في ظل تصاعد الوعي المجتمعي بأهمية التغذية العلاجية كعنصر محوري في الوقاية والعلاج من أمراض العصر، تشهد الساحة الطبية في مصر حراكًا علميًا متجددًا تقوده الجمعية المصرية للتغذية العلاجية والأمراض المرتبطة بالسمنة (EATN)، والتي باتت خلال السنوات الأخيرة منبرًا يجمع المتخصصين في مجالات الطب والتغذية والعلاج الوظيفي تحت مظلة واحدة، بهدف توحيد المفاهيم ومواجهة التحديات المهنية والعلمية المتزايدة.

وفي هذا السياق، تستعد الجمعية لعقد مؤتمرها السنوي الثالث – والسادس ضمن سلسلة مؤتمراتها العامة،تحت شعار جريء وغير تقليدي: "مين الناس بتروح له أكتر: الدكتور الأشهر ولا الأشطر؟".

 في إشارة إلى المفارقة بين الكفاءة العلمية ومدى التأثير الجماهيري في عصر تغلب عليه الصورة على المضمون، والسوشيال ميديا على المحتوى الطبي الموثق.

المؤتمر، كما يصفه القائمون عليه، ليس مجرد ملتقى علمي لتبادل أوراق بحثية ومحاضرات تقليدية، بل هو دعوة مفتوحة لإعادة تعريف الطبيب كفاعل مجتمعي وريادي، قادر على صناعة التأثير وتفنيد المعلومات المغلوطة التي أصبحت تهدد وعي المريض، وتسيء للمهنة.

"الفجر" التقت الدكتور أحمد الغريب، رئيس الجمعية ورئيس المؤتمر، في حوار شامل كشف خلاله عن كواليس التحضير للمؤتمر، ورسائله الأساسية، وطبيعة التحديات التي تواجه الممارسين في مجال التغذية العلاجية، فضلًا عن رؤيته لمستقبل التخصص في ظل صعود الذكاء الاصطناعي، وتداعيات الخلط بين التخصصات الطبية في غياب الإطار التشريعي المنظم.

في البداية، نود أن نُعرف القارئ بحضرتك.

أنا الدكتور أحمد الغريب، طبيب بشري، وأشغل حاليًا منصب رئيس الجمعية المصرية للتغذية العلاجية والأمراض المرتبطة بالسمنة – EATN. نعمل منذ سنوات على دعم المتخصصين في هذا المجال، والارتقاء بممارسات التغذية العلاجية وفقًا لأحدث المعايير العلمية.

 ما الهدف الرئيسي من انعقاد المؤتمر هذا العام؟

الهدف الأساسي يتمثل في توحيد الصفوف بين مختلف المتخصصين في مجال التغذية العلاجية داخل مصر، حيث أصبحت التخصصات المتداخلة في هذا المجال كثيرة، ما تسبب في تباين واسع في الرؤى والممارسات. لدينا أطباء بشريون، وأخصائيو علاج طبيعي، وصيادلة، بالإضافة إلى خريجي كليات أخرى، وكلٌ يدّعي الأحقية في ممارسة التغذية العلاجية.

نحن نحاول من خلال المؤتمر الوصول إلى أرضية مشتركة، والخروج بتوصيات موحدة تُسهم في ضبط المهنة. حتى لو اختلفنا في 10 نقاط، فإن اتفاقنا على 5 سيُعد تقدمًا كبيرًا.

ما الذي يميز مؤتمر هذا العام عن المؤتمرات السابقة؟

هذا العام أضفنا بُعدًا جديدًا؛ إذ لا نكتفي بمناقشة التشخيص والعلاج، بل نتناول أيضًا كيفية تمكين الأطباء على مستوى ريادة الأعمال والتأثير المجتمعي. دائمًا ما نتساءل: مين بيبيع أكتر، الأشهر ولا الأشطر؟ وغالبًا ما تكون الشهرة هي العنصر الحاسم.

من هنا، نحاول تعليم الأطباء كيفية بناء العلامة الشخصية (personal branding) الخاصة بهم، وكيفية إدارة عياداتهم، والتغلب على تحديات السوق. نريد أن يتحول الطبيب إلى رائد أعمال قادر على التأثير في المجتمع، ومواجهة كم هائل من المعلومات المغلوطة التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما تصدر عن غير المتخصصين.

