في خطوة مفاجئة ولكن لاقت ترحيبًا عالميًا، اتفقت الولايات المتحدة والصين على خفض الرسوم الجمركية المتبادلة بشكل كبير، في ما وصفه مسؤولو البلدين بأنه "هدنة لمدة 90 يومًا" تهدف إلى إتاحة الفرصة لمفاوضات تجارية أوسع.

وتم الإعلان عن الاتفاق المؤقت اليوم الاثنين في مدينة جنيف السويسرية، ليشكل تراجعًا دراماتيكيًا في تصعيد تجاري هزّ الأسواق العالمية ورفع الأسعار وأثار حالة من عدم اليقين في التجارة الدولية.

وبحسب البيان المشترك الصادر عن المفاوضين:

ستقوم واشنطن بخفض الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية من 145% إلى 30%. ستقلص بكين الرسوم المفروضة على السلع الأميركية من 125% إلى 10%. ومن المقرر أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في 14 مايو/أيار الحالي ولمدة 90 يومًا كبداية لمفاوضات أوسع.

وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في مقابلة مع شبكة "بلومبيرغ" إن الأمر لا يتعلق بالانفصال التام "نحن نقوم بفصل إستراتيجي في قطاعات تمس الأمن القومي مثل أشباه الموصلات والأدوية والصلب، لكن لا أحد يريد انفصالًا عامًا".

الرابحون والخاسرون والانتعاش المفاجئ

واستجابت الأسواق المالية بترحيب فوري وواضح، حيث:

قفزت العقود الآجلة لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 3.1%. ارتفع مؤشر "ناسداك" بنسبة 3.6%. صعد مؤشر "داو جونز الصناعي" بنسبة 2.4%. انتعشت الأسواق الأوروبية والآسيوية. سجل مؤشر "هانغ سنغ" في هونغ كونغ مكاسب عوضت كل خسائره منذ إعلان "يوم التحرير" في 2 أبريل/نيسان الماضي. الأسواق العالمية كانت المستفيد الأول من خفض الرسوم الجمركية المتبادلة (الفرنسية)

وقالت "بلومبيرغ" إن المستثمرين عادوا بقوة إلى الأسهم بعد تهدئة الحرب التجارية التي زرعت الفوضى في الأسواق العالمية، واصفة الاتفاق بأنه "سيناريو مثالي".

إعلان شركات التكنولوجيا التي تعتمد على سلاسل الإمداد الصينية مثل "آبل" و"أمازون" حققت مكاسب بنسبة 6.5% و7.6% على التوالي، بحسب "رويترز". ارتفعت أسهم شركات أشباه الموصلات مثل "إنفيديا" بنسبة 4.5% و"مايكرون" بنسبة 6.6%.

في المقابل:

سجلت أسهم شركات الأدوية تراجعًا، ليس بسبب الاتفاق التجاري، بل نتيجة إعلان ترامب خطة خفض أسعار الأدوية بنسبة قد تصل إلى 80%. تراجعت أسهم شركات مثل "فايزر" و"إيلاي ليلي" بأكثر من 2%، وفقًا لموقع "إنفستينغ دوت كوم". السلع تتفاعل.. النفط يقفز والذهب يتراجع

وشهدت أسعار النفط قفزة حادة في ضوء توقعات بتحسن الطلب من أكبر مستهلكين للنفط عالميًا. وارتفعت أسعار خام "برنت" بنسبة 3.3% لتصل إلى 66.03 دولارًا للبرميل، بينما صعد خام "غرب تكساس الوسيط" بنسبة 3.5% ليبلغ 63.17 دولارًا.

وقال نايجل غرين، الرئيس التنفيذي لمجموعة "دي فير" -لوكالة "بلومبيرغ"- إن هذا النوع من التخفيف المنسق للرسوم يغيّر المشهد الاستثماري كليًا "ويمنح الشركات مساحة لإعادة تقييم نظرتها المستقبلية".

وفي المقابل، شهدت الأصول الآمنة تراجعًا كبيرًا، حيث هبط الذهب بنسبة 2.5% ليصل إلى 3265 دولارًا للأونصة، وهو أكبر تراجع يومي له منذ أشهر.

وأوضح جيمس ماكينتوش من صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الهبوط الحاد في الذهب يعكس عودة الثقة بالدولار الأميركي "وزيادة شهية المخاطرة".

