دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في أعماق الأدغال وسط لاوس، يمتدّ مسار خرساني متشقّق بطول 1.4 كيلومتر عبر الأشجار.

يقع مهبط الطائرات هذا بلا مطار في قرية لم يتسنّ للكثير من سكانها ركوب طائرة قط.

لكن خلف برج المراقبة المتداعي ومدرج الطائرات المليء بالحفر الناجمة عن القنابل، يكمن فصل خفي من تاريخ الحرب الباردة الأمريكية، وهو موقع عُرف يومًا بكونه "المكان الأكثر سرية على وجه الأرض".

تقع قرية "لونغ تينغ" وسط لاوس، على بُعد حوالي 129 كيلومترًا شمال شرق العاصمة، فيينتيان. 

لكنها أصبحت اليوم مستوطنةً هادئةً يسكنها بضعة آلاف من الأفراد الذين يعتمدون على الزراعة لكسب عيشهم.

يمرّ السكان بدراجاتهم أمام برج المراقبة السابق على مدرج الطائرات في قرية "لونغ تينغ" بلاوس. Credit: Isaac Yee/CNN

في قلب القرية، يقع مهبط الطائرات الذي أصبح الآن بمثابة مركزٍ اجتماعيٍّ في الهواء الطلق، حيث يركب الأطفال الدراجات، ويرعى المزارعون الماشية، ويتنزه القرويون المسنون في الصباح الباكر قبل أن تجتاح الحرارة الشديدة الوادي.

لكن قبل 50 عامًا، كان المشهد مختلفًا تمامًا.

لعبت لاوس دورًا محوريًا في حرب الولايات المتحدة لوقف انتشار الشيوعية في جنوب شرق آسيا خلال الفترة بين ستينيات القرن الماضي وأوائل السبعينيات.

كان مدرَّج "لونغ تينغ" شديد الازدحام في الماضي، ولكن يخيم عليه الصمت اليوم. Credit: Isaac Yee/CNN

كانت قرية "لونغ تينغ" المقر السري لجيش "همونغ" المناهض للشيوعية، والمدعوم من الولايات المتحدة. وكان قد قاتل قوات "باثيت لاو" الشيوعية المدعومة من جيش فيتنام الشمالية.

في ذروة ازدهارها، اتخذ عشرات الآلاف من الأشخاص هذا المكان موطنًا لهم، ومنهم جنود "همونغ" وعائلاتهم، بالإضافة إلى لاجئين من مناطق أخرى من لاوس، وجنود تايلانديين، ووِحدة صغيرة من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وطيارين سريين من سلاح الجو الأمريكي، أُطلق عليهم اسم "رافينز" (Ravens). 

صورة لأفراد فِرقة "رافين" أمام طائرة "T-28" عام 1970 في "لونغ تينغ".Credit: Manfred Antes/National Museum of the US Airforce

شكّل هذا المكان جوهر أكبر عملية شبه عسكرية نفذتها وكالة الاستخبارات الأمريكية على الإطلاق.

في مرحلةٍ ما، كان هذا المهبط الصغير يستقبل 900 عملية إقلاع وهبوط يوميًا، ما جعله أحد أكثر المطارات ازدحامًا في العالم.

رُغم حجم القاعدة، إلا أنّها كانت سرية للغاية لدرجة أن بعض المشاركين بالحرب في مواقع أخرى لم يكونوا على عِلم بوجودها، كما قال بول كارتر، المتخصص في حرب لاوس السرية والمقيم في جنوب شرق آسيا.

وشرح كارتر لـ CNN: "كانت الحرب في لاوس مُقسّمة للغاية.. كنت أعرف أشخاصًا شاركوا في تلك الحرب لم يعلموا حتّى بوجود لونغ تينغ حتى أواخر الستينيات عندما بدأوا في السماح للصحفيين بالدخول إليها".

كجزء من هذه الحرب السرية، شنّت الولايات المتحدة حملة قصف وحشية تزامنت مع عملياتها العسكرية الأوسع في فيتنام. 

