رحيل الشاعر ياسين البكالي بعد رحلة إبداعية مع الحرف والقصيدة
تاريخ النشر: 22nd, May 2025 GMT
خليل المعلمي
نعت الاوساط الثقافية والأدبية في بلادنا الشاعر والأديب ياسين البكالي الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس الموافق ١٥ مايو ٢٠٢٥م، بعد رحلة طويلة مع الإبداع والتألق، رافق الحرف والكلمة والقصيدة على مدى أكثر من عقدين ويزيد، ادخر حياته ووقته وموهبته في الشعر ومع الشعر فكانت الحصيلة مجموعة من الدواوين، ونال الكثير من الجوائز والأوسمة والدروع.
توطدت علاقتي بالشاعر ياسين البكالي عندما كنا ضيوفا على مكتبة زبيد العامة أثناء مشاركته في مسابقة شاعر زبيد في ابريل 2013م، التي كانت تنظمها المكتبة سنوياً، كانت مشاركته في المسابقة رائعة ومتميزة وكان ذا صوت جهوري ولغته نقية وقوية، يلقى قصائده بقوة وكأنها تزلزل الأسماع قبل الأمكنة..
غادرنا زبيد سوياً متجهين إلى صنعاء فاصبحت روابط الصداقة بيننا وثيقة، وظل تواصلنا على مواقع التواصل الاجتماعي، اتعرف على أنشطته ومشاركاته ونتاجاته الإبداعية المستمرة، وكان آخر لقاء معه في صنعاء 2023م، واهداني حينها ديوانه الجديد في ذلك العام “عمرةٌ وسربُ قصائد”، وكنت أكثر متابعة لصفحته على “الفيس بوك” التي كان يبث فيها أماله وآلامه حتى اختاره الله إلى جواره صابراً محتسباً، قبل أن يكمل العقد الخامس من عمره ببضع سنوات لكنها إرادة الله الذي لا راد لقضائه.
لقد جادت قريحة الشاعر ياسين البكالي بالكثير من القصائد التي تحتاج منا إلى تأمل وتدبر، و القصيدة التالية التي نظمها ونشرها، وربما كان قد عرف بقرب أجله:
سأموتُ بعدَ قليلِ
فانتظروا
لكيْ أبكِي عليّا
وقِفوا جِواري هادئِينَ
دعوا الحروفَ تُحيطُ بي
ولسوفَ آخذُها إلى ربّي
أقولُ لهُ : إلهي
العفوَ هذا ما لديَّ
سأموتُ بعدَ قليلِ
فاحتشدوا عليَّ
فرُبّما سأكونُ أفضلَ
ربّما أُنهِي قراءةَ كلِّ أسماءِ الغيابِ
وأكتفي بصلاةِ هذا الشعرِ فِيَّا.
ولا عجب أن لا نجد للحياة أي أهمية لديه ولا تساوي شيئاً عنده وذلك من خلال قصيدة يقول فيها:
خُلاصةُ العُمرِ
أن تأتي خُلاصتُهُ
على امرئٍ
مثلَما تأتِي طفولتُهُ
وأن تنامَ عجوزٌ
فوقَ مائدةٍ
حتّى يعودَ ابنُها النائيْ
وفرحتُهُ
ما أرخصَ العيشَ
إن أضحى بلا سببٍ
وأتعسَ الوقتَ
إن سادتْكَ حِيرتُهُ
أحتاجُ نصفَ رغيفٍ
كي أرى وطناً
يَليقُ بالفردِ
إن آذتْهُ غُربتُهُ
نحيا على أملٍ..
كِدنا نذوبُ على
شَفا مواجِعِنا
لولا ابتِسامتُهُ..
وفيما يلي نستعرض السيرة الذاتية للشاعر المبدع ياسين البكالي (كما وردت في كتاب شعراء اليمن وأدباؤها المعاصرون، الجزء الثاني، 2025):
– ياسين محمد أحمد سعد البكالي، (شاعر وباحث في الدراسات الفلسفية).
-ولد في بكال بمحافظة ريمة عام1977م.
– بكالوريوس تربية قسم (فلسفة وعلم اجتماع) جامعة صنعاء عام 1999م.
– تمهيدي ماجستير إدارة مدرسية.
– يعمل في الحقل التربوي.
– رئيس منتدى شعراء ريمة.
– عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين
– عضو مؤسس في المنظمة اليمنية لحماية الدستور والقانون.
– مشارك في الكثير من الفعاليات الثقافية والمهرجانات على مستوى الوطن.
– مُشاركُ أساسي في (مُلتقى شعر المديح النبوي) في تريم عاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2010م.
– حاصل على شهادة شاعر اليمن من برنامج صدى القوافي الذي أنتجته الفضائية اليمنية 2014م.
– حاز على الكثير من الجوائز والشهادات التقديرية، من أبرزها:
• جائزة رئيس الجمهورية في محافظة ريمة لعام 2008م في مجال الشعر.
• جائزة ودرع أفضل شاعر في جامعة صنعاء لعام 2011م.
• المركز الأول ودرع وجائزة ملتقى شعراء ريمة عام 2017م.
• جائزة السنوسي الشعرية بجيزان المركز الثاني لعام 2018م.
• حاصل على درع (سفير السلام) لعام 2018 من جامعة الرازي ومؤسسة بصمات شبابية.
• حاصل على درع مجلة أقلام عربية لعام 2021م في مسابقة أقلام حول المرأة.
– الإصدارات الأدبية:
• ديوان (همسات البزوغ) عام 2008م تم طباعته في مطابع الكتاب المدرسي.
• ديوان (أحزان موسمية على الضفة الغربية) عام 2009م عن مركز عبادي.
• ديوان (مناسك غربةٍ لم تكتمل بعد) عام 2012م عن مركز عبادي.
• ديوان (أحدٌ ما يشتكي الآن منكَ) نادي الباحة الأدبي 2017م.
• ديوان (رمٌق آيلٌ للحياة) نادي الإحساء الأدبي 2017م.
• مجموعة (قبل أن يطفئ الماء قنديله) عن نادي نجران الأدبي 2018م.
• ديوان (مخافة أن….) عن منتدى شعراء ريمة 2020م.
• مجموعة (ليس في بالهِ أن يعود) صدرت عن مؤسسة الانتشار العربي عام 2020م.
• “الآهل بالفقد” مجموعة شعرية صدرت عن دار عناوين عام 2021م.
• “واستدار رغيفٌ من الأمنيات” مجموعة شعرية صدرت عن النادي الأدبي الثقافي بجدة 2022م.
• “الرحيل واقفاً” كتاب عن الشاعر الراحل مهدي الحيدري2022م.
• ديوان (عمرةٌ وسربُ قصائد).
. ديوان (ثم قال الغريب) صادر عن مؤسسة يسطرون للطباعة والنشر والتوزيع.
– تحت الطبع:
• ديوان (أشرعةٌ تصلي في حضرة البحر).
• ديوان (النزوح الأبيض إلى حروفٍ لا تعرف الجهاتْ).
(وردة النار) رواية..
رحم الله فقيدنا، وأسكنه الفردوس الأعلى.. وإنا لله وإنا إليه راجعون..
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: یاسین البکالی
إقرأ أيضاً:
الحرف اليدوية اليمنية .. جذور الأصالة وروح الانتماء
تُعد الحرف اليدوية التقليدية في اليمن من أبرز عناصر الهوية الوطنية والثقافية، حيث شكلت على مدى قرون طويلة أساسًا اقتصاديًا واجتماعيًا، ورافدًا حضاريًا غنيًا يعكس عراقة الإنسان اليمني وعمق ارتباطه ببيئته وتاريخه، هذه الحرف لم تكن مجرد مهن متوارثة، بل كانت ولا تزال تجسيدًا حيًا لقيم الجمال والمهارة والابتكار الشعبي، حيث تمزج بين الأبعاد الاقتصادية والرمزية والثقافية والدينية، في لوحة تراثية فريدة.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
الحرف اليدوية .. تاريخٌ حي ينطق بلسان اليمنيينفي ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، تزداد الحاجة لإعادة الاعتبار لهذه الحرف باعتبارها موردًا غير تقليدي للتنمية، ووسيلة للحفاظ على التراث، وبوابة للهوية الوطنية في مواجهة العولمة والاندثار الثقافي.
