الدكتورة رنا مجدي لـ "الفجر": نخاطب وعي المجتمع.. وليس فقط جسده
تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT
تحت شعار لافت: "مين الناس بتروح له أكتر: الدكتور الأشهر ولا الأشطر؟"… الجمعية المصرية للتغذية العلاجية (EATN) تُطلق مؤتمرها السنوي بحضور لافت لرواد المجال الصحي
في أجواء علمية مميزة، وتحت شعار تفاعلي يطرح تساؤلًا جوهريًا حول معايير الثقة في المجال الطبي: "مين الناس بتروح له أكتر: الدكتور الأشهر ولا الأشطر؟"،
نظّمت الجمعية المصرية للتغذية العلاجية والأمراض المرتبطة بالسمنة (Egyptian Association for Therapeutic Nutrition and Obesity - EATN) مؤتمرها السنوي الثالث – والسادس في إجمالي عدد الفعاليات التي نظّمتها الجمعية.
شهد المؤتمر حضورًا واسعًا من نخبة أساتذة وخبراء التغذية العلاجية والصحة العامة، إلى جانب عدد كبير من الأطباء الشباب، ورواد الأعمال في القطاع الصحي، والمهتمين بمجال الغذاء والهرمونات والصحة الوقائية. وقد تميزت فعاليات المؤتمر بمناقشات ثرية ومحاضرات علمية رفيعة المستوى، ركزت على أحدث الاتجاهات في التغذية المرتبطة بالهرمونات، واستخدام التكنولوجيا الحديثة – بما في ذلك الذكاء الاصطناعي – في تطوير منظومات العلاج الغذائي، فضلًا عن استعراض التجارب الرائدة في ريادة الأعمال الصحية والتسويق الطبي.
وفي هذا السياق، التقت "الفجر" بالدكتورة رنا مجدي، أخصائية التغذية العلاجية والمدرس بالجامعة البريطانية في مصر، التي كانت من أبرز المشاركين في تنظيم وإدارة المؤتمر، وكان لنا معها الحوار التالي…
أهلًا وسهلًا بحضرتك، دكتورة رنا، في حوارنا اليوم. بدايةً، هل يمكنك تعريفنا بنفسك أكثر؟أهلًا بحضرتك، أنا د. رنا مجدي، أخصائية تغذية علاجية ومدرس في الجامعة البريطانية في مصر. وأعمل في مجال التغذية العلاجية منذ سنوات طويلة، بالإضافة إلى تدريس المادة لطلاب الماجستير والبكالوريوس.
نحن في انتظار سماع رؤيتك حول الهدف من تنظيم مثل هذا المؤتمر الهام. فما الذي يميز هذا النوع من الفعاليات؟أعتبر نفسي فخورة للغاية بأنني أشارك في تقديم هذا المؤتمر، الذي يعد جزءًا من الجمعية المصرية للتغذية العلاجية. المؤتمر هذا يعد الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط، وهدفه الأساسي هو نشر الوعي حول العلاقة بين الهرمونات والتغذية، وكيف يمكننا معالجة هذه المشكلات عبر الأبحاث العلمية الحديثة.
كما يهدف المؤتمر إلى دمج الخبرات العلمية مع الحلول العملية التي يقدمها رواد الأعمال، حيث نركز ليس فقط على الخبرة العلمية ولكن أيضًا على أهمية التسويق في هذا المجال. نحن في حاجة لأن نكون قادرين على تسويق أنفسنا وأبحاثنا بشكل جيد لتحقيق النجاح في مجالنا.
هل يمكننا القول إن الذكاء الاصطناعي أصبح له دور بارز في مجال التغذية العلاجية؟ وما هي رؤيتك حول هذا؟بالطبع، أرى أن الذكاء الاصطناعي (AI) يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في هذا المجال، إذا تم استخدامه بشكل صحيح. الذكاء الاصطناعي يساعدنا في تسهيل العديد من العمليات التي كانت تأخذ وقتًا طويلًا، سواء بالنسبة للطبيب أو المريض. لكن من المهم أن نؤكد أنه لا يمكن الاستغناء عن الطبيب أو أن يكون الذكاء الاصطناعي بديلًا له. هو مجرد أداة مساعدة تسهم في تسريع الإجراءات وتحسين الدقة.
