عربي21:
2025-06-12@22:56:12 GMT

دموع تماسيح الليبرالية المُحتضَرة

تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT

انتظر زعماء الحكومات الليبرالية الغربية ـ ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا ـ انقضاء سنة ونصف السنة من حرب الإبادة التي يقترفها الجيش الصهيوني إزاء شعب غزة الشهيد، حتى بدأوا، وبخجل ملحوظ، إعلان بعض الاحتجاج على مغالاة دولة إسرائيل في ارتكاب المجزرة الآثمة. بيد أنهم لم يفلحوا بسلوكهم هذا سوى بتسليط مزيد من الأضواء على صمتهم السابق الشبيه بصمت المقابر، بل على تواطؤهم الصريح مع الحكم الصهيوني، عندما وقفوا جميعاً مع إدارة بايدن ليس في تبريرها إعادة غزو ذاك الحكم لقطاع غزة وحسب، بل في تصدّيها لأي دعوة لوقف «إطلاق النار»، أي وقف الإبادة في هذه الحال.



استمرّ ذلك طوال أشهر عدّة، إلى أن بدأت الحشمة تتملّكهم من هذا الموقف المُشين في وجه سخط شعبي على المجزرة لم تتوقف رقعته عن التوسّع مع مرور الزمن وتزايد رقم ضحايا آلة القتل الإسرائيلية. وحتى في ذلك الحين، لم يتميّز موقفهم عن موقف إدارة بايدن في الامتناع عن نقد حكومة بنيامين نتنياهو علناً وعن ممارسة أي ضغط فعلي عليها، بل في القبول بشتى الحجج التي ساقتها تلك الحكومة كي تبرّر مواصلتها للإبادة، إلى أن اضطرّوا للتمايز عن الإدارة الأمريكية الجديدة، إدارة ترامب، عندما اتضح لهم أنها أكثر تواطؤاً بعد مع نتنياهو مما كانت سالفتها.

إن هذا المشهد المثير للاشمئزاز هو أحد أسطع التعبيرات، إن لم يكن أسطعها على الإطلاق، عمّا سبق أن أسميته قبل عشرة أشهر «سقوط الليبرالية الأطلسية» (أنظر «مناهضة الفاشية وسقوط الليبرالية الأطلسية»، القدس العربي، 13/8/2024). والحال أن حرب الإبادة التي تخوضها الدولة الصهيونية فاقت في الوحشية والسادية كل ما عهدناه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ذلك أن هاتين الوحشية والسادية ليستا من الصنف الذي مارسته جماعات مسعورة في بلدان «متخلّفة»، على غرار الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا والكونغو قبل نهاية القرن الماضي أو التي شهدتها دارفور في مطلع القرن الجديد أو التي ارتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق قبل حوالي عشر سنوات، ولا من الصنف الذي مارسته حكومات مصنّفة في خانة «الهمجية» على غرار القوات المسلّحة في بنغلاديش أو حكومة «الخمير الحمر» في كمبوديا في سبعينيات القرن المنصرم، بل وحشية وسادية تمارسهما حكومة دولة متقدّمة صناعياً تنتمي إلى نادي الأغنياء العالمي، الذي يدّعي تمثيل «الحضارة» في وجه الهمجية مثلما لا يني نتنياهو يؤكد في الخطب التي يوجّهها إلى الرأي العام الغربي، واصفاً الحرب التي يقودها.
ثمة فرق عظيم الشأن بين كافة حروب الإبادة سابقة الذكر وحرب الإبادة التي تخوضها الدولة الصهيونية في قطاع غزة،
أي أننا بصدد إحدى حالات الإبادة الجماعية المقترَفة باسم «الحضارة»، والتي عرف التاريخ العديد منها سواء أتمّت باسم الحضارة بالمطلق أو الحضارة الغربية أو «الآريّة»، على غرار الإبادة التي اقترفها الاستعمار البلجيكي في الكونغو في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أو تلك التي اقترفتها الإمبراطورية الألمانية في ناميبيا أو تلك التي ارتكبها حكم «تركيا الفتاة» إزاء الأرمن وسواهم من الأقليات في مطلع القرن ذاته، أو التي اقترفتها ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

بل ثمة فرق عظيم الشأن بين كافة حروب الإبادة سابقة الذكر وحرب الإبادة التي تخوضها الدولة الصهيونية في قطاع غزة، ألا وهو أن هذه الأخيرة متلفزة على مرأى من العالم أجمع. فحيث كان النازيون يخفون الإبادة الجماعية التي ارتكبوها إزاء اليهود وسواهم من الأقليات خلف سياجات معسكرات الإبادة، وذلك لتضاربها مع مزاعمهم الحضارية (خلافاً لشتى حالات الإبادة الجماعية التي رافقت غزوهم لبولندا ومن ثم لروسيا والتي لفّها وأخفاها ضباب الحرب) نجد الحكم الصهيوني يواصل اليوم إبادته الجماعية للغزّاويين وهو يعلم أنها مكشوفة أمام أعين العالم.