تكمن أهمية هذا التقرير في تسليط الضوء على ثروة غير مادية ذات إمكانات كامنة هائلة، وفي إبراز الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الحرف اليدوية في بناء اقتصاد محلي مستدام، وتحقيق تنمية ثقافية متجذرة في الواقع اليمني، من خلال تمكين الحرفيين وربط التراث بالإبداع العصري .
التوزيع الجغرافي للحرف في المحافظات اليمنية
أبرز الحرف التقليدية في صنعاء ، ( صياغة الفضة، الجنبية، الزخرفة الخشبية، صناعة الجلد وتعتبر مركز رئيسي للفنون المعدنية والخناجر)
أبرز الحرف التقليدية في محافظة ذمار، ( النسيج، التطريز، الفخار، النقش على الأونيكس وهي مشهورة بالأحجار والنسيج التقليدي)
أبرز الحرف التقليدية في محافظة صعدة، (المعادن، الفضة، الحلي، الجنبية، وتاريخ المحافظة غني بالصناعة اليدوية)
أبرز الحرف التقليدية في محافظة الحديدة، ( الفخار، القلال، أواني الطهي التقليدية كونها بيئة طينية خصبة لصناعة الفخار)
أبرز الحرف التقليدية في محافظة إب (الفخار، الخزف، النسيج، الحرف النسائية حيث ولها دور نسائي كبير في الإنتاج اليدوي)
أبرز الحرف التقليدية في محافظة شبوة/بيحان (صباغة النيلي، السدو، النسيج القبلي )
أبرز الحرف التقليدية في محافظة تعز (الخزف، الفخار، التطريزحيث تشتهر بمشغولات ذات طابع مميز)
أبرز الحرف التقليدية في محافظة حضرموت (صناعة الخوص، الزجاج اليدوي، السعفيات وهي حرف تمتزج بالتأثيرات الهندية)
أبرز الحرف التقليدية في محافظة المهرة، (السدو والسعف، الأدوات البحرية كونها متأثرة بثقافة بحرية وساحلية)
الرمزية التاريخية التي ارتبطت ببعض أنواع الحرف اليدوية
الجَنبية شرف وهوية ، (ليست مجرد سلاح، بل رمز للرجولة والمكانة القبلية ، تُزيَّن يدويًا بنقوش فضية دقيقة وتُرتدى في المناسبات الرسمية ) .
الفضة اليمنية زينة وحماية، (تُستخدم في الحلي والتعليقات والخواتم، وتحمل رمزية دينية واجتماعية )
الفخار دفء الحياة اليومية، (يُستخدم في تخزين الماء والطهي، وتُزينه نقوش تراثية رمزية وتعبر عن الارتباط بالأرض ودورة الحياة اليومية)
علاقة الحرف التقليدية بالنهوض الحضاري لليمن
الحرف اليدوية في اليمن ليست مجرد نشاط إنتاجي تقليدي، بل هي تجسيد حيّ لهوية أمة عمرها آلاف السنين، فهي تعكس علاقة الإنسان اليمني بأرضه، ومهارته في تطويع موارده الطبيعية لتلبية حاجاته اليومية، وفي الوقت ذاته، تعبير فني وثقافي عن معتقداته وقيمه الجمالية ، وتعود جذورها إلى حضارات سبأ ومعين وقتبان، حيث كانت الصناعات الحرفية تُمارس ضمن أنظمة حرفية دقيقة، وبتقنيات متقدمة ، نقش المعابد، المشغولات البرونزية، الأواني الفخارية المزخرفة، والأسلحة المنقوشة… كلها دلائل على أن اليمن القديم امتلك تقاليد متينة في الفن التطبيقي اليدوي ، كذلك العديد من القطع الأثرية المكتشفة في مأرب، شبوة، ظفار، وصنعاء، تؤكد أن الحرف كانت جزءًا من الاقتصاد الحضاري لا مجرد أدوات معيشية.
كما أن الحرف بوصفها ذاكرة جماعية وهوية ثقافية ، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالطقوس الاجتماعية والدينية، مثل الجنبية التي تُهدى في الأعراس، والفضة التي تُستخدم في المناسبات ، كما أن أنماط الزخرفة المستخدمة في النسيج أو الحلي تعكس تنوعاً يرتبط بالثراء الحرفي في جميع المناطق ، حيث يختلف الطراز في حضرموت عن تعز أو صعدة، ما يجعلها خريطة بصرية للهويات المحلية ، وتُحفظ الحرف تقليديًا عبر التوريث الشفهي والتدريب العملي داخل العائلة أو بين المعلم والمتدرب، ما يجعلها تراثًا غير مادي ضمن تصنيف اليونسكو.
