مدريد- جاء إعلان فوز المغني النمساوي جاي جاي بأغنيته "حب مهدور" بالمركز الأول في مسابقة "يوروفيجن" الأوروبية الغنائية، متفوقا على المغنية الإسرائيلية يوفال رافائيل التي حلت أغنيتها "يوم جديد سيشرق" في المركز الثاني، ليشكّل لحظة صعبة بالنسبة للجمهور الإسباني.

ولم تكن النتيجة النهائية للمسابقة في نسختها الـ 69 أمرا يمكن تجاوزه بالنسبة للإسبان؛ فرغم أن المسابقة انتهت مساء السبت الماضي، فإن صدى النتيجة النهائية لا يزال حاضرا بقوة في الرأي العام الإسباني ومواقع التواصل الاجتماعي.

ويرى الإسبان أن الأمر لا يرتبط بالنتيجة بقدر ارتباطه بنظام تصويت الجمهور الذين يشككون بعدالته ويرون أنه سمح لإسرائيل أن تتقدم إلى هذا المستوى.

فرغم أدائها المميز في المسابقة، صدم الجمهور الإسباني بحصول ممثلة بلاده المغنية ميلودي بأغنيتها "تلك النجمة المشهورة" على المركز 24 من أصل 26 بلدا مشاركا، حيث حصلت على 27 نقطة من لجنة التحكيم و10 نقاط فقط من تصويت الجمهور، أي بمجموع 37 نقطة.

لكن احتجاج الجمهور الإسباني لم يكن على نتيجة بلادهم فحسب، بل عند مقارنة تلك النتيجة بما حصلت عليه الإسرائيلية رافائيل، التي حققت المركز الأول في تصويت الجمهور بواقع 297 نقطة، بينما حصلت على 60 نقطة فقط من لجنة التحكيم، وهو ما وضعها في المركز الثاني في النتيجة النهائية بمجموع 357 نقطة.

Frente a los derechos humanos, el silencio no es una opción. Paz y justicia para Palestina.https://t.co/puZwqrZD76 pic.twitter.com/NnqISBQl6c

— RTVE (@rtve) May 17, 2025

إعلان "الصمت ليس خيارا"

ترى شريحة واسعة من الإسبان أن ما جرى في المسابقة لا يمكن فصله عن الجدل الذي أثير مسبقا حول مشاركة إسرائيل رغم ما تقوم به من إبادة جماعية في حربها على قطاع غزة، وتعزز ذلك بتعليق التلفزيون الرسمي الإسباني خلال استعراض مشاركات الدول، حيث ذكر أن إسرائيل تسببت حتى الآن بمقتل ما يزيد عن 50 ألف إنسان، بالتزامن مع الحديث عن المغنية الإسرائيلية.

ورغم تهديد اتحاد البث الأوروبي المشرف على تنظيم المسابقة بفرض غرامة مالية على التلفزيون الإسباني في حال تكراره الحديث عن غزة أثناء عرض المسابقة، عرضت القناة الرسمية الإسبانية بيانا مقتضبا باللغتين الإسبانية والإنجليزية قبل بدء البث الرسمي للحفل النهائي، جاء فيه "عندما تكون حقوق الإنسان على المحك، الصمت ليس خيارًا. السلام والعدالة لفلسطين".

بدورها اعتبرت الصحفية أولغا رودريغز المتخصصة في قضايا الشرق الأوسط، في حديثها للجزيرة نت أن موقف التلفزيون الرسمي "مقدّر، وضروري، ومرحب به، لكن كان من الممكن فعل أكثر من ذلك بكثير"، مؤكدة أن هذا يمثل الحد الأدنى.

وذكرت رودريغز أن هذه هي السنة الثانية على التوالي التي تقرر فيها إسبانيا المشاركة في المسابقة "دون أن تربط مشاركتها بأي شرط، كطرد إسرائيل، أو بوقف إطلاق النار في غزة، أو بدخول المساعدات الإنسانية، أو بإنهاء الحصار"، معتبرة أن الرد المناسب على ما يجري من إبادة جماعية يقتضي أن تكون هناك مقاطعة شاملة لإسرائيل من إسبانيا وأوروبا، وأن ينجحوا بطردها من المسابقة.

بالمقابل، كان وصف "المعايير المزدوجة" هو ما ذكره رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في تعليقه على ما جرى في المسابقة، مؤكدا أن "التزام إسبانيا بالقانون الدولي وبحقوق الإنسان يجب أن يكون متواصلا، وهو ما يجب أن ينطبق على أوروبا أيضا".

