منذ الحضارات القديمة، وتعليم الناشئة يرتكز على تعليم اللغة والأدب والحساب والأخلاق والدين والرياضة والموسيقى، ويمكن استقصاء ذلك، من خلال البحث في تاريخ التعليم الإنساني، لكن معظم الحضارات أجمعت على تلك العناصر. ومع التطور تم إضافة ما يلزم العصر، لكن دوما ظل التعليم يركز على اللغة والثقافة كمحددين للأمم يتم من خلالهما الحفاظ على الخصوصيات والهوية.

ومن الأمثلة المهم عالميا، كانت الحضارة اليونانية التي ارتكزت الى الثقافة كمحرك، وتلتها الحضارة اليونانية التي لم تستطع التخلي عن إرثها الثقافي. لذلك نفهم في هذا السياق في تاريخنا القومي الحضاري، مثل اهتمام الحضارة العربية الإسلامية بالثقافة التي أسست للازدهار العلمي وواكبته. وكذلك اهتمام النهضة العربية الحديثة بما أطلق عليه بالإحياء الثقافي.

مؤخرا قدمت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم خطتها الاستشرافية لتطوير التعليم وتجويده، ولأننا جميعا نؤمن بأن التنميتين الثقافية والعلمية إنما ينطلقان من التعليم، فإننا هنا نقرأ في عجالة السياق الثقافي بشكل خاص، والذي نزعم أن إصلاح حال التعليم هو ضمانة بناء الأجيال الثقافية والفنية والعلمية.

جمعت الخطة معلومات عن الواقع التربوي القومي من جهة، وكشفت ما غاب عنها وعن غيرها من جهة أخرى، وهو الأهم تربوياً.

ورغم حجم الخطة، إلا أنها تناولت القضايا المهمة مروراً سريعاً، كما حدث عند الحديث عن "لغة التعليم" في صفحة 55، حيث خُصصت لها فقرة واحدة فقط، رغم أن من أهم مشكلات التعليم اغتراب الطلبة عن اللغة المستخدمة في معظم بلادنا. فلم يتم منح لغة التعليم حقها من الاهتمام، ولم يتم تطوير تعليم اللغة العربية، التي لا يزال أسلوبها ومضمونها تقليديين. وبما أن اللغة هي مفتاح جميع المعارف، فقد آن الأوان للتعامل معها باعتبارها أداة تعلم، بحيث تكون مفهومة للطلبة، ومتوافقة مع سياقات حياتهم.

في هذا السياق، ونحن نتحدث عن الثقافة التي تعني الأدب والفن، فإن ضمان تعليم اللغة سيعني الكثير للإبداع العربي الشاب. وعليه فإن إيلاء التعليم للغة والأدب بما يحبب الطلبة ولا ينفرهم، سيعني تخفيف الاغتراب اللغوي الذي يتم، لأن البديل هو التعلق بلغات الآخرين قبل الاطمئنان للغتهم القومية وما يكتب بها من آداب.

إن الاهتمام بالثقافة العربية يعني الاهتمام الإبداعي باللغة.

ولعل من المهم عند تعليم اللغة اختيار نصوص أدبية مشوقة للفئات العمرية من 5 سنوات حتى 18 عاما، والظن أن ذلك هو مفتاح تقريب الطلبة من اللغة. وهنا يمكن التعاون بين خبراء المناهج مع خبراء أدب الأطفال والفتيان، من حيث تأليف نصوص جديدة تراعي العصر الجديد.

قبل سنوات ليست بالكثيرة، كان لدى طلبة المدارس والجامعات اهتمامات ثقافية وفكرية وسياسية، وكنا نجد عدة حلقات يتم فيها النقاش في الهموم العامة، لكن ذلك خفّ للأسف، في الوقت الذي تحتاج فيه بلادنا الى الشغوفين للفكر والثقافة.

وهنا، فإن الاهتمام بثقافة الأطفال والفتيان ستعني العقول المفتوحة والصدور الواسعة، بل والخيال اللازم للإبداع الأدبي والعلمي.

وأزعم أن تثقف الطلبة، وإقبالهم هم أنفسهم على موارد الثقافة ومصادرها، سيجعلهم أكثر جدية في التعليم، كما سنلاحظ تغيرا في السلوك، بما يفسح المجال لعلاقات مودة وتعاون، كون من يتم تربيته على الثقافة سيكتسب الذوق الاجتماعي وليس فقط الذوق الأدبي.

تربويا ومن جهة أخرى، إن خارطة الطريق، من صفحة 307 إلى 314، لا توصل إلى الطريق الحقيقي فعلاً، ولم تشكل الخلاصة في الفصل الأخير إضافة مميزة ودقيقة كما كنا نتوقع؛ إذ إن التطوير عادةً يتطلب وضع نقاط محددة، لا مجرد التكرار الإنشائي.

عشر سنوات أخرى ستُبعدنا عن العمل العميق نحو إحراز تقدم واضح في التعليم وإحداث اختراق حقيقي. ركزت الخطة على المنطلقات الواردة في عدد من الإعلانات والاتفاقيات، التي تتعلق بمنظور العدالة والالتحاق، أكثر من تركيزها على النوعية.

طغى على الخطة الطابع الإنشائي، ولم تسلم من التكرار. فعلى سبيل المثال، بالرغم من الحديث عن الرقمنة، لم يتم ربطها بالعمق التربوي بقدر ما تم التعامل معها كوسيلة تواصل، بينما يبقى إصلاح جوهر التعليم العام (التقليدي السائد) هو الضامن لوضع التعليم على سكة الحداثة. فمثلاً، إذا تعلم الطالب الإصغاء في التعليم الوجاهي، فإنه سيكون أكثر قدرة على متابعة التعلم عن بُعد، وكذلك فهم ما يسمع وما يقرأ.

