خطيب الجامع الأزهر: عيد الأضحى نفحة ربانية وهبة إلهية ومناسبة لذكر الله وشكره
تاريخ النشر: 6th, June 2025 GMT
ألقى الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، خطبة الجمعة اليوم من منبر الجامع الأزهر الشريف، في أول أيام عيد الأضحى المبارك لعام 1446هـ، مؤكّدًا أنّ العيد نفحة ربانية، وهبة إلهية، تهلّ على المسلمين بعطايا من الرحمن، يفيض بها على عباده الذاكرين الشاكرين.
وأوضح فضيلته أنّ العيد في الإسلام عبادة يُذكر فيها الله تعالى، ويُشكَر على نعمه، مستشهدًا بقول نبينا محمد ﷺ: «العيد وأيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر»، مشيرًا إلى أنّ هذه الأيام المباركة هي أيام ذكر لله بعد إتمام عبادة عظيمة، هي فريضة الحج.
وبيّن الدكتور هاني عودة أنّ الله تعالى يربّي عباده على أن يختموا العبادات بالشكر والتكبير، كما قال في ختام آيات الصيام: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، وكرّرها سبحانه بقوله: ﴿كَذَ ٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾، دلالةً على أنّ العبادة الحقة لا تكتمل إلا بذكر الله وشكره.
وأضاف أنّ حال العبد المؤمن لا ينفكّ عن حالين اثنين: صبرٌ وشكر، فإذا بدأ العبادة صابرًا محتسبًا، فإنه يختمها شاكرًا ذاكرًا. فالذي يمتنع عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان، إنما يتجرد من شهوات النفس ليحقق القرب من الله، أما من انغمس في الشهوات المحرمة، فإنّه يتقلب من معصية إلى معصية، ويغرق في ظلمات الضلال فينتقل من ضلال إلى ضلال، حتى يستلذّ الضلال ويدعو إلى ذلك الضلال، ويريد أن يلتف الناس حوله.
وتطرّق خطيب الجامع الأزهر إلى معاني الأضحية ومناسك الحج، مشيرًا إلى أنّ هذه الشعائر تعود بالمؤمن إلى مِلّة الخليل إبراهيم عليه السلام: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾. وبيّن أنّ الأضحية إنما كانت من الفداء العظيم لسيدنا إسماعيل عليه السلام، فقال تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾، وما كان ذلك إلّا بعد أن امتثل الأب والابن معًا لأمر الله، فقال الابن لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾، وقال الابنُ الصابر: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾، فكان الفداء الإلهي تتويجًا لتلك الطاعة الخالصة.
وبيّن فضيلته أنّ مناسك الحج كلّها متجذّرة في هذا التاريخ الإيماني العظيم، فما كان تفجّرُ ماء زمزم إلّا بعد أن تُرِكت أمّنا هاجر ورضيعُها إسماعيل في وادٍ غير ذي زرع، إيمانًا ويقينًا بوعد الله، وما كان السعي بين الصفا والمروة إلّا بعد أن سعت أمّنا هاجر بين الجبلين تبحث عن الماء بثقةٍ في رحمة الله، وما كان رفعُ القواعد من البيت الحرام إلّا بعد أن عاون إسماعيلُ أباه إبراهيم في البناء، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾. وكان نبينا محمد ﷺ ثمرة دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام، حين قال: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾.
وتابع خطيب الجامع الأزهر أن الله سبحانه وتعالى بدأ سورة إبراهيم بقوله: ﴿الۤرۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ﴾، موضحًا أن الظلمات التي تعني المعاصي والشهوات المحرمة هنا جمع وكثيرة، بينما النور واحد، وهو طريق الله المستقيم الذي لا عوج فيه، والذي يكتسبه الإنسان المسلم بالعبادة وترك المعاصي والتحلي بالطاعات.
وأشار إلى أن الصيام حالة تجرد وامتثال لعمر الله، تجعل الصائم أهلاً لأن يُستجاب دعاؤه، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ...﴾، ومبيّنًا أهمية التقوى والتزام حدود الله خاصة في مناسك الحج، حيث قال: ﴿فَلَا رَفْسَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾.