العملات تتأرجح.. صعود الدولار وتراجع الين

وشهدت أسواق العملات تحركات كبيرة، حيث قفز مؤشر الدولار بنسبة 1.5%، وهو أعلى ارتفاع يومي له منذ انتخابات ترامب الأولى عام 2016، بحسب "فايننشال تايمز". كما ارتفع اليوان الصيني بشكل طفيف، بينما تراجع الين الياباني بنسبة 2%، والفرنك السويسري بنسبة 1.3%.

الدولار الأميركي المستفيد الأكبر من تراجعِ التوترات التجارية بين واشنطن وبكين (رويترز)

وقالت بوجا كومرا المحللة في بنك "تي دي سيكيوريتيز" إن الأسواق "تقوم الآن بإلغاء كل رهاناتها على الأصول الآمنة التي سادت منذ يوم التحرير".

إعلان داخل الاتفاق.. ما اتُّفق عليه وما تم تجاهله

ووصفت "بلومبيرغ" محادثات جنيف بأنها "ودية وغير معتادة" وشهدت "احترامًا متبادلًا" بين الطرفين. وأوضح الممثل التجاري الأميركي جيمسون غرير "كل شيء قابل للتفاوض. لكننا توصلنا إلى نتيجة جيدة للولايات المتحدة، وجيدة أيضًا للصين".

ورغم التقدم، لم يتم رفع جميع الرسوم القطاعية، إذ لا تزال الرسوم على الصلب والألمنيوم والسيارات قائمة، وكذلك الرسوم الخاصة بالصين التي فُرضت خلال الولاية الأولى لترامب.

وفي المقابل، وعدت الصين بتعليق الإجراءات الانتقامية غير الجمركية مثل قيود تصدير "المعادن الأرضية النادرة" وهو ما اعتبرته واشنطن أولوية في المفاوضات، بحسب "فايننشال تايمز".

ونقلت وكالة "شينخوا" الصينية عن الحكومة تأكيدها على "الالتزام بالتعامل مع الولايات المتحدة وفقًا لمبدأ الاحترام المتبادل" وشددت على أن "الضغوط والتهديدات ليست الوسيلة الصحيحة للتعامل مع بكين".

فرصة مؤقتة أم سراب سياسي؟

ورغم الترحيب الواسع من الأسواق، لم يخلُ المشهد من التحذيرات. وقال لاري وهو كبير الاقتصاديين في شركة "ماكواري كابيتال" -لوكالة "بلومبرغ"-  إن ما تم تحقيقه اليوم خطوة إيجابية "لكنه مجرد نهاية البداية".

وفي تصريح لـ"فايننشال تايمز" قال تاي هوي كبير إستراتيجيي السوق في "جي بي مورغان" إن الـ90 يومًا قد لا تكون كافية للتوصل إلى اتفاق تفصيلي لكنها "تتيح فسحة للتنفس، وأحيانًا يكون ذلك كل ما تحتاجه الأسواق".

ويظل تنفيذ الاتفاق موضع شك، خاصة بعد فشل الصين في الالتزام باتفاق "المرحلة الأولى" الموقع عام 2020. وعندما سُئل بيسنت إن كان الاتفاق الحالي يعيد النظر في ذلك الإطار، أجاب "العالم تغير، المنتجات تغيرت، والمزيج الإنتاجي تغير.. لذلك كل شيء مطروح الآن".

بيسنت: الولايات المتحدة لا تسعى إلى انفصال عام عن الصين (الفرنسية) انعكاسات على التجارة العالمية.. أبعد من الأرقام

وقدّرت شركة "كابيتال إيكونوميكس" أن متوسط الرسوم الأميركية على السلع الصينية سيصل إلى حوالي 40%، في حين ستبلغ الرسوم الصينية على الواردات الأميركية نحو 25%.

إعلان

ورغم أن هذه الأرقام تمثل تراجعًا كبيرًا، إلا أنها لا تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2018.

وتوقعت "بلومبيرغ إيكونوميكس" أن الرسوم الجمركية المتبقية "قد تؤدي إلى تقليص واردات أميركا من الصين بنسبة تصل إلى 70% على المدى المتوسط".