يجب أن نستخدم الذكاء الاصطناعي بحذر، حيث أن البيانات التي يقدمها تحتاج إلى فحص دقيق من قبل الأطباء المتخصصين. على الطبيب أن يوازن بين نتائج الذكاء الاصطناعي وبين الأبحاث العلمية الحديثة ليتمكن من اتخاذ قرارات دقيقة ومتسقة مع أسس الطب والتغذية.
بالنسبة للأطباء الشباب الذين يدخلون مجال التغذية العلاجية، ما هي نصيحتك لهم؟نصيحتي الأولى هي أن يتخصصوا في مجال معين داخل التغذية العلاجية. قوة التخصص هي التي تمنح الطبيب القدرة على التميز والنجاح في مجاله. كما أن المشاركة في المؤتمرات العلمية تتيح للأطباء الشباب فرصة للتعرف على الأبحاث الجديدة والتواصل مع زملائهم، مما يعزز قدراتهم المهنية.
أما بالنسبة للنصيحة الثانية، فهي تتعلق بكيفية التطوير المستمر. المجال دائم التطور، والأبحاث في التغذية لا تتوقف، لذلك يجب على الأطباء أن يكونوا على دراية بكل ما هو جديد في هذا المجال. من المهم أن نكون دائمًا على اتصال بالابتكارات العلمية والتكنولوجية.
ونظرًا لأهمية التغذية السليمة في حياتنا، هل يمكنك تقديم نصائح للمريض الذي قد يكون ضائعًا ولا يعرف من أين يبدأ؟بالتأكيد. بالنسبة للمريض، يجب أن يبدأ بتغيير أسلوب حياته تدريجيًا. التغذية السليمة لا تتعلق فقط باتباع نظام غذائي معين لفقدان الوزن أو تحسين الشكل. إنها تتعلق بتبني أسلوب حياة صحي بالكامل، يتضمن تناول الطعام بشكل متوازن، ممارسة الرياضة، والنوم الجيد.
أوصي أن يبدأ الشخص بتحقيق تغييرات بسيطة في حياته، مثل شرب كمية كافية من الماء، وتقليل تناول الأطعمة المعالجة والسكريات. كما يجب عليه التأكد من أن غذاءه يحتوي على جميع العناصر الغذائية الضرورية، من البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون الصحية، وكذلك الفيتامينات والمعادن.
بما أننا نقترب من موسم الأعياد، هل لديك بعض النصائح للأشخاص الذين يتعاملون مع التحديات الغذائية في هذه الفترة؟بالطبع، موسم الأعياد يشكل تحديًا كبيرًا. لنبدأ برمضان، فهو فترة مثالية لتحقيق فوائد صحية إذا تم اتباع نظام غذائي صحي. الصيام المتقطع هو نوع من الأنظمة التي يعتمد عليها العديد من الناس حول العالم، ويمكننا استغلال رمضان لتحقيق ذلك بشرط أن يكون الطعام الذي نتناوله صحيًا ومتوازنًا.
أما بالنسبة لعيد الفطر، فنصيحتي هي الاعتدال في تناول الكحك والحلويات. من الأفضل تناولها بعد الوجبات الرئيسية، وعدم البدء بها على معدة فارغة. كما يمكننا تعويضها بالتركيز على تناول البروتينات والخضراوات.
أما عيد الأضحى، فلا بد من تناول اللحوم بشكل معتدل اللحوم تحتوي على بروتينات مهمة للجسم، ولكن يجب طهيها بطريقة صحية وتناولها بشكل متوازن. الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية يجب عليهم تناول اللحوم بطريقة تحترم حالتهم الصحية.
أما بالنسبة لعيد الربيع، فيجب أن نكون حذرين في تناول الفسيخ والرنجة. ينبغي التأكد من مصادر هذه الأطعمة لتجنب أي مشاكل صحية، خاصة للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو مشاكل في الكلى. الرنجة تكون أكثر أمانًا من الفسيخ من حيث محتوى الأملاح.
في الختام، ما هي التوصيات التي تودين أن تتركيها للقراء ؟أهم شيء هو أن نتبع أسلوب حياة صحي متكامل. النوم الجيد، تناول الطعام بشكل متوازن، ممارسة الرياضة، والابتعاد عن التوتر. في عصرنا الحالي، الحياة أصبحت سريعة جدًا، وضغط العمل والحياة اليومية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على صحتنا. لذلك، من المهم أن نخصص وقتًا لأنفسنا، وأن نتعامل مع الحياة بوعي.