وأكد مدير عام الجامع الأزهر أن فلسفة الحج تقتضي تخلي الإنسان عن كل ما هو مخيط في لباسه، وهو استعداد للمشهد العظيم في يوم العرض على الله، مستشهدًا بآيات الذكر بعد أركان الحج: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾، وكأن ذكر الله هنا غاية العبادات، ودعا إلى تعايش المسلم مع العبادات بروحها وفلسفتها، مع الإقبال على الله بالحب والذكر الذي يطمئن القلوب ويقوي الصبر والشكر.
وفي ختام كلمته، تطرّق خطيب الجامع الأزهر إلى ما تعيشه فلسطين وغزة من عدوان وإبادة، مؤكّدًا أن عاقبة الظلم وخيمة، وأن الله سبحانه وتعالى ليس غافلاً عما يعمل الظالمون من قتل الأطفال وسفك الدماء وارتكاب إبادة جماعية، محذّرًا هؤلاء من أن الجزاء من الله آت لا محالة، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾، داعيا المولى -عز وجل- أن يثبت أقدام أهل غزة ويرحم شهداءهم وينصرهم على عدوهم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدكتور هاني عودة الجامع الأزهر الأزهر خطیب الجامع الأزهر إل ا بعد أن الله تعالى مستشهد ا
إقرأ أيضاً:
خطبتا الجمعة من المسجد النبوي والمسجد الحرام
مكة المكرمة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ياسر بن راشد الدوسري المسلمين بتقوى الله -عز وجل- ومراقبته في السر والنجوى.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: “تشهد البشرية في عصرنا قفزة حضارية، وطفرة نوعية في مجالات التقنية والأجهزة الذكية ووسائل التواصل الرقمية، تيسرت فيها الاتصالات، وطويت المسافات، واختصرت الأوقات، وأنجزت المهمات، وطورت الخدمات، وأتيح العلم عبر المنصات، فأصبحت التقنية جزءًا لا ينفك عن حياتنا”.
وأضاف قائلًا: “لئن كانت الأمم تتسابق في مضمار التقنية، فإن مملكتنا المباركة قد تميزت برؤيتها، وسارت بخطى ثابتة، وكانت رائدة في هذا الميدان، تستثمر التقنية وتوظفها في خدمة المجتمع والإنسان، حتى صارت نموذجًا يشار إليه ويحتذى به في صورة مشرقة تثبت مكانتها العالمية في مجالات التقنيات المتقدمة، وبرهنت أن التقدم لا يتنافى مع القيم، ولا يتعارض مع المبادئ، بل ينهض بها، ويستند إليها، فارتقت دون أن تنفصل عن جذورها، وتقدمت دون أن تفرط بثوابتها”.
وحذر فضيلته من غياب الوعي في استخدام التقنية قائلًا: “فحينها تصبح الرسائل مزالق، ومن هنا برز داء ابتلي به بعض الناس على اختلاف الأعمار والثقافات والأجناس، إنه داء الإدمان المرضي على وسائل التواصل الاجتماعي، والانغماس في عالم رقمي لا ينتهي، وتحوّل الهواتف عند البعض من أدوات للتواصل، إلى وسائل للعزلة والانفصال، فترى المرء بين الناس جسدًا بلا قلب، وحسًا بلا روح، يتنقل بين المنصات، ويتصفح التطبيقات، تتقاذفه المواقع، وتتكاثر عليه المقاطع، فلا يدري ما يريد، ولا يحصد إلا القليل”.
ولفت النظر إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت في الغالب مسرحًا للحياة الزائفة، وموطنًا للمقارنات الجائرة، فدبَّ إلى البعض داء الحسد والبغضاء، وتمكنت من قلوبهم الضغائن والشحناء، وقلَّ الحمد والشكر على النعم والآلاء، مبينًا أنه من الآفات تلك الحسابات المزيفة الخبيثة التي تنفث سمومها في المجتمعات، وتنشر الفتن والاختلافات، وتذكي الضغائن والإشاعات، وتلقي على ألسنة العلماء فتاوى مكذوبة، في حملات مجحفة، وتشويهات متعمدة، لا تراعي دينًا ولا خلقًا.
