حماس تبحث عن الشرعية في واشنطن وسط تراجع الدعم العربي
تاريخ النشر: 15th, May 2025 GMT
مايو 15, 2025آخر تحديث: مايو 15, 2025
المستقلة/-اسامة الأطلسي/..في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وابتعاد العديد من الدول العربية عن دعمها التقليدي، تسعى حركة حماس إلى فتح قنوات جديدة مع الولايات المتحدة، في محاولة لإثبات حضورها السياسي والحفاظ على موقعها في المشهد الفلسطيني، خاصة مع احتمالات التوصل إلى اتفاق تهدئة جديد في غزة.
هذه التحركات تأتي في وقت يعيش فيه سكان القطاع أسوأ أزماتهم الإنسانية، وسط غياب شبه تام للخدمات الأساسية، وانهيار الثقة بالقيادات القائمة. ويرى مراقبون أن سعي حماس لإعادة تموضعها دوليًا – وخصوصًا أمام الإدارة الأميركية – يهدف إلى تجاوز الوسطاء التقليديين كالسلطة الفلسطينية ومصر، ومحاولة فرض نفسها كطرف لا يمكن تجاهله.
لكن هذه الاستراتيجية، حسب منتقدين، تعكس مرة أخرى أولويات القيادة في البقاء السياسي، بدلًا من الاستجابة المباشرة لمعاناة المواطنين. يقول أحد سكان غزة: “ما نراه هو بحث دائم عن الشرعية الخارجية، بينما يموت الناس هنا من الجوع والعطش”.
ويضيف محلل سياسي فلسطيني: “حماس تدرك تراجع مكانتها الإقليمية، وهي تحاول الآن إعادة تعريف دورها عبر قنوات جديدة، لكن هذه المحاولات قد تُفاقم عزلتها أكثر، ما لم تكن مصحوبة بتحسين ملموس في حياة السكان”.
في المقابل، تؤكد مصادر مقربة من الحركة أن الحوار مع واشنطن لا يعني التخلي عن المبادئ، بل هو مناورة سياسية ضرورية لمرحلة شديدة التعقيد، في ظل عزوف عربي ملحوظ عن الانخراط في ملف غزة.
ويبقى التساؤل المطروح في الشارع الغزّي: هل ستترجم هذه التحركات إلى حلول واقعية أم أنها مجرّد محاولة جديدة للنجاة السياسية على حساب الشعب؟
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
صدام الأقطاب الصاعدة.. كيف قادت واشنطن العالم إلى حرب باردة جديدة؟ كتاب جديد
الكتاب: الحرب الباردة الجديدةالمؤلف: جلبير الأشقر
الناشر: دار الساقي
المترجم: عمر الشافعي، عمر فتحي
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في العام 2022 سارع العديد من المراقبين والمحللين للتحذير من حرب باردة جديدة، الأمر الذي نظر إليه البعض باعتباره قراءة غير دقيقة للواقع، إذ أن هذه الحرب، على ما يبدو، لم تنته أصلا وظلت حاضرة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، إنما اتخذت أشكالا جديدة في القرن الجديد. وفي كتابه هذا يشير الباحث وأستاذ العلاقات الدولية جلبير الأشقر إلى أن "أبكر" تحذير من وقوع حرب باردة جديدة، ربما، يكون قد جاء في العام 1994 من قبل جورجي أرباتوف، العضو السابق في كل من مجلس السوفييت الأعلى واللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم، ومستشار ميخائيل غورباتشوف.
ففي مقالة له نشرت في مجلة "فورين بوليسي" حذر أرباتوف الأميركيين من عواقب الإصلاحات الاقتصادية "الكارثية" التي أملتها الولايات المتحدة على روسيا، مع حلفائها في مجموعة السبع وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وسياسة واشنطن تجاه روسيا بشأن "جوارها القريب" أي بلدان أوروبا الشرقية، وما عرف سابقا بالجمهوريات السوفييتية.
