د. سلام محمد سفاف **

dr.salamsafaf@gmail.com

 

الاستشراف الاستراتيجي: كيف تقود الشركات العُمانية صناعة المستقبل؟

ماذا لو استطعتَ رؤية تحولات السوق العُماني بعد 5 سنوات؟ كيف ستغير استراتيجيتك لو عرفت أن الطلب على الطاقة المتجددة سيتضاعف بحلول 2030، وأن 40% من الوظائف الحالية ستختفي بسبب الذكاء الاصطناعي؟
والآن، تخيل أن لديك خيارين:

الخيار الأول: أن تنفق مليون ريال عُماني على التكيف مع أزمة انقطاع سلاسل التوريد بعد وقوعها.

الخيار الثاني: أن تستثمر 100 ألف ريال في الوقت الحاضر لتوقع الأزمة قبل 3 سنوات وتجنبها تمامًا.
الاستشراف الاستراتيجي هو الخيار الثاني، وهو الفرق بين القائد الاستراتيجي والمدير.

بعد أن ناقشنا في المقالتين السابقتين كيف نخطط ونصمد، حان الوقت لنعرف كيف نُشكّل المستقبل؟

 تعتمد العديد من الشركات في السوق العُماني على التخطيط وتهمل جانب الاستشراف الاستراتيجي، وقد يعتبره البعض تكاليف غير ربحية على الرغم من أنها تشكل حزام الأمان في وجه مطبات المتغيرات المتسارعة في السوق وتطوراته وعدم استقراره أحياناً، كما أننا نواجه أيضاً إشكالية التحليل التقليدي المعتمد على أدوات مثل  SWOT Analysisأو PESTEL Analysis، حيث يقع معظم قادة الشركات في فخ الاكتفاء بهذه الأدوات فقط خلال عملية تحليل البيئة الداخلية والخارجية، والتركيز على دراسة البيانات في الوقت الحاضر وعدد من السنوات الماضية كتحليل الطلب على مشتقات النفط، وبالتالي تَوقع نمو قطاع النفط دون مراعاة التحول العالمي للطاقة، وهذا يعني إهمال إشارات المستقبل.

إذاً، ما الفرق بين الاستشراف الاستراتيجي والتخطيط؟

يدرس الاستشراف الحالة المستقبلية "ماذا بعد؟"، بينما يركز التخطيط على الحالة الراهنة "ماذا لو؟". يبني الاستشراف سيناريوهات مستقبلية مثل محاكاة تأثير الذكاء الاصطناعي، بينما يعتمد التخطيط على تحليل البيانات الحالية والتاريخية فقط باستخدام أدوات مثل SWOT.

ويواجه مستقبل الشركات العُمانية تحديات خاصة، أهمها:

ثقافة "الانتظار والترقب" ونقص البيانات المستقبلية. فخ التكنولوجيا: التركيز على الأدوات بدلاً من الرؤية المستقبلية، فالتحول الرقمي أداة وليس هدف. الاستشراف الانعزالي: عدم مشاركة النتائج مع الجهات الحكومية وعقد ورش لمحاكاة الأزمات.

خارطة طريق الاستشراف الاستراتيجي: كيف تبدأ؟

تدريب 20% من الموظفين على التفكير الاستشرافي، وتشكيل وحدة استشراف داخلية من الثلاثة الأكثر كفاءة منهم. اعتمد أداة تحليل الاتجاهات الكبرى "Megatrend Analysis"، وهي تقنية تُمكّن الشركات من توقع التغيرات المستقبلية في السوق من خلال تحليل الاتجاهات الحالية والتنبؤ بالتطورات المستقبلية التي سيكون لها تأثير كبير على الأعمال، ويتم استخدامها في دفع عجلة الابتكار وتحسين الاستراتيجيات. تابع ثلاثة اتجاهات عالمية تؤثر على قطاعك، واختر سيناريو واحد وحضّر له.

