ لإشعال الجبهة مجددا والتضحية بجنود أحياء؟"، ويجيب "الجواب لا".

ويضيف أن لحماس بدورها مصلحة في الهدوء، لأنها تسعى إلى الاندماج في الجهد الدولي لإعادة الإعمار وتعزيز مكانتها السياسية في الضفة الغربية.

وينقل أديليست عن مركز الأبحاث الإسرائيلي "تمرور" بإشراف الباحث شاؤول أريئيلي، نتائج استطلاع حديث في الضفة الغربية أظهر أن 43% من السكان يعارضون نزع سلاح حماس ويفضّلون حكومة مشتركة بين فتح وحماس.

ويرى أن هذه المعطيات تضع إسرائيل أمام واقع جديد، وأن مصلحتها الأمنية الحقيقية تكمن في فترة هدوء طويلة تسمح بإعادة بناء الجيش وتسليحه، لا في إشعال حرب جديدة من أجل بقاء حكومة ترى في الحرب وسيلة البقاء الوحيدة.

تفنيد ادعاءات نتنياهو

ويتطرق أديليست للوضع الداخلي الإسرائيلي، ويقول إن تمرير قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية من خلال الكنيست سيفاقم أزمة الجيش، داعيا رئيس الأركان إيال زامير إلى مواجهة الحكومة علنا. ويقول إن عليه أن يكون "ليس فقط قائدا عسكريا، بل أيضا سياسي ورجل دولة يعمل مع الجيش الأميركي لتنفيذ سياسة شرم الشيخ".

ويرى أن "الحكومة تعيش في عالم خيالي، إذ تطالب بفتح ممر بري إلى درعا لإنقاذ الدروز، وهو أمر لن يحدث، في حين أن مطالبتها بنزع سلاح حزب الله تعني عمليا إشعال حرب أهلية في لبنان.

إعلان

ويصف هذا النهج بأنه "نتاج يمين غبي يفتقر إلى بوصلة واقعية"، ويضيف أن "إسرائيل يجب أن تترك اللبنانيين يحلّون مشاكلهم، وألا تتورط مجددا في المستنقع اللبناني كما حدث في كل الحروب السابقة".

ويحثّ الكاتب الحكومة الإسرائيلية على بناء علاقة حذر واحترام مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتوصل إلى وقف إطلاق نار متفق عليه مع سوريا، والتوقف عن التلويح بـ "حلقة النار للإخوان المسلمين".

ويؤكد أن "امتلاك الدول أو المنظمات أسلحة لا يعني أنها ستستخدمها غدا، فالسلاح في المقام الأول أداة ردع، لا وسيلة حرب لمن لا يريدها".

ويختم أدليست مقاله بالقول إن السؤال الأهم هو "متى وكم من القوات الأجنبية ستدخل غزة وكيف ستعمل مع حماس، وكيف ستتصرف الحكومة الإسرائيلية الهستيرية".

ويضيف أن الجيش الإسرائيلي هو الجهة الوحيدة التي بدأت فعلا بتنفيذ تفاهمات شرم الشيخ بتنسيق مع الجيش الأميركي، في حين يتظاهر نتنياهو ووزير دفاعه بأنهما من أعطيا الأوامر، ويفسر ذلك بالقول إن "الاعتراف بذلك سيُفسد على نتنياهو الانتخابات التمهيدية والانتخابات العامة".

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية: روبيو بحث مع نتنياهو جهود تنفيذ خطة ترامب الشاملة لإنهاء الصراع في غزة
  • ترامب: قوة الاستقرار في قطاع غزة ستكون جاهزة قريبا
  • معاريف: الأميركيون ينسقون مع الجيش الإسرائيلي ويدركون مراوغة نتنياهو
  • محلل: المرحلة الثانية من خطة السلام الأمريكية قد تبدأ قريبا
  • ترامب: نشن غزوا بريا ضد فنزويلا قريبا
  • ترامب: سنشهد قريبا عملا بريا في فنزويلا
  • الرئيس اللبناني يطالب بالضغط على الكيان الإسرائيلي للانسحاب من الأراضي التي يحتلها
  • الإعلام الإسرائيلي: نتنياهو يوقف مشاريع قوانين ضم الضفة الغربية
  • صحيفة فرنسية: نتنياهو تحت المراقبة الأمريكية
  • صحيفة لوموند الفرنسية: نتنياهو تحت المراقبة الأمريكية الدقيقة - تفاصيل