بين عسكرين: حين انحنى السيف المصري واشتعل البركان الباكستاني
تاريخ النشر: 18th, May 2025 GMT
في زمن التيه والخذلان، حيث يغدو الظالم بطلا والمظلوم خائنا، تقف تجربتان متناقضتان لعسكرين خرجا من رحم التاريخ ذاته: عسكرٌ مصري انحنى، وعسكرٌ باكستاني انتفض. كلاهما لم يعرف طعم الديمقراطية، وكلاهما صعد إلى الحكم من فوهة البندقية، لكن حين واجه كلاهما اختبار الحياة، ظهرت الفوارق، فاختار أحدهما المجد، والآخر غاص في وحل التبعية.
العسكر لا يعترفون بالصناديق
لم يكن انقلاب الجيش المصري في 2013 حدثا عابرا، بل كان عنوانا لمشهد مكتمل من الردة السياسية، بدعم سخي من الغرب وبعض حلفائه العرب. فما كاد الأمل يطل من نوافذ الثورة، وتفتح صناديق الاقتراع بابا جديدا لمستقبل يكتبه الشعب لا الجنرالات، إلا وانقض هؤلاء الجنرالات بانقلاب عسكري بدعم صريح من قوى إقليمية وغربية، لقطع الطريق على إرادة الجماهير، وإعادة مصر إلى قبضة الحكم الأمني، بل أشد، حيث سُحقت التجربة الديمقراطية الوحيدة في تاريخ البلاد الحديث، ووُئد الحلم الشعبي في مهده. آلاف في السجون، صحافة مُكمّمة، وبلاد يُدار قرارها من الخارج، لا من الإرادة الحرة.
أما في باكستان، كان الجيش دائم الحضور في كواليس السياسة، فالديمقراطية لم تكن يوما أكثر من مرحلة استراحة بين انقلابين. التبعية لواشنطن كانت سياسة لا تخفى، والولاء للخارج كان يعلو على أي التزام وطني. وكل ذلك جرى تحت شعارات "الأمن" و"محاربة الإرهاب"، وهي التبريرات ذاتها التي صُنعت بها الديكتاتوريات في القاهرة وإسلام آباد.
في كلا البلدين، أصبح العسكر أوصياء على الشعب بدعم خفي أو علني من واشنطن، فلطالما كان جيش مصر من بعد اتفاقية كامب ديفيد هو الحارس الأمين للكيان الصهيوني مدلل أمريكا، وجيش باكستان هو بوابتها الاستراتيجية في جنوب آسيا. كان ولاؤهما للبيت الأبيض أقوى من الانتماء للوطن، وتحت تلك الوصاية المزعومة ارتُكبت الخيانات، تحت غطاء دولي للقمع، فصارت الشعوب بين مطرقة الاستبداد وسندان التبعية. وما زاد الطين بلة، أن العسكر في البلدين تغذّوا على الرضا الأمريكي ومساعداته، وارتبطت سياساتهم الأمنية والاقتصادية بتوصيات صندوق النقد، لا بتطلعات الفقراء.
فكان قمع الداخل سياسة محلية، لكن بمباركة دولية. وحين جاءت لحظة الحقيقة، لحظة الماء، سقطت الأقنعة، فبدا من فيهم مستعدٌّ للدفاع، ومن قرر أن لا حياة تستحق القتال.
مصر.. حين خانت السيوف الماء
وُضع جيش مصر أمام اختبار الوجود: النيل، شريان الحياة، الرئة التي تتنفس منها الأرض والناس، القلب النابض لحضارة سبقت التاريخ، فاختار أن يُغلق عينيه، ويصمّ أذنيه، ويسلم البلاد والعباد على طبق من عطش. تحت ستار "الحكمة" و"المفاوضات"، تواطأ على الوطن، وسمح بأن يُختطف النيل أمام عينيه بلا أن يطلق طلقة، بلا أن يُحرك دبابة، بل بلا أن يخرج بيانا يهدد، أو حتى يرفض.
