لجريدة عمان:
2025-12-14@05:53:12 GMT

بيروت والكتاب..

تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT

بيروت والكتاب..

هل ما زال يمكن لبيروت، اليوم، أن تستمر فـي لعب الدور الذي عرفته بدءا من ستينيات القرن الماضي بكونها مدينة وحاضنة ثقافـية رائدة فـي العالم العربي، كما أن تستعيد -إلى ما لا نهاية- الأغنية القائلة بأنها «عاصمة الكتاب العربي» التي طالما تغنّت بها؟ طرحت سؤالي هذا بينما كنت أتجول منذ أيام فـي قاعات معرض بيروت للكتاب الذي انتهى يوم الأحد الفائت، وهو الذي جاء متأخرا عن موعده لأشهر؛ إذ من المعروف أنه كان يقام فـي أوائل شهر ديسمبر من كلّ عام، بيد أن حرب العدو الإسرائيلي الأخيرة على لبنان، أفضت إلى تأجيله (حيث رفضت اللجنة المنظمة أي فكرة لإلغائه)، ليقام فـي شهر مايو من هذه السنة.

سؤال ليس لـــ«الاستهلاك المحلي» بالتأكيد، بل لنقل إنه يحمل حسرة ولوعة، وأنت تشاهد كلّ شيء «ينهار» من حولك. لا أريد أن أذهب فـي تشاؤمي إلى آخر الطريق، لكن علينا فعلا أن نقف ونسأل عمّا يحدث من حولنا، ومن ضمنها «معرض بيروت للكتاب العربي» الذي يعنينا ربما أكثر من غيره، والذي يبدو أيضا وكأنه أصبح «عتيقا» و«قديما» فـيما لو قارناه بمعارض أخرى تقام فـي غير عاصمة عربية.

لو أخذنا معرض هذه السنة، لبدا مبتورا، غير مكتمل، وأقصد أن العديد من دور النشر، اللبنانية لم تُشارك فـيه، إذ اقتصر الأمر على بعضها -فـي حين أن عدد المكتبات التي اشتركت فـي دورة هذا العام يبدو لا بأس به، كما بعض «الكتبيين»، وهي بالطبع تعرض كتب الدور الصادرة- التي عللت ذلك بأن تكلفة المشاركة أصبحت باهظة التكاليف، وأن عملية البيع لن تغطي بأي حال من الأحوال ما سيتم دفعه مقابل أجر المساحة. فكما هو معروف، أن هذا المعرض هو من تنظيم «النادي الثقافـي العربي» منذ تأسيسه قبل عقود طويلة.

فـي هذا الكلام ما يدفعنا إلى التمهل: لقد غاب القارئ اللبناني فعلا، ولم يعد -فـي العمق- يهتم بالكتاب لأن ثمة مشكلات أخرى تعترضه فـي حياته اليومية، أبرزها أزمته الاقتصادية التي يبحث فـيها عن وسائل لتأمين لقمة العيش قبل أي شيء آخر، من هنا أصبح الكتاب وبالتالي القراءة من آخر همومه، أو ربما أصبح طموحا بعيد المنال. لكنني لن أنسى هنا بالطبع، الإشارة إلى تلك المواقع المنتشرة على «النت» والتي تعمل بجهد على قرصنة العديد من الكتب، التي تنشرها مجانا. فهناك كثيرون أصبحوا يستفـيدون من «هذه الخدمة» (المجانية) التي تقدم لهم، ليجدوا فـي ذلك ما يغنيهم عن دفع ثمن الكتاب.

وإذا ما غابت الدور اللبنانية بشكل عام، فإن غياب دور النشر العربية -ربما لا تزيد الدور المشاركة عن عدد أصابع الكف الواحدة- يطرح بدوره تساؤلا عن دورة المعرض هذا العام، قد يتلخص فـي «لماذا هذا الغياب»؟ لا شك أن توقيت المعرض كان سيئا هذا العام، وبخاصة أنه أتى فـي فترة تدور فـيها معارض عربية أخرى فـي عدد من العواصم العربية، وقد يلخص ذلك ما أسرّ لي به أحد الناشرين -الذي كان فـي زيارة خاطفة إلى بيروت بين معرضين عربيين- بأنه «لم يعد يهتم بالمشاركة فـي معرض بيروت، إذ خسائره تفوق الاحتمال».