وذكر سانشيز في حديثه "لم يصدم أحد عندما تم استبعاد روسيا قبل 3 سنوات من المشاركة في المسابقات الدولية، مثل مسابقة يوروفيجن التي كنا نشاهدها في عطلة نهاية الأسبوع هذا، وهو ما يجب أن يحصل أيضا مع إسرائيل، لأنه لا ينبغي لنا السماح بالمعايير المزدوجة حتى في المناسبات الثقافية".

إعلان

وختم حديثه بالقول "ومن هنا وفي كل الأحوال، نوجه تحية تضامن مع الشعب الأوكراني والفلسطيني، الذين لا يزالون يعانون من عبثية الحرب والقصف".

رئيس الوزراء الإسباني: لماذا استبعدتم #روسيا وتركتوا إسرائيل ؟!.. لا يمكننا السماح بالمعايير المزدوجة https://t.co/TIkNFK1MTd

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 20, 2025

 

الحد الأدنى

ورغم النتيجة المحبِطة التي حصلت عليها إسبانيا، فإن سهام النقد الشعبي لم تتجه إلى أداء ممثلة بلادهم الذي اعتبروه مميزا، بل ازداد الحديث في وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي عن رفض "تطبيع مشاركة إسرائيل في المسابقة"، مطالبين بإقصائها من المسابقة.

وتؤكد الصحفية أولغا رودريغز المتخصصة في قضايا الشرق الأوسط أن حدثا مثل "يوروفيجن" يعد مهما لإسرائيل، التي تركز على تعزيز مستوى الدعاية الضخمة والعناية الفائقة بصورتها العامة، ولا تستبعد رودريغز أن يكون قد تم ضخ الكثير من الأموال من قبل داعمين إسرائيليين والعمل بأسلوب منهجي لتحفيز الناس على التصويت بشكل أكبر، وللحصول على هذه النتيجة.

وتصف رودريغز مسابقة "يوروفيجن" لهذا العام أنها كانت بمثابة "مرآة انعكست فيها صورة أوروبا بشكل واضح، ودفعت بعض الأشخاص ومنهم أفراد داخل بعض الحكومات لرؤية أنفسهم فيها للمرة الأولى".

وتضيف في حديثها للجزيرة نت أن ما جرى كان "أمرا فاضحا ومحزنا للغاية، لأنه في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تواصل قتل المدنيين والأطفال في غزة، كانت ممثلة إسرائيلية تغني على مسرح يوروفيجن، تحت رعاية اتحاد البث الأوروبي"، مذكّرة أن هذا يتم للسنة الثانية على التوالي، بعد مرور 19 شهراً على بدء الإبادة الجماعية في غزة، وبعد عقود من الاحتلال غير القانوني، والفصل العنصري، والتهجير القسري، ومجازر سابقة كثيرة.

رودريغيز: ما تقوم به إسبانيا يمثل الحد الأدنى أمام ما يجري من إبادة جماعية في غزة (الجزيرة)

 

وفي مقارنتها بين الوضع في أوروبا بشكل عام وخصوصية إسبانيا، تذكر رودريغز أن "جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل جرى التطبيع معها، إلى حد أن هناك الكثير من الناس في أوروبا يدافعون -بشكل ملطّف- عما يسمونه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

إعلان

لكنها في المقابل تعتبر أن "الشعب الإسباني من أكثر شعوب الدول الأوروبية تفهّما لأهمية الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، وإدانة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، والاحتلال غير الشرعي الذي تفرضه".

وتعزو ذلك لتاريخ إسبانيا الخاص، ووجود جالية فلسطينية كبيرة فيها، ولكونها دولة متوسطية، ولأنها تشترك مع العالم العربي في الثقافة، ولأن هناك منظمات اجتماعية كثيرة عملت لسنوات طويلة على التوعية بقضايا حقوق الإنسان وشرح القضية الفلسطينية بكل أبعادها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی المسابقة فی غزة

إقرأ أيضاً:

لا يُنقض الرأي بالإلغاء

تحمل التعددية في الآراء في المجتمع الواحد قيمة حضارية تؤثر في تطور المجتمعات، حيث إنها تنشأ على التدافع الفكري الذي يصل بها في مرحلة ما إلى فكرة أفضل ثم تتدافع مع أفكار أخرى، ولذلك فإن العديد من الفلاسفة والمفكرين حول العالم قديمهم وحديثهم قد اهتموا بمسألة التعبير عن الرأي وقيمته الحضارية للمجتمع، فيذكر مالك بن نبي أن «غنى المجتمع لا يُقاس بكمية ما يملك من أشياء، بل بمقدار ما فيه من أفكار» ولا تتشكل هذه الأفكار إلا نتيجة الحوار والنقد المستمر.

