غزة- صباح كل يوم، يبدأ أحمد نوفل، وهو أب فلسطيني يعيل أسرته المكوّنة من 6 أفراد، رحلته الشاقة والخطرة على أطراف مخيم النصيرات، في منطقة المفتي المحاذية لمحور نتساريم، مصطحبا معه نجله الصغير محمد (14 عاما)، لجمع الحطب والحديد وبيعه وشراء ما يسد رمقهم من الطعام، في ظل الحرب على قطاع غزة والظروف المعيشية والإنسانية الصعبة.

بحزن وأسى، يقول أحمد (38 عاما) الذي بدّلت الحرب وسامته وغيّرت ملامحه، للجزيرة نت "كل يوم أخرج مع ابني محمد، نجرُّ عربتنا الثقيلة، ونقطع مسافات طويلة ببطون فارغة وتحت أشعة الشمس الحارقة، ونصل أماكن خطرة قرب منطقة نتساريم التي يحتلها الجيش الإسرائيلي".

ويضيف "الطائرات فوقنا، والدبابات أمامنا، نبحث عن بعض الحطب أو بقايا الحديد من البيوت المُهدَّمة والمقصوفة، ونجمعها بمشقة وتعب، ونضعها على العربة، ثم نسير بها مسافات طويلة لبيعها في السوق مقابل مبلغ من المال يساعدني بتوفير الطحين والطعام لأسرتي".

أحمد نوفل وطفله الصغير محمد أثناء مهمتهما الشاقة بجمع الحطب والحديد قرب المناطق الخطرة (الجزيرة) تحت القصف

ومنذ بداية الحرب، لم يعرف أحمد وولده طعم الراحة، حيث تتكرر معاناتهما يوميا بين التعب والإرهاق والجوع، وبين متطلبات الحياة أمام ظروف العيش الصعبة والغلاء الفاحش، وبين المعاناة في جمع الحطب والحديد، التي تتطلب المشي طويلا، والبحث عن مناطق جديدة، ومواجهة صعوبات كبيرة، وأخطار جسيمة، وتحدي الموت.

وتعرض أحمد ونجله للقصف بقذائف الدبابات التي كانت تسقط أمامهما، إضافة لإطلاق النار من طائرات الكواد كابتر المُسيَّرة فوقهما، ونجيا مرات عديدة من موت محقق.

ويقول "كل يوم نخرج فيه نعتقد أنه سيكون الأخير، وأتخيل أننا سنعود يوما ما، محمولين على الأكتاف أو في أكفان، لكن لا مناص؛ فالحاجة والعوز يجبرانا على الخروج، وإن لم نفعل ذلك نموت جوعا".

أحمد نوفل (يمين) يصف لمراسل الجزيرة نت معاناته وعمله قرب مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي (الجزيرة)

وذات مرة، وخلال بحثه عن الحطب والحديد تعمَّق رفقة ابنه قليلا إلى منطقة خطرة جدا طمعًا في الحصول على كمية أكبر من الحطب وبقايا الحديد، يتابع "انهالت علينا القذائف المدفعية والرصاص من كل حدب وصوب، ونجونا بأعجوبة، وعدنا فارغي الأيدي، ولم نستطع شراء الطحين والطعام".

إعلان

وانقطعت المساعدات في غزة حين تجددت الحرب بعد شهرين من وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني الماضي، وأحكمت إسرائيل حصارها على القطاع، واستخدمت سياسة التجويع، فانقطعت المعونات وقسائم التوزيع، وأُغلقت مراكز التوزيع والتكايا، وانتشرت سرقة شاحنات الطحين، وظهر تجار السوق السوداء، وبدأ الناس يعانون الأمرّين في الحصول على الطعام.

وأحمد هو جريح انتفاضة الأقصى عام 2000، وكان يتقاضى راتبا حكوميا، وتم إيقافه بعد القرار الإسرائيلي باستقطاع أموال الأسرى والجرحى الفلسطينيين من المقاصة (عائدات الضرائب الفلسطينية) بحجة قانون تجميد أموال السلطة الفلسطينية المرتبطة بالإرهاب، وفق وزارة المالية الإسرائيلية.

أحمد نوفل جريح سابق انقطع راتبه وبات يجمع الحطب والحديد ليسد رمق أطفاله (الجزيرة) رغم الخطر

ويتابع أحمد بحرقة "لا يوجد راتب ولا عمل في غزة بسبب الحرب، وتزداد ظروفي صعوبة في ظل الغلاء الفاحش والاحتكار، وأطفالي يحتاجون للطعام، ولا يكفون عن سؤالي كل يوم: متى سنأكل؟ وماذا سنأكل؟ وكيف؟".