كلّ هذا صحيح. لكن أيضا علينا الانتباه إلى أمر حقيقي، يحاول الجميع التغاضي عنه وهو أن حتى معرض الكتاب يشهد «انقساما»، مثلما نجد انقساما فـي بقية المرافق اللبنانية (وقد لا أبالغ فـي القول إنه انقسام «مذهبي» بمعنى من المعاني). فمنذ فترة، نجد أن هناك معرضين: الأول الذي ينظمه النادي الثقافـي العربي، والثاني الذي تنظمه نقابة الناشرين، ومن المعروف أن رئيس كل جهة ينتمي إلى «مذهب» مختلف، لكن وإن كنّا نستطيع تجاوز هذا الأمر، يبقى السؤال: هل تحتمل بيروت معرضين «كبيرين» للكتاب فـي العام نفسه؟ أشك فـي ذلك. وبخاصة أن بعض المدن اللبنانية الأخرى بدأت فـي إقامة معارضها الخاصة (مدن صيدا وصور وطرابلس والمهرجان اللبناني للكتاب فـي بلدة أنطلياس). لا شيء يمنع بالتأكيد، ولكن هل تحتمل هذه المساحة الجغرافـية الصغيرة كل هذه المعارض؟ هنا السؤال الفعلي فـي ظل مشكلاتنا المتعددة والمتنوعة ولعلّ أبرزها، كما أسلفت، الأزمة الاقتصادية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، لا بدّ أن نطرح سؤالا مستفزا: هل يجب إلغاء معارض الكتب؟ بالطبع لا. لا يمكن لمدينة أن تعيش من دون ما يبرز حالتها الثقافـية، ومعرض الكتاب، واحد من هذه الحالات التي توارثناها من عقود طويلة، ويجب علينا المحافظة عليه والدفاع عنه مهما كلف الأمر ومهما بدا «عتيقا». لا يمكن لعاصمة الكتاب أن تبقى من دون معرض للكتاب. قد يكون الفسحة الأخيرة المتبقية لنا فـي هذه الجغرافـية اللبنانية المرهقة، والتي لا تعرف لغاية اليوم كيف تستقر على مساحة حلم محددة. حتى وإن بدا المعرض «فولكلوريا» فـي بعض الأحيان، إلا أن مدينة بمعرض كتاب أفضل بكثير من مدينة من دونه. وأقول فولكلوريا، لأن حفلات التواقيع، مثلا، تشهد إقبالا أكثر من غيرها، لا لأن القراء مهتمون بمحتوى الكتاب، بل لأن هذه الحفلات أصبحت مناسبة اجتماعية، يأتون إليها لرفع العتب بين الأصدقاء (وأعترف أنني شاركت بدوري فـي هذا «الكرنفال»، حيث وقعت على بعض كتبي الصادرة حديثا).

مهما كان عليه الأمر. لا بدّ أن نحتفـي بالكتاب. هو آخر الحصون فـي وجه كل هذا الموت الذي يلفنا من جميع الأنحاء. إنه رمز أخير فـي مدينة لم تعد تعرف كيف تنهض من غيابها. فالمدن ليست سوى رموز فـي نهاية الأمر. ولنتقبل، ولو بوهن، رمز أن بيروت لا تزال عاصمة للكتاب. فهذا أفضل من أن تكون رمزا للقتل والحروب المتناسلة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تعاون بين هيئة الكتاب وقصور الثقافة لتوسيع منافذ بيع الإصدارات بالمحافظات

في خطوة جديدة تهدف إلى تعزيز حضور الكتاب وتيسير وصوله إلى الجمهور في مختلف المحافظات، وقّعت الهيئة المصرية العامة للكتاب بروتوكول تعاون مشترك مع الهيئة العامة لقصور الثقافة لفتح منافذ دائمة لبيع إصدارات هيئة الكتاب داخل قصور الثقافة المنتشرة بجميع أنحاء الجمهورية، كما ينص البروتوكول على إتاحة إصدارات قصور الثقافة داخل منافذ الهيئة المصرية العامة للكتاب، بما يضمن تبادلًا معرفيًا وثقافيًا واسعًا بين المؤسستين، ويعزز فرص الجمهور في الوصول إلى مختلف أشكال الإنتاج الفكري.