نموذج عُماني ناجح في استشراف المستقبل: كيف تقود OQ "أوكيو" التحول نحو الطاقة الخضراء والابتكار؟

في عام 2024، برزت مجموعة أوكيو العُمانية كنموذجٍ رائد في استشراف المستقبل، حيث نجحت في الجمع بين الابتكار التكنولوجي والتحول الطاقي المستدام، مدعومةً برؤية استراتيجية تواكب تطلعات سلطنة عُمان لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050. ومن أبرز محطات هذا النجاح:

تأسيس وحدة الابتكار: (OQX) أطلقت أوكيو هذه الوحدة كذراعٍ بحثي وتطويري يهدف إلى معالجة التحديات التشغيلية والبيئية عبر تقنيات مبتكرة. وفي عام 2024، نفذت الوحدة 3 مشاريع تجريبية متوقع أن توفر 2.6 مليون دولار من التكاليف، إلى جانب تطوير أول ملكية فكرية للشركة في عُمان مع التركيز على مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.

2- التحول نحو الطاقة الخضراء: تبنت أوكيو مشاريع استراتيجية لقيادة التحول الطاقي، أبرزها:

مشروع "هايبورت الدقم" للهيدروجين الأخضر. تطوير 300 ميجاوات من مشاريع الطاقة الشمسية والرياح في محافظتي الوسطى وظفار. مشروع مرسى للغاز الطبيعي المسال في صحارالذي سيعمل بالكهرباء المتجددة بنسبة 100% ليصبح أحد أقل المصانع كثافةً للانبعاثات عالميًا. شراكات دولية ودعم الاقتصاد المحلي: عززت أوكيو التعاون مع لاعبين عالميين مثل توتال إنرجيز كما رفعت إنفاقها على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحلية إلى 900 مليون دولار، مما يدعم التنويع الاقتصادي.

تمثل أوكيو نموذجًا فريدًا للشركات الوطنية التي تدمج بين الابتكار والاستدامة، لتصبح عُمان وجهةً رائدة في اقتصاد الطاقة الجديدة، وهي تقدم لنا مجموعة من الدروس المستفادة:

التحول يبدأ قبل أن تضطر إليه. السوق المستقبلي لا يشبه سوق اليوم. أعد تعريف هويتك قبل أن يبدأ الأخرون.

أخيراً، المستقبل ليس مكانًا نصل إليه بالصدفة؛ بل هو مساحة نصنعها بالخيارات الاستراتيجية اليوم. في هذه السلسلة، انتقلنا من التخطيط إلى الصمود ثم إلى القيادة، وها نحن ندرك أن الفرق بين الشركات التي تنجو وتلك التي تزدهر يكمن في قدرتها على استشراف الغد قبل أن يُطل برأسه.

كما علمتنا "أوكيو"، التحول يبدأ عندما نرفض أن نكون رهائنَ للماضي، ونختار أن نكون مهندسين للمستقبل. والسؤال الآن: هل ستكون أنت القائد الاستراتيجي الذي يقرأ اتجاهات السوق، أم المدير الذي يلهث وراءها؟

الفرصة بين يديك.. والأرض العُمانية مليئة بالموارد والرؤى. تذكر فقط: أن العالم يتغير، لكن المستقبل يُبنى دومًا بأفكار الجريئين.

*************

** سلسلة مقالات تحوّل المفاهيم النظرية إلى أدوات عملية، تنقلك من أساسيات التخطيط الذكي إلى فنون الصمود أمام العواصف الاقتصادية، وصولًا إلى استشراف المستقبل بجرأة، نقدم لك خلاصة الخبرة الاستراتيجية لتحول التحديات إلى فرص نمو واعدة.

ونأمل أن تكون هذه المقالات دليلًا عمليًا لكل قائد يُريد أن يصنع مستقبله بيده في السوق العُماني الواعد.

 

** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم

** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أحمد الغافري أول عُماني يتخرج من جامعة لندن للأعمال بدرجة الماجستير التنفيذي

في إنجاز أكاديمي وطني يُضاف إلى رصيد الكفاءات العُمانية الشابة، تمكّن أحمد بن حمود الغافري من أن يكون أول عُماني يتخرج من جامعة لندن للأعمال (London Business School)، إحدى أعرق الجامعات العالمية، بدرجة الماجستير التنفيذي في إدارة الأعمال (EMBA)، تجربة أكاديمية ومهنية فريدة جمعت بين الطموح والرؤية والتمثيل المشرف لسلطنة عُمان على الصعيد الدولي.

