لجريدة عمان:
2025-05-27@20:32:53 GMT

بيروت والكتاب..

تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT

بيروت والكتاب..

هل ما زال يمكن لبيروت، اليوم، أن تستمر فـي لعب الدور الذي عرفته بدءا من ستينيات القرن الماضي بكونها مدينة وحاضنة ثقافـية رائدة فـي العالم العربي، كما أن تستعيد -إلى ما لا نهاية- الأغنية القائلة بأنها «عاصمة الكتاب العربي» التي طالما تغنّت بها؟ طرحت سؤالي هذا بينما كنت أتجول منذ أيام فـي قاعات معرض بيروت للكتاب الذي انتهى يوم الأحد الفائت، وهو الذي جاء متأخرا عن موعده لأشهر؛ إذ من المعروف أنه كان يقام فـي أوائل شهر ديسمبر من كلّ عام، بيد أن حرب العدو الإسرائيلي الأخيرة على لبنان، أفضت إلى تأجيله (حيث رفضت اللجنة المنظمة أي فكرة لإلغائه)، ليقام فـي شهر مايو من هذه السنة.

سؤال ليس لـــ«الاستهلاك المحلي» بالتأكيد، بل لنقل إنه يحمل حسرة ولوعة، وأنت تشاهد كلّ شيء «ينهار» من حولك. لا أريد أن أذهب فـي تشاؤمي إلى آخر الطريق، لكن علينا فعلا أن نقف ونسأل عمّا يحدث من حولنا، ومن ضمنها «معرض بيروت للكتاب العربي» الذي يعنينا ربما أكثر من غيره، والذي يبدو أيضا وكأنه أصبح «عتيقا» و«قديما» فـيما لو قارناه بمعارض أخرى تقام فـي غير عاصمة عربية.

لو أخذنا معرض هذه السنة، لبدا مبتورا، غير مكتمل، وأقصد أن العديد من دور النشر، اللبنانية لم تُشارك فـيه، إذ اقتصر الأمر على بعضها -فـي حين أن عدد المكتبات التي اشتركت فـي دورة هذا العام يبدو لا بأس به، كما بعض «الكتبيين»، وهي بالطبع تعرض كتب الدور الصادرة- التي عللت ذلك بأن تكلفة المشاركة أصبحت باهظة التكاليف، وأن عملية البيع لن تغطي بأي حال من الأحوال ما سيتم دفعه مقابل أجر المساحة. فكما هو معروف، أن هذا المعرض هو من تنظيم «النادي الثقافـي العربي» منذ تأسيسه قبل عقود طويلة.

فـي هذا الكلام ما يدفعنا إلى التمهل: لقد غاب القارئ اللبناني فعلا، ولم يعد -فـي العمق- يهتم بالكتاب لأن ثمة مشكلات أخرى تعترضه فـي حياته اليومية، أبرزها أزمته الاقتصادية التي يبحث فـيها عن وسائل لتأمين لقمة العيش قبل أي شيء آخر، من هنا أصبح الكتاب وبالتالي القراءة من آخر همومه، أو ربما أصبح طموحا بعيد المنال. لكنني لن أنسى هنا بالطبع، الإشارة إلى تلك المواقع المنتشرة على «النت» والتي تعمل بجهد على قرصنة العديد من الكتب، التي تنشرها مجانا. فهناك كثيرون أصبحوا يستفـيدون من «هذه الخدمة» (المجانية) التي تقدم لهم، ليجدوا فـي ذلك ما يغنيهم عن دفع ثمن الكتاب.

وإذا ما غابت الدور اللبنانية بشكل عام، فإن غياب دور النشر العربية -ربما لا تزيد الدور المشاركة عن عدد أصابع الكف الواحدة- يطرح بدوره تساؤلا عن دورة المعرض هذا العام، قد يتلخص فـي «لماذا هذا الغياب»؟ لا شك أن توقيت المعرض كان سيئا هذا العام، وبخاصة أنه أتى فـي فترة تدور فـيها معارض عربية أخرى فـي عدد من العواصم العربية، وقد يلخص ذلك ما أسرّ لي به أحد الناشرين -الذي كان فـي زيارة خاطفة إلى بيروت بين معرضين عربيين- بأنه «لم يعد يهتم بالمشاركة فـي معرض بيروت، إذ خسائره تفوق الاحتمال».

