في حي "التفاح" شرق مدينة غزة ، كان محمد خالد الذي يبلغ من العمر (36 عاما) ي فتح باب صالونه كل صباح بابتسامة واثقة. الجدران نظيفة، الأدوات مرتبة بعناية، ورائحة العطور تعبق في المكان. كانت الزبائن تعرفه من بعيد، "محمد الحلاق"، صاحب اليد الخفيفة والحديث اللبق. لم يكن صالونه مجرد مكان للحلاقة؛ بل مجلسا صغيرا للحديث، للضحك، ولنسيان الهموم.

هناك، مرت أعراس ومناسبات وأحاديث السياسة والرياضة، وكان محمد حاضرا دوما بابتسامة وعبارة لطيفة.

اليوم، لا جدران، ولا مرايا، ولا حتى سقف. محمد يتخذ من الرصيف صالونا للحلاقة، تحت ظل خيمة بلاستيكية مهترئة قرب شارع مزدحم.

طاولة خشبية قديمة، وكرسي حلاقة خلع من صالونه المدمر، هما كل ما تبقى من فخامته السابقة. يقول بابتسامة باهتة: " زمان كنت أرتب الزبون، اليوم بجر الكرسي عالرصيف قبل ما أبدأ. الشغل هو هو، بس المكان هو اللي اختلف".

حين دمرت الغارات منزله وصالونه في الحي، نزح محمد مع أسرته إلى منطقة أكثر أمانا، أو هكذا ظن. حمل زوجته وأطفاله الثلاثة، وبقي أسبوعين دون دخل، دون فكرة، دون حيلة. "كنت صاحي وببكي من غير ما يحسوا في. مش لأني ضعيف، بس لأني عاجز". ثم قرر أن لا يجلس مكتوف الأيدي. يقول وهو يرتب شفرة الحلاقة فوق قطعة قماش مطهرة "المهنة بإيدي، والناس محتاجة تحلق، وأنا محتاج أطعم أولادي".

اختار زاوية قريبة من السوق الشعبي، حيث الحركة لا تتوقف. الزبائن، على اختلافهم، يأتون ليحلقوا شعورهم، ويتركوا شيئا من تعبهم عند محمد. بعضهم لا يدفع، فيغادر بخجل، فيبتسم محمد ويقول: "نصيبي اليوم راح، بكرا الله ببعت". وفي بعض الأيام، يكتفي بقصات معدودة، لكنه يعتبرها انتصارا صغيرا على واقع كبير.

لا يملك محمد مولدا كهربائيا، ولا أدوات تعقيم حديثة، لكنه يحرص على نظافة شديدة، قدر استطاعته. يغلي الماء، يطهر الأدوات بالكلور، ويحاول أن يخلق مساحة آمنة وسط الفوضى. "أنا مش بس بحلق، بحاول أرجع للناس إحساسهم بالكرامة. الراحة النفسية تبدأ لما الواحد يشوف حاله مرتب".

تقاطعه أصوات الطائرات في السماء، فيصمت قليلا، ثم يواصل الحلاقة كأن شيئا لم يكن. يقول بهدوء "تعودنا". في بعض الأيام، يغلق مبكرا عندما تشتد وتيرة القصف. وفي أيام أخرى، يحلق حتى الغروب، على ضوء الشمس وحده. مرت عليه لحظات توقف قلبه من الخوف، لكنه لم يغادر. "أنا هون، والناس كمان هون. وين نروح؟

زوجته، التي تجلس على بعد أمتار في الخيمة، تراقبه بفخر. تقول: "محمد ما استسلم، حتى لما خسر كل شي. الشغل مش عيب، والرصيف أكرم من السؤال".

وتضيف الزوجة بنبرة دافئة: "أولادي بيسألوني: بابا راح يرجع المحل؟ بقولهم: بابا عم يبني محل جديد، بس مش من طوب.. من صبر".

عندما نسأله عن أكثر اللحظات التي أثرت به، يذكر طفلا صغيرا جاء برفقة والده، يريد حلاقة شعره "مثل قبل"، يوم عيد ميلاده. "هو ناسي الحرب"، يقول محمد، "بس أنا ما قدرت أرفض، خليته يفرح. حسيت إني رجعتله العيد، ولو بشي بسيط".

في ركن من الرصيف، علق مرآة صغيرة على عمود كهرباء، يطل الزبائن منها على وجوههم بعد الحلاقة. يقول محمد: "هاي المرايا أصغر من مرايا المحل، بس الناس بتشوف فيها حالها بأمل أكبر".

في ظل الحرب، اختلطت المهنة بالرسالة، والبقاء بالكرامة. محمد لا يدعي البطولة، لكنه يمارسها يوميا. فهو لا يحمل سلاحا، بل مقصا ومشطا، ويخوض معركة من نوع آخر: أن يحفظ هيبة الإنسان في وقت كاد يفقد فيه كل شيء.

