في ظل التوترات الجيوسياسية والضبابية الاقتصادية العالمية، تتجه أنظار مؤسسات التمويل الدولية إلى الأسواق الواعدة التي تُظهر مرونة في مواجهة الأزمات. 

من بين هذه الأسواق، يبرز الاقتصاد المصري، الذي جذب مجددًا اهتمام البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وسط تأكيدات على استعداده لزيادة استثماراته وتعزيز شراكته مع كل من الحكومة والقطاع الخاص في مصر.

نمو اقتصادي مرتقب واستثمارات تتوسع

رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أوديل رينو باسو، صرّحت في مقابلة تلفزيونية أن البنك يتطلع إلى تعزيز وجوده الاستثماري في مصر خلال السنوات المقبلة، متوقعة أن يحقق الاقتصاد المصري نموًا بنسبة 4.6% بحلول عام 2026. 

وأضافت أن الأداء الاقتصادي لمصر في تحسن ملحوظ مقارنة بالعام الماضي، على الرغم من استمرار حالة عدم اليقين عالميًا.

وأشارت باسو إلى أن البنك الأوروبي ضخّ منذ عام 2015 ما يقرب من 14 مليار يورو في أكثر من 200 مشروع داخل مصر، ما يعكس عمق التعاون بين البنك والحكومة المصرية وكذلك القطاع الخاص، مؤكدة أن العلاقات بين الجانبين ليست فقط قوية، بل فعالة ومثمرة أيضًا.

دعم حكومي وبرنامج الطروحات في بؤرة الاهتمام

وأعربت باسو عن اهتمام البنك بالمشاركة في برنامج الطروحات الحكومية في مصر، مشيرة إلى امتلاك البنك خبرة واسعة في هذا المجال، واستعداده الكامل لدعم الحكومة المصرية في استغلال الفرص الاستثمارية المتاحة. 

وهذا التوجه يأتي في وقت تتبنى فيه مصر إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تعزيز الشفافية وزيادة مشاركة القطاع الخاص في التنمية.

ثقة متزايدة من المؤسسات الدولية

من جانبه، اعتبر الدكتور هاني الشامي عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، أن هذا الإعلان يعكس الثقة المتزايدة من قبل المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري.

وأوضح أن توجه البنك نحو ضخ مزيد من الاستثمارات يشير إلى إدراكه لحجم الفرص الاستثمارية المتاحة في قطاعات متعددة داخل البلاد، لا سيما المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي المستدام.

فرص عمل ونمو اقتصادي

ورأى الشامي أن هذه الاستثمارات لا تقتصر على الدعم المالي فقط، بل تفتح آفاقًا واسعة لتحسين أوضاع سوق العمل من خلال خلق فرص عمل جديدة، ودفع عجلة النمو الاقتصادي. لكنه شدد في الوقت ذاته على أهمية مواصلة الجهود الحكومية لتحسين بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات.

إصلاحات هيكلية وتعزيز مناخ الاستثمار

وأشار الشامي إلى أن استثمارات البنك الأوروبي عادة ما تكون مرتبطة بإصلاحات هيكلية، تستهدف خلق بيئة أعمال أكثر كفاءة وجاذبية للمستثمرين. وهو ما يعزز التعاون القائم بين الحكومة المصرية والمؤسسات الدولية في سبيل تحقيق تنمية مستدامة وشاملة، تجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتدعم الاستقرار الاقتصادي.

إشادة بتحسن المؤشرات الاقتصادية

التركيز الجديد من البنك الأوروبي على السوق المصري يأتي أيضاً في سياق التقدير للتحسن الذي طرأ على المؤشرات الاقتصادية المحلية، ومنها استقرار سعر الصرف، والشروع في تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها. هذه المؤشرات، بحسب محللين، عززت من جاذبية مصر كوجهة استثمارية واعدة على خريطة الأسواق الناشئة.