أخيرًا، على كل شخص أن يضع نفسه في بيئة صحية، وأن يكون محاطًا بالأشخاص الذين يدعمونه في تحقيق أهدافه الصحية. التوازن بين العمل والراحة والتغذية السليمة هو المفتاح لحياة صحية وطويلة.
شكرًا جزيلًا لكِ، دكتورة رنا، على وقتك الثمين ونصائحك القيمة.شكرًا لكِ، أنا سعيدة جدًا بالحوار معكم.
في ختام هذا اللقاء، لا يسعنا إلا أن نثمّن الجهود الكبيرة التي تبذلها الجمعية المصرية للتغذية العلاجية والأمراض المرتبطة بالسمنة (EATN)، في دعم المعرفة العلمية وربطها بالواقع العملي، عبر مؤتمرات نوعية تسهم في تشكيل وعي طبي حقيقي لدى العاملين في المجال والمجتمع على حد سواء. فقد كشف المؤتمر السنوي الثالث – بما احتواه من جلسات علمية متخصصة ونقاشات تفاعلية – عن التحديات الجديدة التي يواجهها قطاع التغذية العلاجية، وسلّط الضوء على أهمية تطوير المهارات المهنية، والانفتاح على أدوات العصر، خاصة الذكاء الاصطناعي، في التشخيص والمتابعة والتوعية.
كما جسّد المؤتمر نموذجًا ناجحًا لتشجيع الأطباء الشباب على تبنّي مسارات ريادية داخل تخصصاتهم، والانخراط في أنشطة علمية تسهم في تطوير شخصياتهم ومهاراتهم بعيدًا عن النمط التقليدي للممارسة الطبية. ولعل أبرز ما ميّز هذا الحدث هو التوازن بين العمق الأكاديمي والبعد الإنساني، والانفتاح على التساؤلات الجريئة مثل: "مين الناس بتروح له أكتر: الأشهر ولا الأشطر؟"، ما يعكس نضجًا في الخطاب الطبي وتطورًا في أدوات التواصل مع الجمهور.
وفي انتظار النسخة القادمة، يبقى الأمل معقودًا على أن تستمر هذه المبادرات في صناعة أثر حقيقي، علميًا ومهنيًا وإنسانيًا.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: ارتفاع ضغط الدم خبراء التغذية التغذية العلاجية الجامعة البريطانية في مصر التغذیة العلاجیة الذکاء الاصطناعی أن یکون فی مجال فی هذا
إقرأ أيضاً:
مستقبل الفضاء الإذاعي في ظل تطبيقات الذكاء الاصطناعي
مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى الميادين كافة، لا سيما برمجيات توليد النصوص، أصبح من الطبيعي أن يكون للإذاعة نصيب من هذا التداخل الرقمي، نظرا لتعاملها مع الصوت والنصوص، ومؤخرا مع الصورة أيضا.
وفي حين تطرح هذه التحولات تحديات تقنية وأخلاقية، فإنها تفتح أيضا آفاقا جديدة للإبداع والتطوير في المجال الإذاعي، وتُعيد تشكيل العلاقة بين الوسيلة والجمهور.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2واشنطن بوست تنتج برامج بودكاست بالذكاء الاصطناعي مليئة بالأخطاءlist 2 of 2الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تفقد قيمتهاend of listيُعد الصوت الوسيلة الأساسية للتعبير اللغوي قبل الكتابة، وذلك بعد أن كانت لغة الإشارة هي السائدة، إلى أن بدأ الإنسان بربط الأصوات بمعان محددة، فأصبح الصوت معيارا للتواصل البشري، فمنذ نشأة الإذاعة، كان الصوت جوهرها ومانحها هويتها التي تميزها عن باقي الوسائط الإعلامية.
يتمتع الصوت ببصمة فريدة ترتبط بالذبذبات الصوتية الناتجة عن حركة الأوتار الصوتية، أما على المستوى الإدراكي، فيُعد الصوت إحدى الحواس الخمس المرتبطة ارتباطا وثيقا بالشبكة العصبية في الشق الأيسر من الدماغ، وهو مركز اللغة، وكشأن باقي الحواس، يساهم الصوت في تشكيل الذكريات، ونقل المشاعر، ويحمل معه اللهجات وأيضا الصمت.
