تمثل صناعة الملابس وخاصة الموضة السريعة ونفايات المنسوجات أحد أهم التحديات البيئية، نظرا لأهميتها في الحياة اليومية وانتشارها، وفي سياق الثقافة الاستهلاكية المتهورة التي تدفع إليها الشركات.

وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، تُسهم صناعة الأزياء بنسبة 10% من انبعاثات الكربون عالميا، مما يجعلها من أكبر المساهمين في الوقت الراهن إذ تنتج غازات دفيئة تفوق انبعاثات قطاع الطيران والشحن مجتمعين والاتحاد الأوروبي بأكمله.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الجانب المظلم للبيتكوين وتأثيراتها الخطيرة على المناخlist 2 of 4بصمة كربونية عالية لهاتفك الذكي.. ماذا تفعل؟list 3 of 4وسائل التواصل الاجتماعي.. بصمة كربونية تتضخم بالتراكمlist 4 of 4كرة القدم.. سحر يخفي ثمنا مناخيا باهظاend of list

ويأتي ما يقرب من 20% من مياه الصرف الصحي العالمية، أو ما يصل إلى 93 مليار متر مكعب من صباغة المنسوجات، ويُنتج العالم ما يقدر بنحو 92 مليون طن من نفايات المنسوجات، وهو رقم قد يصل إلى 134 مليون طن، بحلول عام 2030.

وتنتهي الملابس المهملة ونفايات المنسوجات، لأنها غير قابلة للتحلل الجزيئي، في مكبات النفايات، بينما تتسرب الأصباغ والمواد البلاستيكية الدقيقة من منتجات الملابس مثل "البوليستر" و"النايلون" و"البولي أميد" و"الأكريليك" وغيرها من المواد الاصطناعية لمصادر ومنابع المياه.

تسهم هذه الصناعة في تجفيف مصادر المياه وتلوث الأنهار والجداول، بينما يُلقى 85% من جميع المنسوجات في مكبات النفايات سنويا، في حين يُطلق غسل الملابس 500 ألف طن من الألياف الدقيقة في المحيط سنويا، أي ما يعادل 50 مليار زجاجة بلاستيكية، حسب تقرير لموقع بيزنس إنسايدر.

إعلان

ويشير التقرير إلى أن صباغة المنسوجات تحتل المركز الثاني لأكبر ملوث للمياه في العالم، حيث غالبا ما يتم التخلص من المياه المتبقية من عملية الصباغة في الخنادق أو الجداول أو الأنهار. كما أنها تستهلك الكثير من الطاقة التي يكون مصدرها غالبا الوقود الأحفوري.

وتتفاقم هذه المشكلة مع نموذج أعمال الموضة السريعة المتنوعة، حيث تعتمد الشركات على إنتاج ملابس منخفضة الجودة بتكلفة منخفضة وبكميات كبيرة وسرعة عالية لمواكبة أحدث الصيحات، مما أطلق نمطا استهلاكيا مدمرا للبيئة والمناخ.

انتشار الموضة السريعة عزز من البصمة الكربونية لصناعة الملابس (شترستوك) سطوة النمط الاستهلاكي

وتترك طريقة استخدام المستهلكين لملابسهم لها أيضا بصمة بيئية كبيرة بسبب كمية الماء والطاقة والمواد الكيميائية المستخدمة في الغسيل والتجفيف والكي، إضافة إلى الجسيمات البلاستيكية التي تنتشر في البيئة.

وغالبا ما يُجمع أقل من نصف الملابس المستعملة لإعادة استخدامها أو إعادة تدويرها، بينما يُعاد تدوير 1% فقط منها لتصنيع ملابس جديدة.

