يمن مونيتور/تقرير خاص

يحلّ عيد الأضحى هذا العام على سكان المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي في ظل ظروف معيشية واقتصادية متدهورة، أفقدت المناسبة الدينية رونقها التقليدي، وحرمت الآلاف من العائلات من طقوس العيد المعتادة، في مشهد يعكس عمق الأزمة الإنسانية المتفاقمة في تلك المناطق.

فالاحتفاء بالعيد لم يعد كما كان، إذ تغيب مظاهر الفرح من شوارع صنعاء والمدن الأخرى، بعد أن باتت الأضاحي والملابس الجديدة خارج قدرة الغالبية الساحقة من السكان, وارتفعت أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية للعيد – بما في ذلك اللحوم والأضاحي – إلى مستويات غير مسبوقة، في وقت يعاني فيه المواطنون من انقطاع الرواتب وتراجع القدرة الشرائية.

وبات واضحاً أن استمرار الانهيار الاقتصادي في مناطق سيطرة الحوثيين، وغياب أي حلول تلامس احتياجات المواطنين، قد خلق واقعاً خانقاً فرض نفسه على تفاصيل الحياة اليومية، لينعكس سلباً على المناسبات الاجتماعية والدينية، وعلى رأسها عيد الأضحى.

وتؤكد تقارير ميدانية أن أسواق الأضاحي تشهد ركوداً غير مسبوق، بسبب الأسعار “الجنونية” التي تفوق قدرة الأسر حتى على مجرد التفكير بالشراء؛ الأمر ذاته ينطبق على أسواق الملابس والعيديات، حيث أصبحت زيارة السوق بالنسبة للكثير من العائلات اليمنية ضرباً من الترف.

في هذا السياق، يرى مراقبون أن ما يعيشه سكان هذه المناطق لا يُعد فقط انعكاساً لأزمة اقتصادية فحسب، بل هو أيضاً نتيجة مباشرة لسياسات سلطات الأمر الواقع، التي فشلت في توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، وألقت بكلفة الأزمات المتراكمة على كاهل المواطن البسيط, ومع تلاشي مظاهر استقبال العيد، يواجه اليمنيون في مناطق الحوثيين عيداً آخر من دون فرحة، في ظل غياب الدولة، وتآكل القدرة على الصمود، وتفاقم الشعور الجماعي بالخذلان والمرارة.

عيدٌ بطعم المعاناة

مع اقتراب عيد الأضحى، تتزايد احتياجات الأسر في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، لكنها تصطدم بجدار واقع معيشي بالغ القسوة، يتفاقم بفعل استمرار الانهيار الاقتصادي، وغياب أبسط مقومات الحياة الكريمة. فبدلاً من أن تكون المناسبة فرصة للفرح والابتهاج، تحولت إلى عبء ثقيل يُثقل كاهل الأسر التي تعيش على حافة الفقر، في ظل انقطاع رواتب موظفي الدولة، وغياب فرص العمل، وانعدام الدخل البديل.

في هذا السياق، يوضح الباحث الاقتصادي فهد فرحان في تصريح لـ”يمن مونيتور” أن “انهيار الوضع الاقتصادي في اليمن انعكس بشكل مباشر على دخل الأفراد، الذي انحسر كلياً، ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية لدى معظم السكان، الذين باتوا غير قادرين حتى على توفير الضروريات الأساسية للحياة”.

ويضيف: “الأعياد لم تعد مصدر فرح، بل أصبحت موسماً للقلق والخوف، بفعل تضخم الأسعار، وانعدام السيولة، وعزوف المواطنين عن التسوق، نتيجة العجز عن تلبية احتياجات العيد”.

هذا الواقع لا ينعكس في الإحصاءات فحسب، بل يظهر جلياً في قصص الناس، كقصة المواطن أكرم الغيلي، المدرّس السابق الذي اضطر للعمل سائق دراجة نارية ليعيل أسرته المكوّنة من أربعة أطفال. يقول لموقع “يمن مونيتور”: “طلبات العيد زادت، وأسعار السوق لا تُطاق, نعيش حالة مادية صعبة، لا نستطيع شراء ملابس أو حلويات أو حتى أضحية, أصبحت فرحة العيد حلماً بعيد المنال، وصرنا نكتفي بالمشاهدة من بعيد”.

