لجريدة عمان:
2025-07-30@22:21:37 GMT

سقوط

تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT

سقوط

وهو يسقط لم يسمع إلا صوت اصطدام جسده على الأرض، لم يشعر بألم كبير؛ لأن الظلام سيطر على مشهد الرؤية من حوله.

قبل سنوات حين ورث المزرعة الكبيرة المكتظة بأشجار النخيل بأصنافها المتنوعة الخنيزي والخصاب والفرض والخلاص والنغال والبرحي والبرني، شعر براحة كبيرة، لم يكتف باللون الأخضر المحيط به بل زاد عليه مجموعة من الشتلات الخضراء الصغيرة لأنواع كثيرة من أشجار النخيل.

كان مشواره اليومي يبدأ بزيارته لمزرعته وينتهي بها، حتى وجبة الغداء أصر أن يأكلها تحت النخلات الثلاث التي كونت ظلالًا وارفة فبنى عريشته بالقرب منها، اتخذ منها محرابًا للصلاة ومكانًا للتأمل والثرثرة الذاتية وتناول الطعام.

شعر بأن مذاق الطعام قد تغير رغم أن تلك الوجبات ما زالت تفضح قصور زوجته في الطبخ وإعداد الوجبات، غير أنه حتى الأرز الأبيض الذي يشبه العصيدة تحول إلى طعم آخر في فمه بعد أن اتخذ من المزرعة مكانًا يحميه من الصدامات مع زوجته وجيرانه، كما تحولت مرقة السمك في نظره إلى قوام آخر أصبح يستسيغه ويطلب من زوجته أن تحضرها في فترات متقاربة.

تبدأ خطواته في الطريق المؤدي إلى المزرعة باكرًا، يتنفس الصبح وهو يتحرك قبل شروق الشمس، وتنتهي الخطوات ممزوجة بأشعة غروب الشمس التي تتداخل مع لون الطريق الذي يوصله إلى منزله.

كان يتابع كل مراحل إنبات النخيل من حوله ويراقب تكوين ثمارها وتغيرها إلى حبات من الخلال الأخضر ومن ثم إلى رطب باللونين الأصفر أو الأحمر وأخيرًا إلى حبات من التمر.

وفي مواسم ازدهارها الأخيرة اضطر-بعد أن ازداد ثقل العمل عليه- إلى جلب عاملين وافدين يساعدانه في جمع التمور وتجفيفها في مساحات واسعة وضعها لهذا الغرض.

كان يتأمل المساحات الممتدة من حوله التي تكدست حولها الكثير من ثمار المحصول ويمني النفس بربح وفير في نهاية الموسم.

الأهم من ذلك أنه قد ترسخ في داخله الشعور بالاستغناء عن مساعدة أبنائه الأربعة، فاكتفى بوجوده وحيدًا في المزرعة مع عامليه اللذين يقومان بالأعمال التي يطلبها منهما.

منذ الصغر كان يحب الوحدة لم يكوّن دائرة علاقات متسعة ولم يشارك في المباريات التي تقام بالقرب من دارهم، بل لعل إحساسًا من التذمر والعدوانية نما في داخله، مشاجرات كثيرة خاضها مع أصدقائه في الحي، ومن ثم مع جيرانه بعد أن طالت قامته.

حين ورث هذه المزرعة تحولت طاقته السلبية إلى طاقة أخرى تمثلت في اهتمامه بالمزرعة والعناية بها، يسارع الخطى منذ الصباح ليجلس تحت العريشة التي نصبها، ويرحل عنها عند مغيب الشمس، مما أتاح له فرصة الهرب من كل ما يحيط به، ورغم الحرارة التي تجعل حبات العرق تنزل دون توقف، غير أن دائرة علاقاته التي تقلصت جعلته يتجاهل كل ما يحيط به من تعب وحر.

تمنى في لحظات كثيرة لو أنه اشترى مزرعة منذ سنوات عدة أو لو أنه ورث مزرعة كبيرة يتخذها سلوانًا وهربًا من حياته التي قصمت ظهره، بيد أنها تذكر بكل حزن ومرارة بأن والده لم يترك له سوى الديون والفقر والهموم.

