لماذا لا تنجح الحكومة في أداء مهامها في الولايات المتحدة؟
تاريخ النشر: 2nd, June 2025 GMT
تولت إدارة ترامب الحكم في 20 يناير وهي تتعهد بتدمير ما دعته «الدولة العميقة» وأطلقت يد إيلون ماسك وما تُسمَّى «وزارة الكفاءة الحكومية» ضد الجهاز البيروقراطي الفيدرالي. فصل ماسك آلاف الموظفين من الخدمة وأغلق إدارات حكومية بكاملها بهدف القضاء على «الغش والهدر وسوء استخدام السلطة» في حكومة الولايات المتحدة وتوفير بلايين الدولارات لدافعي الضرائب.
ترجّل ماسك الآن عن الوزارة وخلَّف وراءه أثرا متواضعا إلى حد بعيد قياسا بما وعد به. بل في الواقع ربما أضرَّ بأكثر مما أفاد، رغم ذلك كان هدفه وهو جعل حكومة الولايات المتحدة أكثر فعالية سليما بالضرورة.
خصصت إدارة بايدن حوالي 40 بليون دولار لتزويد المجتمعات الريفية بخدمة الإنترنت فائق السرعة، لكنها لم تربط مستخدما واحدا بهذه الخدمة عندما تركت الحكم. وليس لدى ولاية كاليفورنيا خط سكة حديد عالية السرعة بعد 20 عاما من تخصيص المبلغ الخاص بذلك، كما لا يبدو أنها قادرة على حل مشكلة الإسكان التي أوجدت بها أعلى نسبة مشردين في أية ولاية أمريكية. واقع الحال، الإحساس العام بأن الأشياء لا تحدث على نحو ما كانت في الماضي يساهم بشكل مباشر في سخرية الأمريكيين الشديدة من كفاءة الحكومة. كما أنه أحد العوامل التي تفسر التأييد الشعبي لترامب.
عُرِضت أسبابُ هذا الفشل بوضوح في كتاب إيزرا كلاين وديريك طومسون «الوفرة» وأيضا في كتاب مارك دانكلمان «لماذا لا تنجح الأشياء» أشار هؤلاء المؤلفون إلى أن أمريكا تعاني من إفراط (تُخمة) في القوانين والإجراءات البيروقراطية التي تجعل عمل أي شيء باهظ التكلفة وبطيئا.
لم تكن تلك هي الحال دائما. ففي الفترة التي بدأت بالحقبة التقدمية في أواخر القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الثانية كان الأمريكيون يرون في الحكومة قوةَ خيرٍ تستطيع تشييد البنية التحتية وكسب الحروب ونقل الناس إلى القمر.
لكن بداية من الستينيات تغيرت باطراد نظرة الناشطين من اليمين واليسار إلى الحكومة واعتبروها قوة سلبية فاسدة وخاضعة لسيطرة المصالح الخاصة أو ببساطة غير كفؤة ويجب تقييدها بطبقات متعددة من القوانين واللوائح التنظيمية.
لننظر في مثال واحد صغير لهذا الإفراط في القيود. تستخدم الحكومة الأمريكية وولايات عديدة، خلافا لمعظم الديمقراطيات الغنية الأخرى، ما يدعى «الحق الخاص في رفع الدعاوى أمام القضاء» بهدف فرض القوانين.
أجيز تشريع باسم قانون كاليفورنيا لجودة البيئة في عام 1970. يمنح هذا القانون كل سكان كاليفورنيا (40 مليون نسمة) حق رفع دعوى قضائية ضد أي مشروع سواء عام أو خاص إذا رغبوا في ذلك، ويمكن رفع الدعوى دون الكشف عن اسم الشاكي.
وفقا لأحد التقديرات رُفعت 13% فقط من الدعاوى القانونية بموجب هذا القانون من قبل منظمات بيئية، أما الباقي فبواسطة منافسين تجاريين وجيران يرفضون إقامة مشاريع بالقرب منهم أو نقابات، فهو أقرب إلى أن يكون أداة ابتزاز منه إلى قانون بيئي.
وفي إحدى القضايا مؤخرا أرادت جامعة كاليفورنيا في بيركلي إضافة عدة آلاف من الطلاب إلى جسمها الطلابي. لكن جيران الجامعة من الطبقة الوسطى العليا رفعوا دعوى قضائية بموجب هذا القانون على أساس أن العدد الإضافي من الطلاب يشكل عمليا «تلوّثا بيئيا» قَبِل أحد القضاة الدعوى ومُنِعَت الجامعة من استيعاب المزيد من الطلاب.
