في تطور نوعي غير مسبوق منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، تعرضت العاصمة الروسية موسكو، فجر الأحد الموافق 1 يونيو 2025، لهجوم جوي واسع بالطائرات المسيّرة الأوكرانية، اعتبره المراقبون الأكبر من نوعه حتى الآن. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إسقاط 337 طائرة مسيّرة، منها 91 فوق موسكو، والبقية فوق ثماني مناطق أخرى، أبرزها كورسك وفورونيج وبيلغورود.

هذا الهجوم، الذي أودى بحياة ثلاثة أشخاص وأدى إلى إصابة أكثر من عشرين آخرين وتضرر عدد من البنايات، يحمل دلالات تتجاوز المعركة الميدانية التقليدية، ليشكل منعطفًا حرجًا في مسار الصراع، ويضع موسكو أمام تحدٍّ جديد في عمقها الاستراتيجي.

نقل المعركة إلى قلب روسيا

رسائل أوكرانيا في هذا التصعيد واضحة: لم يعد هناك "ملاذ آمن" داخل روسيا، بما في ذلك العاصمة. فبعد أشهر من القصف الروسي على خاركيف

وزابوريجيا ومدن أخرى، جاءت هذه الضربة لتقول إن يد كييف باتت قادرة على الوصول إلى العمق الروسي، ليس فقط عسكريًا، بل أيضًا نفسيًا وسياسيًا.

الكرملين، الذي ظل يفاخر طوال السنوات الماضية بأن دفاعاته الجوية قادرة على صدّ التهديدات، تلقى رسالة محرجة أمام الرأي العام المحلي والدولي.

ومهما تكن نتائج الاعتراضات الصاروخية، فإن مجرد تحليق هذا العدد الكبير من المسيّرات فوق موسكو يُعدّ فشلًا استراتيجيًا وخرقًا لهيبة السلطة.

دلالات التوقيت والسياق الإقليمي

الهجوم لم يأتِ في فراغ، بل إنه يتقاطع مع عدة تحولات:

- تعثر المحادثات غير المباشرة بين روسيا والغرب بشأن هدنة أو تسوية، خاصة مع تصاعد الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا.

- تصعيد روسي متواصل ضد منشآت الطاقة والبنية التحتية في شرق أوكرانيا، وخصوصًا خاركيف.

- اقتراب قمم سياسية دولية حاسمة قد تناقش مستقبل الحرب، حيث تسعى كييف لتذكير الحلفاء بأن المبادرة لا تزال بيدها.

- كما يتزامن الهجوم مع زيارة وفد من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى موسكو، في لحظة دبلوماسية حرجة، وكأن كييف أرادت تذكير الجميع بأن لغة الحرب لم تنتهِ بعد.

خيارات الرد الروسي: بين التصعيد والاحتواء

ردّ موسكو بات متوقعًا، لكنه محفوف بالتكلفة، فأمام بوتين عدة خيارات:

1. تصعيد عسكري شامل ضد كييف أو لفيف أو مدن حدودية، عبر استهداف واسع للبنية التحتية المدنية، في محاولة لاستعادة الردع.

2. فتح جبهات جديدة في المناطق الرمادية كمولدوفا (ترانسنيستريا) أو تعزيز الحضور العسكري في بيلاروسيا.

3. تصعيد سيبراني أو استخباراتي ضد أوكرانيا وداعميها في الغرب.

4. استخدام الحدث كورقة ضغط دبلوماسية، للتأكيد على تورط الناتو في الحرب، واستدعاء الدعم الشعبي داخليًا.

غير أن الكرملين يدرك أن أي رد غير محسوب قد يُغرق روسيا في مستنقع استنزاف طويل، خصوصًا مع اتساع الفجوة الاقتصادية وتململ قطاعات من النخبة الروسية.

انعكاسات جيوسياسية

الغرب سيجد في الهجوم ذريعة لتقديم المزيد من أنظمة الدفاع الجوي المتطورة لأوكرانيا، مع تعزيز استراتيجية "الردع دون التدخل المباشر".

الصين والهند ستواصلان دعوات التهدئة، مع مراقبة دقيقة لاحتمال انزلاق الحرب نحو الإقليم الأوسع.

دول الجوار كبولندا ورومانيا ودول البلطيق بدأت فعليًا رفع درجات التأهب، تحسبًا لأي ردود فعل روسية غير متوقعة.

نهاية مفتوحة على الاحتمالات

يبقى أن الهجوم يمثل تحولًا لافتًا في ديناميكية الحرب: من حرب مواقع إلى حرب عمق، ومن اشتباك تقليدي إلى معركة إرادات سياسية واستراتيجية. لم تعد موسكو عصية، ولم تعد كييف فقط في موقع الدفاع.

هل يختار بوتين التصعيد الشامل، أم يعود إلى طاولة التفاوض وفق قواعد جديدة؟

هل تنجح أوكرانيا في فرض معادلة "الداخل بالداخل"، أم يدفعها الغرب نحو ضبط النفس؟

أسئلة مفتوحة على صيف ساخن، ومشهد دولي لا يزال يُكتب بالنار والمسيّرات!