ويشير إلى أن هذه الأسئلة التي تحاصره تجبره على الخروج والمخاطرة من أجلهم، حتى لا يشعر بالعجز أمامهم، وكأنه يحمل ذنبًا لم يرتكبه، ويضيف أن كل شيء في غزة صار يحتاج لمعركة للحصول عليه من أجل البقاء من الطحين والخبز والماء والدواء.

ويردف "القتل والقصف حولنا، والأسعار المشتعلة تكوينا، والجوع يحاصرنا ويفتك بنا. في غزة، حتى الحياة العادية صارت حلمًا بعيدًا، معلقة بين الحصار والقصف، وبين الجوع والموت".

وتُعتبر المناطق القريبة من محور نتساريم أراضي زراعية خصبة، مثل أبو مدين والزهراء والمغراقة، حيث قام الجيش الإسرائيلي بتجريفها عند توسيع المحور، وهدم البيوت واقتلع الأشجار، وعدها مواقع عسكرية خطيرة لا يُسمح لأي شخص بالاقتراب منها، وتراقبها الطائرات والدبابات وجنود القناصة.

لكنها بالنسبة لأحمد منطقة مليئة بجذور الحطب الكبيرة نتيجة التجريف، وبقايا مخلفات الدفيئات الزراعية من الحديد، ولهذا فهو يتسلل إليها وابنه محمد، ويخاطر لجمع بعض الحطب والحديد، وهو يستخدم أدوات بدائية في تقطيع الحطب وتجميعه، حيث يبيع جزءا منه لشراء بعض الطحين والطعام لأولاده، ويحتفظ ببعضه لإشعال النار وطهي الطعام لعائلته.

وفي ظل انقطاع غاز الطهي، لجأ الغزيون للحطب لطهي الطعام، وهو ما ضاعف سعره 5 مرات، ووصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى نحو دولارين، بعد أن كان يُباع بربع دولار.

آثار التعب والإرهاق على وجه أحمد نتيجة جمع بقايا الحديد فضلا عن الخوف من الاحتلال (الجزيرة) أعمال شاقة

الابن الصغير محمد، الذي انقطع عن دراسته بسبب الحرب، وأصبح مرافقًا لوالده في أعماله الشاقة، يقول للجزيرة نت "أتمنى العيش كباقي أطفال العالم، أذهب إلى مدرستي، وأرتدي ملابسي الجميلة، وأشاهد برامج الكرتون التي أحبها، وأعيش في بيتي، وبين أحضان أسرتي بهدوء، وأنام دون خوف على ضوء الكهرباء، وأتناول الطعام متى أشاء".

"لكن الحرب حرمتنا كل هذه الأشياء الجميلة. وإسرائيل، الله ينتقم منها، دمّرت حياتنا وقلبتها رأسًا على عقب"، يضيف محمد الذي صار حاله وحياته بين موت وخوف وتعب وجوع، "ويجب أن تموت 100 مرة حتى تأكل بعض الطعام ودون شبع، وتستطيع الوقوف على قدميك وإكمال حياتك".

الصغير محمد بدلا من ذهابه للمدرسة صار يساعد والده بالأعمال الشاقة بسبب ظروف الحرب (الجزيرة)

ويقول إنها وجبة واحدة فقط، وبالكاد يمكن تسميتها كذلك، تحتوي بعض قطع الخبز الحاف (ليس معه شيء)، وفي وقت الرفاهية يرافقها صحن عدس، إذا أمكن شراؤه.

ويضيف "بدلا من ذهابي للمدرسة، أعمل مع أبي في الأشغال الشاقة بجمع الحطب وبقايا الحديد، وأقوم بمساعدته وجر العربة إلى السوق، وهناك نقف تحت أشعة الشمس الحارقة حتى نبيع ما جمعناه".

إعلان

ويختم "نشتري أي شيء لنأكله، وعندما ننتهي نكون بحالة تعب شديد، وملابسنا متّسخة، وأجسامنا ملتهبة من شدة الحر، وبعد كل ذلك، لا نجد الماء لنستحم أو نغسل ملابسنا وننام على هذا الحال، لك أن تتخيَّل".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الصغیر محمد فی غزة کل یوم

إقرأ أيضاً:

بيكهام يكشف كواليس ما بعد التتويج بالدوري الأمريكي ويحسم موقف ميسي من العيش في ميامي

كشف ديفيد بيكهام، أسطورة الكرة الإنجليزية ومالك نادي إنتر ميامي، تفاصيل جديدة حول حديثه مع النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي عقب تتويج الفريق لأول مرة في تاريخه بلقب الدوري الأمريكي، وذلك بعد الفوز المستحق على فانكوفر وايتكابس بثلاثة أهداف مقابل هدف في المباراة النهائية.