دور الحرف التقليدية في الاقتصاد التاريخي والتجارة الدولية
لعبت الحرف اليدوية دورًا رئيسيًا في ربط اليمن بشبكات التجارة العالمية ، حيث كانت تُصدر إلى الهند، الصين، أفريقيا، والخليج العربي عبر موانئ عدن والمخا ، واشتهرت اليمن بـ”الفضة السحرية” و”الفخار المزجج” في أسواق القاهرة واسطنبول ، ومثلت الحرف اليمنية جزءًا من قوة اليمن الناعمة، حيث عُرفت عالميًا بجودتها وتنوعها الفني.
الحرف .. مصدر للمناعة الثقافية في مواجهة العولمة
في زمن الغزو الصناعي والرقمي، تظل الحرف اليدوية من وسائل الدفاع الذاتية ضد طمس الهوية وفقدان الخصوصية الثقافية، حيث تُظهر هذه الحرف قدرة الثقافة اليمنية على البقاء والتجدد، وتحفّز الأجيال الجديدة على التمسك بالتراث والعمل على تطويره لا نسيانه ، فهي ليست فقط إرثًا جمالياً، بل هي سجلّ تاريخي، وذاكرة جمعية، ومورد اقتصادي، ووسيلة تعبير ثقافي تُجسد روح اليمن في أدق تفاصيلها، من حواف الجنبية المزخرفة إلى خيوط السدو الممشوقة يدويًا، ومن تراب الفخار إلى نقوش الفضة التي تشعّ بالأصالة.
الحرف اليدوية ودورها في السياحة والتنمية
تشكل الحرف اليدوية اليمنية أحد أهم الموارد الثقافية القابلة للاستثمار في مجالات السياحة والتنمية المحلية، فرغم ما تعانيه البلاد من تحديات، إلا أن التراث الحرفي لا يزال يحتفظ بجاذبيته، ويُعد عاملًا مهمًا في تحفيز الاقتصاد الإبداعي والسياحة الثقافية، حيث تمثل أسواق الحرف في صنعاء القديمة، و تعز، وصعدة، وحضرموت ، وإب ، والحديدة ، مقاصد سياحية قائمة بذاتها تجذب الزوار بسبب خصوصية المنتجات اليمنية ودقتها، ويُقبل السياح كلما توفرت الظروف الأمنية على اقتناء الحرف اليدوية التي يعدونها هدايا تراثية تعكس ثقافة البلد وتُعزز من مكانته عالميًا.
كما توفر الحرف اليدوية مصدر دخل مباشر لآلاف العائلات، خاصة في المناطق الريفية ، وتمثل وسيلة تمكين اقتصادي للمرأة من خلال الحرف المنزلية مثل التطريز، النسيج، وصناعة الخزف ، ويمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تنشيط الصناعات الإبداعية مثل تصميم المنتجات التراثية، والأزياء المستوحاة من البيئة اليمنية، والديكور الداخلي للمنازل والمقاهي.
كيف يمكن دعم الحرف في مسار التنمية؟إنشاء قرى حرفية وسياحية في صنعاء، وبقية المحافظات التي تشتهر فيها صناعة الحرف التقليدية ، لتكون مراكز إنتاج ومعارض دائمة ، وكذلك تطوير العلامات التجارية للحرف اليمنية والترويج لها عالميًا ودمج الحرف في برامج التدريب المهني لرفع جودة الإنتاج وملاءمته للسوق الحديث كما يمكن أن يتم الربط بين الحرف اليدوية والفعاليات السياحية مثل المهرجانات والمعارض المحلية والدولية.
خاتمة
إن الحرف اليدوية اليمنية ليست فقط فنونًا متوارثة، بل لغة ناطقة تُجسد هوية مجتمع، وتروي قصص الإنسان اليمني في الجبل والساحل، في الوادي والصحراء، وبين المطرقة والإزميل، وبين الإبرة والطين، نشأ هذا التراث الغني الذي لا يزال بحاجة إلى من يحميه ويستثمره في بناء حاضر أكثر إبداعًا، ومستقبل أكثر اعتزازًا بالهوية.