جهاز الاستثمار العُماني من الأرقام إلى خلق الأنماط
تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT
لا يقتصر الدور الذي تلعبه صناديق الثروة السيادية - باختلاف تسمياتها - على تحريك واستدامة العجلة الاقتصادية؛ بل تتعدى أدوارها اليوم إلى أن تكون الأداة الأولى في دعم الأجندة الوطنية، وتعزيز قوة التأثير والسمعة الوطنية خارج البلد (القوة الناعمة)، وتمكين منظومة متكاملة تضمن استفادة المجتمع من عوائد النمو الاقتصادي من خلال آليات وأدوات وبرامج المحتوى المحلي، بل وأصبحت تتعدى ذلك إلى أدوار (اجتماعية - اقتصادية Socio-economic roles) في أوقات الأزمات والتحولات ومثال ذلك قيام بعض هذه الصناديق بعملية ضخ السيولة في الموازنات العامة أو في الاقتصاد بشكل مباشر للحفاظ على الخدمات الاجتماعية وبرامج التوظيف والدعم في أوقات التقلبات الاقتصادية مثل حالة انهيار أسعار الطاقة.
ومن الأدوار المهمة لهذه الصناديق حسب تقديرنا هو عملية (خلق الأنماط Create patterns) – أي أن تكون مؤسسات نموذجية تستطيع من خلال عملياتها وأدوارها إيجاد ممارسات رائدة توفر التحول المنشود على المستويات الوطنية المختلفة -؛ سواء كان ذلك في عمليات حوكمة المؤسسة، أو الدور في تطوير وتأهيل الكوادر العاملة بها، أو نظم إدارة العمليات المؤسسية، أو التنبيه إلى تحولات الاقتصاد الجديد والقطاعات الواعدة، أو المساهمة في إيجاد نظام متكامل لنمو الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتوجيهها إلى فرص النمو الأكثر استدامة ورهانًا مستقبليًا، أو إيجاد النماذج فيما يتعلق بالاستدامة وتحقيق الأهداف البيئية، وسواها من الممارسات.
والواقع أن عملية خلق الأنماط من خلال هذه الصناديق تتعاظم اليوم لثلاثة أسباب رئيسية: أولها قدرة هذه الصناديق على الاحتكاك المباشر بالاقتصاد العالمي وتعظيم عملية نقل المعرفة والابتكار والممارسات الرائدة، والثاني حاجتها إلى الاهتمام الدقيق بمنظومة المخاطرة وبالتالي اتخاذ قرارات حساسة تجاه الأدلة ومزدوجة التحقق، وثالثها قدراتها البشرية والمؤسسية على استكشاف الفرص والتحول إلى (رادارات) للاقتصاد الجديد بما يسهم في قيادة القطاعات الوطنية وتوفير المزايا التنافسية.
ما نود استكشافه في هذه المقالة هو دور جهاز الاستثمار العُماني في خلق هذه الأنماط استنادًا إلى البيانات المنشورة في تقاريره واللقاءات الإعلامية التي يدأب الجهاز على تنفيذها بشكل مستمر. والواقع أنه لابد من كلمة إشادة بمستوى الشفافية الجيدة في تعاطي الجهاز سواء مع وسائل الإعلام، أو في نشر الأرقام والمؤشرات المرتبطة بأعماله، أو في تبيان وتفصيل جهوده المؤسسية والاستثمارية عبر تقاريره السنوية؛ فكل ذلك يمكن المهتم والمتابع من تتبع واضح ودقيق لمسيرة عمل الجهاز والدور الذي يؤديه في حفظ واستدامة الأصول الوطنية وتنميتها للأجيال المقبلة.