وبما أنّ الاتفاقيات الدولية حظّرت التدخل العسكري المباشر في لاوس، وقع الجهد بالكامل تقريبًا على عاتق وكالة الاستخبارات الأمريكية.

رحلة إلى "لونغ تينغ" شاحنة عسكرية مهجورة تقف في ساحة منزل الجنرال فانغ باو. Credit: Isaac Yee/CNN

بعد مرور خمسين عامًا من سقوط "لونغ تينغ" في عام 1975، انطلق الكاتب، أيساك يي، لاستكشاف بقايا الوجود الأمريكي في المنطقة.

انجذب يي إلى هذه المنطقة بعد قراءة كتاب "مكان رائع لخوض حرب" (A Great Place to Have a War) من تأليف جوشوا كورلانتزيك. 

وأوضح: "سحبني الكتاب إلى عالمٍ لم أعرفه من قبل، أي ساحة معركة خفية من الحرب الباردة على هامش حرب فيتنام".

بعد فترةٍ وجيزة، وجد يي نفسه في فيينتيان برفقة صديق جامعي قديم كان قد أقنعه بخوض مغامرة معه، والسيد باو، السائق الوحيد الذي وجده بسيارة مناسبة للرحلة.

تنظم عدّة شركات سياحية رحلات إلى هذه المنطقة، لكن عدد السياح الذين يزورون "لونغ تينغ" لا يزال ضئيلاً مقارنةً بالوجهات السياحية الرئيسية في لاوس مثل لوانغ برابانغ، وفانغ فيينغ.

قال كريس كوربيت، صاحب شركة "Laos Adv Tours and Rentals"، لـ CNN إنّ شركته تُنظم حوالي 10 جولات بالدراجات النارية سنويًا إلى الموقع، وتنقل ما مجموعه حوالي 40 شخصًا إلى القرية. 

يأتي ضيوفه بشكل رئيسي من الولايات المتحدة، وأستراليا، وأوروبا.

لا تزال القرية معزولة إلى حد كبير عن بقية البلاد. ورغم أنّها تبعد 129 كيلومترًا تقريبًا فقط عن فيينتيان، إلا أن الرحلة إليها تستغرق أكثر من ثماني ساعات.

عند الوصول إلى القرية بحلول غروب الشمس، أوضح يي أنّها لا تبدو وكأنّ 30 ألف شخص عاشوا فيها سابقًا.

الطيارون الذين عاشوا في "لونغ تينغ"

كانت فرقة "رافينز" السرية من بين الذين عملوا انطلاقًا من "لونغ تينغ" خلال الحرب، وكانت عبارة عن مجموعة من طياري القوات الجوية في الخدمة الفعلية، تطوعوا للخدمة في لاوس. 

كان دورهم الرئيسي العمل كمراقبين جويين متقدمين، حيث كانوا يحلقون على ارتفاع منخفض خلف خطوط العدو لتحديد أهداف قاذفات القوات الجوية الأمريكية.

لم تكن هذه المجموعة وحدها التي حلقت في سماء لاوس، إذ عمل طيارو "Air America"، وهي شركة طيران سرية مملوكة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في "لونغ تينغ" أيضًا.

تولّت الشركة نقل إمدادات حيوية إلى القاعدة، ونفّذت مهام بحث وإنقاذ لاستعادة الطيارين الذين سقطت طائراتهم وراء خطوط العدو.

صرّح نيل هانسن، الذي عمل كطيار متمركز في لاوس خلال جزء من الحرب، لـ CNN: "كنت أهبط هناك كل يومين تقريبًا".

مقر قيادة الجنرال فانغ باو المشهد من منزل الجنرال فانغ باو.Credit: Isaac Yee/CNN

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: لاوس أسلحة الحرب الباردة الولایات المتحدة فی لاوس

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يتهم قوات خليفة حفتر بمهاجمة مواقع حدودية

اتهم الجيش السوداني قوات تابعة لخليفة بمهاجمة مواقع حدودية سودانية ومساندة الدعم السريع اليوم الثلاثاء.