ومع أن ميثاق الأمم المتحدة لصناعة الأزياء من أجل المناخ يدعو شركات الموضة والمنسوجات الموقعة عليه للحد بنسبة 30% من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2030 وتحقيق أهداف صفرية بحلول عام 2050، فإنه ومنذ إطلاق الميثاق عام 2018، وتجديده عام 2021، التزمت ما يقرب من 130 شركة أزياء وملابس ومنسوجات بالعمل المناخي وتحقيق الأهداف المنصوص عليها في الوثيقة.

ومن بين الموقعين على الميثاق بعض من أكبر دور الأزياء وتجار التجزئة في العالم، في حين تعهدت شركات الأزياء السريعة بالتزامات ملموسة بالعمل المناخي. لكن النتائج كانت جزئية، ولم تعالج الشركات حول العالم بعد دورها في تغير المناخ بشكل جدي.

ويتفق الخبراء الدوليون على أن الاستدامة أصبحت وستظل في قمة أولويات قطاع الأزياء، لكنهم يشيرون أيضا إلى نقص في الدقة فيما يتعلق بمعايير المساءلة والمعايير المتعلقة بالعناية الواجبة في القطاع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بيئي

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي.. للعقل وللدَّجل أيضاً

ليس هناك مجالٌ لا يتنازع داخله الضّدان، ومثلما الأذكياء في الخير والأمانة والتَّقدم، يقابلهم أذكياء في الدَّجل والكذب والتَّأخر، وهنا أقصد المجال الفكريّ، ففي لحظة يُقدم «الاصطناعيّ» بحثاً، في أيّ مجال ترغبُ، إن أردت الفيزياء فعنده ما ليس عند إسحاق نيوتن (ت 1727)، وإنْ طلبت البيان فعنده ما ليس لدى الجاحظ (ت 255 هج)، وإن طلبت علوم الرّجال والسِّير، فيُقدم لك ما تجهد به لأيام وشهور بثوانٍ. لهذا نجد التّثاقف يتزايد، فالكلّ يتحدث، فإن سُئلت، كطبيب أو مؤرخ، عن دواء أو واقعة، تجد الذي سألك يوزع عيناه بينك وبين آيفونه، وما يقرأه فيه هو المصدقُ، مع أنه جمعه مِن علوم النّاس، لكنَّ هيبة الجهاز، وعجائبيته الباهرة، تغري بالتّصديق، وكأن العلم الذي فيه ليس بشريّاً.

نادراً ما يوجد باحث، أو كاتب اليوم، لم يستفد مِن محركات البحث، بصورة أو أخرى، فبواسطتها تؤخذ المعلومة مِن أمهات العلوم كافة بلمح بصر، أو لمح برق، إنَّها سرعة الضّوء، وما عليك إلا تحديد المعلومة، ثم تدقيق النتيجة بطريقتك، وهذا يحتاج إلى عِلمٍ وتخصص وثقافة، وإلا المحرك لا يهديك إلى شيء موثوق. كانت سرعة لمح البصر، أو لمع البرق، مِن أحلام الأولين، تأتي قصص عديدة فيها وصل فلان بلمح بصر، تشبيهات لواقع متخيل سيأتي وقد أتى، نعيشه الآن، كالشَّعاع الذي تخيله المتكلمون، وهو اليوم يماثل الأشعة فوق البنفسجية.

غير أنَّ هذا التَّقدم الفائق، يُستخدم في الدَّجل أيضاً، أشخاص يدعون البحث، ومترجمون يدعون الترجمة، يستخدمون «الذَّكاء الاصطناعي» في تأليف الكتب وترجمتها، ويبدون متخصصين، لكنهم أتقنوا إدارة أدوات «الذَّكاء الاصطناعي»، فألفوا الكتب العِظام، وللأسف معارض الكتب ملأى بمؤلفاتهم، وهي ليست لهم، ولا للذكاء الاصطناعي، فالأخير يقوم بمهمة الإدارة والتنسيق، لِما رمي في أجواف أجهزته. إنّ الدَّجل في الكتابة ظاهرة قديمة، لكنها تعاظمت، مع ظهور «غوغل»، وبقية محركات البحث، بما يمكن تسميته بـ «نسخ ولصق»، ولأنَّ الدَّجالين احترفوا لصوصية الحروف، فهم يقومون بإعادة صياغة النُّصوص، كي لا تبدو مِن جهود غيرهم، مع التَّلاعب بالمصادر والحواشي، إذا اقتضى الأمر. هذا هو الدَّجل، الذي يمنحه الذَّكاء الاصطناعي، وليس لدي ما أستطيع التعبير به، عن الوقاية مِنه.