بعد اندلاع الحرب في جورجيا في العام 2008، ثم في أوكرانيا بعد 6 سنوات في العام 2014، وكانت كلتاهما ردا روسيا على توسع الناتو في الجمهوريات السوفييتية السابقة، أضحى من الصعب إنكار وجود حرب باردة جديدة، مع ما شهده الواقع من "انهيار في العلاقات بين روسيا والغرب".وحدث ذلك بينما كانت التصريحات الصينية في تصاعد ضد "نزعة الهيمنة" الأميركية. لكن في المقابل شاعت حالة من الإنكار في العالم الغربي، وخصوصا في الولايات المتحدة، لاحتمالات عودة الحرب الباردة. إذ ساد الاعتقاد بين المعنيين بالسياسة الخارجية بقدرة الولايات المتحدة على التفوق الكاسح اقتصاديا وعسكريا، رغم الصعود السريع في قوة الصين الاقتصادية، فضلا عما يشبه الاطمئنان إلى فكرة القبول العالمي بهيمنة الولايات المتحدة من جانب "الدول العظمى الأخرى"، الذي يترجم القناعة باستراتيجية "المحور والفروع"، حيث "تشكل الولايات المتحدة محور العجلة بينما تشكل أوروبا واليابان وروسيا والصين فروعها، فتحتاج جميعا إلى الولايات المتحدة أكثر من حاجة بعضها لبعض". وهي استراتيجية أثبتت فشلها، فخلافا لليابان والقوى الأوروبية، تسعى الصين وروسيا إلى تحقيق موقع مكافئ للولايات المتحدة، وتدركان تماما أن "القوة العالمية المسيطرة" تسعى إلى احتوائهما، وهو ما دفعهما بشكل أساسي للتحالف معا.
يبدأ الأشقر كتابه بمقدمة يشرح فيها مفهوم "الحرب الباردة الجديدة"، يليها فصلان شكلا كتابه "الحرب الباردة الجديدة: العالم بعد كوسوفو"، الصادر في العام 1999 بالفرنسية، مبررا ذلك بأن مضمونهما لم يفقد شيئا من راهنيته لفهم الوضع العالمي الحالي. وفي القسم الثاني من الكتاب المخصص لروسيا والصين، يبحث في تطور روسيا في ظل حكم فلاديمير بوتين، ويتناول كل من البلدين من زاوية سياساته الخارجية وعلاقاته بالولايات المتحدة، وتقييم تفاعل تلك السياسات مع العوامل المحلية الخاصة بكل بلد.
حالة إنكار
بعد اندلاع الحرب في جورجيا في العام 2008، ثم في أوكرانيا بعد 6 سنوات في العام 2014، وكانت كلتاهما ردا روسيا على توسع الناتو في الجمهوريات السوفييتية السابقة، أضحى من الصعب إنكار وجود حرب باردة جديدة، مع ما شهده الواقع من "انهيار في العلاقات بين روسيا والغرب". وبينما أقر روبرت ليفغولد، أحد الوجوه البارزة في الدوائر الأكاديمية والدبلوماسية الأميركية، في مقالة له بهذه الحقيقة، واصل تجاهل وجود تحالف غير رسمي بين الصين وروسيا للتصدي للهيمنة الأميركية، معتبرا أن الحرب الباردة الجديدة لن تشمل النظام العالمي، "حيث سيتجنب لاعبون رئيسيون مثل الهند والصين الانجرار إليها". متجاهلا أن الصين كان لديها دائما شعور بأنها في المركب نفسه مع روسيا كهدف للاحتواء، بحسب ما يقول الأشقر.