ميسي يحطم الأرقام القياسية.. أكثر لاعب تتويجًا في التاريخطريق العمالقة إلى نهائي مونديال 2026.. هل يلتقي ميسي ورونالدو في مواجهة الوداع؟ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على فانكوفر والتتويج بالدوري الأمريكي للمرة الأولىميسي يكشف أسرار حياته ومسيرته ويقارن تجاربه بين إنتر ميامي وجوارديولا وسكالونيميسي وبرشلونة

وأوضح بيكهام، في تصريحات نقلتها صحيفة "موندو ديبورتيفو" الإسبانية، أن العلاقة بين ميسي ونادي برشلونة ما زالت راسخة في كل تفاصيل حياته اليومية، رغم ارتباطه القوي بمشروع إنتر ميامي. 

وأشار إلى أن رغبته الشخصية هي استمرار ميسي في العيش بمدينة ميامي حتى بعد اعتزاله كرة القدم، لكنه فوجئ برد اللاعب الذي أكد له أنه لا يفكر إلا في الإقامة بالقرب من ملعب كامب نو، المكان الذي شهد بناء مجده ومسيرته التاريخية.

ارتباط ميسي بالبرسا يتجاوز حدود اللعب

وأكد بيكهام أن ارتباط ميسي بالبرسا يتجاوز حدود اللعب؛ إذ تظهر شعارات النادي الكتالوني على ساقه وحتى على زجاجة المياه التي يستخدمها في التدريبات والمباريات، في دلالة واضحة على عمق العلاقة والانتماء الذي لا يزال يحمله للنادي الذي صنع اسمه.

وعن المواجهة النهائية أمام فانكوفر، اعترف بيكهام بقوة المنافس وصعوبة المباراة، مؤكداً أن الفريق الكندي فرض ضغطاً كبيراً بعد تسجيل هدف التعادل وسيطر على مجريات اللعب لبعض الوقت، قبل أن يستعيد لاعبو ميامي اتزانهم بفضل العمل القوي في وسط الملعب والقدرة على استعادة الكرة، وهو ما فتح الطريق أمام الفريق لفرض سيطرته من جديد.

منح ميسي الكرة

وأشار إلى أن منح ميسي الكرة في اللحظات الحاسمة يظل دائماً مفتاحاً لصناعة الفرص وتغيير مسار المباريات، مؤكداً أن وجوده داخل الملعب يمنح الجميع شعوراً إضافياً بالثقة.

وتحدث مالك إنتر ميامي عن رحلته الطويلة مع المشروع منذ بداياته، قائلاً إنه عاش ليالٍ بلا نوم بحثاً عن الشكل المثالي للنادي، لكنه كان مؤمناً طوال الوقت بقدرة الفريق على صناعة تاريخ جديد في كرة القدم الأمريكية. 

وأكد أنه وجد الشركاء المثاليين لتحقيق هذا الحلم، ومنذ تلك اللحظة بات يثق بأن كل شيء ممكن، مستشهداً بالشعار المكتوب خلف قمصان الفريق: الحرية من أجل الحلم.

يُذكر أن ليونيل ميسي كان قد جدد تعاقده مع إنتر ميامي حتى صيف عام 2028، في خطوة عززت من استقرار المشروع الرياضي للنادي ودفعت بالآمال نحو مستقبل أكثر إشراقاً للفريق.

طباعة شارك ديفيد بيكهام بيكهام نادي إنتر ميامي ليونيل ميسي ميسي الدوري الأمريكي

مقالات مشابهة

  • ترتيبات لقمة بين بوتين وترامب.. والكرملين يحدد الأهداف
  • اعتراضات عربية تُطيح بتوني بلير من مجلس السلام الخاص بغزة
  • تشييع مهيب لضحايا حادث الطريق الصحراوي الشرقي بالمنيا
  • أبو الغيط: 55 مليون عربي يعانون نقص التغذية.. و"التجويع" يُستخدم سلاحًا ضد سكان غزة
  • أبو الغيط: 55 مليون عربي يعانون نقص الغذاء… وإسرائيل استخدمت التجويع كسلاح في غزة
  • بيكهام يكشف كواليس ما بعد التتويج بالدوري الأمريكي ويحسم موقف ميسي من العيش في ميامي
  • نتنياهو يتحدث عن المرحلتين الثانية والثالثة من وقف إطلاق النار بغزة
  • نقل ضحايا حادث انقلاب سيارة ملاكي على الطريق الصحراوي بالبحيرة للمستشفى.. تفاصيل
  • قطر: الفلسطينيون في غزة لا يريدون مغادرة الأرض ولهم كل الحق في العيش هناك
  • القاضي قطران يحمّل الحوثيين مسؤولية مصير عائلته المغيبين في السجون