شاطئ فم الواد.. وجهة ساكنة العيون لمواجهة حر الصيف
تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT
زنقة 20 | علي التومي
يشهد شاطئ فم الواد، المتنفس البحري الوحيد لساكنة مدينة العيون، تحولا لافتا في بنيته التحتية وخدماته، جعله من بين أبرز الوجهات الصيفية جنوب المملكة، خاصة خلال عطلة عيد الأضحى المبارك، حيث استقبل أعدادًا كبيرة من الزوار الفارين من حر الصيف نحو نسيم البحر.
وقد حظي الشاطئ بإشادة واسعة من طرف الساكنة المحلية ومرتاديه، بفضل الجهود المتواصلة التي تبذلها جماعة فم الواد، والتي ساهمت في تأهيل الشاطئ وتجويد مرافقه، من خلال توفير الإنارة الليلية الحديثة، وملاعب القرب، وتوسعة المساحات الرملية، إلى جانب حملات نظافة مستمرة تضمن بيئة شاطئية نظيفة وآمنة.
ومن أبرز معالم التحول الإيجابي، الحضور الأمني المكثف لعناصر الدرك الملكي عبر دوريات منتظمة ليلية ونهارية، إلى جانب عناصر الوقاية المدنية التي تواكب المصطافين لضمان سلامتهم.
كما يحظى كورنيش الشاطىء بكاميرات مراقبة لضمان الأمن والطمأنينة، وهو ما منح الشاطئ إشعاعا جديدًا وجعله وجهة مفضلة لقضاء العطل دون الحاجة للتنقل نحو مدن الشمال.
ولم يكن هذا التطور وليد اللحظة، فشاطئ فم الواد سبق أن حاز عدة جوائز بعلامة اللواء الأزرق، بفضل إحترامه للمعايير البيئية والجودة والسلامة، مما يعزز موقعه ضمن الشواطئ النموذجية وطنيا.
إلى ذلك بات شاطئ فم الواد، اليوم، عنوانا للأمن والراحة وجودة الفضاءات العامة، ونموذجًا حقيقيًا لإستثمار المؤهلات الساحلية لخدمة الساكنة وتعزيز السياحة المحلية في عاصمة الأقاليم الجنوبية للمملكة.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: فم الواد
إقرأ أيضاً:
على شاطئ مصيرة نبعت الفكرة
د. صالح بن ناصر القاسمي
تهتمّ الأمم بمواردها البشرية اهتمامًا بالغًا، إيمانًا منها بأن بقاءها واستمرار نهضتها مرهون بمدى وعي كوادرها، وإدراكهم لمسؤولياتهم الجسيمة تجاه أوطانهم. فالشباب هم أمل المستقبل، وسواعد الحاضر، والعين التي تحرس، والقلم الذي يدوّن تاريخ الأمة، والسراج الذي ينير دربها نحو التقدم. ومن هذا المنطلق، تأتي الملتقيات الشبابية بوصفها منصاتٍ واعية تصنع الوعي، وتبني الإنسان، وتغرس في النفوس معنى الانتماء الحقيقي.
ولأن التجربة خير شاهد على صدق الفكرة، فقد كنتُ من المحظوظين حين سنحت لي الفرصة للانضمام إلى تلك الكوكبة الرائعة من الشباب، الذين جمعهم ذات المكان الذي تلقّوا فيه تعليمهم ودراستهم في المراحل المتقدمة بجمهورية مصر العربية. ارتضوا أن يجتمعوا تحت شعار: "مجموعة طلبة الدراسات العليا، الخريجين والدارسين في الجامعات المصرية"، وقد بلغ تعداد أعضائها حتى هذه اللحظة (186) عضوًا، يجمعهم الطموح، وتوحّدهم الرؤية، ويحرّكهم حب الوطن.