شكّلت حالة الهجوم المبالغ فيه على شخصٍ عماني كان قد صرّح في وسيلة إعلامية خاصة برأي سياسي مجتزأ صورة يُمكن من خلالها النظر إلى أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في كثير من الأحيان لا ينقضون الرأي بالرأي بل ينقضونه بمحاولة الإسكات، وإذا افترضنا جدلا صحة هذا النهج في التعامل مع الآراء، فإن المحصلة تكون صفرية، إذ كلّ فكرة لا تلائم مجموعة معينة من الأشخاص يطالبون بإسكاتها، وهكذا يصبح الجميع أخرسَ لا لسان له؛ لأن الجميع أسكت نفسه بنفسه، أما في حالة التدافع الفكري فإن وقوع النتيجة الإيجابية على المدى البعيد أكثر احتمالية ونجاعة؛ لأن هذا مما يزيد من فرص تنمية العقلية النقدية عند المجتمع، فينشأ الصغير على نهج الحوار لا نهج الإسكات، وعلى الحرية المسؤولة لا على الفوضى، حتى يكون هو قدوة لأشخاص آخرين في مجتمعه فينشأون على ذات القيم أيضا.

وبالحديث عن الحرية المسؤولة والفوضى، فإن التعبير كذلك إما أن يكون مطلقًا وهي الفكرة المثالية للحرية، وإما أن يكون مقيّدًا وهو الواقع الحاصل، وهذا التقييد إما أن يكون داخليًّا وإما أن يكون خارجيًّا، وبين التقييدين جدال وصراع، إذ يحاول التقييد الخارجي أن يوائم التعبير بما يتوافق مع إطاراته، السياسية والدينية والفكرية والاجتماعية وغيره، ويحاول التقييد الداخلي أن يوائم ذاته والمبادئ التي وضعها المرء لنفسه، وفي كل الحالين يكون الحاكم إما بفعل التجربة المتراكمة وإما بفعل القانون الموضوع، وهكذا تحصل خلاصة أن التعبير محكوم بعدة أحكام، تشكّله بحسب ما تشكّلت هي، ولذلك يتباين في مضمونه وطريقة طرحه، وهذا التباين لا يُتعامل معه بالإلجام -ومن الطريف أن كثيرا من عناوين الكتب تستخدم مصطلحات مثل اللجم أو الصرع- فالتعامل الحضاري والبنّاء هو تعامل الحوار والنقاش.

من ضمن هذه القيود التي تحكم التعبير عن الآراء هو عدم الإضرار بالآخرين شخصيًّا، فمتى تحول الرأي إلى ضرّ شخصي بآخرين فإنه متوقف لا يعوّل عليه ولا يجب الإنصات له؛ لأنه تعدى الأفكار إلى الشخوص، وهذا التعدي محكوم بالفوضى في النهاية، فمن استمرأ المضرة في القول، لم تكن عنه المضرة في الفعل ببعيدة، وهكذا في النهاية يصبح القتل حرية أيضًا، لكن إذا توفّر هذا القيد في الأول، وكان النقاش في الأفكار فقط، توفّرت المساحة القادرة على بناء أفكار أفضل والتطور المستمر للوعي المجتمعي والمعرفة الإنسانية، وهذا ديدن الخلق منذ بدء التاريخ حتى اليوم، فلولا التدافع الفكري لما وصلنا إلى الكتابة بلوحة المفاتيح التي أكتب بها هذا المقال الآن.

من هنا يتجلى الدور المركزي لوسائل الإعلام والصحافة، حيث إنها تمثل الوسيط الذي ينقل الآراء من القائل إلى المستمع، فيجب كما أن القائل مقيَّدٌ بمبادئه واحترامه لذاته والآخر، أن يكون الإعلام أيضًا يمشي على مبادئ أخلاقية تضعه في موضع المعزز للتعددية في الرأي، فينشر الفكرة ونقيضها -وهنا الحديث بالطبع عن الأصل العمومي، على الرغم من أن كثيرًا من المنصات الإعلامية تعيش حالة التوجّه أو الأدلجة- فالاكتفاء بالفكرة الواحدة مضرّ أكثر من عرض الآراء المتعددة، فالإعلام الأمريكي إبّان غزو العراق، قد ساهم في الغزو بشكل مباشر في التحشيد له وتبنّي الرواية الرسمية والاعتماد الكامل عليها مع تحييد الآراء المناهضة، وهكذا تكبّدت المنطقة أولا والولايات المتحدة ذاتها ثانيا والناس خصوصا ويلات هذه الحرب العبثية.