وفي الوقت ذاته، بدأت شركات الشحن في الاستعداد لزيادة في حركة التجارة عبر المحيط الهادي. وأكدت شركة "ميرسك" الدانماركية أن الاتفاق "خطوة في الاتجاه الصحيح" بينما قالت شركة "هاباغ-لويد" الألمانية إنها ستستخدم سفنا أكبر في خطوط الصين-الولايات المتحدة.

حسابات سياسية أم إستراتيجية اقتصادية؟

وانقسم المحللون حول الدوافع الحقيقية وراء الاتفاق. فبينما يرى البعض أنه إشارة إلى تحوّل دبلوماسي حقيقي، وصف آخرون الاتفاق بأنه "تراجع تكتيكي" من قبل واشنطن.

وكتب النائب الديمقراطي إريك سوالويل على منصة "إكس" أن ترامب "تراجع أمام الصين.. كما قلت لكم".

وفي المقابل، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن مصدر في البيت الأبيض قوله إن الرئيس ترامب "تلقى تحديثات مستمرة خلال مفاوضات جنيف، لكنه ترك القرار النهائي لبيسنت" مضيفًا أن "ترامب قال إنها مسألة يقررها سكوت".

راحة مؤقتة لا تعني نهاية الخلاف

ورغم أن اتفاق الهدنة بين الولايات المتحدة والصين خفف من المخاوف الاقتصادية المباشرة ورفع المعنويات بالأسواق العالمية، فإن التوترات الأساسية -من حقوق الملكية الفكرية إلى الفنتانيل والعملات- لا تزال قائمة.

الهدنة الحالية ليست معاهدة سلام، بل مجرد توقف مؤقت يمنح العالم فترة قصيرة من الهدوء قبل الجولة التالية.

وكما قال لاري هو، إنها "ليست نهاية الحرب التجارية. إنها مجرد وقت مستقطع".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأسواق العالمیة الولایات المتحدة الرسوم الجمرکیة فی المقابل تراجع ا بنسبة 3

إقرأ أيضاً:

لتهدئة الحرب التجارية.. المحادثات بين أميركا والصين تتواصل في جنيف

الاقتصاد نيوز - متابعة

في خطوة أولى نحو نزع فتيل حرب تجارية أحدثت اضطرابات في الاقتصاد العالمي، أجرى نائب رئيس مجلس الدولة الصيني خه لي فنغ محادثات مع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في جنيف، السبت، من دون أن تعرف نتائجها حتى الآن.

وجاء اجتماع بيسنت مع خه في جنيف بعد أسابيع شهدت توتراً متصاعداً أدى إلى ارتفاع كبير في الرسوم الجمركية على الواردات بين أكبر اقتصادين في العالم، إذ تجاوزت 100%. وتواصلت المحادثات حتى وقت متأخر من بعد ظهر اليوم السبت ومن المتوقع على نطاق واسع أن تستمر غدا الأحد.

وأدى النزاع التجاري، إلى جانب قرار الرئيس الأميركي  دونالد ترامب الشهر الماضي بفرض رسوم جمركية على عشرات الدول الأخرى، إلى اضطراب سلاسل التوريد وزعزعة استقرار الأسواق المالية وتأجيج المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي حاد.

ولم يُكشف عن مكان عقد المحادثات في جنيف إلا أن شهوداً رأوا وفدي الصين والولايات المتحدة يعودان إلى مقر إقامة السفير السويسري لدى الأمم المتحدة في ضاحية كولوني الراقية بعد استراحة غداء حيث مكثوا هناك لعدة ساعات.

واجتمع الوفدان لنحو ساعتين صباحاً. وفي وقت سابق، ابتسم مسؤولون أميركيون منهم بيسنت والممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير خلال مغادرتهم الفندق الذي يقيمون به متجهين إلى المحادثات. وأحجم بيسنت في ذلك الوقت عن التحدث إلى الصحفيين.

وشوهدت سيارات مرسيدس فان بنوافذ داكنة تغادر فندقاً حيث يقيم الوفد الصيني على ضفاف بحيرة جنيف.

خفض العجز التجاري

وتسعى واشنطن إلى خفض العجز التجاري مع بكين وإقناع الصين بالتخلي عما تقول الولايات المتحدة إنه نموذج اقتصادي يعتمد على زيادة التصدير بشكل كبير مقارنة بالاستيراد وبالإسهام بشكل أكبر في الاستهلاك العالمي، وهو تحول يتطلب إصلاحات محلية تثير حساسية سياسية.

