الباحثين عن عمل والمُسرَّحين.. أزمة لا يُمكن تجاهل جذورها
تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT
عباس المسكري
تتوالى الأرقام، وتتكدس الملفات، وتزداد طوابير الباحثين عن عمل، إلى جانب من تم تسريحهم بعد سنوات من العطاء، وكأننا أمام أزمة صامتة، لكنها تنخر في عمق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ولأنني أعيش هذه المرحلة وأتابع تفاصيلها، لا أستطيع إلا أن أضع تساؤلاتي وهمومي أمام هذا الواقع.
ومن غير المنطقي أن نستمر في الحديث عن قلة إنتاجية المواطن، بينما بيئة العمل نفسها تُدار بشكل لا يمنحه فرصة لإثبات ذاته، حين يُمنح الوافد مفاتيح الإدارة، ويتحكم بالتوظيف والتقييم والقرارات المصيرية داخل الشركات، فكيف للمواطن أن يتطور أو حتى يصمد؟ الواقع أن الوافد في كثير من المواقع لا يرى في المواطن زميلًا يُبنى، بل تهديدًا يجب تهميشه، وهذه الحقيقة يجب ألا تُوارى خلف شعارات الخبرة أو "الكفاءة".
التقييمات مُجحِفة تُحبِط ولا تُطوِّر؛ فالمواطن اليوم يُقيَّم بأدوات بعيدة عن الإنصاف، ويُحكم عليه من قبل إدارات لا تشاركه الهم الوطني، ولا تملك الحافز لرؤية نجاحه؛ بل في أحيان كثيرة، تكون مصلحتها في بقائه تحت سقف منخفض من الإنجاز، ليظل القرار في يد الخبير الأجنبي، وهذه التقييمات أصبحت عذرًا جاهزًا لحرمانه من الترقية، أو من المكافأة؛ بل من البقاء ذاته.
وغياب التأهيل لا يعني غياب الكفاءة، ومن السهل اتهام المواطن بعدم الجاهزية، لكن السؤال الأصعب هو، من منحه الفرصة؟ من درّبه؟ من آمن به؟ الحقيقة المؤلمة أن التأهيل الحقيقي للمواطن ليس أولوية لدى كثير من الشركات، والسبب ببساطة أن الوافد لا يرى في تأهيل من سيأخذ مكانه مصلحة له، ونحن هنا لا نُعمم، ولكن نشير إلى واقع نعيشه ونتأذى منه.
أما منصب مدير الموارد البشرية ليس تفصيلًا، فحين يُمنح الوافد إدارة الموارد البشرية، فذلك ليس قرارًا عابرًا؛ بل خلل إستراتيجي، وهذا المنصب تحديدًا هو صمام أمان التوظيف الوطني، وأن يُدار من غير أبناء الوطن يعني تسليم مصير الباحثين عن عمل والمسرّحين لمن لا يشاركهم الألم، ولا يربطه بالوطن أي التزام حقيقي، وفي الوقت الذي تكتظ فيه السير الذاتية لمواطنين أكفاء، يبقى هذا المنصب أداة بيد غيرهم، وهو ما يجب أن يُعاد النظر فيه بجدية.
الواجب الوطني قبل الكفاءة المجردة، فبدلًا من أن تُوجّه السياسات لدعم وافد لن يدوم، لماذا لا نوجّهها نحو المواطن الذي يعيش في هذا الوطن، ويحمل همه، ويعاني واقعه؟ الكفاءة مطلوبة، نعم، لكن بيئة العمل المتكافئة هي ما يصنع الكفاءة، لا الإقصاء والتحجيم، وتطوير بيئة العمل لا يكون بإقصاء المواطن، بل بتمكينه ومنحه الفرصة العادلة، تحت مظلة العدالة والشفافية.