وقد كان الهدف الأسمى لهذا التجمع الشبابي هو خلق تواصلٍ مباشر بينهم، يُجسّد روح الأخوّة التي يتميّز بها مجتمعنا العُماني، ويسهم في إثراء الساحة الثقافية بكل ما هو جديد ومستنير. ولذلك، لم تكن تلك الملتقيات مجرّد تجمعات عابرة، بل مساحات للحوار، ومنصات للأفكار، وبيئات تُزهر فيها المبادرات.
ومن هذا الحرص النابع من الوعي والمسؤولية، بلغ عدد الملتقيات المنفّذة اثنين وعشرين ملتقى، كان آخرها الملتقى المنعقد في جزيرة مصيرة خلال الفترة من 4 إلى 6 ديسمبر 2025م. وقد عمل القائمون على هذا الملتقى كخلية نحل لا تكلّ ولا تمل، في سبيل الإعداد والتحضير والتجهيز لإنجاح هذه الفعالية. بدأت الخطوات باختيار مكان الانعقاد عبر فتح باب الترشيح للأعضاء، ثم إجراء التصويت، ليستقر الاختيار على جزيرة مصيرة، تلك البقعة الزرقاء الهادئة التي تتكئ على البحر وتحدّث السماء.
وشُكّلت لجنة من بين الأعضاء لوضع الفكرة موضع التنفيذ، بدءًا من تأمين النقل، والسكن، والمعيشة، والفعاليات المصاحبة للملتقى، كما جرى التنسيق مع عدد من الجهات لتوفير الدعم اللوجستي والمعنوي. وقد حظي الملتقى باهتمام وترحيب سعادة الشيخ عبد الله باعوين والي مصيرة، الذي تابع شخصيًا التحضيرات، ونسّق مع عدد من الجهات في الولاية لضمان نجاح هذه الفعالية الشبابية.
واستقبلت جزيرة مصيرة ذلك العدد من الشباب العُماني الطموح، المفعم بالحيوية، الساعي لتقديم كل ما يخدم مجتمعه وأمّته. وما إن تطأ قدماك أرض تلك الجزيرة حتى يأخذك سحر المكان؛ ذلك الأزرق الذي يؤلف مع فضاء السماء لوحةً تبعث في النفس التأمل، وتفتح في القلب أبواب التدبّر في عظمة الخالق جلّت قدرته.
وتمتلك جزيرة مصيرة من المقومات السياحية الطبيعية ما وهبها الله من فضله؛ شواطئ تعانق الصخور والرمال، وتأسر القلوب، وتبعث الراحة والطمأنينة في النفوس، وتستنهض في الإنسان طاقة العطاء والإبداع. هذا فضلًا عن طبيعة أهلها، ونقاء قلوبهم، وكرم عطائهم، وحسن أخلاقهم، الذين يرحّبون بالضيف قبل أن ينطق، ويمنحونك شعور الانتماء قبل أن تطلبه.
وأنت تتجوّل على شواطئ تلك الجزيرة الخلابة، يستوقفك ذلك المعلم السياحي البحري المعروف بـ"بدن الخمام"، ذلك المركب الذي يحكي جزءًا أصيلًا من التاريخ البحري العُماني. وحين تقف بالقرب منه، يأخذك الخيال إلى تلك الحقبة الزمنية الرائعة من جلد الإنسان العُماني، الذي غامر بحياته في البحار والمحيطات، ليبلغ أبعد الجغرافيات، طلبًا للرزق، وسعيًا لكرامة العيش، وحاملًا معه ثقافة وطنه ليعود بثقافات الشعوب الأخرى، فيضيف إلى مخزونه المعرفي بعدًا إنسانيًا فريدًا. ولعل هذا المعلم يستحق من الجهات المعنية بالتراث مزيدًا من العناية، وأن يُدوَّن تاريخه بمداد الفخر، فلا يبقى حبيس الجهد الفردي، وهو في حقيقته جزء من تاريخ وطن.