صحيح أن الجيش الصهيوني تعمّد قتل عدد قياسي من الصحافيين داخل القطاع، لكنّه يعلم تمام العلم أن ما من شيء يستطيع ستر وحشية قواته المسلّحة وساديتها، التي يشهد عليهما بصورة مقزّزة اصطيادها اليومي الراهن لعشرات الغزّاويين المنكوبين الذين يلهثون وراء المساعدات الشحيحة التي تتكرّم حكومة نتنياهو وحليفها الأمريكي بتقطيرها عليهم. بل رأينا الجنود الإسرائيليين أنفسهم يساهمون في ترويج صور الممارسات السادية التي يرتكبونها افتخاراً بها في معظم الحالات، وليس من باب الكشف عنها لإدانتها.

فإن حرب الإبادة الصهيونية في غزة وتواطؤ الحكومات الليبرالية الغربية معها، اللذين ساهما مساهمة جبّارة في حفز صعود النيوفاشية على الصعيد العالمي، وصولاً إلى سيادتها على رأس أعظم القوى العظمى العالمية، تلك القوة العظمى التي طالما زعمت تمثيل الإرث الحضاري الليبرالي الأطلسي الناجم عن مناهضة الفاشية في الحرب العالمية الثانية، إن الحرب والتواطؤ المذكورين إنما أنجزا قبل ذلك، وفي السبيل إليه، سقوط الإرث الليبرالي الأطلسي المنافق أصلاً بحيث أفقداه أي مصداقية كانت لا تزال لاصقة به وحفّزا بالتالي غلبة نقيضه النيوفاشي.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة غزة الاحتلال المجتمع الدولي المجازر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة اقتصاد صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة الإبادة التی

إقرأ أيضاً:

نقل 70 حيوانا من وحيد القرن من جنوب أفريقيا إلى رواندا

في عملية وصفت بأنه الأكبر من نوعها في التاريخ، تم نقل 70 حيوانا من وحيد القرن الأبيض، من جنوب أفريقيا إلى رواندا، بهدف إعادة التوطين البيئي بين الدولتين، في رحلة تجاوزت 3400 كيلومتر.

وفي إطار المبادرة التي تهدف لإعادة توطين الحياة البرية، والمحافظة على وحيد القرن الأبيض الجنوبي الذي بات مهدّدا بالانقراض، تمت عملية النقل عبر مرحلتين، إحداهما في طائرة بوينغ-747 حيث أوصلت 35 من القطيع إلى مطار كيغالي الدولي، والأخرى كانت عن طريق البرّ عبر شاحنات خُصصت لذات الغرض.

70 southern white rhino completed a 3,400 km journey from South Africa to Rwanda’s Akagera National Park. The translocation was complex and was completed in two phases, each comprising 35 rhino, spaced three days apart. pic.twitter.com/dv3fLFpl03

— Akagera National Park (@AkageraPark) June 10, 2025

ووفقا لمجلس تنمية رواندا، فإن أعداد حيوان وحيد القرن -التي سيتمّ توطينها- نقلت من محمية مونيانا في جنوب أفريقيا إلى منتزه أكاجيرا الوطني في رواندا، المصنّف بأنه أكبر الأماكن الرطبة المحمية وسط قارة أفريقيا.

توفير الأمان

وقال مجلس التنمية في رواندا إن الهدف من هذه العملية هو إعادة توطين أكثر من ألفين، من سلالة وحيد القرن الأبيض الجنوبي، إلى مناطق محمية وآمنة ومدارة جيدا في جميع أنحاء القارة.

إعلان

وكان وحيد القرن الأبيض يوجد بكثرة في أفريقيا، لكنّ أعداده تراجعت الفترات الأخيرة بسبب الصيد الجائر، والإهمال من طرف المسؤولين عن حماية الطبيعة والحياة البرية.

ووفقا للمؤسسة الدولية لوحيد القرن، فقد ارتفع الصيد الجائر لهذا الحيوان في أفريقيا بنسبة 4% من عام 2022 إلى 2023، حيث قتل ما لا يقل عن 586 رأسا عام 2023.

ويشكّل وحيد القرن الأبيض الجنوبي إحدى سلالتين فرعيتين من وحيد القرن الأبيض، وهو مهدّد بالانقراض، إذ لم يبق منه على قيد الحياة سوى 17 ألفا، وفقا لبيانات الصندوق العالمي للطبيعة.

ويعتبر اتحاد الطبيعة العالمي أن وحيد القرن الأبيض الشمالي سلالة باتت شبه مهدّدة، ويعتبر الجزء الجنوبي من القارة الأفريقية موطنا طبيعيا لها.

مقالات مشابهة

  • “المجاهدين الفلسطينية”: عملية “حرميش” رد شعبي طبيعي على جريمة الإبادة الصهيونية
  • الإعلام الدولي والحرب على غزة.. مؤتمر علمي للجزيرة للدراسات وجامعة حمد
  • حماس : قطع الإتصالات بغزة خطوة عدوانية في سياق حرب الإبادة الجماعية
  • أبرز المقابر الجماعية المكتشفة في المحافظات السورية
  • بيرو تلاحق جنديا إسرائيليا بقضية الإبادة الجماعية في غزة
  • نقل 70 حيوانا من وحيد القرن من جنوب أفريقيا إلى رواندا
  • دموع على عتبات المساجد والمنازل.. حوادث تروّع العالم من العراق إلى فرنسا
  • وسط كارثة صحية.. مناطق توزيع المساعدات بغزة “فخاخ” إسرائيلية للإبادة الجماعية
  • خلال لقائه رئيس مجلس الشورى في دولة قطر: رئيس البرلمان العربي يشيد بالجهود التي يقوم بها أمير دولة قطر لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني