لجريدة عمان:
2025-05-30@08:01:26 GMT

مع الفرص الضائعة.. رحلة التمني لا تفيد!

تاريخ النشر: 29th, May 2025 GMT

مع الفرص الضائعة.. رحلة التمني لا تفيد!

منحنا الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة الكثير من الفرص، وأوجب علينا استغلالها الاستغلال الأمثل، وقد تضيع الفرص من بين أيدينا فنتأسف عليها ونحزن كثيرًا لفقدانها، ولكن يُبدلنا الله بأخرى مثلها أو أحسن منها، ومع ذلك يُصرّ البعض على تضييع الوقت والجهد والفرص بصفة مستمرة!

والسؤال: هل يمكن أن تعود الفرص الضائعة مرة أخرى؟

في اعتقادي الراسخ، الشيء الوحيد الذي لا يمكن عودته مرة أخرى هو ضياع «فرصة الحياة»، أما القوة فيمكن أن يعيدها الله إلينا بالشفاء من الأسقام والعلل، وقد يُبدلنا الله خيرًا في المال والولد، ويمنحنا فرصًا جديدة أفضل من تلك التي ذهبت أدراج الرياح!

ولدينا أمثلة كثيرة على هذه النقطة؛ فهناك أشخاص عرفناهم فقدناهم من حياتنا؛ لأنهم لم يُحسنوا استغلال فرصة التمتع بنعمة الحياة التي منحهم المولى إياها، غرتهم المباهج، وظنوا أنهم أقوياء على كل شيء يعترض طريقهم، فتجبروا وتكبروا على مخلوقات الله، ظنًّا منهم أن القوة ستبقى، والحال لن يتغير، وهذا ما جعلهم ينصرفون عن طرقات الضياء والنور والفسحة والسرور، وسلكوا طرقات الشيطان، فأعماهم، وصدّ صدورهم عن الحق المبين، فكانت نهايتهم محزنة.

لقد أوجد لنا الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض التي نعيش عليها الكثير من النعم العظيمة، وبصرنا نحو طرقات الخير والتمتع بالنعم من خلال ما جاء في القرآن الكريم ودلت عليه السيرة النبوية العطرة، لكن البعض، حتى هذه اللحظة، لا يُدرك قيمة الأشياء إلا عندما يفقدها.

تعلّمنا في مدارسنا في حصة اللغة العربية درسًا مهمًّا، استنبطناه من قصائد شعرية وُلدت ولم تمت في التاريخ ولا في عقولنا، ومنها ما قاله ابن تونس الخضراء أبو القاسم الشابي:

(إذا ما طمحت إلى غايةٍ.. ركبتُ المنى ونسيتُ الحذرْ

ولم أتجنّبْ وعورَ الشعابِ.. ولا كبةَ اللهبِ المستعرْ

ومن لا يحبُّ صعودَ الجبالِ.. يعشْ أبدَ الدهرِ بين الحفرْ)

أما المقولة الخالدة للزعيم المصري الكبير مصطفى كامل فكثيرًا ما تتبادر إلى أذهاننا حين يقول:

«لا يأس مع الحياة، ولا معنى للحياة مع اليأس».

أما ابن الفرات الراحل كريم العراقي فيقول:

(لا اليأس ثوبي ولا الأحزان تكسرني.. جرحي عنيدٌ بلسع النارِ يلتئمْ

اشربْ دموعك واجرعْ مرَّها عسلًا.. يغزو الشموعَ حريقٌ وهي تبتسمْ

والجِمْ همومك واسرِجْ ظهرَها فرسًا.. وانهضْ كسيفٍ إذا النصالُ تلتحمْ)

إذا كانت الحياة معتركًا دائمًا وسجالًا بين المتغيرات، وساحة مفعمة بالظروف المتباينة بين الشدة والرخاء، فإن الله تعالى يقول:

«فإن مع العسر يسرًا»،

ولما تضيق الأمور، يأتي الله بالفرج من حيث لا ندري. ومن ذلك ما قاله الإمام الشافعي -رحمه الله:

«ولربّ نازلةٍ يضيق لها الفتى... ذرعًا وعند الله منها المخرجُ

ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتُها... فرجتْ وكنتُ أظنها لا تُفرجُ»

إذن، مهما ضاقت بك الدنيا على وسعها، ومصائبها، ونكباتها.. تذكّر أن أشد ساعات الليل ظلمة هي الساعة التي تسبق الفجر. هكذا علّمتنا الحياة، وعلّمت غيرنا الدروس، فلتكن على يقين تام بأن الفرج من عند الله سيأتي، حتى ولو تأخر كثيرًا.

الفرص بأنواعها ما هي إلا بطاقات نعبر بها نحو السعادة، فرب فرصة تغير أحوالنا إلى الأفضل، ورب أخرى نُضيّعها فنتأسف عليها كثيرًا. على الإنسان أن يُدرك شيئًا مهمًّا في حياته، وهو: «أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك»؛ فالمعنى: ما أصابك من خير أو شرّ لم يكن ليجاوزك إلى غيرك، وهذا في القدر.

الأقدار تأتي بما يسرّنا، وبما نكره، ولكن علينا أن نعمل وفق ما أمرنا الله ورسوله به، ففرصة الحياة ستنتهي لا محالة. يقول تعالى في سورة الزمر:

«إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۚ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ»

وعند فوات الفرص، لا يفيد التمنّي، حتى مع وجود الندم والحسرات، وأقرب مثال على ذلك: عندما يموت الإنسان، له أمنية أن يُعيده الله إلى الدنيا مرة أخرى. يقول تعالى في سورة المؤمنون:

«حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَـالحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّآ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تحليل: المليارات الضائعة.. و”الأدلة غير الكافية” تعيد إنتاج الفساد

27 مايو، 2025

بغداد/المسلة: يحكم الفساد قبضته على مفاصل الدولة العراقية تحت غطاء سياسي متين، لا يُخترق إلا بثمن باهظ من الاستقرار والمساءلة، ويتمدّد كالأخطبوط داخل مؤسسات الدولة العراقية، حيث لا تبدو محاولات اجتثاثه سوى طعنات في الهواء.

وتهيمن شبكات مصالح متداخلة على المناصب والامتيازات، وتدير اللعبة السياسية بمهارة عبر تبادل المنافع بين قادة الكتل والأحزاب، مما يجعل كشف ملفات الفساد، مهما بلغت خطورتها، رهينة للتجاذبات لا للقانون.

واستمرت مؤشرات الفساد في التصاعد منذ 2003، ووفق تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2024، جاء العراق في المرتبة 162 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد، مما يكرّس صورة قاتمة عن واقع مؤسسات الدولة العراقية التي تحوّلت إلى ما يشبه الإقطاعيات الحزبية.

وارتفعت الأصوات مجددًا عقب انكشاف ملف “أمانات الضرائب” في أكتوبر 2022، والذي تم فيه نهب نحو 2.5 مليار دولار من الأموال العامة، وسط صمت سياسي، بل وتورط شخصيات نافذة، مما أعاد للأذهان ملف “صفقة القرن” عام 2015 المرتبط بعقود نفطية مزوّرة أُبرمت من قبل مسؤولين حاليين وسابقين.

وتكررت الظواهر ذاتها في السنوات الأخيرة، إذ شهد العام 2019 اندلاع موجة احتجاجات شعبية انطلقت من بغداد وامتدت إلى محافظات الجنوب، كان أحد أبرز مطالبها مكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين، لكن أيا من الرموز الكبرى لم يخضع للمساءلة.

واستنسخت الحكومات المتعاقبة ذات الأساليب في مهادنة الفساد عبر توزيع المناصب كحصص سياسية، إذ كشف عضو اللجنة المالية النيابية محمد الشبكي مطلع عام 2025 أن 70% من التعيينات في الوزارات تتم خارج معايير الكفاءة، وغالبًا لأسباب طائفية أو حزبية.

وتورّطت أكثر من 600 شركة وهمية في العقود الحكومية، بحسب تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير، في ظل غياب الشفافية والرقابة الفعّالة، ما يجعل أي استراتيجية لمكافحة الفساد من دون إصلاح سياسي هي أقرب إلى الوهم منها إلى التطبيق.

وتكررت الظاهرة في مشهد مشابه عام 2011، حين تم فضح ملفات فساد تتعلق بعقود التسليح الجيش العراقي، خاصة عقد أجهزة كشف المتفجرات المزيفة، الذي أودى بحياة الآلاف، ولم يتم محاسبة المتورطين الفعليين حتى اليوم.

وتمتد جذور هذا التواطؤ السياسي إلى بنية النظام السياسي القائم على المحاصصة، إذ تسعى كل جهة إلى تحصين حصتها داخل الدولة، لا إلى تعزيز دولة المؤسسات، مما يجعل الفساد ليس مجرد عارض، بل هو نتيجة بنيوية لهذا النمط من الحكم.

واستند الفساد إلى بيئة مشجعة تضم قوى نافذة تمتلك أذرع إعلامية وجماهيرية، تحول دون ملاحقتها قانونيًا، بل وتُجمّل صورتها عبر خطاب تعبوي يربط بين محاربة الفساد وبين استهداف طائفة أو مكوّن.

وتضرب هذه المنظومة بجذورها في كل اتجاه، ما جعل تقرير هيئة النزاهة الصادر في أبريل 2025 يؤكد أن 75% من قضايا الفساد الكبرى يتم إغلاقها دون الوصول إلى الأحكام النهائية بسبب “عدم كفاية الأدلة”، وهي عبارة يستخدمها القضاء لتجنب صدام سياسي مع المتنفذين.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • صاروخ حوثي يشل الحياة في تل أبيب.. مطار مغلق وشوارع خالية وأنصار الله تتوعد بالمزيد
  • الحج .. رحلة الروح إلى اليوم الآخر
  • نور أعرج لـ سانا: نحرص على أن تكون رحلة الحج فرصة لترسيخ قيم التواضع، ونظافة المخيمات في المشاعر، فقد كنا من أوائل البعثات العربية والإسلامية التي قمنا بتبني مشروع نظافة الخيم في عرفات ومنى، إضافة إلى الصحة المستدامة لدى حجاجنا من خلال التوعية الصحية التي
  • ترامب يقول إنّه حذر نتانياهو من ضرب إيران
  • السيد القائد الحوثي: القرآن الكريم النعمة الكبرى بكتاب الهداية الذي فيه البركة الواسعة في كل مجالات الحياة
  • البرامج الموجهة للمرأة بالجامع الأزهر توضح الأعمال التي تعادل الحج والعمرة
  • الهوية الضائعة في عالم التكنولوجيا
  • ومضة الشرارة التي تغير مجرى حياتك
  • تحليل: المليارات الضائعة.. و”الأدلة غير الكافية” تعيد إنتاج الفساد