تمسك العسكر بورقة بالية اسمها "الحل السلمي"، وهم يعلمون -ويُعلنون- أن المفاوضات عبث، وأن إثيوبيا تسخر، وأن الغرب يبارك، وأن بعض الأشقاء العرب يصفقون من خلف الستار. فهل هذه حكمة أم خيانة مغلّفة بالأقوال المزينة؟
وقف عسكر مصر يراقبون إثيوبيا تبني السد حجرا فوق حجر، بينما هم مكتفون بإطلاق شعارات الوطنية الفارغة في نشرات الأخبار ومنهمكون في ملاحقة المعارضين في الشوارع والأزقة. فأي جيش هذا الذي يرضى أن يرى شعبه يُحتضر ولا يهزمه الغضب؟
باكستان..
على الطرف الآخر، في باكستان، كانت الأمور مختلفة. فحين هددت الهند منابع المياه، لم ينتظر العسكر تحليلا استراتيجيا من معهد أمريكي، ولا توصية من حليف دولي. السلاح ارتفع، والرسالة كانت واضحة: "لن نُجفف لنرضي أحدا". لم تعنهم المعونات، ولا التصنيفات، ولا الارتباك الدبلوماسي. وُضعت كرامة الأمة قبل أي تحالف، بل وعندما أحسوا بأن الغرب قد مال كلّه إلى صف الهند، حطموا الأغلال وولّوا وجوههم شطر الشرق (الصين)، وبدأوا في بناء قوة تستمد سلاحها من أرضها أو من حلفاء جدد، لا من صانعي القيود.
في مشهد كأنه من ملحمة قديمة، كانت باكستان تصرخ في وجه العالم: "لسنا عبيدا، ولن نُجفّف عطشا كي نُرضي أرباب المال والسلاح".
باكستان، التي طالما عرفت القمع، ارتدى جيشها في تلك اللحظة زيّ الجندية الحقة، ووقف في وجه التهديد كما يجب أن يقف جيشٌ وُجد لحماية وطنه لا لحراسة سلطة.
الحكم بالنار.. والاختبار بالماء
لم يكن عسكر مصر ولا عسكر باكستان مثالا للديمقراطية ولا حُماة لإرادة الشعوب، فكلاهما صعد إلى سدة الحكم على ظهر دبابة، لا على أكتاف صناديق الاقتراع، وكلاهما قادا شعوبهما بالحديد والنار، لا بالعدل والحرية.. قمع، وتنكيل، وتضييق، وسجون امتلأت بأصحاب الرأي والمبدأ، ومجتمعات أُخضعت بالقوة لا بالثقة.
لكن الفارق ظهر جليا حين وقف الجميع عند بوابة الماء؛ حين باتت الحياة نفسها مهددة. هناك فقط تباينت المواقف:
عسكر باكستان أدّوا الدور الحقيقي للجيوش، دافعوا عن حياة شعبهم بلا حساب، ووقفوا كالدرع في وجه كل معتدٍ. أما عسكر مصر، فكانوا في ذروة تخاذلهم، يتفرجون على النيل يُغتصب دون أن يرتعش لهم جفن. نعم، الماء فرّق بين جيش يقاتل من أجل الشعب، وآخر يقاتل الشعب من أجل الكرسي.
وشتان بين من راكم الثروات في القصور، ومن حمل السلاح على الحدود.. شتان بين من يقايض الكرامة بتقرير رضا أمريكي، ومن يقول للعالم: "الماء خط أحمر، والحياة لا يساوم عليها".
لم تُهزم مصر أمام سد، بل أمام جيش باع شرفه مقابل المساعدات، ولم تنتصر باكستان بالسلاح فقط، بل بالقرار السيادي الذي قرّر أن الشرف أغلى من المساعدات.
هنا يظهر سؤال:
إن كان الماء هو الاختبار الذي سقط فيه جيش مصر، فهل ينجح الشعب في اجتيازه وينقذ الوطن؟ وهل يملك من الشجاعة ما لم يملكه من وُكلت إليهم الحماية؟
ختاما..
هكذا يُكتب التاريخ؛ ليس بالشعارات، بل بالدماء.
