لجريدة عمان:
2025-08-18@03:34:25 GMT

التراث هوية..هل يمكن التملُّص منها؟

تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT

من البديهي أن ما وصل إليه البشر من نتاج معرفي (إنساني أو تجريبي) ما هو إلا تراكم خلّفه الناس -وما زالوا-؛ إذ من الطبيعي ألا يُنجِزَ كلَّ التجارب ونتائجها فردٌ بذاته، ولا يُحمَد -ما وصلنا إليه من رخاء وسهولة عيشٍ- إلا تلك التجارب المتراكمة التي تضفي على الرخاء رخاء فوقه، وعلى اليسرِ يسرا عليه.

وعند الرجوع إلى التجارب المتراكمة من آبائنا -آباءِ كلِّ البشرِ- فليس كلها مما نعيش منه رخاء أو حتى فكرة ملهِمَة؛ إلا أن كل تلك التجارب -بشكل مباشر أو غير مباشر- ساهمت في تشكيل ما وصلنا إليه من وعي؛ فضلا عن مساهمتها في جعل الوعي ذلك عيشا سهلا، ولا تزال السهولة تتراكم بمرور الوقت ومرورنا.

عند إلقاء نظرة عامّة على موقف الناس من التراث؛ يتبادر إلى الذهن حالان متضادَّان: (الآخذ له كلَّه)، و(المهمل له بما حَمَل واشتَمَل)، ولا يخفى عليك ما لأخذِ الأمور بحدّية من نتائج مذمومة... فالآخذ للتراث كلِّه لا يسلم من مغبّة الوقوع في وهم أنَّ ذلك التراث بكلِّيَته يصلح له الآن؛ فيصطدم بواقعه اصطداما غير محمود العواقب، ويعيش فصاما يجعله «لا هو نال من التراث جمالَه، ولا من الواقع يسرَه».

أما المهمِل للتراث بما حمل واشتمل، فغالبا ما يعيش حالةَ غُربةٍ في الهوية، يرجو من أصل غيره ليحتويه، وجذر -لذاك الغير- ينبت منه، كمن يبحث عن ظله عند غيره؛ فاستحالة أن تختار بطنا يلدك، تماما كاستحالة التنكر لتراثك وتجربة آبائك؛ فواقعك الكائن فيه بما خلَّفه لك من تراث لا سبيل منه سبيلا حسنا ذا فائدة إلا بأخذك المفيد منه، وردك الفاسد إليه، ولا تتعجّل في ردِّ -ما تظنه فاسدا- فقد يكون ذا نفع لسابقك بظروفه هو، وظروفك لا تسمح به؛ فتمهل.

وواقع الحال أن تمظهرات رؤية الناس للتراث في واقعنا العربي الإسلامي قد تظهر في أمرين -ظاهرهما متصل إلا أنني فصلتهما تسهيلا لقراءة الوضع- هما: الأول (تربية النشء)، والثاني (التنظير الفكري)، فتربية النشء مرجعها الخلفية الفكرية لأبويه أو لمحيطه القريب؛ فعند تنشئة الصغير على ثقافة لا تتصل بواقعه المتراكم وجذوره البعيدة، فإنه يصطدم عندما يكبر بأنه لا استمسك بأصله، ولا الآخر قَبِل به في هويته التي استوردها منه؛ فيعيش حالة من اللهث بما عند الآخر والجري وراءه، وحال النشء المتربي في بيئة تجعل من الموروث مقدَّسا كله، لا مساس فيه ولا نقد، يكون ردة فعل لاحقة كون الواقع يصدمه بأن تلك القداسة لا تصمد، بل ويمكن نقضها.

أما ما يتعلق بالتنظير الفكري؛ فإن أمر الناس فيه يتطابق في الضدين، إما بالأخذ للتراث كله أو إسقاطه كلّه، وهنا أود الحديث أكثر عمَّن تكون له نظرة الإهمال والإسقاط للتراث، ويراه عبئا ينبغي التخلّص منه، بل يراه مانعا لأَنْ يتقدَّم، وهذا النوع يعيش وهما لبرهة -طويلة أو قصيرة- لا يصحو منه إلا ببيان أن الآخر لا يقبلك إلا إن كنت من بني جلدته ولونه، بل الآخر يتطلَّع -والعالم كله اليوم- إلى ما هو مختلف وذو خصوصية، وهذا ليس مبررا لترجع إلى تراثك، بل ذلك دافع ما من أحد الدوافع، والدافع الأهم أنك لن تجد مكانك في هذا العالم -فردا كنت أو جمعا- إلا بالبناء على جذرك، والانطلاق من أصلك؛ بالاستفادة منه والبناء إلى ما انتهى إليه، هذا بدون أدنى شك مع استفادتك من الآخرين لكن شريطة ألا تتماهى معهم.