ويأتي هذا التعاون في إطار توجيهات وزارة الثقافة بتكامل الأدوار بين هيئاتها المختلفة، وتوحيد الجهود لخدمة القارئ المصري، ودعم استراتيجية الدولة في نشر الثقافة وتفعيل دور مؤسساتها في المحافظات والمناطق الحدودية والنائية، حيث يعاني الكتاب عادة من ضعف التوزيع وصعوبة الوصول.

وقال الدكتور خالد أبو الليل، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، إن البروتوكول «يمثل خطوة نوعية في ملف النشر الحكومي، ويعيد للكتاب دوره المركزي في الحياة الثقافية المصرية».

وأضاف: «نعمل على أن تكون إصدارات الهيئة متاحة لكل مواطن، في أي محافظة، وبسعر عادل يناسب جميع الفئات، وفتح المنافذ داخل قصور الثقافة يحقق حلمًا طال انتظاره: أن يصبح الكتاب قريبًا من الجمهور، وأن تتحول مؤسسات الثقافة إلى مراكز حقيقية للتنوير وليس مجرد مبانٍ إدارية».

من جانبه، أكد اللواء خالد اللبان، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، أن التعاون يأتي تماشيًا مع سياسة الهيئة في تنشيط الحركة الثقافية داخل المواقع التابعة لها، مشيرًا إلى أن قصور الثقافة تمتلك شبكة واسعة من المواقع القادرة على دعم عملية التوزيع والوصول إلى القارئ في مختلف القرى والمراكز.

وقال: «وجود منافذ لهيئة الكتاب داخل قصور الثقافة يعزز من دورنا المجتمعي، ويحوّل القصور إلى منصات يومية للقراءة والاكتشاف، كما أن توفير إصدارات قصور الثقافة داخل منافذ هيئة الكتاب يضمن وصول إنتاجنا إلى شرائح أكبر من الجمهور».

وبدأ تنفيذ البروتوكول خلال الأسابيع الماضية، بافتتاح منفذ في قصر ثقافة العريش، ومن المقرر أن يتم افتتاح المنافذ تباعًا في المحافظات، مع تنظيم فعاليات مشتركة للترويج للكتاب ودعم القراءة، تشمل عروض الكتب، وتخفيضات موسمية، ولقاءات مع الكتّاب، بما يخلق حراكًا ثقافيًا ممتدًا يخدم الجمهور في كل ربوع مصر.

طباعة شارك الهيئة المصرية العامة للكتاب الهيئة العامة لقصور الثقافة منافذ دائمة لبيع الجمهورية منافذ الهيئة

مقالات مشابهة

  • جناح الحرف اليدوية يستحضر الذاكرة في معرض جدة للكتاب 2025
  • منطقة الكتب المخفضة توسّع خيارات الوصول للكتاب في معرض جدة للكتاب 2025
  • مجمع البحوث يعلن إصدار جديد بمعرض الكتاب"دليل السالك إلى مالك الممالك"
  • "نداء أهل القبلة: دعوة مشتركة لوحدة المسلمين".. في ندوةٍ لحكماء المسلمين بمعرض العراق الدولي للكتاب
  • افتتاح منافذ لهيئة الكتاب بجميع قصور الثقافة في المحافظات (تفاصيل)
  • إصدارات 104 دور نشر إماراتية في «جدة للكتاب»
  • تعاون بين هيئة الكتاب وقصور الثقافة لتوسيع منافذ بيع الإصدارات بالمحافظات
  • هل يجوز للمرأة حضور صلاة الجمعة؟ الإجابة الشرعية من الكتاب والسنة
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تُطلِق معرض جدة للكتاب 2025
  • تحت شعار “جدة تقرأ”.. هيئة الأدب والنشر والترجمة تُطلِق معرض جدة للكتاب 2025