هل ترى أن الذكاء الاصطناعي سيغير شكل ممارسة الطب خلال الفترة المقبلة؟

بالتأكيد. الذكاء الاصطناعي لن يلغي الوظائف، لكنه سيُحدث فرقًا واضحًا في كفاءة الأداء. سيصبح لدينا نموذجين: طبيب يعمل بمفرده، وآخر يعمل مدعومًا بالذكاء الاصطناعي. الأخير ستكون إنتاجيته أعلى 10 أو 20 مرة، وبالتالي سيتم الاستغناء عن العديد ممن لم يواكبوا التطور.

لذا أنصح جميع الزملاء بتعلم أدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في تخصصاتهم، مهما كانت. من يريد مضاعفة إنتاجيته، عليه أن يتقن هذه الأدوات الآن.

ما الرسالة التي توجهها للأطباء والممارسين في مجال التغذية العلاجية؟

رسالتي لهم أن يتوقفوا عن علاج الأعراض فقط، ويبدأوا بتشخيص الأسباب الحقيقية. أوصيهم بدراسة الطب الوظيفي (Functional Medicine)، فهو المستقبل الحقيقي لهذا التخصص.

كذلك، أنصحهم بتبني منهجية "الخمسة لماذا" (Five Whys)، أي طرح سؤال "لماذا؟" خمس مرات متتالية عند التعامل مع أي مشكلة صحية، حتى يصلوا إلى الجذر الحقيقي للمشكلة، وليس فقط ظواهرها.

وما النصيحة التي توجهها للمرضى، وخاصة مرضى السمنة؟

مرض العصر الآن هو "مقاومة الإنسولين"، ويُعد أحد أبرز أسباب السمنة والسكري من النوع الثاني. علاجه بسيط إذا اتفق الأطباء على نهج موحد. أما تكرار نغمة "امنع، امنع، امنع"، فلن تؤدي إلى نتائج. التوصيات العلمية تتجدد سنويًا، ورغم ذلك تستمر أعداد المرضى في التزايد.

الحل يكمن في أن نجلس سويًا كمتخصصين، ونتفق على توصيات واقعية، تراعي سلوك المريض ونمط حياته.

هل هناك توصيات واضحة خرجتم بها من المؤتمر حتى الآن؟

المؤتمر ثري جدًا، وكل محاضرة تقريبًا تنتهي بتوصيات متخصصة. لكن التوصية الأهم من وجهة نظري هي ضرورة توحيد الصف بين مختلف التخصصات، والعمل على تطوير مهارات الأطباء ليصبحوا قادة في مجتمعاتهم، وقادرين على التصدي للشائعات والمعلومات الخاطئة المنتشرة على الإنترنت.

كلمة أخيرة توّد توجيهها؟

أكرر دعوتي للأطباء: لا تكتفِ بأن تكون شاطرًا في تخصصك فقط، بل تعلّم كيف تصبح مؤثرًا. طور مهاراتك، تعلم أدوات العصر، وكن جزءًا من منظومة طبية قوية ومؤثرة ومبنية على العلم والتأثير المجتمعي الحقيقي.

شكرًا جزيلًا لك دكتور أحمد الغريب، ونتمنى لمؤتمركم النجاح وتحقيق الأهداف المنشودة.
شكرًا لحضراتكم، وسعيد بهذا اللقاء مع "الفجر".

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الوقاية والعلاج السوشيال ميديا التغذية العلاجية مواجهة التحديات أمراض العصر الجمعية المصرية للتغذية التغذیة العلاجیة الذکاء الاصطناعی أحمد الغریب

إقرأ أيضاً:

“بين الأشهر والأشطر”… مؤتمر “EATN” يعيد تعريف دور الطبيب في العصر الحديث

تحت شعار: “مين الناس بتروح له أكتر: الدكتور الأشهر ولا الأشطر؟”، تُعقد الجمعية المصرية للتغذية العلاجية والأمراض المرتبطة بالسمنة (EATN) مؤتمرها السنوي الثالث – والسادس على مستوى عدد المؤتمرات – يوم الجمعة 30 مايو 2025، بفندق هيلتون النيل (جراند نايل تاور سابقًا).