وتتصدى بكين لما تعتبره تدخلاً خارجياً. وتطالب واشنطن بخفض الرسوم الجمركية، وتوضيح السلع التي تريد من الصين زيادة مشترياتها منها ومعاملتها كند لها على الساحة العالمية.

ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا)" في تعليق لها اليوم السبت أن "عزم الصين على حماية مصالحها التنموية الوطنية صلب مثل الصخر، وموقفها وأهدافها في الدفاع عن العدالة والإنصاف الدوليين، بالإضافة إلى الحفاظ على النظام الاقتصادي والتجاري العالمي، لا يزال راسخاً".

  توقعات ضعيفة

مع انعدام الثقة المتزايد حرص الجانبان على عدم إبداء أي ضعف، كما أن توقعات المحللين الاقتصاديين ضئيلة في حدوث انفراجة.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الجمعة إن فرض رسوم جمركية بنسبة 80% على السلع الصينية "يبدو مناسبا"، مقترحاًَ للمرة الأولى بديلاً محدداً للرسوم البالغة 145% التي فرضها على الواردات الصينية.

وأشار إلى أن المناقشات تمت بمبادرة من الصين. وأكدت بكين أن الولايات المتحدة طلبت إجراء المناقشات، وأن سياسة الصين في معارضة الرسوم الجمركية الأميركية لم تتغير.

وربما تتطلع الصين إلى الحصول على إعفاء لمدة 90 يوماً من الرسوم الجمركية مثل الذي منحته واشنطن لدول أخرى في أثناء إجراء المفاوضات، في حين سينظر المستثمرون بإيجابية لأي نوع من خفض الرسوم الجمركية والمحادثات التالية.

وقال وزير الاقتصاد السويسري جي بارمولان، في لقاء مع الطرفين في جنيف أمس، إن إجراء المحادثات هو في حد ذاته نجاح.

وقال للصحفيين أمس "إذا تم التوصل إلى خارطة طريق وقرروا مواصلة المناقشات، فإن ذلك سيخفف التوترات"، مشيرا إلى أن المحادثات قد تستمر حتى غد الأحد أو حتى يوم الاثنين.

وساعدت سويسرا في التوسط لعقد هذا الاجتماع خلال أحدث الزيارات التي قام بها سياسيون سويسريون إلى الصين والولايات المتحدة.

وقال متحدث باسم منظمة التجارة العالمية التي تتخذ من جنيف مقراً إن من المقرر أيضا أن يجتمع خه مع المديرة العامة للمنظمة نجوزي أوكونجو إيويالا خلال زيارته للمنظمة.

وفي وقت سابق، رحبت المديرة العامة للمنظمة بالمحادثات باعتبارها "خطوة إيجابية وبناءة نحو التهدئة"، داعية إلى حوار مستدام بين أكبر اقتصادين في العالم.

ومنذ تولي ترامب منصبه في يناير/ كانون الثاني، زاد الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 145%، وعزا ذلك إلى ممارسات تجارية غير عادلة واتهم بكين بالتقاعس عن الحد من تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في إنتاج الفنتانيل، وهو مادة مخدرة صناعية قاتلة.

وردت الصين بفرض رسوم جمركية مضادة بنسبة 125%، وقالت إنها لن تخضع "للإمبرياليين" ومن يمارسون الاستقواء.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • النفط يعزز مكاسبه عند التسوية بعد الاتفاق التجاري بين أميركا والصين
  • بروكسل ترحب بالاتفاق التجاري بين أميركا والصين
  • النفط يرتفع والذهب يخسر عقب التفاهم التجاري بين أميركا والصين
  • كيف ينعكس الاتفاق الأميركي الصيني على الأسواق؟
  • هدنة على حافة الانفجار.. أمريكا والصين توقفان حرب الرسوم الجمركية مؤقتًا
  • أميركا والصين تتوصلان إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية
  • الأسواق تحتفل باتفاق أميركا والصين
  • الأسواق تحتفل باتفاق أميركا والصين .. والذهب يترنح
  • لتهدئة الحرب التجارية.. المحادثات بين أميركا والصين تتواصل في جنيف