اختلاف الناس وتباين رؤاهم (ولذلك خلقهم ولا يزالون مختلفين)، هو الثراء للبشرية، وهو سر التدافع الذي به تتقدم البشرية للوصول إلى عيش أكثر رخاءً واستقرارا؛ فما من دين أو مذهب أو اتجاه ما إلا وُجِدَت فيه خلافات من أتباعه بل وحتى من مؤسسيه، وعند تأملنا -بنظرة شاملة- في ذلك لا نجد إلا الثراء في ذلك الاختلاف الذي يشكل توازنا؛ لئلا يطغى طرف على آخر (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هل يمكن لبكتيريا أمعائك أن تحرمك من النوم؟

صراحة نيوز- كشف فريق من الباحثين عن سبب غير متوقع قد يكون وراء معاناة ملايين الأشخاص من الأرق واضطرابات النوم، وهو لا يتعلق بالوسائد أو الضغوط النفسية كما يُعتقد عادة، بل بالبكتيريا الموجودة في الأمعاء.

الدراسة، التي قادتها الدكتورة شانغيون شي من جامعة نانجينغ الطبية في الصين، بحثت العلاقة بين النوم وميكروبيوم الأمعاء (مجموع البكتيريا التي تعيش في الجهاز الهضمي). واستندت الدراسة إلى بيانات نحو 386,533 شخصاً يعانون من الأرق، تمت مقارنتها مع بيانات ميكروبيوم مأخوذة من دراستين شملتا 26,548 شخصاً، وتضمنت 71 نوعًا مختلفًا من البكتيريا.

وأظهرت النتائج أن بعض أنواع البكتيريا ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالأرق بنسبة تتراوح بين 1% و4%، بينما تساهم أنواع أخرى في تقليل هذا الخطر بنسبة تتراوح بين 1% و3%. كما كشفت التحليلات أن الأرق نفسه قد يؤثر في تركيبة ميكروبيوم الأمعاء، إذ أدى إلى انخفاض أعداد سبع مجموعات من البكتيريا بنسبة تصل إلى 79%، وزيادة ملحوظة في أعداد 12 مجموعة أخرى، بعضها تضاعف أربع مرات.

وسلطت الدراسة الضوء على نوع معين من البكتيريا يُعرف باسم Odoribacter، والذي يرتبط ببيئة معوية صحية وانخفاض في معدلات الالتهاب. وقد لوحظ انخفاض هذه البكتيريا لدى المصابين بأمراض مثل التهاب الأمعاء (IBD)، السمنة، والسكري من النوع الثاني.

وأشارت الدكتورة شي إلى أن هذه النتائج تُسلّط الضوء على العلاقة المعقدة ثنائية الاتجاه بين الأرق وتوازن بكتيريا الأمعاء، مما يفتح الباب أمام علاجات جديدة محتملة للأرق، مثل استخدام البروبيوتيك (بكتيريا نافعة) أو البريبيوتيك (مكونات غذائية تغذي هذه البكتيريا)، بل وحتى زراعة ميكروبات البراز.

لكن الباحثة نبهت إلى بعض القيود في الدراسة، أبرزها أن المشاركين كانوا جميعًا من أصل أوروبي، ما قد يحد من تعميم النتائج، كما لم تؤخذ بعض العوامل المؤثرة مثل النظام الغذائي والنشاط البدني بعين الاعتبار، رغم تأثيرها الكبير على توازن الميكروبيوم.

نُشرت الدراسة في مجلة “الطب النفسي العام”، وقد تُمثل خطوة مهمة نحو فهم أعمق لكيفية تأثير صحة الأمعاء على جودة النوم.

مقالات مشابهة

  • علم إسرائيل في السويداء.. كيف يمكن الاحتواء؟
  • أسامة الجندي: مسابقة دولة التلاوة طريق رئيسي للحفاظ على هوية مصر القرآنية
  • حمزة نمرة: أسير عكس التيار.. وما وصلت إليه أكبر من أحلامي
  • ما حقيقة قبول جنوب السودان بخطة ترحيل الغزيين إليه؟
  • ما ملامح الاتفاق الذي يبشر ترامب بقرب التوصل إليه مع بوتين؟
  • دراسة أثرية: المكان واللغة والرمز والعدالة مفردات شكلت هوية المصريين
  • جاك دريدا اليهودي الأخير في مواجهة القومية الصهيونية.. قراءة في كتاب
  • ورحل صنع الله إبراهيم
  • هل يمكن لبكتيريا أمعائك أن تحرمك من النوم؟
  • إنزال الأعلام يجذب آلاف الزوار.. الوجه الآخر للحدود بين الهند وباكستان