سلام على كل جيش احترف حب الوطن، وخزيٌ على كل من خان شعبه وباع الأرض مقابل حفنة دولارات وسطرٍ في تقرير أمريكي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات مصري باكستاني الجيش مصر باكستان جيش مدونات مدونات قضايا وآراء مدونات مدونات قضايا وآراء سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
في فترة عصيبة.. ماذا أراد الرئيس الإندونيسي من زيارته إلى باكستان وروسيا؟
جاكرتا- عاد الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، فجر الجمعة، إلى بلاده بعد زيارة باكستان وروسيا، وحطت طائرته في مطار كوالا نامو بمدينة ميدان عاصمة إقليم سومطرة الشمالية، وهو الأقرب بالطريق البري إلى الجزء الجنوبي من إقليم آتشيه، الأكثر تضررا من فيضانات إعصار سينيار الذي ضرب أقاليم آتشه وسومطرة الشمالية والغربية، ابتداءً من الـ26 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وكان لافتا ألا يؤجل الرئيس الإندونيسي زيارته إلى البلدين، تأكيدا على أهمية العلاقات معهما، رغم إدراكه لعظم أثر الكارثة التي حلت بنحو 3 ملايين شخص في 3 أقاليم، حيث توصف بأنها الأقسى منذ زلزال تسونامي بالو الذي ضرب جزيرة سولاويسي في سبتمبر/أيلول عام 2018.
وفور عودته، زار برابوو بعض المناطق في إقليم آتشه، وقدم اعتذاره لضحايا الفيضانات في آتشه وعموم جزيرة سومطرة، إذ لم يتم تلبية جميع احتياجات المتضررين من الفيضانات، بما في ذلك تأخر إعادة تشغيل التيار الكهربائي في إقليم آتشيه حتى الآن.
ووعد الرئيس بأن حكومته ستبذل قصارى جهدها للاستجابة لمعاناة المتضررين ميدانيا، الذين تجاوز عددهم 800 ألف شخص، في حين تجاوزت البيوت المدمرة بشكل كلي أو جزئي الـ158 ألف منزل، في 52 محافظة ومدينة موزعة بين 3 أقاليم سومطرية، وهو عدد يتجاوز عدد المنازل المدمرة في تسونامي آتشيه الشهير عام 2004.
إعادة التوازن مع باكستان
العنوان الأبرز من زيارة برابوو سوبيانتو كان تعزيز علاقاتها الثنائية مع باكستان وروسيا، وهما دولتان عضوتان في منظمة شنغهاي للتعاون، ذلك التحالف السياسي والاقتصادي والأمني الأوراسي الذي يضم أيضا دولا كالصين وإيران، ودول آسيا الوسطى.
وشوهدت يوم الثلاثاء الماضي مقاتلات سلاح الجو الباكستاني وهي ترافق طائرة الرئاسة الإندونيسية في المجال الجوي الباكستاني، قبل أن يستقبلها الرئيس آصف علي زرداري ورئيس الوزراء شهباز شريف في مطار إسلام آباد.
إعلانوكانت هذه الزيارة هي الأولى لزعيم أكبر دولة في جنوب شرق آسيا وكبرى دول العالم الإسلامي إلى باكستان منذ 7 سنوات، وفي بيان صحفي عقب لقاءات القادة، قال رئيس الوزراء شهباز شريف إن البلدين اتفقا على إعادة التوازن إلى تجارتهما الثنائية، التي تبلغ قيمتها حاليا 4.5 مليارات دولار أميركي، 90% منها تتكون من صادرات إندونيسيا من زيت النخيل.
كما أعلن شريف عن استعداد باكستان لدعم تطوير كليات الطب والجامعات في إندونيسيا من خلال إرسال أطباء وأطباء أسنان وأساتذة طب باكستانيين، وتم توقيع 7 مذكرات تفاهم بين البلدين:
اتفاقية بين وزارة التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا الإندونيسية ولجنة التعليم العالي الباكستانية، بشأن الاعتراف المتبادل بشهادات ودرجات التعليم العالي. اتفاقية بين إندونيسيا وباكستان بشأن برنامج "المنح الدراسية الإندونيسية". مذكرة تفاهم بشأن الشراكة الإستراتيجية في تسهيل الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة بين البلدين. مذكرة تفاهم بين الأرشيف الوطني الإندونيسي وقسم مجلس الوزراء ممثلاً بالأرشيف الوطني الباكستاني، بشأن التعاون في مجال الأرشفة. مذكرة تفاهم بين الوكالة الوطنية الإندونيسية لمكافحة المخدرات ووزارة الداخلية وهيئة مكافحة المخدرات في باكستان، بشأن التعاون في منع ومكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية والمواد المسببة للإدمان. مذكرة تفاهم بين وكالة ضمان المنتجات الحلال الإندونيسية وهيئة الحلال الباكستانية بشأن التجارة الحلال وإصدار الشهادات المعتمدة. مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الصحة.وفي لقائه الثاني مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ آخر لقاء بينهما على هامش الذكرى الثمانين لانتصار الصين في حرب المقاومة، في 3 سبتمبر/أيلول الماضي في بكين، أكد بوتين التزام روسيا بدعم جهود إندونيسيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، لا سيما تطوير الطاقة النووية.