استعاد في تلك اللحظات موت أخيه الأكبر الذي ظل في رحلة تيه لا تنتهي طوال سنوات حياته، حتى فارق الحياة وحيدًا وورث منه تلك المزرعة التي غيرت حياته وأضافت شيئًا من الحركة لمسار عيشه الرتيب.

في أوقات كثيرة حين كان يجلس وقت العصر وهو يشرب فناجين القهوة الكثيرة المتتابعة وتلتقط أصابعه حبات التمر من الإناء البلاستيكي الكبير، تزوره صورة والده، صراخه، فقره والحرمان الذي دفعه إلى التقوقع على نفسه ودفع أخيه للهرب والابتعاد عن المكان كليًا.

لم يحزن كثيرًا حين رحل، كما أنه ابتعد عن الجميع، وحاول تكوين أسرة يغيب فيها وتنسيه كل ما يحيط به، غير أنه تقمص شخصية والده، وأصبح حتى صراخه وحركاته وفقره وأخيرًا قامته ووجهه تشبه والده، أحس بأنه تحول إلى نسخة من أبيه دون أن يعلم!

يحاول طرد هذه الفكرة دائمًا لا سيما في فصل الشتاء، حيث الهدوء وقلة العمل واختفاء المساحات الممتدة المفروشة من التمور، إلا أن حتى تلك البرودة القارسة التي تتبع انبلاج الفجر لم تمنعه من الذهاب للمزرعة، كان يحرص على ارتداء ملابس شتوية ثقيلة، ويغطي وجهه بالمصر الذي يحميه من أي مرض قد يضر بأعصاب وجهه.

يتدحرج بخطوات واسعة نحو المزرعة، يطرد من أمامه صورة والده، ويحارب الأفكار التي تزوره عن ماضيه، ويدوس على أصداء ثرثرة زوجته وأبنائه، ويحاول بشتى الطرق أن يصل بأسرع وقت لمكان عريشته فيجلس ويتنهد قبل أن يتناول فطوره ويتأمل النخلات التي يعصف بها البرد وريح الشمال.

في مرات كثيرة تخيل أنه تحول إلى نخلة من نخلات مزرعته، يداعبها الهواء وتمر بها ظروف الحياة فلا تترك بها سوى ندوب طفيفة لا تذكر.

في هذا الصباح شعور غريب خيم عليه لم ينم سوى سويعات معدودة، كان رأسه ثقيلًا والإحساس بالتعب يلازمه كظله، أصبح الخواء يواكب صوت خطواته، نظر إلى غرفته وسريره بتمعن، توقف عند الباب لدقيقة كاملة قبل أن يخرج.... ثم خرج بكل هدوء.

خطواته اليوم غير ثابتة على الأرض، شعر بأن المزرعة بعيدة، وضع الكيس الذي يحتوي على دلة القهوة على الأرض عدة مرات.

حين وصل لم يجد أحدًا، كانت الحرارة تتزايد مع وصوله، تمنى لو يقطف حبات من نخلة البرني، يحب حباته المدورة وطعمه اللذيذ، سحب نفسه من تحت العريشة، استخدم الحابول ليصعد إلى النخلة، كانت الشمس تحجب عنه الرؤية، والوهن يتصاعد مع صعوده للنخلة، تحول الوهن إلى خدر استشرى في أنحاء جسده، الدوار سيطر على تفاصيل المشهد حوله، فقد الإحساس بالمكان والزمان، لم يشعر سوى بجسده يتهاوى من أعلى النخلة، تتابعت مجموعة من الصور الكثيرة لطفولته، للنخلات الكثيرة التي تحدق فيه، لصراعاته المستمرة، لموت أخيه، لحياة ممزقة الأطراف، كان السقوط مدويًا وصوت الاصطدام عاليًا، ومن ثم أظلم المشهد من أمامه، وفقد الإحساس بكل ما يحيط به.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حرائق كثيرة في منازل المواطنين وحظائر الماشية بقرية برخيل بسوهاج ..ماذا يحدث؟تفاصيل

شيء غريب يحدث في احدي قرى محافظة سوهاج، حيث تنشب  الحرائق في منازل وحظائر المواطنين، ، مع تكرار السبب ذاته في كل مرة: “ماس كهربائي”..