من جانبه, يصف أحمد السعدي، موظف حكومي من مدينة حجة، يلخص شعور كثير من اليمنيين بقوله: “يحلّ يوم الجمعة على العالم الإسلامي عيد الأضحى، لكنه لم يعد العيد الذي يجلب الأفراح والسعادة في قلوبنا كيمنيين، بقدر ما يقلّب مواجعنا ويضاعف آلامنا, للمرة العاشرة تقريباً، لا نعرف معنى العيد، ولا نستطيع أن نعيشه كما كنا نفعل في الماضي، لا بهجة، لا لباس جديد، ولا حتى أضحية نشارك بها أبناءنا وأهلنا”.

ويعبّر السعدي عن معاناة مشتركة بين شريحة واسعة من موظفي الدولة، ممن توقفت رواتبهم منذ سنوات، وتدهورت أوضاعهم المعيشية إلى حد العجز عن تأمين الضروريات، وسط حالة اقتصادية خانقة وظروف متدهورة على كافة المستويات.

الواقع المعيشي في مناطق الحوثيين، من فقر مدقع وغلاء فاحش وانعدام الدخل، ترك الناس بلا أمل ولا فرح. فالعيد الذي كان مناسبة للبهجة والتواصل، تحوّل اليوم إلى تذكير جماعي بما خسره اليمنيون: الكرامة، الأمان، والدخل، وحتى القدرة على الحلم.

وفي وقت يكافح المواطنون لتأمين لقمة العيش، تستمر المليشيا في فرض الجبايات والضرائب دون أي مبادرات لتخفيف معاناة الناس, وتنهب فرحة العيد من وجوه الأطفال وتستنزف مدخرات الأسر، ليبقى الناس عالقين في دوامة جوع وحرمان مزمنة.

“الأضاحي” أمنية بعيدة المنال

كانت الأضحية لليمنيين طقساً دينياً واجتماعياً متجذراً، لكنها اليوم تحوّلت إلى حلم بعيد المنال في ظل الفقر والانهيار الاقتصادي وسياسات النهب المتواصلة؛ ومع اقتراب عيد الأضحى، يجد ملايين اليمنيين أنفسهم عاجزين عن تأمين هذا الرمز الديني، بعد أن خرجت الأضاحي من إمكانياتهم، وتحولت إلى أمنية مستحيلة.

في محافظة حجة شمالي البلاد، يتحدث مواطنون لموقع “يمن مونيتور” عن واقع مرير، مؤكدين أن “الأسعار تتصاعد كل يوم، والأعباء تزداد مع اقتراب العيد، بينما نحرم منذ سنوات من الأضاحي, لم نعد نعرف طعم اللحم، إلا إذا حصلنا عليه صدقة من فاعلي الخير, أصبحنا فقراء بسبب الحوثي، الجماعة نهبت كل شيء وتركتنا للموت جوعاً”.

وتشير شهادات متطابقة إلى أن أسواق المواشي تشهد ارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار، ما جعل حتى التفكير في شراء الأضاحي خارج حسابات الأسر. ووفقاً لتاجر المواشي “يحيى رشدي”، فإن أسعار الخراف تتجاوز 100 ألف ريال يمني (حوالي 200 دولار بالسعر المعتمد في مناطق الحوثيين)، فيما يصل سعر الثور إلى نصف مليون ريال, كما ارتفع سعر الكيلو الواحد من اللحوم إلى نحو 5 آلاف ريال، أي ما يعادل أجرة عمل يومي لعامل بسيط – إن وجد العمل اصلا.

هذا الغلاء المفرط، الناتج عن غياب الرقابة واحتكار السوق، يعكس ليس فقط أزمة معيشية، بل فشلاً ممنهجاً من قبل الحوثيين في تأمين احتياجات المواطنين؛ بينما توجه الجماعة الموارد نحو الجوانب العسكرية والاحتفالات الطائفية، يبقى المواطن في صراع يومي مع الجوع والتهميش.