وحالة الإنكار هذه استندت أيضا إلى حقيقة أن روسيا أضعف من الاتحاد السوفييتي السابق، وأن كل من روسيا والصين لم تعد ترفع راية "الشيوعية" ولا تسعى لتوسيع امتدادها العالمي. لكن الأشقر يلفت إلى أن السبب الذي جعل مصطلح الحرب الباردة(القديمة) يسود بعد عام 1954 لم يكن أيديولوجيا بالأساس، إنما كان مرتبطا بما يعرف ب "توازن الرعب" بين القوتين المتنافستين بعد الحرب العالمية الثانية واستخدام القنبلة الذرية.
يضيف الأشقر: إن جولات توسع الناتو في دول أوروبا الشرقية خلال السنوات الأولى من هذا القرن شكلت مصدر قلق وانزعاج كبيرين لروسيا فلاديمير بوتين، اذ منحت الناتو حدودا مباشرة مع الداخل الروسي، لتضاف حلقات جديدة إلى سلسلة الحرب الباردة الجديدة- التي بدأتها إدارة بيل كلينتون- مع إلغاء جورج بوش الإبن في العام 2002 للمعاهدة المتعلقة بالصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية المبرمة منذ العام 1972، وإصراره على نشر دروع مضادة للصواريخ على تخوم روسيا والصين.
أوهام بوتين
أراد بوتين، مع وصوله للحكم في العام 2000، إنعاش الاقتصاد، وتحديث الجيش الروسي، والاستفادة قدر الإمكان من ارتفاع أسعار النفط والغاز، لذلك، وبحسب ما يشرح الأشقر، لم يرغب بالاصطدام مع الولايات المتحدة، بل إنه دشن "حملة تودد في علاقاته مع الدول الغربية.. وأعرب عن رغبته في تلقي دعوة للانضمام إلى الناتو.. لكن روسيا لم تكن راغبة في المجازفة بالتعرض للإذلال من خلال تقديمها طلب انضمام دون التأكد من قبولها". وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تبنى بوتين "بحماس" خطاب بوش بشأن "الحرب على الإرهاب"، إذ وجد فيه ما يبرر ويشرعن حربه على الشيشان، التي وصفها في إحدى لقاءاته ب "أفغانستان الصغيرة".
غير أن طموحات بوتين بالانضمام إلى نادي الدول الغربية لن تستمر طويلا. فبغزوها العراق في العام 2003كانت واشنطن تتجاهل القانون الدولي ومعه معارضة موسكو وبيجين وحق النقض لديهما، وتتجاهل حتى حلفاءها في برلين وباريس. لتدشن احتلالا غير قانوني لبلد كانت فيه لروسيا والصين مصالح تم انهاؤها سريعا.
أراد بوتين، مع وصوله للحكم في العام 2000، إنعاش الاقتصاد، وتحديث الجيش الروسي، والاستفادة قدر الإمكان من ارتفاع أسعار النفط والغاز، لذلك، وبحسب ما يشرح الأشقر، لم يرغب بالاصطدام مع الولايات المتحدة، بل إنه دشن "حملة تودد في علاقاته مع الدول الغربية.. وأعرب عن رغبته في تلقي دعوة للانضمام إلى الناتو.. لكن روسيا لم تكن راغبة في المجازفة بالتعرض للإذلال من خلال تقديمها طلب انضمام دون التأكد من قبولها".وبحلول العام 2007 سيقدم بوتين خطابا في مؤتمر ميونيخ للأمن سيشرح الكثير عن توجهات سياسته الخارجية التي سيلتزم بها في السنوات المقبلة. حيث عبر عن استيائه من سلوك واشنطن و"طموحاتها أحادية القطب"، ما سيدفعه تاليا للبحث عن تحالفات "توازن الكفة"، لا سيما مع الصين. فضلا عن إعرابه عن غضبه من انتهاكات القانون الدولي المتكررة من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو، و"إحباطه من رفض الدول الأعضاء في الناتو التصديق على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا،.. وانزعاجه من الانتشار العسكري الغربي وتوسع الناتو.. ما سيدفعه إلى الشروع في إجراءات وقائية مضادة..