المصدر : وكالة سوا - عبد الناصر اكريم اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين معلقات بين الحداد والانتظار - زوجي مفقود.. فهل أُعدّ أرملة؟ كيف صارت الطاقة الشمسية أكسجين الغزيين؟ الاحتلال يطرد المرضى والكادر الطبي من مستشفى العودة شمال غزة الأكثر قراءة الإفراج عن 10 أسرى من غزة - بالأسماء 6 شهداء بعد قصف عناصر تأمين المساعدات شرق دير البلح شاهد: الاحتلال يرتكب مجزرة بعد قصف منزل لعائلة دردونة في جباليا سعر صرف الدولار والدينار مقابل الشيكل اليوم الجمعة 23 مايو عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

المصدر: وكالة سوا الإخبارية

إقرأ أيضاً:

بالفيديو: 11 شهيداً وإصابات في غارات إسرائيلية على غزة اليوم

استشهد وأصيب عدد من المواطنين، فجر وصباح اليوم الجمعة 30 مايو 2025، في غارات إسرائيلية على قطاع غزة .

وأكدت مصادر محلية، استشهاد 7 مواطنين وعدد من الإصابات في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً لعائلة "نصر" بجباليا النزلة شمالي قطاع غزة.

وأضافت أن الشهداء هم: أحمد إبراهيم نصر وجميلة خليل نصر ومحمد إبراهيم نصر ونعمة أحمد إبراهيم نصر وأسيل محمد أحمد نصر وميسون محمد محمد نصر ورزان محمد محمد نصر.

وأعلنت أن ثلاثة مواطنين آخرين استشهدوا جراء قصف الاحتلال خيمتين تؤويان نازحين غرب خان يونس، ونقلوا إلى مجمع ناصر الطبي.

وأشارت إلى استشهاد المواطن راتب أيمن جودة وإصابة آخرين برصاص الاحتلال في منطقة الشاكوش شمال غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

كما نسف جيش الاحتلال منازل سكنية في حي التفاح شرقي مدينة غزة. وفي بلدة القرارة شمال خان يونس.

وكان الاحتلال، قد أصدر، الليلة الماضية، "أوامر إخلاء" جديدة للمواطنين في جباليا البلد والعطاطرة في محافظة شمال غزة، وبأحياء الشجاعية والدرج والزيتون بمدينة غزة.

ويوم الخميس، استشهد 70 مواطنا على الأقل، بينهم أطفال ونساء، وأصيب آخرون، في قصف طائرات الاحتلال ومدفعيته عدة مناطق من القطاع.

ويعاني قطاع غزة أزمة إنسانية وإغاثية كارثية ومجاعة قاسية منذ أن أغلق الاحتلال المعابر في 2 آذار/ مارس الماضي، مانعا دخول الغذاء والدواء والمساعدات والوقود. وبات نحو 1.5 مليون مواطن من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.

ويرتكب الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية في قطاع غزة خلّفت أكثر من 177 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الحلاقة: من ردهات الصالونات إلى قارعة الطريق معلقات بين الحداد والانتظار - زوجي مفقود.. فهل أُعدّ أرملة؟ كيف صارت الطاقة الشمسية أكسجين الغزيين؟ الأكثر قراءة سعر صرف الدولار والدينار مقابل الشيكل اليوم الجمعة 23 مايو طقس فلسطين: أجواء معتدلة وانخفاض على درجات الحرارة محدث: شهداء وإصابات في الغارات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة حرق منازل ومركبات فلسطينية في هجوم لمستوطنين على "بروقين" غرب سلفيت عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • بالفيديو: 11 شهيداً وإصابات في غارات إسرائيلية على غزة اليوم
  • ميدو يكشف كواليس مثيرة حول مفاوضات الأهلي مع شيكابالا: الفلوس كانت جاهزة لكنه اختار الزمالك
  • اعتقال مفحط قطع الطريق في الموصل.. فيديو
  • الديوانية.. أهالي عفك يقطعون الطريق الرابط بالمحافظات الجنوبية للمطالبة بالكهرباء
  • ترامب يقول إنه حذر نتنياهو من تعطيل المحادثات النووية مع إيران.. تسير بشكل جيد
  • ترامب يقول إنّه حذر نتانياهو من ضرب إيران
  • عاجل. ترامب يقول إنّه حذر نتانياهو من ضرب إيران: المحادثات النووية جيدة جدًا
  • ترامب يقول إن روسيا "تلعب بالنار"
  • الرئيس الشرع: فيا أهل حلب الكرام ويا أهل سوريا العظام لقد تحررت أرضكم واستعيد مجدكم، وعادت مكانتكم في الإقليم والعالم، رفعت عنكم القيود وتخففت عنكم الأثقال وزالت من أمامكم عوائق التنمية، وها هو الطريق أمامكم ممهد اليوم فشمروا عن سواعد الجد وأتقنوا العمل و