الحرب في قطاع غزة لم تعد تُقاس بعدد القتلى، بل بما فُقد من أساسيات الحياة: الطعام، والماء، والأدوات، والقدرة على البقاء، هكذا رأت صحيفة فايننشال تايمز في تقرير نشرته أمس.

ومع دخول الحصار الإسرائيلي شهره السابع، يواجه أكثر من 2.2 مليون فلسطيني في القطاع خطر المجاعة، بينما تنهار البنية الزراعية، ويدفع الجوع الصيادين نحو البحر رغم الحظر والمخاطر، ويُطرد المزارعون من أراضيهم بالقصف والقنابل.

من باب ثلاجة إلى قارب نجاة

وتحول وجيه حماد، أحد أقدم صيادي غزة، إلى استخدام باب ثلاجة محشو بألواح الفلّين ليطفو به على سطح البحر، باحثًا عن سردين يسد رمق أسرته المكوّنة من 22 فردًا، وذلك بعدما دمرت إسرائيل ميناء غزة، وأفقدت صياديه أكثر من ألف قارب، ولم يجد حماد ومن تبقى من زملائه خيارًا سوى المغامرة.

الحصار أغلق البحر، والقصف دمّر المراكب، واليأس دفع الصيادين إلى المجازفة (الأناضول)

وتلوّثت المياه القريبة من الشاطئ بالصرف الصحي ونفايات المستشفيات، ورغم ذلك، قال حماد لفايننشال تايمز إن "الصيد ممنوع، والبحر مليء بالموت، لكن لا سبيل آخر؛ نغامر بأنفسنا، لأن الجوع لا ينتظر".

اتجه بعض الصيادين لاصطياد السلاحف الصغيرة، بل وحتى الدلافين التي تعلق في الشباك، ثم بيعها في الأسواق الشحيحة، حيث وصل سعر كيلو السردين إلى 30 دولارًا، أي 5 أضعاف السعر قبل الحرب.

إعلان

ورغم هذا الغلاء، فلم تعد الأرباح تكفي لتأمين الخضار أو الخبز، بعدما تجاوز سعر كيلو الطماطم 30 شيكلًا (نحو 8 دولارات) ويزيد سعرها حسب المكان والزمان.

تآكلت الأرض وانطفأ أمل الزراعة

ودمرت الغارات الإسرائيلية وعمليات التجريف أكثر من 80% من الأراضي الزراعية في غزة، حسب ما نقلته الصحيفة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).

في حين أحرقت القنابل الحقول، وأبادت قطعان المواشي، ودمرت الآبار، وأوقفت أنظمة الري، في وضع وصفته فايننشال تايمز بأنه "انهيار ممنهج لقدرة القطاع على إنتاج غذائه بحده الأدنى".

وروى المزارع مراعب مسلمة كيف أجبره القصف على التوقف عن زراعة أرضه الواقعة شمال شرق غزة، بعدما أصابت الطائرات المُسيّرة مزرعته المزروعة بالفلفل والملفوف والزهرة.

ويقول إن 15 من عماله أصيبوا خلال الشهور الماضية، واضطر إلى التخلي عن بقعة الأرض الأخيرة المتبقية له، بعد إعلانها "منطقة عسكرية".
"كل شيء اختفى… الأرض، الأدوات، المياه، الحياة نفسها صارت بعيدة المنال"، قالها بصوت مثقل بالخذلان.

تتضاعف الأسعار… ويختفي الزبائن

وفي أسواق غزة، يُضطر من تبقى من المزارعين إلى بيع الخضروات بأسعار مرتفعة لا يقدر عليها معظم السكان.

يقول المزارع كمال الرّاعي إن كلفة الوقود قفزت من 5 شيكلات (1.4 دولار) إلى 100 شيكل (28 دولارا)، والأسمدة غير متوفرة، مما أجبره على بيع كيلو الطماطم بأكثر من 30 شيكلًا (نحو 8 دولارات)، رغم معاناة الناس.

ويضيف الراعي للصحيفة: "لسنا تجار أزمات، نحن ناجون بالكاد. الكلفة تقتلنا كما تقتل الزبائن".

حتى الخيول لم تسلم

ورصدت الصحيفة أيضًا مأساة المزارع صقر أبو رباع، الذي اضطر إلى التخلي عن زراعة الفراولة، واتجه إلى زراعة الخضار بعد أن دُمرت أرضه.
في أحد أيام أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت طائرة مسيّرة إسرائيلية صاروخًا على مزرعته، فقتلت ابنه واثنين من العمال، وأصابته هو في بطنه.

إعلان

هرب يومها ومعه حصانه، لكن بعد أسبوعين، أصابت غارة أخرى الحصان مباشرة.