روسيا: مصرع وإصابة 36 شخصًا في انهيار جسر وخروج قطار عن مساره

مبعوث روسيا بالأمم المتحدة: مستعدون للقتال طالما اقتضت الضرورة

روسيا والصين تستعدان لتنفيذ أكثر من 80 مشروعا بقيمة 200 مليار دولار

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: أوكرانيا الحرب الروسية الأوكرانية بولندا دول البلطيق روسيا رومانيا صحيفة الأسبوع مقالات

إقرأ أيضاً:

يولكا في حماية بوتين.. تعرّف على التقنية الروسية الجديدة المضادة لتهديدات الطائرات المسيّرة

استخدمت روسيا جهاز "يولكا" المضاد للطائرات المسيّرة لحماية الرئيس فلاديمير بوتين، حيث ظهر الجهاز خلال عرض عسكري في موسكو في 9 مايو 2025. اعلان

خلال العرض العسكري الذي أقيم في 9 أيار/مايو 2025 في موسكو، ظهر أحد حراس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاملاً جهازاً فريداً من نوعه يشبه إلى حد بعيد سلاحاً محمولاً حديثاً. هذا الجهاز، الذي يُعرف باسم "يولكا"، يمثل رمزية جديدة في عصر الحرب الإلكترونية وأساليب الحماية الرئاسية.

في خضم الضوضاء على ساحة الكرملين في موسكو خلال احتفالات الذكرى الثمانين لانتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية، تميز مشهد غير مألوف وسط طاقم الحماية الشخصي لبوتين. وفقاً لتقارير موقع "بيزنس إنسايدر"، كان الحارس يحمل جهازاً يشبه سلاح المستقبل، وهو ليس مجرد أداة تجسس من أفلام الإثارة، بل هو جهاز روسي خاص لاعتراض الطائرات المسيّرة الصغيرة.

الفيديو الذي انتشر مؤخرًا لم يحمل تاريخًا محددًا، ونشره أمس الثلاثاء 30 تموز/يوليو المحلل الأوكراني سيرهي "فلاش" بيسكريستنوف، المعروف محليًا بخبرته في مجال حرب الطائرات المسيّرة.

يولكا: القوة الفيزيائية في مواجهة الطائرات المسيّرة

يختلف جهاز "يولكا" عن معظم الأنظمة الإلكترونية التي تعتمد على التشويش أو قطع الإشارات اللاسلكية للطائرات المسيّرة، إذ يعتمد هذا الجهاز على طريقة مغايرة تماماً: يتم إطلاقه يدوياً ليصطدم مباشرة بالطائرة المسيّرة، مُحدثاً تدميراً فورياً نتيجة الاصطدام.

على الرغم من عدم تأكيد الكرملين رسميًا وجود هذا الجهاز، فإن عدة مؤشرات – مثل زي الحراس والخطط التي تتطابق مع ما أظهره البث التلفزيوني – تدعم فكرة أن روسيا تأخذ تهديد الهجمات الجوية عبر الطائرات المسيّرة على محمل الجد، خصوصاً بعد الإنذارات الأمنية التي أدت إلى إغلاق مطارات موسكو في أيار الماضي.

Related موسكو تُدرج ماتاريلا وتاجاني وكروسيتو على قائمة القادة الغربيين "المعادين" لروسيافيديو - مسيرة أوكرانية تصيب مصنعًا روسيًا لإنتاج أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيرة في قلب إيجيفسكمركز استراتيجي للجيش الأوكراني.. الجيش الروسي يعلن السيطرة على مدينة تشاسيف يار في دونيتسك

مع ذلك، فإن جهاز "يولكا" يقتصر فعله على الطائرات المسيّرة الصغيرة والخفيفة الوزن، ويبدو أن ظهوره في العرض العسكري يحمل رمزية أكثر من كونه عملياً، حيث يظهر أن روسيا تطور ردودها الدفاعية لتواكب تطور الأسلحة، خاصة مع ظهور طائرات مسيّرة متقدمة يصعب التشويش عليها باستخدام التكنولوجيا التقليدية.

يؤكد هذا الحدث على التحديات الجديدة التي تواجه حماية قادة الدول في العصر الحديث، حيث يمكن لأجهزة صغيرة الحجم أن تمثل تهديداً حقيقياً. تعكس خطوة روسيا اهتمامها المتزايد بتطوير وسائل دفاعية مبتكرة للتعامل مع تهديدات الطائرات المسيّرة التي تستخدم في مهام تجسسية وهجومية.

في سياق متصل، ألغت روسيا العرض البحري السنوي الكبير في سانت بطرسبرغ بمناسبة يوم الأسطول الروسي، مشيرة إلى "أسباب أمنية" مرتبطة بالوضع العام، حسب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف.

ويأتي هذا القرار في ظل تصاعد الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيّرة التي استهدفت مواقع استراتيجية في موسكو ومدن روسية أخرى، ما يعكس تصاعد المخاوف الأمنية في الداخل الروسي.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • تسارع تقدم الجيش الروسي في أوكرانيا للشهر الرابع .. وكييف تعلن الحداد بعد هجوم أسفر عن مقتل 31 شخصا
  • مقتل 31 شخصًا على الأقل وإصابة 159 آخرين في هجوم روسي على كييف
  • ارتفاع حصيلة القصف الروسي على كييف إلى 26 قتيلاً .. أوكرانيا تطالب بعزل روسيا
  • الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستقبل وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني والوفد المرافق له في الكرملين بالعاصمة الروسية موسكو
  • يولكا في حماية بوتين.. تعرّف على التقنية الروسية الجديدة المضادة لتهديدات الطائرات المسيّرة
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة يصل إلى العاصمة الروسية موسكو في زيارة رسمية، ويلتقي نظيره الروسي أندريه بيلوسوف لبحث العديد من القضايا المشتركة
  • انهيار دفاعات كييف.. روسيا تُسقط مدينة استراتيجية وتقترب من مفاصل الحرب!
  • موسكو تتهم كييف باتباع أساليب إرهابية ضد المدنيين داخل الأراضي الروسية
  • الرد على رسائل القراء
  • ترامب يمهل روسيا 10 أيام لوقف الحرب في أوكرانيا