تشهد قرية برخيل التابعة لمركز البلينا جنوب محافظة سوهاج، وعدد من المناطق المجاورة، تكرارًا مثيرًا للقلق لوقائع نشوب الحرائق في منازل وحظائر المواطنين.

وذلك دون تسجيل إصابات بشرية في أغلب الأحيان، مع تكرار السبب ذاته في كل مرة: "ماس كهربائي".

ورغم تدخل قوات الحماية المدنية في كل واقعة بسرعة ونجاحها في السيطرة على النيران، فإن حالة من الريبة والقلق تنتاب الأهالي، مع تساؤلات مشروعة:" هل هي مجرد مصادفات؟ أم أن هناك خللًا أعمق يستدعي التحقيق؟".

وفيما يلي ملخص لأبرز هذه الوقائع خلال يومين فقط:

أخبار محافظة سوهاج.. أبرز الأحداث في 24 ساعةحريق يلتهم حوشا ببرخيل في سوهاجمدير أمن سوهاج الجديد يتفقد الشوارع.. ويؤكد: أمن المواطن أولويتيقصة كفاح.. نائب محافظ سوهاج يُكرم سيدة وابنها اجتازا الثانوية العامة بإرادة تُدرّسحريق حوش بقرية برخيل

نشب حريق بحوش ملك المزارع إبراهيم م.ا.ع (60 عامًا)، وأدى لاحتراق كميات من البوص والتبن، دون إصابات، رجّح مالك الحوش أن السبب ماس كهربائي.

حريق بصالة شقة

اندلع حريق محدود داخل صالة شقة بالطابق الأرضي بمنزل مكون من 4 طوابق، ملك ممدوح ع.ع.ا (55 عامًا)، وأتى على بعض الأثاث دون إصابات، والسبب حسب إفادة المالك ماس كهربائي بمفتاح مصباح.

حريق أعلى سطح منزل

أُبلغ عن نشوب حريق أعلى سطح منزل ملك فارس ا.ع.م (24 عامًا)، أدى لاحتراق بوص وأخشاب، أرجع المالك السبب إلى تطاير شرر من فرن بلدي.

حريق داخل شقة وإصابة 3 سيدات

اندلع حريق بغرفة شقة بالدور الثاني ملك الدكتور ع.ح.ر (47 عامًا)، وأسفر عن إصابة 3 سيدات باختناق، واحتراق منقولات. السبب ماس كهربائي بمروحة سقف.

حريق حوش آخر في البلينا

حريق بحوش ملك أشرف ر.ع.ا (45 عامًا) التهم محتوياته بالكامل. لم تُسجل إصابات، ورجّح أن السبب ماس كهربائي بسبب التوصيلات العشوائية.

تم تحرير محاضر رسمية بكل الوقائع سالفة الذكر، وأخطرت النيابة العامة للتحقيق، ويظل السؤال مطروحًا:" هل تكفي هذه الأسباب لتبرير كل تلك الحرائق؟".

طباعة شارك سوهاج حرائق بدون سبب الحماية المدنية

مقالات مشابهة

  • طريقة تحضير سموزى الموز بالقرقة والتمر
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • تحاملت عليكِ أحيانًا كثيرة.. فجر السعيد تتوجه باعتذار علني للفنّانة نوال
  • أسعار الدواجن والبيض اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025
  • جمال عبد الحميد: كولر حقق بطولات كثيرة مع الأهلي وفي الآخر رموه بالزجاجات
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • أسعار الدواجن والبيض اليوم الاثنين 28 يوليو
  • رجيم الزبادى.. وفوائده لإنقاص الوزن
  • حرائق كثيرة في منازل المواطنين وحظائر الماشية بقرية برخيل بسوهاج ..ماذا يحدث؟تفاصيل
  • نائب: تطبيق إلكتروني على الموبايل يتيح لصاحب المزرعة التحكم في مزرعته