فكيف سيُعاد تعريف هذا السحر الإذاعي في عصر الذكاء الاصطناعي، في ظل حيرتنا المستمرة بين الخوف من فقدان هذا العنصر وبين فرصة تعزيزه؟ وكيف يمكننا الاستفادة من التطور الرقمي مع الحفاظ على الروح الإنسانية للصوت وسط هذه التحولات؟
ترتبط العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والصوت بإمكانيات التكيف وإعادة التشكيل، ويتيح الذكاء الاصطناعي، كما هو ملاحظ، فرصا جديدة لم تكن متاحة سابقا، مثل الترجمة الفورية، وتخصيص البرامج، وتوفير محتوى صوتي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى تحسين جودة الصوت، أما ثقافيا، فيساهم الذكاء الاصطناعي في أرشفة التراث الإذاعي وتسهيل الوصول إليه بسرعة، وبناء توصيفات وملخصات للنصوص الصوتية وتحويلها إلى نص مكتوب.
إعلانكما يُسرّع الذكاء الاصطناعي من إنتاج المحتوى، كالنشرات الإخبارية وتقارير الطقس، مما يُحرّر الصحفي من المهام الروتينية ليركز على المحتوى التحليلي والإبداعي، ومع ذلك، قد تُفضي هذه السرعة أحيانا إلى توحيد الصيغ وتبسيط المحتوى، مما يستدعي تحقيق توازن بين الكفاءة والحفاظ على العمق. بالإضافة إلى ذلك، تساعد أدوات التحرير الذكية في تصحيح الأخطاء اللغوية، وتحسين الأسلوب، وتقديم اقتراحات تحريرية تُثري النص.
وعلى الرغم من تزايد المخاوف بشأن تراجع الاستماع للإذاعة وتقلص عدد المحطات عالميا، يشير تقرير "هاي فيجن حول تحول البث الإذاعي" (Haivision Broadcast Transformation Report 2025) إلى أن هيئات البث تتجه بسرعة نحو تبني الذكاء الاصطناعي، حيث ارتفع استخدامه من 9% في عام 2024 إلى 25% في عام 2025. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد تقارير "راديو وورلد" (Radio World) أن أكثر من 50% من المحطات الإذاعية المحلية في أميركا الشمالية تعتمد حاليا على أنظمة أتمتة جزئية لإدارة عمليات البث اليومية.
ويرى المعلقون والصحفيون والفنيون أن أدوارهم مهددة بسبب الأتمتة، لكن التقنيات الحديثة تتيح في المقابل فرصا لتطوير المهارات، وابتكار أشكال جديدة من السرد الصوتي، وتوسيع نطاق العمل الإذاعي ليشمل منصات رقمية متعددة. علاوة على ذلك، يمكن للتدريب على أدوات الذكاء الاصطناعي أن يحوّل العاملين في الإذاعة إلى منتجين رقميين متعددي المهارات، مما يعزز قيمة العمل الإعلامي.
تحديات الثقة والتضليل الخوارزميوماذا عن التحيز والتضليل؟ نماذج الذكاء الاصطناعي تُدرَّب على بيانات متحيزة، وقد تُنتج صورا نمطية وتنشر محتوى خاطئا، وفي سياق الإذاعة، يؤدي وضوح الإسناد إلى إضعاف مصداقية الوسيلة الإعلامية، ويُخفي التضليل وراء حياد تقني زائف. ولكن، مع الاستخدام الواعي، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في كشف التحيزات وتحسين جودة المحتوى عبر أدوات تحليل النصوص ومراقبة الانحياز.
ومن ناحية الشفافية والثقة في ما يتعلق بأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، تتبنى بعض المؤسسات مواثيق أخلاقية تتضمن الإشارة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي وضمان الإشراف البشري. ومع ذلك، تظل هذه التدابير طوعية، وهناك حاجة ماسة إلى لوائح إلزامية تضمن الشفافية والمساءلة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز وعي الجمهور بكيفية إنتاج المحتوى وتوفير أدوات تُمكّنه من التحقق من مصادر المعلومات، الأمر الذي يُعزز الثقة بين الوسيلة والمُتلقي.
???????? Introducing our latest customer audio offering: “Your Personal Podcast,” a personalized, AI podcast experience only available in The Washington Post app.
App users will be able to shape their own briefing, select their topics, set their lengths, pick their hosts and soon… pic.twitter.com/wHtD3owGL6
— Washington Post Communications (@WashPostComms) December 10, 2025
كيف استفادت الإذاعة من التحول الرقمي؟استطرادا، كيف استفادت الإذاعة من التحول الرقمي؟ أتاح التحول الرقمي للإذاعة توسيع نطاق وصولها إلى جمهور أوسع عبر الإنترنت والبودكاست، كما حسّن من جودة الإنتاج ووفر أدوات لتحليل سلوك الجمهور وتخصيص المحتوى. وقد أسهم هذا التحول في دمج الوسائط المتعددة، مما جعل الإذاعة أكثر تفاعلية وانفتاحا على الابتكار، بالإضافة إلى ذلك، أصبح بالإمكان إنتاج برامج تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتقديم تجارب صوتية مصممة خصيصا لكل مستمع.