كلّ هذا صحيح. لكن أيضا علينا الانتباه إلى أمر حقيقي، يحاول الجميع التغاضي عنه وهو أن حتى معرض الكتاب يشهد «انقساما»، مثلما نجد انقساما فـي بقية المرافق اللبنانية (وقد لا أبالغ فـي القول إنه انقسام «مذهبي» بمعنى من المعاني). فمنذ فترة، نجد أن هناك معرضين: الأول الذي ينظمه النادي الثقافـي العربي، والثاني الذي تنظمه نقابة الناشرين، ومن المعروف أن رئيس كل جهة ينتمي إلى «مذهب» مختلف، لكن وإن كنّا نستطيع تجاوز هذا الأمر، يبقى السؤال: هل تحتمل بيروت معرضين «كبيرين» للكتاب فـي العام نفسه؟ أشك فـي ذلك. وبخاصة أن بعض المدن اللبنانية الأخرى بدأت فـي إقامة معارضها الخاصة (مدن صيدا وصور وطرابلس والمهرجان اللبناني للكتاب فـي بلدة أنطلياس). لا شيء يمنع بالتأكيد، ولكن هل تحتمل هذه المساحة الجغرافـية الصغيرة كل هذه المعارض؟ هنا السؤال الفعلي فـي ظل مشكلاتنا المتعددة والمتنوعة ولعلّ أبرزها، كما أسلفت، الأزمة الاقتصادية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، لا بدّ أن نطرح سؤالا مستفزا: هل يجب إلغاء معارض الكتب؟ بالطبع لا. لا يمكن لمدينة أن تعيش من دون ما يبرز حالتها الثقافـية، ومعرض الكتاب، واحد من هذه الحالات التي توارثناها من عقود طويلة، ويجب علينا المحافظة عليه والدفاع عنه مهما كلف الأمر ومهما بدا «عتيقا». لا يمكن لعاصمة الكتاب أن تبقى من دون معرض للكتاب. قد يكون الفسحة الأخيرة المتبقية لنا فـي هذه الجغرافـية اللبنانية المرهقة، والتي لا تعرف لغاية اليوم كيف تستقر على مساحة حلم محددة. حتى وإن بدا المعرض «فولكلوريا» فـي بعض الأحيان، إلا أن مدينة بمعرض كتاب أفضل بكثير من مدينة من دونه. وأقول فولكلوريا، لأن حفلات التواقيع، مثلا، تشهد إقبالا أكثر من غيرها، لا لأن القراء مهتمون بمحتوى الكتاب، بل لأن هذه الحفلات أصبحت مناسبة اجتماعية، يأتون إليها لرفع العتب بين الأصدقاء (وأعترف أنني شاركت بدوري فـي هذا «الكرنفال»، حيث وقعت على بعض كتبي الصادرة حديثا).

مهما كان عليه الأمر. لا بدّ أن نحتفـي بالكتاب. هو آخر الحصون فـي وجه كل هذا الموت الذي يلفنا من جميع الأنحاء. إنه رمز أخير فـي مدينة لم تعد تعرف كيف تنهض من غيابها. فالمدن ليست سوى رموز فـي نهاية الأمر. ولنتقبل، ولو بوهن، رمز أن بيروت لا تزال عاصمة للكتاب. فهذا أفضل من أن تكون رمزا للقتل والحروب المتناسلة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الثقافة تفتتح الدورة الرابعة لمعرض الكتاب والحرف التراثية بالعاصمة الإدارية

افتتحت الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، فعاليات الدورة الرابعة من معرض الكتاب والحرف التراثية والبيئية، ضمن برامج وزارة الثقافة الداعمة لنشر المعرفة والحفاظ على التراث، وبرعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

ويقام المعرض للعاملين بالوزارات المختلفة، ويستمر حتى بعد غد الثلاثاء، يوميا من الساعة العاشرة صباحا حتى الثانية مساء، تحت إشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، وبمشاركة عدد من قطاعات وزارة الثقافة.

ويضم المعرض باقة من أحدث إصدارات الهيئة بأسعار مخفضة، منها: "هو وأنا" لصفاء علم الدين، "ريح السموم ومسرحيات أخرى" ترجمة وتقديم عبد السلام إبراهيم، "أرض الأمهات" ترجمة شيماء نصر الدين، "أعلام الصحافة العربية" لأبو الحسن الجمال، "تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي" لجمال الدين الشيال، "حديث عيسى بن هشام" لمحمد المويلحي، إلى جانب مختارات من أعمال عباس محمود العقاد وعميد الأدب العربي طه حسين، بالإضافة إلى كتب تراثية نادرة.

كما يشمل المعرض قسما خاصا بالحرف التراثية والبيئية والمشغولات اليدوية، حيث تعرض منتجات متنوعة تعكس ثراء التراث المصري الأصيل، منها: معلقات بخيوط المكرمية، لوحات مصنوعة من النحاس، حقائب جلدية، حافظات كروت من الجلد الطبيعي، مشغولات من الخرز الملون والنحاس، ومنتجات من خامة الأركيت، بالإضافة إلى مجموعة من منتجات الخيامية.

وينفذ المعرض من خلال الإدارة العامة للتسويق والمبيعات، بالتعاون مع الإدارات العامة لثقافة الشباب والعمال، والتمكين الثقافي، وثقافة المرأة، والجمعيات الثقافية، تأكيدا على دور الهيئة في دعم الاقتصاد الإبداعي وفتح نوافذ جديدة لتسويق المنتج الثقافي والفني.

طباعة شارك برامج وزارة الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة الهيئة العامة لقصور الثقافة اللواء خالد اللبان

مقالات مشابهة

  • الرقابة الإدارية تتابع ملف طباعة «الكتاب المدرسي» وتحذّر من التلاعب بالمستقبل التعليمي
  • هيئة الكتاب تصدر السبنسة لسعد الدين وهبة
  • حضور قوي في معرض بيروت الدولي للكتاب
  • معرض بيروت العربي الدولي للكتاب اختتم دورته الـ66: 60 ندوة و300 توقيع
  • الثقافة تفتتح الدورة الرابعة لمعرض الكتاب والحرف التراثية بالعاصمة الإدارية
  • انطلاق حفل توقيع كتاب مذكرات صلاح دياب.. هذا أنا بحضور كبار الكتاب
  • جيل ألفا وما بعده في معرض الكتاب
  • استراتيجية ثقافية متجددة.. كيف تعيد هيئة الكتاب دور النشر الحكومي إلى الصدارة؟
  • اليوم.. الثقافة تطلق معرض الكتاب والحرف التراثية بالعاصمة الإدارية