يذكر أن روسيا كانت واحدة من أكثر الدول نشاطًا في توفير التكنولوجيا النووية لإندونيسيا خلال السنوات الأخيرة للمساعدة في تلبية احتياجات البلاد من الكهرباء.
وحسب مصادر صحفية إندونيسية، فقد أكد الرئيس الروسي استعداد بلاده لتقديم المساعدة إذا قررت إندونيسيا إشراك روسيا في تطوير التكنولوجيا النووية المدنية، وقال "هناك العديد من الآفاق في قطاع الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية، وأعلم أن إندونيسيا لديها خطط في هذا الصدد".
ونقلت مواقع إندونيسية عن بوتين قوله "لقد تطورت علاقتنا بشكل مطرد للغاية في العام الذي نحتفل فيه بمرور 75 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا، كما تعمل اللجنة الاقتصادية المشتركة بشكل جيد، وقد تطورت العلاقات الاقتصادية والتجارية أيضًا خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، وارتفعت قيمة تجارتنا بنسبة 17%".
إعلانكما ناقش الزعيمان التعاون المحتمل في القطاعين، الصناعي والزراعي، بما فيها قضية القمح. وصرح بوتين بأن موسكو وجاكرتا اتفقتا على تعميق التعاون في الشؤون الدفاعية والعسكرية، وهو مسار مهم للصناعة الدفاعية الإندونيسية التي تسعى لتنويع تسلحها بشكل لافت خلال الفترة الماضية.
وأشار الرئيس بوتين إلى إندونيسيا باعتبارها شريكا تقليديا لروسيا، وسلط الضوء على التعاون التقني العسكري القوي والعدد المتزايد من العسكريين الإندونيسيين الذين يدرسون في المؤسسات العسكرية الروسية.
وأضاف "تقبل مؤسسات التعليم العالي العسكرية أيضا العديد من الخبراء العسكريين الإندونيسيين، ونحن على استعداد لزيادة هذا العدد".
وأشار بوتين إلى تحسن العلاقات في القطاعين الإنساني والسياحي، مدعوما بربط الرحلات الجوية المباشرة، وسياسات الإعفاء من التأشيرة بين مواطني البلدين.
وفيما يتعلق بدور إندونيسيا في المجتمع الدولي، أعرب الرئيس بوتين عن تقديره لعضوية إندونيسيا الكاملة في مجموعة "بريكس"، وأشار إلى المناقشات حول إمكانية التعاون في مجال التجارة الحرة بين إندونيسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
تعثر التبادل مع واشنطنوتأتي هاتان الزيارتان إلى باكستان وروسيا في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير صحفية عن شيء من التعثر في المفاوضات التجارية بين إندونيسيا والولايات المتحدة.
ففي يوليو/تموز الماضي، اتفقت إندونيسيا والولايات المتحدة على إلغاء الرسوم الجمركية على أكثر من 99% من السلع الأميركية، وإلغاء جميع الحواجز غير الجمركية التي تواجه الشركات الأميركية، في حين ستخفض واشنطن الرسوم الجمركية التي هددت بفرضها على المنتجات الإندونيسية من 32% إلى 19%.
ومع ذلك، أفادت وكالة رويترز ومواقع إخبارية أخرى بأن الاتفاق التجاري معرض الآن لخطر الانهيار، بعد أن تراجعت إندونيسيا عن عدة التزامات تعهدت بها كجزء من الاتفاق، حسب ما قال مسؤول أميركي يوم الثلاثاء، دون تقديم مزيد من التفاصيل.