سعيد الرميثي القائد الملهم في اصنع في الإمارات 2025
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
في وقت تشهد فيه دولة الإمارات تحولًا متسارعًا نحو اقتصاد صناعي متنوع ومستدام، برز اسم المهندس سعيد غمران الرميثي كأحد الوجوه القيادية التي ساهمت في ترسيخ أسس هذا التحول. من خلال موقعه على رأس مجموعة "إمستيل"، استطاع الرميثي أن يقود واحدة من أبرز شركات التصنيع الثقيلة في الدولة، واضعًا بصمة واضحة في قطاع الحديد ومواد البناء، أحد القطاعات المحورية في الاستراتيجية الصناعية الوطنية.
مؤخرًا، حصل الرميثي على جائزة "القائد الملهم" خلال فعاليات "اصنع في الإمارات 2025"، وهي جائزة تُمنح تقديرًا للقيادات الصناعية التي كان لها تأثير ملموس في دعم القطاع الصناعي وتعزيز تنافسيته على المستويين المحلي والدولي. ويأتي هذا التكريم تتويجًا لمسيرة مهنية امتدت لأكثر من عشرين عامًا، تدرج خلالها في مختلف المناصب الفنية والإدارية حتى تولى القيادة التنفيذية لإمستيل.
بدأ الرميثي مشواره المهني في القطاع الصناعي كمدير مشروع في المؤسسة العامة القابضة (صناعات)، قبل أن ينتقل إلى إمستيل، حيث شغل سلسلة من المناصب الفنية والإدارية، بدءًا من إدارة الإنتاج، وصولًا إلى منصب الرئيس التنفيذي. هذه التجربة الميدانية ساعدته في بناء رؤية شاملة تجمع بين التشغيل الفني والتخطيط الاستراتيجي.
نمو في القدرات الصناعية وتوسع عالمي
شهدت إمستيل خلال فترة قيادته توسعًا ملحوظًا على المستويين المحلي والدولي. ففي عام 2024، بلغت قيمة صادرات الشركة نحو 2.2 مليار درهم، تم تصديرها إلى أكثر من 70 سوقًا عالميًا، ما يعكس تطور القدرات التنافسية للمنتج الصناعي الإماراتي في قطاع الحديد.
على المستوى المحلي، ضخت المجموعة أكثر من 3.5 مليار درهم في سلسلة التوريد داخل الدولة خلال عام 2024، ووجّهت ما نسبته 50% من إنفاقها إلى الشركات الوطنية. كما حققت المجموعة نسبة 77.07% في برنامج المحتوى الوطني (ICV) من نفس العام، في خطوة تنسجم مع مستهدفات "مشروع 300 مليار"، الذي يهدف إلى تعزيز مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي.
وتسهم إمستيل اليوم بنحو 10% من إجمالي ناتج الصناعات التحويلية غير النفطية في أبوظبي، وتستحوذ على قرابة 60% من الحصة السوقية الوطنية في قطاع الحديد، ما يجعلها ركيزة مهمة في البنية الاقتصادية للدولة.
الاستدامة: محور استراتيجي في نهج الرميثي
أولى الرميثي أهمية كبيرة لموضوع الاستدامة، باعتبارها ركيزة أساسية لنهضة الصناعة الحديثة. تحت قيادته، تبنّت إمستيل عددًا من المبادرات النوعية في مجال خفض الانبعاثات وتحسين كفاءة الطاقة، من أبرزها اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة الانبعاثات، وتدشين أول مشروع للحديد المستدام بالاعتماد على الهيدروجين الأخضر في المنطقة بالتعاون مع "مصدر".
كما سجلت الشركة خفضًا بنسبة 23% في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقارنة بخط الأساس لعام 2019، وتهدف للوصول إلى الحياد المناخي بحلول 2050. وتُظهر هذه الخطوات التزامًا حقيقيًا بتحقيق أهداف دولة الإمارات في مجالات البيئة والطاقة المستدامة.
اعتراف دولي بقيادة وطنية
لم يقتصر تأثير الرميثي على السوق المحلية، بل لاقى حضورًا لافتًا على المستوى الإقليمي والدولي. فقد اختارته مجلة فوربس الشرق الأوسط ضمن أفضل الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط لثلاثة أعوام متتالية من 2022-2024، كما احتل المرتبة الثالثة في قائمتها لقادة الاستدامة في فئة التصنيع، في إشارة إلى دوره في إدخال ممارسات الاستدامة في قطاع الصناعات الثقيلة.
وعلى صعيد العمل المؤسسي، شغل الرميثي عددًا من المناصب البارزة، منها رئاسة لجنة منتجي الحديد في الدولة، ورئاسة مجلس إدارة شركة الغربية لأنابيب النفط، إلى جانب عضويته في اللجنة الاقتصادية للاتحاد العالمي للصلب (worldsteel)، كأول مسؤول عربي يشغل هذا المنصب بين عامي 2018 و2021. وهو أيضاً عضو في لجنة التدقيق في الإتحاد العالمي للصلب.
تمكين الكفاءات الوطنية كأولوية مستقبلية
يرى الرميثي أن استدامة القطاع الصناعي تبدأ من الداخل، عبر الاستثمار في الكفاءات البشرية. وقد أولى خلال مسيرته اهتمامًا خاصًا بتمكين الشباب المواطن وتأهيلهم لشغل مناصب قيادية في مختلف مجالات التصنيع، مؤكدًا أن بناء جيل صناعي إماراتي قادر على المنافسة العالمية هو هدف استراتيجي لا يقل أهمية عن التوسع أو الابتكار.