وفي حوار خاص لـ "عُمان"، قال الغافري: إن رحلته الأكاديمية بدأت من خلفية هندسية في شركة تنمية نفط عُمان، ثم انتقل إلى قطاع الأعمال عبر شركة رأس الحمراء، وعزّز الانتقال رغبته في التعمق في مجالات الاستراتيجية والقيادة.

وأضاف: "اخترت جامعة لندن للأعمال لما لها من مكانة مرموقة عالميًا، ولأنها بيئة تصنع القادة، وتمنح فرصة لبناء شبكة علاقات دولية قوية أثّرت في شخصيتي من حيث النضج والثقة والقدرة على التأثير عالميًا".

ويصف الغافري التحديات بقوله: "كانت كثيرة، من بينها التأقلم مع كثافة البرنامج والتنافس مع قادة عالميين، لكنها تحولت إلى فرص للنمو والتطور".

وخلال فترة دراسته، شارك الغافري في مشاريع ومبادرات قيادية، منها تحليل مقارن لاقتصادات وصناديق سيادية، ومشاريع تفاوض استراتيجي حازت على مراكز متقدمة.

وأشار الغافري بقوله: "اللحظة الأهم بالنسبة لي كانت إدراج اسمي ضمن خريجي النخبة في فايننشال تايمز، لكن الأهم من ذلك أن تُفتح مثل هذه الفرص لبقية الشباب العُماني".

وعن رؤيته للمستقبل، أوضح الغافري أنه يسعى لتطوير مشاريع استثمارية في مجالات الطاقة والتمويل والتقنيات الناشئة، مع التركيز على الاستدامة وتنويع الاقتصاد الوطني.

ودعا الغافري الشباب العُماني إلى السعي نحو التميز وصناعة قصصهم الخاصة، قائلًا: "الجامعات العالمية لا تبحث فقط عن درجات، بل عن شخصيات قيادية قادرة على صناعة الفارق".

ويمثل هذا الإنجاز مصدر فخر واعتزاز وطني، ويجسد قدرة الكفاءات العُمانية على التميز في أرفع المحافل الأكاديمية العالمية، ويأتي هذا التميز في سياق توجه سلطنة عُمان نحو الاستثمار في رأس المال البشري، وتشجيع الشباب على نيل أعلى الدرجات العلمية والعملية، والقيام بأدوار قيادية على المستوى الدولي، بما يتوافق مع "رؤية عُمان 2040" التي تضع الإنسان في قلب التنمية.

مقالات مشابهة

  • عاجل |صرفوا سلع زائدة لمنافذ جمعيتي تضر المخزون الاستراتيجي.. تفاصيل معاقبة 13 موظف بالتموين (مستند)
  • جهاز الاستثمار العُماني من الأرقام إلى خلق الأنماط
  • "العُماني... فطرة الخير وصوت الحكمة"
  • في 3 أشهر.. صعود الناتج المحلي الإجمالي إلى 9.4 مليارات ريال عُماني
  • مكاسب أسبوعية لبورصة مسقط.. والقيمة السوقية تتجاوز المليار ريال عُماني
  • حمدان بن زايد يطلع على الإطار الاستراتيجي لهيئة أبوظبي للتراث وخطة مهرجان ليوا للرطب
  • أحمد الغافري أول عُماني يتخرج من جامعة لندن للأعمال بدرجة الماجستير التنفيذي
  • وزير الخارجية السعودي: السلام الخيار الاستراتيجي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي
  • المقاصد بين النبوة والخلافة.. قراءة في العقل الاستراتيجي المؤسس.. كتاب جديد
  • مكتب الصرف يُطمئن رجال الأعمال ويكشف توجهه نحو التحول الرقمي لتقليل المخاطر المالية