ويحمل المؤتمر هذا العام بُعدًا مختلفًا، حيث يُعد الأول من نوعه الذي يجمع بين العلوم الطبية وريادة الأعمال في القطاع الصحي، في إطار سعي الجمعية إلى دعم تمكين الأطباء ليس فقط على مستوى التشخيص والعلاج، بل أيضًا على مستوى التأثير والتواصل مع المجتمع.

ومن جهته صرح رئيس الجمعية المصرية للتغذية العلاجية ورئيس المؤتمر الدكتور أحمد الغريب،، بأن المؤتمر هذا العام يهدف إلى إعادة تعريف دور الطبيب في 2025، مشيرًا إلى أن “الطبيب لم يعد مجرد معالج، بل هو قائد للرأي ومسؤول عن نشر الوعي في مواجهة الانفجار المعلوماتي وانتشار بيع الوهم على منصات التواصل الاجتماعي”.

وأوضح " الغريب " أن أهم استثمار ممكن يقدمه الطبيب لنفسه الآن هو إنه يطور فهمه للتغذية العلاجية من منظور الطب الوظيفي، لأنها أصبحت مفتاح أساسي في تشخيص وعلاج كل الأمراض، مش بس السمنة أو السكر أو الضغط.”

كما شدد على أهمية مهارات التواصل والبيع لدى الطبيب، موضحًا أن “الطبيب في 2025 لازم يعرف يبيع الفكرة اللي مؤمن بيها، ويقنع المريض بيها، لأننا مش بنبيع دواء، إحنا بنبيع وعي”.

وأشار إلى أن مفهوم “البيع” هنا لا يرتبط بالتجارة، بل يرتبط بقدرة الطبيب على التأثير الحقيقي والإيجابي على مرضاه.
“بيع الوعي مش عيب، العيب إن المريض يقتنع بوهم على السوشيال ميديا لأنه كان أكتر إقناعًا من الطبيب الحقيقي.”

وأشار رئيس الجمعية المصرية للتغذية العلاجية ان اهتمام كبرى الشركات بهذا الحدث يعود لنجاح النسخ السابقة من المؤتمر والتي جذبت أكثر من 1500 مشارك، وحققت نجاحًا كبيرًا في 2022 و2023، ما جعل شركات كبرى مثل Novo Nordisk، Penta Pharma، Parkville، LEVANA، Phoenix، وغيرها، تدخل بقوة كداعم رسمي للنسخة القادمة.

وأضاف رئيس المؤتمر ان المنافسة الشريفة بين الأطباء كانت أيضًا أحد محاور حديث الغريب، حيث أكد أن الطبيب اليوم يجب أن يتقن بناء علامته الشخصية، ويطور من مهاراته الإدارية والتسويقية، حتى يكون له تواجد حقيقي ومستمر بين النخبة.

وان الفعاليات في  EATN  ليست مجرد مؤتمر إنه اتجاه جديد. مدرسة فكرية، ومسار مهني يجمع بين الذكاء العلمي والإداري.


واختتم الغريب تصريحه قائلًا “EATN “مش بس مؤتمر… ده مدرسة جديدة في الطب، بترسّخ لمفهوم إن الطبيب لازم يكون قائد وملهم، مش مجرد شخص بيوصف علاج.

مقالات مشابهة

  • الدكتور أحمد رجب" لـ "الفجر": نمنح طلاب ذوي الهمم كل التيسيرات وتطوير المدن الجامعية مستمر طوال الصيف
  • الدكتور أحمد رجب: جامعة القاهرة حافظت على رسالتها العلمية والوطنية عبر قرن كامل
  • كوثر محمود تشارك في المؤتمر الدولي للتمريض حول الذكاء الاصطناعي والابتكار
  • بين الأشهر والأشطر".. مؤتمر EATN يعيد صياغة دور الطبيب في العصر الحديث
  • الطبيب بين الطب والتسويق.. مؤتمر EATN يواجه ظاهرة "بيع الوهم"
  • حسام صلاح لـ "الفجر": الذكاء الاصطناعي جزء من منظومتنا الطبية والتدريبية
  • أيمن بهجت قمر لـ الفجر الفني: قصة ريستارت حدثت بالفعل خارج مصر..وبحضر فيلم هيروشيما مع أحمد السقا (حوار)
  • وزير الصحة: الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة ضرورة لمستقبل الرعاية الصحية
  • “بين الأشهر والأشطر”… مؤتمر “EATN” يعيد تعريف دور الطبيب في العصر الحديث