وقال الجيش في بيان "هاجمت اليوم مليشيا آل دقلو الإرهابية مسنودة بقوات خليفة حفتر الليبية ( كتيبة السلفية) نقاطنا الحدودية في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا بغرض الاستيلاء على المنطقة"، والتي تقع إلى الشمال من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إحدى أهم خطوط المواجهة في الحرب.

وأضاف الجيش السوداني في بيانه "سندافع عن بلدنا وسيادتنا الوطنية وسننتصر مهما بلغ حجم التآمر والعدوان المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة ومليشياتها بالمنطقة".

وتعد هذه المرة الأولى التي يتهم فيها الجيش السوداني قوات اللواء خليفة حفتر بالضلوع المباشر في الحرب الدائرة منذ عامين بينه وبين قوات الدعم السريع شبه العسكرية.

ومطلع العام الجاري، قال ياسر العطا، عضو مجلس السيادة ومساعد قائد الجيش السوداني، إن 25 بالمئة من قوات الدعم السريع هم من ليبياتحت قيادة خليفة حفتر، والمرتزقة من التشاد، وبعض الإثيوبيين، وأفراد من كولومبيا وأفريقيا الوسطى، وبقايا فاغنر، ومقاتلين من سوريا، بينما 65 بالمئة من القوة المتبقية من أبناء جنوب السودان، للأسف، في حين أن 5% فقط هم من الجنجويد الأصليين كقادة لبعض المجموعات.

وأشار العطا من مدينة بوط بولاية النيل الأزرق إلى أنهم تحدثوا مع المسؤولين في جنوب السودان خلال سنتين من الحرب حول هذا الموضوع، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء، حتى على مستوى الإعلام، لتجريم مثل هذه الأفعال.

وأضاف أنه كان بالإمكان القول في الإعلام إن جنوب السودان يشن حربا ضدهم.



وفي وقت سابق، أكد رئيس جيش تحرير السودان، مني اركومناوي، أن الدعم الأجنبي يتواصل عبر محور ليبيا، ويدخل تعزيزات جديدة بقوة قوامها 400 آلية عسكرية متنوعة عن طريق ليبيا إلى دارفور الآن، حسب قوله.

وسبق أن تحدثت تقارير أن  كتيبة طارق بن زياد التابعة لصدام حفتر قد توجهت مؤخراً نحو “معطن السارة”؛ لتأمين المنطقة، وحماية الطرق المؤدية إلى السودان، بما في ذلك إمدادات الأسلحة والوقود التي تنطلق من ميناء طبرق وتصل إلى السودان.

وشهدت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي اتهمها الجيش أيضا بالضلوع في الهجوم، تدخل العديد من الدول بينما لم تنجح المحاولات الدولية بعد في إحلال السلام.

وفي بداية الحرب اتهم السودان حفتر بمساندة قوات الدعم السريع عبر مدها بالأسلحة، واتهم الإمارات، حليفة قائد قوات شرق ليبيا، بدعمها أيضا، عبر وسائل منها غارات جوية مباشرة بطائرات مسيرة الشهر الماضي. وتنفي الإمارات تلك المزاعم.

مقالات مشابهة

  • لاوس.. طبيعة خلابة وكنوز معمارية رائعة
  • زعيم إطاري إيراني الأصل يهدد “إعلاميا” ضرب السفارة الأمريكية ومصالحها في العراق
  • مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية: العالم على حافة إبادة نووية بسبب سياسات النخب الحربية
  • أول فصيل عراقي يدخل على خط الحرب الإيرانية - الأمريكية
  • إيران تهدد باستهداف جميع القواعد الأمريكية في حال فرض الحرب عليها
  • الأردن يُدين قصف محيط المستشفى الميداني جنوب غزة.. وإصابة ممرض أردني
  • ضحايا جدد لمخلفات الحرب في سوريا.. مصرع اثنين إثر انفجارات ألغام
  • السمرية تسجل أول ظهور آسيوي في تصفيات جنوب آسيا للسلة
  • الجيش السوداني يتهم قوات خليفة حفتر بمهاجمة مواقع حدودية