ولا يقف الإبداع عند حدود البحر، فبين ربوع الجزيرة أيضًا يستوقفك بئر الماء العذب، رغم قربه من ساحل البحر. ذلك البئر لم يكن مجرد مصدر للماء، بل كان رمزًا للحياة، وموردًا رئيسًا للسفن العابرة، ومصدرًا مهمًا لمُلاّك الإبل والماشية. إن رمزية هذا البئر في وجدان أبناء مصيرة كبيرة، ويستحق عناية تحفظ له قيمته الطبيعية والتاريخية، ليبقى شاهدًا على حقبة مليئة بالإنجازات الإنسانية.
ولسنا هنا بصدد تعداد المعالم السياحية بقدر ما نُسلّط الضوء على أهمية ومكانة جزيرة مصيرة السياحية والاقتصادية. ومن وجهة نظرنا، فإن من أهم المشاريع الاستراتيجية التي ينبغي الإسراع في تنفيذها: إنشاء الجسر الرابط بين منطقة شنة وجزيرة مصيرة، وإنشاء مطار بمواصفات عالمية، وإقامة ميناء بحري متكامل. عندها فقط، ستتحول مصيرة إلى رافدٍ رئيسٍ في الاقتصاد السياحي والاستثماري العُماني.
وحين نسمع أن جزيرة مصيرة مهيّأة لتكون من أفضل المواقع عالميًا لممارسة رياضة التزلج على المياه، لكنها تفتقر فقط إلى الإرادة التي تدفع بهذه الأفكار إلى أرض الواقع، فإننا نقف عاجزين أمام تساؤل مؤلم: لماذا تتأخر المشاريع حين تكون كل المقومات حاضرة؟
كما إن الثروة السمكية التي تزخر بها الجزيرة كفيلة بتغطية السوق المحلي، والتصدير إلى الأسواق العالمية، إذا ما أُنشئت الشركات والمصانع وفق رؤى استثمارية مدروسة، ستسهم في توظيف مئات الشباب العُماني. نحن لا نحتاج إلا إلى الإخلاص في التخطيط، والصدق في التنفيذ، لنخدم هذا الوطن الغالي كما يستحق.
وقد شكّل انعقاد الملتقى الثاني والعشرين فرصة ثمينة للتعرّف على هذه الجزيرة عن قرب، والوقوف على مقوماتها على أرض الواقع. وكان من أجمل ما شهدناه ذلك التفاعل الواسع من أبناء الجزيرة، صغارًا وكبارًا، وفي مقدمتهم سعادة الشيخ الوالي، وممثلو الجهات الرسمية، وإدارة نادي مصيرة الرياضي الثقافي.
ومن هنا، فإننا نؤكد أن على الجهات الحكومية أن تُدرك أن للملتقيات الشبابية دورًا بالغ الأهمية، فهي رافد من روافد التطور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وتستحق الدعم المادي والمعنوي والإعلامي، وإبراز جهودها لتكون نموذجًا يحتذى به لدى الناشئة.
وهكذا، لم يكن الملتقى مجرد محطة عابرة في سجل الأيام، بل نافذة أمل، ورسالة وعي، ودليلًا حيًّا على أن الشباب حين يجتمعون على الفكرة الصادقة، يصنعون أثرًا يتجاوز حدود المكان والزمان. في جزيرة مصيرة، لم نلتقِ فقط على شاطئ البحر، بل التقينا على شاطئ الحلم، آمنّا فيه أن الوطن يكبر بسواعد أبنائه، ويزهر حين تؤمن به قلوبهم قبل أفعالهم. ستغادر الأقدام المكان، لكن الفكرة ستبقى، وسيبقى في الذاكرة صوت الموج شاهدًا على أن هنا اجتمع شبابٌ أحبّوا الوطن بصدق، ووعدوه أن يبقى في القلب أولًا، وفي العمل دائمًا.