وشدد الشيخ ياسر الدوسري على أن من أعظم النعم أن يدرك الإنسان خلله قبل فوات الأوان، وأن يعالج قلبه قبل أن يستحكم عليه الداء، فكم نحن بحاجة في هذا العالم الرقمي، والضجيج التكنولوجي، إلى دواء لهذا الإدمان المرضي، وذلك بعزلة قصيرة، لإطفاء صخب الأجهزة، لا لعتزال الحياة، وإعادة التوازن لما اختل من حياتنا.
وأكّد أن التقنية نعمة عظيمة، إذا وُجهت إلى الخير، وقُيدت بقيود الشرع والحكمة، فهي ليست شرًا محضًا، وليست مذمومة في أصلها، بل هي سيف ذو حدين، ويجب استخدامها خادمًا لا سيدًا، وجسرًا إلى الطاعة لا هاوية إلى المعصية، ولتكن وسيلة للعلم والفهم، لاأداة للهوى والجهل.
كما أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور على الحذيفي، المسلمين بتقوى الله سبحانه، مؤكدًا أنها من أعظم أسباب الفوز بثواب الله تعالى، ونيل رضوانه، والنجاة من عذابه الأليم، مستشهدًا بقوله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
وقال فضيلته: “أيها الناس أتعلمون أشد الساعات كربًا، وأعظم الساعات خوفًا ورعبًا، وأكثر الساعات قلقًا وهمًا وضيقًا وغمًا، إنها الساعة التي تزيغ عندها الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر، ويتزلزل كل عضو في الإنسان من أهوال ما يرى ويشاهد من الأمور العظام، وما يلاقي من الأحوال التي تتفطر منها الأجسام، إنها الساعة التي يُنصب فيها الصراط على متن جهنم، فليس بعد الصراط إلا الفوز العظيم، وأنواع النعيم الأبدي السرمدي ورضوان الله تعالى، فيا بشرى من اجتازه ونجا وياخسارة من زلت قدمه عن الصراط فهوى في جهنم وتردى، قال تعالى:( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا).
وأوضح الدكتور الحذيفي، أن الدنيا سريعة الزوال، سريعة الانقضاء، فما أسرع طَيَّها وانتهاءها، فقد خلقها الله سبحانه وتعالى لأجلٍ محدود، وجعلها دار عمل، ثم يُجازى العبد على أعماله، مبينًا أن هذه الحياة الدنيا، من أولها إلى آخرها، ليست إلا كساعةٍ مقارنةً بأبدية الآخرة، فهي زائلة فانية، كما قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).
وأشار فضيلته، إلى أن الأمم السابقة من عادٍ وثمود، وقومِ إبراهيم، وقومِ لوط، وأصحابِ مدين، والقرون الخالية وغيرهم، ممن أجروا الأنهار وغرسوا الأشجار وتمتعوا بأطيب الثمار وملكوا البحار، ونالوا كل ما أرادوا من الملذات والشهوات، قد قدموا على ربهم بأسوأ الأعمال وشر الآجال ولم ينجُ من الهلاك والعذاب في الدنيا والآخرة إلا من عدل وآمن بالله ذي العزة والجلال، مبينًا أن ساعة الكرب -الذي لا يشبهه كرب- واقفةٌ أمام الناس جميعًا، لا مفرّ منها لأحد، مستشهدًا بقوله تعالى في الجسر المنصوب على متن جهنم: (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا).
وأبان فضيلته، أن ساعة المرور على جسر جهنم كانت تملأ قلوب الصحابة -رضي الله عنهم- خوفًا ورعبًا، وتملأ قلوب من جاء بعدهم ممن سار على نهجهم خوفًا من العذاب، ورجاءً من الله تعالى أن يمروا على هذا الصراط إلى الجنة برحمة الله تعالى، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ـ: “ما يبكيك” قلت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: “أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدًا، عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجوز” رواه أبو داوود.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي الخطبة موصيًا المسلمين بالمسارعة إلى الخيرات، والاجتهاد في الأعمال الصالحة، ومجانبة المحرمات، والحذر من الذنوب والمعاصي.