ثلاثة ملفات أساسية تعكسها محافظ الجهاز تعكس الأدوار الأصيلة له: الحفاظ على الأصول والثروات واستدامتها عبر الأجيال، الإسهام في دعم التنمية الوطنية (الموجهة)، واستشراف المستقبل عبر الاستثمار في الجيل الناشئ من المشروعات والشركات والتركيز على القطاعات الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد الجديد. وفي كل ملف من هذه الملفات قصة نجاح تحكيها المؤشرات التراكمية لعمل الجهاز خلال السنوات الفائتة. ما يعنينا هو أن جهاز الاستثمار تحول عبر السنوات الخمس الماضية إلى بوصلة رئيسية لتتبع مسارات الاقتصاد الجديد، فلو تتبعنا الصناديق الاستثمارية الـ13 التي تستثمر فيها محفظة الأجيال سنجد أنها تتركز في قطاعات: الصناعات المتقدمة والبنية الأساسية الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلوم الصحية والخدمات المالية. وهذه القطاعات في مجملها تشكل اليوم وجهة المستقبل، سواء كوجهة استثمار لمختلف المستثمرين وصناديق الاستثمار العالمية، أو مناطق تركيز للدول في سبيل الاهتمام بها كقطاعات قاطرة للتنمية الوطنية والمستقبل. وتتكامل هذه المحفظة مع ما يقوم به صندوق عُمان المستقبل من استثمارات، حيث وبحسب تقرير الجهاز لعام 2024 اعتمد الصندوق 44 عرض شراكة وبقيمة بلغت نحو 333.1 مليون ريال عُماني، حيث بلغ إجمالي المشروعات المستثمر فيها نحو 1.239 مليار ريال عُماني وتتقاطع تلك الاستثمارات مع القطاعات التي تركز عليها محفظة الأجيال في استثمارها عبر مجموعة من الصناديق، وهو ما يمثل فرصة (تعلم) في المقام الأساس، وفرصة (استكشاف) للمؤسسات النشطة في السوق المحلية للتوجه والتركيز نحو قطاعات المستقبل والاقتصاد الجديد.
أما فيما يتعلق بالمحتوى المحلي فيشكل الجهاز قصة ملهمة في سياق (حوكمة) عمليات المحتوى المحلي، فهناك إنفاق مباشر على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بلغ في الإجمالي نحو 265.5 مليون ريال عُماني، ونحو 311 منتجا وخدمة تحتويها قائمة الجهاز للسلع والخدمات الإلزامية من داخل السوق المحلي، كما استطاع الجهاز تطوير قدرات نحو 38 مؤسسة لدعم سلسلة التوريد لأعماله بقيمة بلغت نحو 11 مليون ريال عُماني، وكل ذلك يعكس التزامًا بالأجندة الوطنية وبشكل منهجي تقوده السياسات والمبادرات المحكومة بالأثر، سواء فيما يتعلق بدعم جهود المحتوى المحلي، أو تطوير الصناعات الوطنية، أو دعم المنتج العُماني، أو المساهمة في تهيئة بيئة نموذجية لنمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة واستفادتها من فرص الأعمال والمشروعات الكبرى.
إذن يمكن القول: إن الجهاز أسهم عبر منظومة عمله في الموازنة بين أهداف الربحية الاقتصادية وتحقيق الاستدامة المالية لعملياته وشركاته، وبين تحقيق الأهداف والأجندة الوطنية الملحة خلال هذه المرحلة، وتبقى ثمة رهانات مهمة تفرضها المرحلة القادمة على منظومة الجهاز - خاصة في ظل حالة عدم اليقين العالمي ومنها: دعم أكبر لمنظومة التحول الوطنية نحو اللامركزية، بتوسيع نطاق الاستثمار في الميز التنافسية في المحافظات، وكذلك زيادة تشبيك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالاقتصاد العالمي الجديد وتبني جزء من مسؤولية توجيهها لفرصه الواعدة، والإسهام في تعزيز مبادئ الحوكمة عبر نقل الممارسات والتجارب إلى مختلف المؤسسات المحلية، عوضًا عن التركيز بشكل فاعل على تطوير منظومة نقل المعرفة والابتكار من خلال الاستثمارات ليس فقط في إيجاد فروع لها في سلطنة عُمان، بل التوسع لدمج المنظومة التعليمية والمعرفية للاستفادة من تلك الاستثمارات والعمليات.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المؤسسات الصغیرة والمتوسطة الاقتصاد الجدید هذه الصنادیق ریال ع مانی من خلال
إقرأ أيضاً:
تسجيل طلبات الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ على البرنامج الإلكتروني الجديد للهيئة الوطنية
تابعت غرفة العمليات المركزية بمقر الهيئة الوطنية للانتخابات برئاسة القاضي أحمد بنداري مدير الجهاز التنفيذي سير العمل بلجان تلقي طلبات الترشح على مدار الساعة من خلال البث الحي والتواصل المباشر مع القضاة رؤساء اللجان ولم ترصد أي معوقات طوال اليوم.