غالبا ما يشكو المحافظون من كثرة إجراءات الحصول على التراخيص والموافقات الرسمية. لكن التقدميين هم الذين أيدوا القانون في البداية لأنهم ما كانوا يثقون في تطبيق الحكومة لقوانينها (الخاصة بها لحماية البيئة.) قاد ذلك إلى مفارقة وهي أن الإجراءات البيئية من شاكلة هذا القانون حالت دون تشييد البنية التحتية للطاقة المتجددة. فقد جعلت من الصعب جدا تنفيذ أشياء مثل إقامة خطوط نقل الكهرباء أو مزارع الرياح البحرية.
إضافة إلى متطلبات الترخيص المفروضة على الشركات الخاصة تُضعف الحكومةُ فعاليتَها بطبقات من القوانين التي يُجبَر البيروقراطيون (الموظفون) أنفسُهم على العمل بموجبها، فلا يمكن لإدارة حكومة شراء منضدة أو حاسوب بدون التقيد بالقواعد الإجرائية الخاصة بالمشتريات الفيدرالية والتي توضح بالتفصيل وفي آلاف الصفحات شروط الشراء التي يجب على الموظفين اتباعها.
لنتحدث عن الهدر، حسب دانييل هو، أستاذ القانون بجامعة ستانفورد، ألزم الكونجرس الإداراتِ الحكومية بإعداد أكثر من 5000 تقرير سنوي. والأغلبية الغالبة من هذه التقارير لا يقرأها أي أحد، فالموظفون يتم تحفيزهم على التقيد بهذه القواعد التفصيلية التي كثيرا ما لا يكون لها معنى وذلك بدلا من السماح لهم باتباع الحس السليم وحسن التقدير في تطبيق الأوامر التشريعية.
منذ عقود يقول المحافظون إننا نعيش في ظل طغيان «بيروقراطيين غير منتخبين» يضعون القوانين بأنفسهم وبعيدا عن سيطرة المسؤولين المنتخبين ديمقراطيا. لكن الحقيقة عكس ذلك، فلأن أمريكا لديها تاريخ طويل من عدم الثقة بالحكومة أضفنا طبقة وراء طبقة من الإجراءات البيرقراطية التي تَحِدُّ ما يمكن أن يفعله المسؤولون. وإذا كانت هنالك رغبة في أن تكون الحكومة أكثر كفاءة يجب منح هؤلاء المسؤولين المزيد من السلطة لاتخاذ القرارات وليس العكس، ويجب الحكم عليهم بالنتائج التي يحققونها للمواطنين وليس بالقوانين التي يتبعونها.
لكي أكون واضحا أنا لا أدعو إلى تفكيك «الضوابط والتوازنات» التي ضُمِّنت في دستور الولايات المتحدة. إنها الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. فقد ظلت إدارة ترامب تنتهك القانون كل يوم تقريبا وهي في سدة الحكم، ويجب وقف التجاوزات في استخدام السلطة التنفيذية بواسطة المحاكم وفي نهاية المطاف بواسطة الناخبين.
بدلا عن ذلك على الكونجرس والمشرعين في الولايات التخلص من العديد من الإجراءات المتراكمة التي تمنع المسؤولين من تنفيذ ما يرغبونه بمرونة. فإذا صار بمقدور الحكومة إنفاق وقتها بالفعل في تطبيق السياسات بسرعة وفعالية يمكن أن يختفي أحد دوافع تأييد الشعبويين من أمثال ترامب.
في الواقع معارضة ترامب في حد ذاتها لن تقود خصومه إلى السلطة. يحتاج الديمقراطيون (قادة الحزب الديموقراطي) إلى تقديم رؤية إيجابية لما يمكن أن تبدو عليه الولايات المتحدة إذا عادوا إلى الحكم. لقد اعتبرهم ناخبون عديدون الحزبَ الذي تولى إدارة مدن عانت من الجريمة والتشرد والتردِّي الحضري كسان فرانسيسكو وبورتلاند ونيويورك.
وضعُ رؤية لحكومةٍ يمكن أن تعود مرة أخرى إلى تنفيذ مشاريع كبيرة أشبه بورقة نقدية ملقاة على الرصيف بانتظار من يلتقطها (أو بعبارة أخرى فرصة سياسية جاهزة وثمينة لأي سياسي طموح يرغب في الاستفادة منها).