سيكون أمام المؤسسات الأكاديميَّة، ومراكز البحوث، مهمة صعبة، في التَّمييز بين ما ينتجه العقل، وما يستولي عليه الدَّجل، وإلا لا قيمة تبقى لهذه المراكز، ولم تبق حاجة لأهل الاختصاص، والخطورة الأكثر تكون في العلوم الإنسانية والآداب، فمجال اللصوصيّة فيها مفتوح، منذ القدم، ولكنه توسع، وسيتوسع، مع الذَّكاء الاصطناعي.لا أتردد في المشابهة بين العقل والدَّجل، مع الذكاء الاصطناعي، باكتشاف نوبل للديناميت، أفاد البشرية بأعز فائدة، لكنه صار أداة قتل رهيبة، فمنه تصنع المتفجرات القالعة للصخور، والمبيدة للحياة، في الوقت نفسه. إذا فتح مجال الذّكاء الاصطناعي، دون ضوابط صارمة، وأحسبها في مجال التأليف والكتابة، صعبة المنال، ستتحول الثّقافة إلى مستنقع مِن الدَّجل، فما وصله ول ديورانت (ت 1981)، في «قصة الحضارة» سيظهر مؤلفات لدجال، وأسفار غيره أيضاً، لأن الذَّكاء الاصطناعي يُقدمها له، فيطبخها مِن جديد. قد يلغي الذكاء الاصطناعي الاختصاص، فيظهر أصحاب السَّبع صنائع. يقول أبو عُبيْد القاسم بن سلام (ت 224 هج)، صاحب «الأموال»: «ما ناظرني رجلٌ قطٌ، وكان مُفَنِّناً في العلوم إلا غلبته، ولا ناظرني رجلٌ ذو فنٍّ واحد إلا غلبني في عِلمه ذلك» (ابن عبد البرِّ، بيان العلم وفضله).

قدمت منصات الذَّكاء الاصطناعي باحثين مزيفين، وخبراء دجالين في كلّ علم ينطون، يزايدون على ابن سلام في شرح كتابه «الأموال»، وبحضوره! قد يفيد ما قاله المفسر فخر الدِّين الرَّازي (ت 606 هج) شاهداً: «نهاية إقدام العقول عِقالُ/ وأقصى مدى العالمين ضلال» (ابن خِلِّكان، وفيات الأعيان).

(الاتحاد الإماراتية)

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي.. للعقل وللدَّجل أيضاً
  • مهرجان كان السينمائي 2025 ينطلق غدًا وسط إجراءات مشددة لضبط الملابس والإطلالات
  • رسالة الأنبياء مستمرة.. سلامة داود: الأزهر حامل لواء الإصلاح في العالم
  • الإفتاء تُنهي استعداداتها لعَقد مؤتمرها العالمي العاشر حول "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"
  • دار الإفتاء تُنهي استعداداتها لعقد مؤتمر «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي»
  • الإفتاء تستعد لمؤتمر “صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي”
  • خبير الأزياء لاو روش يكشف أسرارًا عن فستان زفاف زندايا المرتقب
  • غرفة صناعة الملابس الجاهزة والمفروشات: نسعى لتطوير القطاع و تأهيل المصانع للتصدير
  • معلومات الوزراء: 89.9% نسبة الارتفاع فى قيمة الصادرات من الملابس الجاهزة