كاتب روسي: هذا هو الرجل الذي لم يستطع بوتين قتله
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
أصبح الصحفي الاستقصائي كريستو غروزيف أحد أبرز الشخصيات المستهدفة من قبل أجهزة الاستخبارات الروسية، وذلك بعد سلسلة من التحقيقات كشف فيها عن أسماء جواسيس روس وشبكات تجسس روسية في أوروبا، مما جعله هدفا مباشرا بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأشاد كاتب العمود بصحيفة نيويورك تايمز، ماشا غيسن، بمهارات غروزيف -الذي يعمل في منظمة صحفية استقصائية مستقلة اسمها بيلينغكات- في تتبع الجواسيس الروس عبر التحقيق في بيانات الهواتف المحمولة في السوق السوداء وسجلات الهجرة والمعلومات المسربة من روسيا مثل السجلات الطبية وسجلات الطيران.
ومن أبرز قضايا غروزيف التي صعدت به إلى الشهرة ووضعته في دائرة الخطر، حسب التقرير، تحقيقه في محاولة اغتيال المعارض أليكسي نافالني عام 2020، حين كشف غروزيف وفريق بيلينغكات تفاصيل شبكة عملاء المخابرات الروسية الذين سمموا نافالني، وربطوا الفريق بجهاز الأمن الروسي.
كذلك كشف غروزيف هوية العملاء الروس المتورطين في تسميم العميل البريطاني المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته بغاز الأعصاب في بريطانيا عام 2018، وفق المقال.
ويعيش الصحفي البلغاري الآن في نيويورك محاطا بالحراس بعد أن اضطر لمغادرة أوروبا بسبب تهديدات مستمرة وضعت حياته وحياة أسرته في خطر.
إعلانوأدت الضغوط الأمنية التي تعرض لها وطبيعته الغريبة -التي تجعل من الصعب عليه فهم البشر في الوقت الذي يجيد فيه فهم الجداول والبيانات- إلى انفصاله عن زوجته وأطفاله، وفق المقال.
قضية يان مارسالكومن أهم نجاحات غروزيف الكشف عن هوية ومكان يان مارسالك -الرئيس التنفيذي للعمليات بشركة وايركارد- عام 2021، وكان مارسالك قد هرب إلى روسيا عام 2020 بفضل علاقته بالاستخبارات الروسية، وعاش هناك في الخفاء حتى وجده الصحفي.
وأوضح الكاتب أن وايركارد شركة خدمات مالية ألمانية كانت تُعتبر من أنجح شركات التكنولوجيا المالية في أوروبا حتى فضيحة انهيارها بعد اكتشاف اختفاء ملياري دولار تقريبا من حساباتها.
وذكر المقال أن مارسالك هو نفسه من وظفته المخابرات الروسية لتنظيم عمليات التجسس والاغتيال التي استهدفت غروزيف، بعد كشف الأخير عن قضية محاولة اغتيال نافالني في 2020.
ولإيجاد مارسالك، استخدم غروزيف بيانات طبية مسرّبة من روسيا عن شخص يُدعى ألكسندر شميت (اسم غروزيف المستعار)، تطابقت بياناته الصحية وتاريخه الشخصي مع معلومات معروفة عن مارسالك، حسب المقال.
وأضاف المقال أن تحليل غروزيف مجموعة من سجلات السفر أكد استخدام شميت لجواز سفر فرنسي وتردده على روسيا وليبيا، وهي أماكن لها صلة بأنشطة مارسالك، كما ساعد تحليل بيانات الهواتف والاتصالات على دعم نتائج التحقيق، وأدى إلى كشف هوية المدير الهارب.
عواقب الصحافة الاستقصائيةوقال المقال إن غروزيف شارك كذلك في مفاوضات سرية بدأت شتاء 2022 لإطلاق سراح معارضين بارزين محتجزين في روسيا وبيلاروسيا، أبرزهم نافالني، الذي لم ينجح الصحفي بإخراجه من السجن، وتوفي المعارض عام 2024 بظروف مريبة في زنزانته، مما سبب صدمة كبيرة لغروزيف.