فرانسيس فوكوما مؤلف «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» ومؤخرا «مآخذ على الليبرالية»
الترجمة عن الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة هذا القانون یمکن أن التی ت
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة ستكون الخاسر الأكبر من الانتصارات التجارية الأخيرة
يرى موقع "بلومبيرغ" أن الاتفاقات التجارية الأخيرة التي أبرمتها إدارة البيت الأبيض مع الاتحاد الأوروبي واليابان قد تأتي بنتائج عكسية وتصبح الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من سياسة الرسوم الجمركية.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إن البيت الأبيض يتفاخر باتفاقه التجاري الجديد مع الاتحاد الأوروبي، بعد اتفاق مماثل مع اليابان، باعتباره انتصارًا كبيرا.
الخاسر الأكبر
ويفرض الاتفاقان رسومًا جمركية بنسبة 15 بالمائة على معظم الصادرات إلى الولايات المتحدة، إلى جانب شروط أخرى، ما يبدو وكأنه خطوة لإنهاء خطر الحرب التجارية المفتوحة وتجديد التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة، وهو ما تفاعلت معه الأسواق المالية بشكل إيجابي.
لكن الموقع يعتبر أنه لا يوجد ما يستحق الإشادة، لأن الاتفاقين يشكلان خسارة لجميع الأطراف، وأفضل ما يمكن أن يتحقق هو أن تنتقل الإدارة الأمريكية إلى أولويات أخرى قبل أن تتسبب في مزيد من الأضرار.
من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن الادعاء بأن الولايات المتحدة خرجت منتصرة من الاتفاقين هو ادعاء باطل، وفقا للموقع. فالرسوم الجمركية ما هي إلا ضرائب، وسرعان ما سيدفع المستهلكون الأمريكيون معظم الزيادة في التكاليف، إن لم يكن كلها.
ولا تكمن المشكلة فقط في أن الواردات ستصبح أكثر تكلفة، بل إن المنتجين الأمريكيين للسلع المنافسة سيتعرضون لضغط أقل من حيث المنافسة والابتكار، مما سيدفعهم أيضًا لرفع الأسعار. وبمرور الوقت، ستؤدي هذه العوامل إلى تراجع مستوى المعيشة في الولايات المتحدة، وسيكون الخاسر الأكبر من الرسوم الجمركية هو غالبًا البلد الذي فرضها.
تصاعد التوترات
يرى البعض أنه يمكن التعامل مع تكاليف الرسوم على المدى الطويل، طالما أن الاتفاقيات تضع حدًا للنزاعات التجارية.
وقد شددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي أبرمت الاتفاق مع الولايات المتحدة نهاية الأسبوع، على هذه النقطة لتبرير خضوع الاتحاد الأوروبي للمطالب الأمريكية، مؤكدة أن الاتفاق وسيلة لاستعادة الاستقرار والتوقعات الواضحة للمستهلكين والمنتجين على حد سواء.
وأشار الموقع إلى أن كلا الاتفاقين، شأنهما شأن الصفقة التي أُبرمت سابقا مع المملكة المتحدة، يُنظر إليهما على أنهما اتفاقيات إطارية أكثر من كونهما صفقات نهائية.
وتنص الاتفاقية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على منح بعض السلع الأوروبية إعفاء من الرسوم الجمركية في السوق الأمريكية، لكنها لم تحدد بعد ما هي هذه السلع.
وحسب الموقع، يشعر المواطنون في أوروبا واليابان بأن حكوماتهم قد استسلمت أمام الضغوط الأمريكية، مما يزيد احتمالات عدم الاستقرار وتصاعد موجات المعارضة السياسية.
وأضاف الموقع أنه حتى في حال إبرام هذه الاتفاقيات، ستظل هناك نزاعات قائمة لا تقتصر على التجارة فقط، وقد تواصل واشنطن استخدام الرسوم العقابية أو التهديدات الأمنية كأدوات ضغط، بما يعني أن الاستقرار الذي تتحدث عنه فون دير لاين سيكون وهميا.
وختم الموقع محذرا من أن شعور الإدارة الأمريكية بأن الاتفاقات التجارية الأخيرة دليل على قدرتها على فرض كلمتها بدلًا من بناء شراكات حقيقية، يهدد بتصاعد التوتر عالميا وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل الاستراتيجية الحالية.