شريف الشوباشي: الفن المصري بحاجة لاستراتيجية تعيد له قوته ومكانته
تاريخ النشر: 22nd, May 2025 GMT
أكد الناقد الفني شريف الشوباشي، الرئيس الأسبق لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أن الحالة الفنية في مصر سواء في الدراما أو السينما باتت في حاجة ماسة إلى وقفة جادة، تستهدف وضع استراتيجية شاملة ومدروسة، تعيد للفن المصري قوته وتأثيره ومكانته التي تليق بتاريخه العريق وإرثه الإبداعي الفريد.
وقال الشوباشي خلال مشاركته في برنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، إن هناك اتجاهين متعارضين في تناول دور الدولة والمبدع في العملية الفنية، الأول يدعو إلى إطلاق حرية الإبداع دون قيود، إيمانًا بأن المبدع لا ينتج إلا في مناخ منطلق تمامًا، يكتب ويعبّر كما يشاء، أما الثاني، فيطالب بدور رقابي صارم من الدولة، لضمان عدم تكرار ما وصفه بـ"الانفلات الفني" الذي شهده المشهد الدرامي خلال السنوات الأخيرة.
وأضاف: "أنا لا أميل لأي من الطرفين بشكل مطلق، بل أرى أن التوازن هو الحل. ويجب منح المبدع حرية حقيقية، لكن في إطار إشراف مسؤول يضمن أن يكون المحتوى متوافقًا مع قيم المجتمع ومصالحه."
وشدد على أن الدولة يجب ألا تكتفي بموقع المتفرج، بل من مسؤوليتها وضع رؤية استراتيجية كبرى للفن، ترتبط بالعلاقات المجتمعية، وبالصورة التي تقدم للمواطن عن نفسه، وعن بلده، وعن القيم التي يجب أن تسود.
وختم بقوله: “مثلما تؤسس الدراما وعي الأجيال وتُشكّل ذوقهم، يمكن للأفكار الظلامية أن تُؤسس جيلًا من المتطرفين.. ولهذا يجب أن نكون واعين بما نُنتجه، وبما نستهلكه.”
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شريف الشوباشي الفن المصرى الدراما ناقد فني مهرجان القاهرة السينمائي
إقرأ أيضاً:
جلجامش الأردني .. الإستقلال الذي يُمارس ويُحتفل به
صراحة نيوز ـ الدكتور منذر جرادات
في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية ،لا يبدو تمر هذه الذكرى مجرد لحظة احتفالية تعود إلى عام 1946، بل أننا نتوقف عند هذا اليوم كمسار متجدد يفرض نفسه لصياغة الذات الوطنية، ويدفعنا للشعور بالمسؤولية المتواصلة لاختبار معنى السيادة في زمن التحولات السريعة؛ فالاستقلال ليس الخروج من عباءة الانتداب فقط وإنما يمثل قدرة الدولة على صيانة قرارها الحر وتحصين هويتها من التآكل ، والتأكيد على ممارسة سياستها وفق معايير ذاتية متجذرة في الوعي لا استجابة لأي ضغوط.
لقد وُلد الأردن في بيئة جيوسياسية مضطربة في عين العاصفة وفي ظروف لا ترجح بقاء الدول فيها، لكنه شق طريقه بتوازن نادر بفضل الله وحكمة من قاد الدولة من ملوك ورجال الوطن الأوفياء وضلوعهم في السياسة العقلانية والجغرافيا المليئة بالتحديات .
ومنذ تأسيسه الاردن بقي متمسكا بثوابته الواضحه وواعٍ لدوره الحقيقي ، بعيدًا كل البعد عن الانفعال، ورفضه الاصطفاف الأعمى أو المغامرات غير المحسوبة وهو ما يعكس جوهر مدرسة سياسية فريدة من نوعها حافظت على بوصلة الموقف وسط متغيرات قاسية.
وحين نُسقط عدسة الفكر السياسي الرمزي على هذه التجربة نستحضر جلجامش هذا الملك السومري الذي لم ينل خلوده من البطولات القتالية ،بل من رحلته نحو الحكمة حين أدرك أن المجد الحقيقي يبنى على وعي الإنسان وحدود السلطة وعلى ما يتركه من أثر في مدينته التي تستمر بالحكمة و بالعقل، لا بالقوة.
وهكذا بدا الأردن في رحلته السياسية؛ إذ لم يستند في بقائه على ثقل مادي بل إلى إرادة واعية تدير التوازن وتحمي الثوابت وتبني الجسور لا الجدران في مقاربة مستقرة بين الواقعية والمبدأ بين الاستقلال السياسي والاستقلال الأخلاقي.
فمنذ الملك المؤسس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني تم الحفاظ على خيط ناظم في فلسفة الحكم يقوم على حماية الدولة من الداخل والتموضع الذكي في الخارج ، وعلى أن الكرامة هي جزء لا يتجزأ من الاستقلال، ولا عن القدرة على قول “لا” في اللحظة التي يكون فيها الصمت شكلا من أشكال التفريط ولنا شواهد في كل المحطات التي مر بها الاردن كان يتصرف بوصفه دولة لها شخصيتها وليست مجرد تابع في معادلات إقليمية مضطربة.
ولأن كل دولة تُعرف بثوابتها، فإن الأردن لم يتخلى يومًا عن قناعته بأن القضية الفلسطينية ليست قضية مجاورة بل قضية وطنية ومن ثوابت الدولة الأردنية، التي لا تخضع لإعادة التقييم أو المقايضة بل ركن من أركان التوازن الداخلي والسيادة وجزء أصيل من فلسفة الموقف لا من ضرورات الخطاب السياسي الموسمي.
هذه المدرسة السياسية التي صنعها الأردن ليست وصفة جاهزة لكنها تشبه الرحلة التي خاضها جلجامش نحو إدراك المعنى حيث يصبح الاستقلال الحقيقي فعلًا يمارس، لا شعارات في زمن يغيب فيه الخط الفاصل بين الهوية والمصالح العابرة،إذ يثبت الأردن مرة تلو الأخرى لاختياره الطريق الأصعب؛ طريق الدولة الأخلاقية المتزنة التي تحافظ على نفسها دون أن تفقد معناها، والتي تعرف أن السيادة ليست في اليافطات ولا في الكلمات الكبيرة بين الحان الأغاني، بل في المواقف المتزنة وفي الشجاعة الهادئة وفي البقاء الكريم وفي وجدان كل وطني حر، ولهذا فإن الاستقلال الأردني هو أحد القلائل الذين يُحتفل به… ويُمارَس في آنٍ واحد.