في ظل هذه الجهود، لا تُعد الجوائز أو التصنيفات سوى محطات في مسيرة مهنية مستمرة، تُجسد التزامًا طويل الأمد تجاه تطوير قطاع حيوي يمثل أحد ركائز مستقبل اقتصاد دولة الإمارات.
المصدر: الاتحاد - أبوظبيالمصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: اصنع في الإمارات الإمارات القطاع الصناعی فی قطاع
إقرأ أيضاً:
المهندس سعيد المصري يكتب : هوية اقتصاد السوق الاجتماعي: ثنائية الكرامة الإنسانية والحداثة المستقبليه
صراحة نيوز- بقلم / المهندس سعيد المصري
يواجه الأردن تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة في ظل سعيه لتحقيق نمو شامل وعادل. هذه التحديات تتطلب نمطًا اقتصاديًا يوازن بين كفاءة السوق وحماية الفئات الأضعف، وهو ما يوفره نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي نشأ في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية وحقق توازنًا لافتًا بين الرأسمالية والإصلاح الاجتماعي. يقوم هذا النموذج على مبادئ واضحة تشمل حرية السوق والمنافسة، ودور منظم وفاعل للدولة، وشبكة أمان اجتماعي شاملة، ونظام ضريبي تصاعدي عادل، مع ضمان عدالة توزيع الفرص والموارد.
في السياق الأردني، يبدو هذا النموذج ملائمًا بدرجة كبيرة، خاصة في ظل التركيبة الديمغرافية الشابة، ووجود فجوة واضحة في عدالة توزيع الثروة والفرص بين المركز والأطراف. كما يوفّر اقتصاد السوق الاجتماعي أرضية صلبة لتحقيق التحديث الاقتصادي دون التفريط بالبعد الاجتماعي، ما يعزز فرص الاستقرار السياسي والاجتماعي ويقوي العقد الاجتماعي.
أحد المحاور الجوهرية لهذا الطرح يتمثل في إعادة تعريف شبكة الأمان الاجتماعي، بحيث لا تقتصر على الإعالة، بل تتحول إلى رافعة للتمكين من خلال أدوات ذكية. من بين هذه الأدوات التحويلات النقدية المشروطة، وربط المعونة بالتشغيل، وتوفير برامج تأمين ضد البطالة، وتوجيه الإنفاق نحو البنية التحتية الاجتماعية كالصحة والتعليم والتدريب. كما يُقترح إنشاء صناديق استثمار اجتماعي تتولى تمويل هذه البرامج بشكل مستدام، بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
يتطلب هذا النموذج أيضًا إصلاحات هيكلية في النظام الضريبي، تركز على توسيع القاعدة الضريبية بدلاً من رفع النسب، وتصنيف السلع ضمن شرائح ضريبية تحمي الفقراء وتحقق العدالة. كما يدعو إلى اعتماد مؤشرات العدالة الاقتصادية ضمن آليات تقييم الأداء الحكومي، وتوجيه التعليم الفني والتقني نحو احتياجات السوق في قطاعات الزراعة والطاقة والتكنولوجيا، بما يدعم تشغيل الشباب والنساء، وخاصة في المناطق الأقل حظًا.
يتعزز مبرر تبني نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي بحقيقة أن الأردن لم يعد يملك رفاهية تأجيل التحول الرقمي والولوج العميق إلى عصر الذكاء الاصطناعي، إذ بات من الحتمي إدماج التكنولوجيا والإبداع في صلب منظومة العمل الحكومي والخاص على حد سواء. المرحلة القادمة تتطلب بنية اقتصادية قادرة على التفاعل الإيجابي مع ثورة التحول الرقمي، بحيث تصبح التكنولوجيا محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي والحوكمة الرشيقة. لكن هذا التحول، رغم ضرورته، يهدد بإلغاء عدد كبير من الوظائف التقليدية في القطاعات الاقتصادية وحتى في الجهاز الحكومي، وهو ما يفرض وجود شبكة أمان اجتماعي متماسكة وعصرية تضمن حماية الكرامة الإنسانية للعاملين المتضررين، وتوفر لهم فرصًا لإعادة التأهيل والاندماج ضمن بيئة الاقتصاد الجديد ومجتمع المعرفة. ومن خلال هذه الشبكة، يمكن للأردن تحويل تحديات الأتمتة والرقمنة إلى فرصة لبناء قوى عاملة أكثر مهارة ومرونة، وتعزيز شمولية النمو بدلًا من تعميق الفجوات الاجتماعية.
التقاطع بين هذا النموذج وبين رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن واضح ومباشر، فالرؤية تسعى لخلق مليون فرصة عمل خلال عقد، وتعتمد على تمكين القطاع الخاص وتحديث البنية التشريعية والإدارية للدولة. غير أن أي تحديث اقتصادي دون شبكة أمان اجتماعي عادلة سيظل عرضة لعدم الاستقرار وضعف التأييد الشعبي، وهو ما يعالجه اقتصاد السوق الاجتماعي من خلال تقاسم أعباء الإصلاح بشكل منصف وتعزيز الشعور بالعدالة والكرامة لدى المواطنين.
لقد أثبتت تجارب التحول الكبرى حول العالم أن النماذج الاقتصادية القادرة على التوفيق بين الكفاءة والعدالة هي وحدها القابلة للاستمرار والقبول الشعبي. ولأن الأردن يقف اليوم على أعتاب تحول اقتصادي طموح، فإن تبني نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي ليس فقط خيارًا سياسيًا أو اجتماعيًا، بل يمثل هوية اقتصادية جامعة يمكن أن تسهّل تنفيذ الرؤية الوطنية وتمنحها شرعية مجتمعية واسعة، وتخلق حالة من الثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن، وهي الثقة التي لا تنجح بدون عدالة اجتماعية ملموسة ومؤسسات فعالة