إعلانومن أبرز مظاهر هذا التحول الزيادة الكبيرة في عدد الإذاعات حول العالم، حيث أصبح بإمكان أي شخص إنشاء إذاعته الخاصة باستخدام أدوات بسيطة ومنصات رقمية متاحة للجميع. هذا التوسع في الإنتاج الإذاعي يعزز التعددية، ويهيئ فرصا جديدة للتعبير، ويعيد تعريف الإذاعة من مؤسسة مركزية إلى فضاء مفتوح للمشاركة والتجريب.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد مستمعي الإذاعة عالميا يتجاوز 4 مليارات شخص، ويوجد في العالم العربي أكثر من 388 محطة إذاعية عبر الإنترنت موزعة على 18 دولة. وفيما يخص البودكاست، بلغ عدد مستمعيه عالميا 584 مليون مستمع في عام 2025، ومن المتوقع أن يصل إلى 630 مليونا بنهاية العام، وذلك وفقا لتقرير صادر عن (Statista).
بصورة عامة فإننا نحتاج إلى منظور يخرج عن الإطار الهندسي للذكاء الاصطناعي. إن هذا المنظور النقدي يساعدنا على فهم الإذاعة كفضاء ثقافي واجتماعي وليس مجرد أداة تقنية. دوره الأساسي هو حماية الروح النقدية والتعبيرية في المحتوى الإذاعي، عبر تحليل كيف تؤثر الخوارزميات على المهن، وتشويه التنوع، وتعميق التحيزات. هذا المسار يضمن أن يظل العنصر البشري هو الموجه لاستخدام التقنيات، ويحافظ على القيمة الثقافية الفريدة التي تقدمها الإذاعة.
الإذاعة ليست محكومة بالزوال، بل تتمتع بنقاط قوة فريدة. إن قدرتها على بناء الروابط وتقديم محتوى متنوع وسهل الوصول إليه يجعلها وسيلة مرنة، ولكي تحافظ على مكانتها، يجب أن تعيد ابتكار نفسها، وذلك عبر تدريب المهنيين، ومراجعة نماذج العمل، وتعزيز رسالتها الثقافية والنقدية.
كما أن الاستثمار في الابتكار الصوتي وتطوير تطبيقات ذكية يمكن أن يعيد للإذاعة مكانتها في المشهد الإعلامي الرقمي، إذ يوفر نظام البث الرقمي الصوتي (DAB+)، المنتشر والمُستخدم حديثا في العديد من البلدان خاصة في أوروبا وأميركا، جودة صوت أعلى واستهلاكا أقل للطاقة، كما يوسع نطاق البث، مما يثري تجربة المستمع.
ومع ذلك، يتطلب هذا التحديث استثمارات كبيرة، وقد يهمّش المحطات المحلية، كما يثير تساؤلات حول مدى سهولة الوصول إليه. لذا، ينبغي أن يُصاحب هذا التقدم دعمٌ للمحطات الصغيرة، وتوعيةٌ للجمهور، بالإضافة إلى تطوير محتوى يتناسب مع الإمكانيات الجديدة التي يتيحها هذا النظام.
في أوروبا، يُدمج نظام DAB+ في أكثر من 98% من السيارات الجديدة، وبلغت نسبة التغطية السكانية في ألمانيا 34% من السكان الذين يستمعون إلى الراديو عبر DAB+ يوميا.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُثري الإذاعة أو يُفقرها. ويكمن التحدي الكبير في الحفاظ على الطابع الإنساني للوسيلة، وتنوعها، وقدرتها النقدية. المشكلة ليست في التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في السياسة الأخلاقية لاستخدامها، ومن المفترض ألا يصبح صوت الراديو الذي نعرفه مجرد صدى خوارزمي بلا أي شعور إنساني. فإذاعة الغد عليها أن تكون ذكية ومسؤولة وإنسانية، وأن تجسد روح الابتكار والانفتاح، مع الحفاظ على رسالتها الثقافية والاجتماعية في عالم دائم التحول.