وشكلت وفاة نافالني، حسب المقال، لحظة مفصلية في حياة غروزيف، إذ أدرك حينها حجم الخطر المحيط به، وتنامى شعوره باليأس والغضب إزاء عجز الغرب عن حماية المعارضين الروس من "بطش الكرملين".
إعلانوأعرب غروزيف لكاتب المقال -تربطه به معرفة شخصية- عن قلقه المتزايد من تراجع حماية الولايات المتحدة للصحفيين، خاصة بعد تفكيك مؤسسات تهتم بحماية المعارضين، ما جعله يخشى أن تتخلى واشنطن مستقبلا عن حمايته أو تسلمه لروسيا.
وكان إحساس غروزيف بانعدام الأمان قد بدأ منذ 2022، حين أسفرت جهود فريق مارسالك الاستخباراتي، الذي كان يتتبع غروزيف منذ عام 2020، عن اقتحام شقة الصحفي في النمسا.
وتم كشف الحادث بعد عام واعتقال الجواسيس عبر تحقيقات الشرطة، وتبين أن المجموعة تتكون من 6 عملاء بلغاريين يعملون لصالح الاستخبارات الروسية، وفق المقال.
ووفقا للمقال، استخدم الجواسيس أسماء مستعارة لأبطال أفلام مثل "فان دام" و"جاكي شان"، وأخفوا كاميرات تجسس داخل دُمى شخصيات "المينيون"، كما راقبوا غروزيف عن قرب وتابعوا تحركاته وحاولوا اختراق هاتفه.
"صفعة على وجه بوتين"وقال المقال إن المتهمين الثلاثة الذين خضعوا للمحاكمة هم كاترينا إيفانوفا وبيزر جمبازوف وفانيا غابيروفا، بدعوى عدم معرفتهم أنهم كانوا جزءا من شبكة تجسس حتى لحظة اعتقالهم، بينما اعترف الثلاثة الآخرون بالذنب.
وأشار المقال إلى أن الأحكام بحق الجواسيس صدرت في مارس/آذار 2025، وتراوحت العقوبات بين 5 و11 سنة، ولكن معظمهم سيقضي نصف المدة فقط وفق القوانين البريطانية.
واعتبر غروزيف الحكم "صفعة على وجه بوتين"، ولكنه حذر من أن شبكات التجسس الروسية لن تتوقف عن استهدافه أو العمل، حسب المقال.
وفي ختام المقال، أشار الكاتب إلى أن غروزيف يعيش الآن في حالة عزلة وفقدان، تتخللها ذكريات موت نافالني وانفصاله عن زوجته وبعده عن أولاده وإحساسه الدائم بالغربة والخطر، ولكنه لا يزال مصمما على مواصلة عمله رغم ذلك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج ترجمات
إقرأ أيضاً:
السودان الرجل الصالح .. والله في !
الإقصاء الأمريكي لبريطانيا من ملف السودان وتداعياته الجيوسياسية
في خطوة تحمل دلالات عميقة، أبعدت الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا عن ملف السودان في اجتماعات “الرباعية” المعنية بالشأن السوداني، والتي تضم كلاً من الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات. ورغم أن هذه الخطوة قد تبدو تكتيكية في ظاهرها، إلا أن خلفها قراءة استراتيجية تُعبر عن تحوّل في موازين التأثير الغربي في المنطقة، وربما تعكس رغبة أمريكية في احتكار مفاتيح التغيير والتحكم بالمشهد السوداني بعيدًا عن “شريكها التاريخي” الذي كان يحتل السودان بالأمس القريب.
أولاً: السياق التاريخي والرمزية
بريطانيا ليست مجرد دولة أوروبية عادية في ما يخص السودان، بل هي الدولة التي استعمرت السودان منذ عام 1898 عبر الحكم الثنائي (الإنجليزي-المصري)، وشكلت جزءاً محورياً في تشكيل بنيته السياسية والإدارية، وأخرجته إلى الاستقلال على طريقة “الفخاخ المزروعة” كما حدث في تقسيم الجنوب، وتكريس المركزية، وتمكين النخب التابعة. هذا الإرث لا يمكن عزله عن أي محاولة لفهم علاقة بريطانيا بالسودان أو تحليل موقعها في أي ترتيبات دولية تخصه.
وبالتالي، فإن إقصاءها بهذه الطريقة من الرباعية، ليس مجرد مسألة “تنظيم طاولة” بل إشارة ناعمة من واشنطن مفادها أن زمن لندن في الخرطوم قد ولّى، وأن الهيمنة على قرار السودان الإقليمي والدولي بات أمريكياً صرفاً، ولو بشراكة شكلية مع حلفاء من “الصف الثاني”.
ثانيًا: الرد البريطاني.. اعتراف بفلسطين
ولأن الدول لا تصمت طويلاً على الإهانة الدبلوماسية، جاء الرد البريطاني سريعًا ومفاجئًا: اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية. وهو اعتراف يبدو في ظاهره “دعمًا للعدالة وحقوق الشعوب”، لكنه من منظور العلاقات الدولية ليس إلا ورقة ضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، ومحاولة لاستعادة بعض الوزن الأخلاقي والاستراتيجي الذي فقدته بريطانيا في المنطقة.
ومن سخرية القدر أن هذه هي ذات بريطانيا التي منحت إسرائيل “الحق في وطن قومي” عبر وعد بلفور المشؤوم في 1917، أي أنها الدولة التي زرعت بذرة الأزمة، وتأتي اليوم لتعلن -بكل صفاقة سياسية– أنها تحاول إنصاف الشعب الفلسطيني. هذا الاعتراف ليس أكثر من محاولة لترميم موقعها في الشرق الأوسط، بعد أن أخرجتها واشنطن من بوابة السودان.
ثالثًا: ترامب والتبسيط الرأسمالي للسياسة
أما دونالد ترامب، التاجر الذي تسلل إلى البيت الأبيض، فقد مثّل قطيعة أخلاقية وعقلية عن مسار الدبلوماسية الأمريكية الكلاسيكية. لم يكن يرى العالم إلا من نافذة الصفقات: صفقة القرن، صفقة التطبيع، صفقة الانسحاب… رجل أعمال بقالة أكثر من كونه رجل دولة، اختزل قضايا الشعوب ودماءها في أرقام وإيصالات شراء.
سياسات ترامب كانت ولا تزال جزءًا من هذه الفوضى الموجهة التي أفضت إلى تعقيد المشهد السوداني والإقليمي، عبر ترك ملفات ملتهبة دون معالجة جذرية، بل وإشعال بعضها بهدف ابتزاز الحلفاء واستنزاف الخصوم.
خاتمة: الصراع ليس على السودان فقط
ما يحدث اليوم ليس مجرد تنافس دبلوماسي حول السودان، بل هو صراع على النفوذ في قلب أفريقيا، في منطقة تقاطع الموارد والثورات والصراعات. إبعاد بريطانيا من ملف السودان قد يبدو انتصاراً أمريكياً تكتيكياً، لكنه في حقيقته فتح الباب أمام تحالفات جديدة، وتحركات انتقامية ناعمة، كاعتراف لندن بفلسطين.
وبين طموحات واشنطن، وردود لندن، وارتجال ترامب، لن يكون السودان هو الضحية، ولن تُعاد صناعته خارج حدوده، ولن تُرسم له الأقدار على طاولات لا وجود لممثليه فيها، ولن تُختبر عليه معادلات النفوذ العالمي، ونحن سنرسم وطننا وحدنا .
وليد محمد المبارك
وليد محمدالمبارك احمد