مصر على أعتاب مرحلة جديدة

ومع تصاعد الثقة الدولية في قدرة الاقتصاد المصري على النمو والتعافي، تتجه الأنظار إلى المرحلة المقبلة التي تتطلب مضاعفة الجهود لتعزيز مناخ الاستثمار، وتوسيع الشراكات مع مؤسسات التنمية الدولية. 

وإذا استمرت هذه الديناميكية الإيجابية، فإن مصر قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من النمو المستدام، توفر فرصًا أفضل لمواطنيها، وتجعل منها مركزًا اقتصاديًا إقليميًا أكثر قوة وتأثيرًا.


 

طباعة شارك الاقتصاد الأسواق البنك الأوروبي مصر الحكومة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الاقتصاد الأسواق البنك الأوروبي مصر الحكومة الاقتصاد المصری البنک الأوروبی

إقرأ أيضاً:

د.محمد عسكر يكتب: ماذا يعني تسريب 16 مليار كلمة مرور حول العالم؟

في زمن أصبحت فيه حياتنا اليومية مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالإنترنت والتطبيقات الذكية، لم يعد تأمين المعلومات الشخصية ترفاً أو خياراً ثانوياً، بل أصبح ضرورة قصوى. ومع تزايد إستخدام التكنولوجيا، تتزايد أيضاً محاولات المخترقين لسرقة معلومات وبيانات المستخدمين، وعلى رأس ذلك كلمات المرور، التي تعد المفتاح الأول لكل تفاصيل حياتنا الرقمية.

خلال السنوات القليلة الماضية، بات من المألوف أن تطالعنا الأخبار بين الحين والآخر عن "تسريبات ضخمة لكلمات المرور" تشمل ملايين بل مليارات الحسابات حول العالم. وفي يونيو من هذا العام 2025، شهد العالم تسريباً وصف بأنه "الأكبر في التاريخ"، حيث تم الكشف عن أكثر من16 مليار سجل يحتوي على كلمات مرور وبريد إلكتروني وبيانات دخول خاصة بمستخدمين من مختلف دول العالم.
لكن السؤال الذي يتردد دائماً: كيف يحدث مثل هذا التسريب؟ وما الذي يجعل بياناتنا الشخصية تقع في يد قراصنة الإنترنت؟
في الواقع، تبدأ القصة غالباً ببرمجيات خبيثة تعرف باسم "Infostealers"، وهي برامج يتم زرعها في أجهزة المستخدمين دون علمهم من خلال روابط مزيفة أو مواقع مجهولة أو حتى عبر تطبيقات خادعة يتم تحميلها على الهواتف وأجهزة الكمبيوتر. 

بمجرد تثبيت هذه البرمجيات، تبدأ في جمع كل ما تستطيع الوصول إليه من بيانات: كلمات مرور محفوظة في المتصفحات، بيانات الدخول للتطبيقات المختلفة، وحتى معلومات البطاقات البنكية والمحافظ الرقمية.

هذه البيانات المسروقة لا يتم إستخدامها بشكل عشوائي، بل يتم تجميعها بعناية في قواعد بيانات ضخمة يتم بيعها في أسواق الإنترنت المظلم، أو تُسرَّب أحياناً بشكل مجاني في منصات متخصصة يستخدمها قراصنة آخرون لتنفيذ هجمات لاحقاً. 

الأسوأ من ذلك أن الكثير من الأشخاص يقعون ضحية لمثل هذه الهجمات لأنهم يستخدمون كلمات المرور نفسها في أكثر من حساب، وهو خطأ شائع يجعل إختراق بريد إلكتروني بسيط كفيلاً بالسيطرة على حسابات مصرفية أو حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

تسريب كلمات المرور لا يعني فقط فقدان السيطرة على الحسابات الشخصية فحسب، بل قد يتسبب في سرقة الهوية بالكامل، أو الوصول إلى المعلومات الحساسة والتى يمكن إستخدامها في عمليات الإبتزاز الإلكتروني. والأخطر من ذلك هو أن بعض هذه التسريبات لا يتم إكتشافها إلا بعد مرور أشهر وربما سنوات من وقوعها، مما يمنح المخترقين وقتاً طويلاً لإستغلال المعلومات المسروقة دون أن يشعر الضحية.