إننا نتطلع لإصلاح جذري لا ترقيع مؤقت؛ فأسباب التكدس لا يمكن اختزالها في ضعف قدرات المواطن؛ بل هي انعكاس لسلسلة من السياسات المختلة والقرارات التي أعطت، الخيط والمخيط، لمن لا يؤمن ببناء الإنسان، وإن أردنا حلًا، فلننظر في جذور الأزمة، لا في أعراضها فقط، وإصلاح بيئة العمل، وإعادة الثقة للمواطن، ومحاسبة الإدارات التي تهمّش الكفاءات الوطنية، فكلها خطوات لا بد أن تبدأ اليوم، لا غدًا.
إنَّ الأوطان لا تُبنى بالأيدي المُستأجَرَة، ولا تُصان بالقرارات المؤقتة؛ بل تُبنى بسواعد أبنائها، حين يجدون الفرصة، ويحظون بالثقة، ويُعاملون بعدالة، وهذا الوطن أعطى الكثير، وآن له أن يرى أبناءه في المواقع التي يستحقونها، وإن تمكين المواطن ليس خيارًا إداريًا؛ بل واجب وطني، ومسؤولية أخلاقية، وأمانة أمام الله والتاريخ، وكل إصلاح لا يبدأ من أبناء الوطن، هو إصلاح ناقص لا يُكتب له البقاء.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ثمار المتابعة الميدانية لوزير الداخلية.. البطاقة الوطنية في مدينة الكاظمية.. التعامل الجيد والإبتعاد عن الروتين
شبكة انباء العراق ..
عانت دوائر ومؤسسات الدولة عبر عقود من الروتين الممل والتعامل الخشن مع المواطنين الذين غالبا ماكانوا يعبرون عن إستيائهم من بطء الإجراءات، وعدم الجدية والتأخير في إنجاز معاملاتهم وكان اللوم يقع على كبار المسؤولين في الدولة الذين لايمارسون دورا ميدانيا جديا، ولايتابعون العمل الذي تقوم به دوائر الوزارات المعنية بتقديم الخدمات اليومية للمواطنين.
وزير الداخلية السيد عبد الأمير الشمري يعد من أبرز وزراء الحكومة، ويتسم بالجدية العالية والحسم والحزم. وقد شهدت الوزارة في عهده تطورا كبيرا في الإنجاز والعمل والتأهيل والتحديث، وعملت على واحد من أبرز المشاريع الوطنية وهو مشروع البطاقة الموحدة الذي جرى العمل به في محافظات البلاد جميعها، وإستدعى ذلك عودة عشرات آلاف المغتربين من الخارج لإستصدار تلك البطاقة، وجرى أيضا إتخاذ تدابير من الوزارة للتعامل معهم في البلدان التي يقيمون فيها لتسهيل مهمة المراجعة، وتجاوز العقبات الروتينية التي يمكن أن تسبب لهم التأخير.
في مدينة الكاظمية، وهي من أكبر حواضر العاصمة بغداد يمضي المشروع بسلاسة، وتواصل ملاكات دائرة البطاقة الموحدة هناك في عملها صباحا ومساءا حيث جهزت الدائرة بأحدث الوسائل التقنية، وكذلك عين فيها ضباط على درجة عالية من الكفاءة، وموظفون مدنيون يقومون بإنجاز سريع ومتقن للمعاملات. وهنا يجدر القول إن المواطن كان في السابق يعاني من عدم وجود أمكنة إنتظار مريحة، وهو ما أولته الوزارة أهمية فائقة حيث خصصت أماكن مكيفة، ومقاعد جلوس مريحة تركز على الإهتمام بكبار السن خاصة ويقوم مدير الدائرة بمتابعة مباشرة للعمل، ويراقب الأداء، والمثير للإهتمام إن العامل الإنساني يتفوق أحيانا على عامل الإنجاز حيث يركز المسؤول على إحترام المواطن، وتقديره، وتوفير متطلبات الراحة له، وللأمانة فإن عديد دوائر وزارة الداخلية خاصة المعنية بالمواطنين المدنيين تقوم بذلك، وهذا دليل متابعة ميدانية من الوزير الشمري، وحرص المسؤولين على عدم التقصير مع المواطن، والتقليل من الجهد والوقت، وتذليل العقبات، وتجاوز الروتين الممل. ونتمنى لدوائر الدولة كافة أن تعمل على هذا المسار..