"حتى الحصان لم يسلم؛ لقد تفتت أمام عيني. لا يريدون لغزة أن تُطعم نفسها، بل يريدوننا أن نجوع حتى ننهار"، قال أبو رباع للصحيفة.

حصار متعدد الطبقات

وتنفي إسرائيل استخدامها التجويع سلاحا أو استهدافها المدنيين عمدًا، لكن الوقائع التي وثّقتها فايننشال تايمز ترسم صورة مغايرة، إذ منعت إسرائيل إدخال الغذاء والدواء والوقود، وتدمير مصادر الرزق، وتوسيع المناطق العسكرية، كل ذلك يكرّس واقعًا إنسانيًّا كارثيًّا.

وأقرت الحكومة الإسرائيلية خطة لتوزيع كميات محدودة من المساعدات داخل نقاط يسيطر عليها الجيش وشركات أمنية خاصة، في خطوة وصفتها منظمات الإغاثة بأنها "قاسية ومهينة".

وفي الوقت نفسه، صادقت على خطة عسكرية موسعة لإعادة احتلال غزة وتهجير سكانها جنوبًا، في ما وصفته الصحيفة بـ"مسعى منظم لتفكيك ما تبقى من البنية الاجتماعية والاقتصادية".

و قال مزارع وهو ينظر إلى بقايا محصوله الذابل: "نحن لا نعيش، ولا نموت، نحن فقط نُستهلك ببطء".

"لا يريدوننا أن نعيش، ولا أن نموت سريعًا؛ فقط يريدون أن نعاني بصمت"، هكذا لخّص أحد المزارعين الغزيين الوضع لصحيفة فايننشال تايمز.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فایننشال تایمز

إقرأ أيضاً:

التارقي: ليبيا مهددة بأن تصبح مصدر قلق زراعي إقليمي بسبب الجراد

ليبيا – تحذيرات من كارثة زراعية وشيكة بسبب تفاقم انتشار الجراد

غياب الدعم فاقم الوضع

ليبيا – أكد الناطق الرسمي للحملة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي، المهدي التارقي، أن عدم وجود دعم كافٍ خلال الأشهر الأربعة الماضية ساهم بشكل كبير في تفاقم انتشار الجراد في عدد من المناطق.

تلف كامل لبعض المشاريع الزراعية

التارقي وفي تصريحات خاصة لتلفزيون “المسار”، أوضح أن الحملة أشرفت بشكل مباشر على عمل الفرق الفنية، وقيّمت مستوى الانتشار بين المناطق، مشيرًا إلى أن بعض المشاريع الزراعية تعرّضت للتلف الكامل، ما ينذر بكارثة زراعية وشيكة.

جنوب غرب ليبيا الأكثر تضررًا

ونوّه التارقي إلى أن موجات الجراد متكررة وتتطلب تدخلًا عاجلًا وحازمًا لوقفها، مؤكدًا أن بلديات الجنوب الغربي هي الأكثر تضررًا حتى الآن، بنسب متفاوتة بين منطقة وأخرى.

الخطر يمتد نحو الساحل

ولفت إلى أن انتقال أسراب الجراد نحو المناطق الساحلية بات مسألة وقت فقط، ما يُضاعف التحديات القائمة في السيطرة على الوضع.

قلق إقليمي متوقع

ورجّح التارقي أن التأخير في تقديم الدعم المطلوب قد يجعل من ليبيا قريبًا مصدر قلق زراعي لدول الجوار، في ظل استمرار موجات الجراد دون معالجة فعالة.

مقالات مشابهة

  • حقوق الإنسان في البصرة:المحافظة تواجه كارثة مائية وأوضاعاً إنسانية متدهورة
  • أسعار طبق البيض اليوم الخميس 26-6-2025 في الدقهلية
  • انتباه لأصحاب المركبات! تبقى 5 أيام فقط، ومن لا يلتزم سيُفرض عليه غرامة تصل إلى 28 ألف ليرة تركية
  • حضرموت الجامع يُحمّل مجلس القيادة مسؤولية تفاقم الأزمات وعدم تنفيذ القرارات الرئاسية
  • إقتصاديات هجمة ترمب علي المهاجرين
  • بعدما وبخها.. ترامب: إسرائيل لن تهاجم إيران وطياروها سيلقون تحية ودية
  • أسعار طبق البيض اليوم الثلاثاء 24-6-2025 في الدقهلية
  • القانونية النيابية:رشيد والسوداني وراء اضعاف المحكمة الاتحادية لبيع ما تبقى من العراق
  • التارقي: ليبيا مهددة بأن تصبح مصدر قلق زراعي إقليمي بسبب الجراد
  • عدن تختنق تحت حرارة الصيف وأزمة الكهرباء تفاقم معاناة السكان