ومن أشكال تعزيز التعددية في الآراء من خلال الإعلام، ألا يكرّس شخصية واحدة أو رأيًا واحدًا، بل يكون وسيطًا قادرًا على إبراز القدر الأكبر من الآراء الموجودة ليكون لدى المستمع قدرة على الموازنة واختيار ما يناسبه له، وعلى الرغم من أن «حارس البوابة» في المؤسسة الإعلامية قد يكون مهمًّا، إلا أنه لو استخدم سلطته لنشر سردية واحدة فقط لكان مضرًّا بالمؤسسة والمجتمع والمستقبل وذاته في المقام الأول؛ لأنه بذلك قد بدأ حالة النظر بتعالي على المجتمع على اعتبار أنه يعلم ما يصح أن يتلقوه وما لا يصح، وهي ليست وظيفته، بل الحكم للمتلقي في الأخير، يختار ما يناسبه وينافح عنه حواريًّا، ويترك ما لا يناسبه وينقضه حواريًّا كذلك. وهكذا يراعي التعددية الموجودة في الآراء والمجتمع، ويكون قد فتح بابًا للتطور المعرفي المستمر مستخدمًا المؤسسة وسيطًا ومنظِّما لحالة التدفق المعلوماتي من أصحاب الآراء للمتلقين الذين بدورهم يناقشون المسائل مع غيرهم.

إن المجتمع العماني متعدد بطبيعته، وعلى الرغم من أنه تعامل في أحيان كثيرة من الأفكار بالإلجام، إلا أنه في أحيان كثيرة أخرى تعامل بالحوار، وهذا النوع الثاني هو الذي أنتج تطوّرًا لكثير من الأفكار التي نعيشها أو نجدها حاضرة اليوم، لكن إذا سمحنا بعودة ثقافة التخوين والإلغاء بدلا من النقد العقلاني فإننا نعود للخلف خطوات لا جدوى منها في عالم متغير؛ لأن العودة إلى حالة التخوين والإلغاء تعني الضعف، أما القوة فتكمن في الحوار والنقد والتدافع الفكري، وعلى الرغم من أن هذا لا يُمكن قياسه أو إسقاطه على مواقع التواصل الاجتماعي في العموم لأنها سائلة، والمعلومات فيها لا تفتقد للدقة فحسب، بل تفتقد أحيانا للقيمة، لكن أفترض أن دور الجميع هو محاولة عدم الانجرار إلى النزعات الإلغائية تأثُّرًا بتحشيد إعلامي معين أو لعدم القدرة على سماع الرأي المخالف، فبما أن جميع أهل هذه البلاد يعملون من أجلها، ويهمهم ألا يضروا بها، فإن كل فرد كذلك يمثل قيمة بذاته ما لم يضر الآخرين، وعليه فالإضرار به أو تخوينه أو إلغاؤه لمجرد قول رأيه لا نفع فيه للمجتمع أو للناس، بل ضرره أكبر وأوضح، وكذلك تكريس شخصية أو سردية واحدة من وسيلة / وسائل الإعلام ضرٌّ لا نفع فيه، فالوصول إلى الحالة التي يعيش فيها الجميع دون خوف من إلغائه لمجرد التصريح بآرائه هي الحالة التي من خلالها يُمكن أن يتطور المجتمع للصورة الأكثر خيريّة في جميع جوانبه.

مقالات مشابهة

  • لا يُنقض الرأي بالإلغاء
  • نوريس بطلا لسباق بريطانيا للفورمولا 1.. وفيرستابن يتقهقر
  • الأولى منذ وقف إطلاق النار مع إيران.. ما الأهداف الحوثية التي ضربتها إسرائيل؟
  • في قضية حنتوس إلى جانب أنصار الله.. وتضليل الرأي العام لن يدوم كالعادة!!
  • مصادر: التعديلات اللبنانية ستنص على تنفيذ مرحلي لتسليم السلاح بما يضمن إلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها
  • المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: الرأي العام الإيراني غاضب حاليا لدرجة أن لا أحد يجرؤ على الحديث عن المفاوضات والدبلوماسية
  • موسكو: الغرب “يشيطن” صورة روسيا لتهيئة الرأي العام لصراع عسكري محتمل ضدها
  • أغلى مكان للموت في العالم.. الضريبة التي دفعت الأثرياء للهروب السريع!
  • رغم الخسارة.. ليوناردو يسجل رقمًا مميزًا في كأس العالم للأندية 2025
  • الهلال يودّع كأس العالم للأندية 2025 بعد الخسارة من فلومينينسي