في مدينة حجة شمالي اليمن، تتلخص مأساة كثير من الأسر في كلمات بسيطة، ترويها أم عبدالباسط بحسرة تخنقها العبرة: “مضى وقت طويل لم نأكل فيه اللحم، ولم يدخل بيتنا منذ زمن”، ملابس العيد؟ ننتظر ما يعطينا الجيران من مستعمل”, لتكشف عن واقع مرير تعيشه ملايين الأسر اليمنية، حيث تلاشت طقوس العيد واختُزلت في محاولات النجاة من الجوع واليأس.

أم عبدالباسط، أم لسبعة أطفال، تعتني بوالدتها الطاعنة في السنّ والمريضة، وتكافح يومياً من أجل البقاء في ظل واقع معيشي يزداد سوءاً, لم تعد أضاحي العيد بالنسبة لها أولوية ولا حتى حلماً، فقد غابت عن موائدهم منذ سنوات، شأنها شأن آلاف الأسر التي فقدت القدرة على شراء اللحم، أو تأمين كسوة العيد لأطفالها.

وتضيف أم عبدالباسط في حديثها لـ”يمن مونيتور”: “في العام الماضي، أعطاني الجيران ملابس مستعملة لأولادي”، جملة تختصر تفاصيل حياة مثقلة بالحاجة، وتُجسد حال مجتمع بأكمله أُنهكته الحرب وتداعياتها، وألقت به على هامش المناسبات والأفراح.

القصة لا تقف عند عتبة منزل أم عبدالباسط، بل تمتد لتشمل الآلاف ممن تقطعت بهم سبل العيش؛ فالعائلات الفقيرة لم تُحرم من أضاحي العيد بسبب ندرة المواشي في الأسواق، بل بفعل الارتفاع الجنوني لأسعارها، والعجز عن توفير السيولة النقدية, إذ تجاوزت أسعار الخراف حاجز الـ100 ألف ريال، والثور نصف مليون ريال، وهي أرقام لا يمكن لغالبية الأسر حتى الاقتراب منها، في ظل انعدام الرواتب، وتراجع الدخل، وتوقف مصادر الرزق.

وهكذا، تمر أعياد اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين باهتة، ثقيلة، خالية من طقوسها وبهجتها؛ فلا لحوم على الموائد، ولا ملابس جديدة تُبهج الصغار، ولا فرحة تتسلل إلى القلوب المثقلة بالهموم. ومع كل عيد، يتجدد الألم، وتتكرس معاناة شعب أُنهكته الحرب، وأفقدته أبسط حقوقه في الفرح.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الحوثي فی مناطق الحوثی یمن مونیتور عید الأضحى

إقرأ أيضاً:

محافظ مطروح يفتتح مشروعات صحية كبرى تزامنًا مع العيد القومي للمحافظة

في إطار احتفالات محافظة مطروح بعيدها القومي، افتتح اللواء خالد شعيب محافظ مطروح، اليوم الأحد، أعمال تطوير ورفع كفاءة عدد من المنشآت الصحية والأقسام الطبية، وذلك بهدف تطوير المنظومة الصحية والارتقاء بمستوى الخدمات الطبية والعلاجية المقدمة لأهالي المحافظة.

جاء ذلك بحضور الدكتور إسلام رجب نائب محافظ مطروح، والدكتور أحمد رفعت وكيل وزارة الصحة بالمحافظة، والدكتور حلمي أغا وكيل المديرية، وعدد من قيادات مديرية الصحة.

وشملت الافتتاحات تشغيل جهاز أشعة الماموجرام بمستشفى التوليد والصحة الإنجابية، كأول جهاز من نوعه بالمحافظة، بعد الانتهاء من تجهيز الغرفة الخاصة به طبقًا للمعايير العالمية، وتركيب الجهاز، وتدريب الفريق الطبي على تشغيله.

ويأتي ذلك في إطار مبادرة فخامة رئيس الجمهورية لدعم صحة المرأة، والتي تستهدف الكشف المبكر عن أورام الثدي من خلال الفحص الإكلينيكي وأشعة الماموجرام، مع توفير العلاج بالمجان للسيدات.