صرح القاضي حازم بدوي رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات أن لجان تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ قد باشرت أعمالها بانتظام في اليوم الأول بكافة المقرات المحددة من قبل الهيئة بالمحاكم الابتدائية وذلك من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، وبلغ عدد من تقدموا بأوراق الترشح (۲۰۱) علي النظام الفردي على مستوي الجمهورية ولم يشهد اليوم الأول أي ترشح على نظام القوائم.
من جانبها، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات مساء اليوم السبت، عن انتهاء اليوم الأول لفتح باب الترشح لعضوية مجلس الشيوخ، والذى شهد إقبالا متوسطا من الراغبين فى تقديم أوراق ترشحهم بالنظام الفردي، وكذا الاستفسار عن المستندات المطلوبة للمرشحين بنظام القائمة.
وتابعت الهيئة أنه تم تسجيل جميع المستندات المقدمة من عدد 102 متقدم من راغبي الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ على البرنامج الإلكتروني الجديد الذي أعدته الهيئة الوطنية للانتخابات الرقمنة المستندات وحفظها إلكترونياً.
وأكدت الهيئة الوطنية للانتخابات، عدم رصدها أى معوقات أو صعوبات واجهت الراغبين فى الترشح خلال اليوم الأول، حيث انتظم العمل بلجان تلقى أوراق الترشح منذ الساعة التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء، وذلك بفضل التيسيرات المقدمة من الهيئة قبل انطلاق الماراثون الانتخابي.
وفتحت اللجان الانتخابية التابعة للهيئة الوطنية للانتخابات، فى 22 محكمة الابتدائية، أبوابها من الساعة التاسعة صباح اليوم لتلقى طلبات الراغبين فى الترشح لعضوية المجلس على الدوائر الفردية والقائمة على حد سواء، وشهدت الساعات الأولى من فتح باب الترشح هدوء نسبيا، ومع الساعات الأخيرة بدأ الإقبال يزيد من قبل المرشحين بالنظام الفردي.
وتواصل غدًا الأحد، لجان تلقى أوراق الترشح عملها لليوم الثاني على التوالى، من خلال تلقى الطلبات والمستندات المطلوبة من الراغبين فى الترشح، والتى تمثلت فى الترشح، بيان يتضمن السيرة الذاتية للمترشح، وبصفة خاصة خبرته العلمية والعملية، صحيفة الحالة الجنائية لطالب الترشح، وبيان ما إذا كان مستقلًا أو منتميًا إلى حزب، واسم هذا الحزب، وإقرار ذمة مالية له ولزوجه وأولاده القصر، وشهادة المؤهل الجامعى أو ما يعادله على الأقل، وشهادة تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية أو ما يفيد الإعفاء من أدائها قانونا بالنسبة للذكور، وإيصال إيداع مبلغ ثلاثين ألف جنيه تودع خزانة المحكمة الابتدائية المختصة بصفة تأمين، والتوقيع على النماذج التى أعدتها الهيئة الوطنية للانتخابات لإثبات توافر الشروط التى يتطلبها القانون للترشح.
وعقب غلق باب الترشح تقوم لجان فحص طلبات الترشح والبت في صفات المرشحين المشكلة من الهيئة الوطنية للانتخابات، في التأكد من توافر شروط الترشح في المرشحين الذين تقدموا بأوراقهم خلال الفترة المحددة وذلك من واقع المستندات المقدمة منهم كما تفصل في مدى صحة انتماء طالبي الترشح في النظام الفردي للأحزاب أو كونهم مستقلين، كما تتولى فحص المستندات المقدمة من المرشحين الأصليين والاحتياطيين للقوائم.
وصدق الرئيس عبد الفتاح السيسى، على تعديلات قانون مجلس الشيوخ، وقانون تقسيم الدوائر الخاصة به، ويشكل مجلس الشيوخ من (300) عضو، وينتخب ثلثا أعضائه بالاقتراع العام السرى المباشر، ويعين رئيس الجمهورية الثلث الباقى على أن يخصص للمرأة ما لا يقل عن (10) من إجمالى عدد المقاعد.
وتقسم جمهورية مصر العربية إلى عدد 27 دائرة تُخصص للانتخاب بالنظام الفردى، وعدد 4 دوائر تُخصص للانتخاب بنظام القائمة، يُخصص لدائرتين منها عدد 13 مقعدًا لكل دائرة منهما، ويُخصص للدائرتين الأخريين عدد 37 مقعدًا لكل دائرة منهما.