رغم هذا الواقع المقلق، إلا أن الحماية ليست مستحيلة. هناك خطوات بسيطة لكنها فعّالة جداً يمكن لأي شخص إتباعها لتقليل المخاطر بشكل كبير. أول هذه الخطوات هو التوقف عن إستخدام نفس كلمة المرور لأكثر من حساب، والبدء في استخدام كلمات مرور قوية ومعقدة يصعب تخمينها. كذلك، لا بد من تفعيل خاصية المصادقة الثنائية (2FA) في جميع الحسابات المهمة، بحيث لا يكون الوصول للحساب ممكناً بكلمة المرور وحدها، بل يتطلب أيضاً رمزاً يصل إلى هاتف المستخدم أو عبر تطبيق خاص.

ومن الأدوات المفيدة أيضاً إستخدام برامج إدارة كلمات المرور، وهي تطبيقات تحفظ جميع كلمات المرور الخاصة بك بشكل مشفر، وتساعدك في إنشاء كلمات مرور قوية وفريدة لكل حساب بسهولة. ولمزيد من الحماية، يمكن لأي مستخدم أن يقوم بفحص بريده الإلكتروني من خلال مواقع مثل "Have I Been Pwned" لمعرفة ما إذا كانت بياناته قد ظهرت في أي تسريبات سابقة أم لا.
وفي ظل هذة التحولات التقنية السريعة، بدأت بعض الشركات الكبرى مثل Google وApple  في طرح حلول جديدة تعتمد على ما يُعرف بـ"مفاتيح المرور" أو الـ Passkeys، وهي طريقة تتيح للمستخدم تسجيل الدخول بإستخدام بصمة الإصبع أو الوجه بدلاً من إدخال كلمة مرور تقليدية، مما يجعل الأمر أكثر أماناً وأقل عرضة للإختراق.

ربما لا نستطيع أن نوقف تسريبات كلمات المرور من الحدوث بشكل كامل، خاصة في ظل التنافس المحموم بين القراصنة وشركات الحماية، لكن يمكننا أن نجعل أنفسنا أهدافاً أصعب بكثير عبر خطوات بسيطة وواعية. في النهاية، الإنترنت ليس مكاناً آمناً بالكامل، لكنه قد يصبح أكثر أمناً حين نُحسن إستخدامه ونفهم مخاطره جيداً.

الحفاظ على كلمات المرور هو اليوم حماية للهوية، حماية للمستقبل، وحماية للخصوصية التي أصبحت رأس مال الفرد في هذا العصر الرقمي.
 

طباعة شارك التطبيقات الذكية التكنولوجيا بيانات المستخدمين

مقالات مشابهة

  • «وزير الاستثمار» يستعرض مع الشركات الصينية فرص ومقومات الاستثمار بالسوق المصري
  • تقرير | «البنك الإفريقي» للتصدير والاستيراد يتوقع نموا لاقتصاد القارة بمعدل 4% خلال 2025
  • وزير قطاع الأعمال يبحث مع وزير الاستثمار المغربي تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي
  • مليار دولار من البنك الدولي لتعزيز البنى التحتية في العراق وسوريا ولبنان
  • البنك الدولي يمنح العراق قرضاً بقيمة(930) مليون دولار لتحسين التجارة الداخلية والتنوع الاقتصادي
  • جنوب أفريقيا توقع اتفاق قرض بـ1.5 مليار دولار مع البنك الدولي
  • د.محمد عسكر يكتب: ماذا يعني تسريب 16 مليار كلمة مرور حول العالم؟
  • وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يشارك بفعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي بالصين
  • تعويضات بالمليارات وهدم عشرات المباني.. إسرائيل تدفع ثمن حربها مع إيران
  • محافظ سوهاج يعتمد الحدود الإدارية الجديدة.. مليونَي فدان إضافية تدفع عجلة التنمية والاستثمار