أما الحديث عن الذكاء الاصطناعي في الخطة، فقد أكد ما ذهبنا إليه؛ إذ إن استخدام الذكاء الاصطناعي يذكرنا بالإنترنت حين راج لأول مرة، وكيف أدى إلى انتشار النقل الحرفي وخفوت قدرات التفكير. لذا، فإن تأمل تجارب من يستخدمون التكنولوجيا بطريقة فاعلة هو ما سيضعنا على الطريق الصحيح، وليس مجرد الاستسلام لها.

من جهة ثالثة، هناك حاجة ماسة للحديث عن تهيئة الطلبة في المدارس والجامعات، وهو ما لم يتحقق على مدار ما يقارب ثلاثة عقود منذ منتصف التسعينيات. أما ما يتعلق بتطوير المعلم وملامح المستقبل، فقد تم تناوله بأسلوب إنشائي، دون وضع ملامح واضحة، والأمر ذاته ينطبق على جودة المناهج.

أما الحديث عن التفكير النقدي، فنجد أن الخطة لم تحدد استحقاقات تنفيذ هذا المفهوم، فعن أي تفكير نقدي نتحدث هنا؟ هل يكفي مجرد إيراد المصطلح كشعار؟

إن التحديث والتطوير، فلا ينفصل التعليم عن المجتمع، ونظم الحكم، والاقتصاد، والعلاقات الدولية. لذا، يبقى السؤال: هل هناك إرادة قومية أو قطرية حقيقية لتطوير التعليم؟ في أفضل الظروف، نجد تفاوتاً في جدية الاهتمام بجوهر التعليم والثقافة. لذلك لقد افتقرت الخطة إلى العمق الكافي لإحداث التغيير المنشود.

وعليه، فإن بناء المنظومة كاملة، لن يستقيم حالها أذا لم تكن جامعة للثقافة التي هي أيضا منظومة. وهنا لعل الخطة الاستشرافية في التعليم تهتم بنيويا بالثقافة، لأن هذا مدخل استراتيجي لو أردنا فعل الاختراق التربوي والثقافي والسياسي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تعلیم اللغة فی التعلیم الحدیث عن من جهة

إقرأ أيضاً:

بسبب اللغة العربية والفيزياء..طالبان ينهيان حياتهما بالدقهلية

عثرت قوات الإنقاذ النهرى بالدقهلية  على جـ.ـثمان طالب ثانوي اختفى منذ  أدائه امتحان اللغه العربيه.

وتلقت مديرية أمن الدقهلية إخطارا من شرطة النجده يفيد بالعثور على جثة بمياه النيل  وتببن أنها للطالب “عبد الرحمن خالد السادات ” 18عاما مقيم قرية ديسط التابعه لمركز طلخا حيث  تغيب عن المنزل لمدة يومين .

افتتاح مسجد بقرية بالدقهلية وانطلاق قافلة واعظاتمصرع صغير صدمته سيارة بإحدى قرى الدقهليةالدقهلية: تحصين وعلاج أكثر من 138 ألف رأس ماشية وأغنامطلاب الثانوية بالدقهلية: التاريخ سهل والفيزياء صعبة.. وإغماء طالبتين


وقال شقيقه محمد ، أن  عبد الرحمن خرج  من لجنة الامتحان بعد أداء مادة اللغة العربية، وهو في حالة نفسية سيئة ، حيث تم سحب ورقته قبل أن يتمكن من إكمال الإجابة، مما أثّر عليه بشكل كبير واختفى لمده يومين وتداولت صفحات التواصل الاجتماعي صورته ومناشده والدته وشقيقه في العوده وان وجوده بينهما يغني عن اي شيء وعن اي امتحان ولكنه قرر أن ينهي حياته  وتم نقل الجثه الى المستشفى الدولي ؛وتحرر عن ذلك المحضر اللازم واخطرت النيابه بالواقعه

فيما أقدم  الطالب “أحمد شريف منصور”18 عاما  مقيم  منطقة مستعمرة الجزائر بمدينة بلقاس على التخلص من حياته ، إثر تعرضه لأزمة نفسية شديدة  عقب امتحان الفيزياء  خاصه انه كان من المتفوقين، مما أدى لقيامه بتناول حبة الغلة لأنهاء حياته وتم نقله للمستشفى وتحرر محضرا بالواقعة .

طباعة شارك الدقهلية بلقاس طلخا ديسط

مقالات مشابهة

  • التعليم والمعرفة تحتفل بتخريج الدفعة الأولى من مدارس الشراكات التعليمية
  • اللغة العربية في بنغلاديش.. من التجذر التاريخي إلى التحديات الأكاديمية
  • مناقشة أول أطروحة دكتوراه بجامعة صحار وسط زخم بحثي لتطوير قطاع التعليم
  • مسؤولة بـ«موهبة»: برنامج «الإثرائي الأكاديمي» يتضمن أنشطة لتطوير مهارات الطلبة الموهوبين
  • «التعليم العالي» تنظم برنامجًا تدريبيًا لتطوير خدمات دعم الطلاب ذوي الإعاقة بالجامعات
  • ”التعليم“: نظام لوني تفاعلي في ”قبول“ لتقييم فرص القبول الجامعي
  • ”التعليم“: نظام لوني تفاعلي في ”قبول“ لتقييم فرص القبول الجامعي - عاجل
  • النائب عشا يسأل محافظة عن امتحاني الانجليزي والرياضيات / وثيقة
  • بسبب اللغة العربية والفيزياء..طالبان ينهيان حياتهما بالدقهلية
  • النائب عشا يوجه أسئلة لوزير التربية والتعليم حول امتحانيّ اللغة الإنجليزية و الرياضيات