كما أن سخطه العميق من الدعم الغربي للمعارضة الديمقراطية الليبرالية في المجال السوفييتي السابق، بما فيها روسيا، سوف يحرضه على تطوير تدخل انتقامي في السياسات الداخلية الغربية لصالح قوى رجعية معادية للديمقراطية". يقول الأشقر أن بوتين في السنوات التالية تصرف ب"حرية" أكبر على الساحة الدولية تجاه كل ما اعتبره دفاعا عن مصالح روسيا، مادامت القوى الغربية أظهرت مرارا أنها تستطيع فعل ما تريد بالقوة وباستخدام المعايير المزدوجة، في أفغانستان والعراق وليبيا وكوسوفو. وستكون هذه حجته دائما في مواجهة الانتقادات حول الحرب على جورجيا وأوكرانيا وضم القرم والتدخل في سورية.
تحالف المصالح
أما عن الصين فيذكر الأشقر أن العلاقات بين موسكو وبيجين اكتسبت زخما في التسعينيات من القرن الماضي، ربما بفضل سياسات واشنطن العدائية تجاه البلدين. وصحيح أن القواسم المشتركة بين البلدين كانت أكثر في زمن الاتحاد السوفييتي، لكن العلاقات بينهما شهدت انقطاعا لثلاثة عقود قبل أن تعود في العام 1991، لتتحد البلدان في دعم "التعددية القطبية" في مواجهة الهيمنة الأميركية، وتوقعان في العام 2001 معاهدة "حسن الجوار والتعاون الودي". وهي معاهدة حملت بصمة واضحة لفلسفة الصين في العلاقات الدولية، بحسب الأشقر، حيث أعلنت الدولتان أن تعاونهما العسكري لا يستهدف دولة ثالثة، وأنه لا يجوز لأي منهما الدخول في تحالف يهدد أمن الطرف الآخر، وأن كليهما يؤيد التقيد الصارم بالقوانين الدولية، وتعزيز دور الأمم المتحدة المركزي في إدارة الشؤون الدولية، لا سيما في مجالي السلام والتنمية، ويعارضان التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة تحت أية نوع من الذرائع.
يؤكد الأشقر مع ذلك على أن التحالف بين الصين وروسيا هو تحالف قائم على المصلحة المتبادلة أكثر منه تحالفا أيديولوجيا أو تحالفا قائما على القواسم المشتركة. فرغم اعتماد الصين في تسليحها على روسيا في البدايات إلا أنها تدريجيا ومع التطور التكنولوجي السريع لديها بدت أقل اعتمادا على موسكو، والحال كذلك في وارداتها من النفط والغاز، حيث تستمر في تنويع مصادرها من جميع أنحاء العالم. وأكثر من ذلك يلفت الأشقر إلى أن الصين في الواقع تفضل "الحفاظ على علاقات جيدة من كل من الولايات المتحدة أوروبا وروسيا واليابان، على حد سواء، الأمر الذي من شأنه أن يكون أكثر فائدة لتنميتها السلمية.. ولو لم تدفعها واشنطن إلى أحضان موسكو لأعطت ربما الأولوية لعلاقاتها مع الولايات المتحدة على علاقاتها مع روسيا، نظرا إلى ارتهانها الاقتصادي المتبادل مع الأولى الأكبر بشكل لا يضاهى مما هو مع الثانية". يؤكد ما سبق الموقف الصيني من غزو روسيا لأوكرانيا، إذ" امتنعت بيجين عن إدانة العدوان، مظهرة بعض التفهم للمخاوف الأمنية الروسية تجاه حلف الناتو، لكنها لم تؤيده" ولم تشارك في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، لكنها كذلك لم تعرض نفسها لعواقب مجابهة هذه العقوبات.
تظل الفكرة الرئيسية التي يشدد عليها الأشقر أن الحرب الباردة الجديدة إنما هي صناعة أميركية بحتة، سببها هذه الرغبة المرضية بالهيمنة على كل القوى الدولية الأخرى.