كما افتتح محافظ مطروح أعمال رفع كفاءة وحدة الغسيل الكلوي بمستشفى مطروح العام، بعد دعمها بعدد 8 ماكينات غسيل كلوي حديثة بقيمة 7 ملايين و800 ألف جنيه، بالتعاون مع مؤسسة صحتنا وشركة خالدة للبترول، بما يسهم في تحسين جودة الخدمة الطبية والتيسير على المرضى وذويهم.

وشهدت الافتتاحات كذلك تشغيل وحدة السمعيات ومركز الإحالة الخاص بمبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع لدى حديثي الولادة.

كما تم افتتاح أعمال استحداث معمل السموم بالمعمل المشترك لأول مرة بمحافظة مطروح، بعد توفير وتشغيل جهاز السموم GC/MS/MS بتكلفة تجاوزت 12 مليون جنيه، ويتميز الجهاز بقدرات تحليلية عالية الدقة للكشف عن المواد الكيميائية المعقدة، بما يدعم منظومة التشخيص المعملي المتقدم.

وعقب ذلك، توجه اللواء خالد شعيب إلى مركز السيطرة والطوارئ والسلامة العامة، حيث استكمل افتتاحات القطاع الصحي بعدد من المدن والمراكز عبر تقنية الفيديو كونفرانس.

وشملت الافتتاحات: استحداث عيادات وجراحات الأوعية الدموية والمخ والأعصاب بمستشفى الضبعة المركزي.

افتتاح سكن الأطباء الجديد بالضبعة بالمشاركة المجتمعية، بتكلفة 2 مليون جنيه، ويضم 6 غرف بطاقة 18 سريرًا.تطوير ونقل الإدارة الصحية بالضبعة إلى مقر جديد بتكلفة مليون جنيه بالجهود المجتمعية.

زيادة الطاقة الاستيعابية لعناية الأطفال بمستشفى النجيلة المركزي من 3 إلى 6 أسرة.

كما افتتح محافظ مطروح تشغيل الأجهزة الطبية والأسرة الجديدة بمستشفى الحمام المركزي، بقيمة 25 مليون جنيه، بالتعاون مع مؤسسة صحتنا وشركة الحمرا أويل للبترول، وشملت:

6 ماكينات غسيل كلوي حديثة

22 سرير بوحدة الغسيل الكلوي

جهاز إيكو بالعناية المركزة

6 أجهزة تنفس صناعي

17 جهاز مونيتور

جهاز سونار وجهاز قياس نبض الجنين

3 أجهزة صدمات كهربائية

ووجّه اللواء خالد شعيب محافظ مطروح الشكر والتقدير للأستاذ الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، على الدعم المستمر للقطاع الصحي بالمحافظة، كما أشاد بجهود جميع العاملين بمديرية الصحة بقيادة الدكتور أحمد رفعت، في تحسين مستوى الخدمات الطبية المقدمة لأهالي مطروح.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع قتلى العيد اليهودي في إستراليا.. ووصف الهجوم بـالإرهابي
  • محافظ مطروح يفتتح مشروعات صحية كبرى تزامنًا مع العيد القومي للمحافظة
  • وزارة التموين تكشف حقيقة نقص زيت الطعام
  • تحت المطر والنار.. يوم فلسطيني ثقيل من المعاناة والانتظار
  • السلامي بعد عبور العراق: تأهل بطعم الحزن.. وإصابة يزن النعيمات تخيم على أفراح الأردن
  • شتاء غزة.. فصل آخر من المعاناة للنازحين
  • أسعار الخضروات والفاكهة في الوادي الجديد اليوم
  • مفكر: الجهاد الحقيقي في عصرنا العلم والعمل.. ودار الإسلام لم تعد مناسبة
  • دون الحرمان من دخول الامتحانات.. قرار عاجل بشأن الطلاب غير المسددين للمصروفات بالمدارس الخاصة
  • الأونروا: فلسطينيو غزة يواجهون معاناة جديدة بسبب العاصفة بايرون