رحيل الزهرة البرية.. الأديب التونسي حسونة المصباحي
تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT
"أعيدوني إلى بيتي، عندي رواية علي أن أنهيها". هكذا صاح حسونة المصباحي في المستشفى العسكري قبل شهرين. عاد إلى بيته الذي سماه "الزهرة البرية"، أنهى روايته ومات. أملاها على ابن أخيه محمد نبيه، ومات. سمع أنها نشرت بالعنوان الذي اختاره: "يوم موت سالمة"، وستوزع بعد العيد، فابتسم ومات.
لا شيء يمكن أن يلخص الأديب حسونة المصباحي أكثر من هذه الحركات الأخيرة في شهوره الأخيرة على هذه الأرض.
عنيد هو، كما عهده القراء والمشهد الثقافي العربي، ومتعلق بالكتابة إلى آخر لحظة من حياته، حرفيا. لم يكن حريصا على شيء كحرصه على تراثه الفكري، لذلك طلب من ابن أخيه أن يسجل له فيديو صريحا يكلفه فيه بالعناية بمنجزه الفكري، صحبة ابن أخيه الآخر غسان المصباحي، الذي يعيش في الولايات المتحدة.
وترك وصية بالصوت والصورة لعائلته، يطلب فيها أن يدفن أمام بيته في قرية الذهيبات، بيته الذي عمل على أن يكون إقامة للكتاب والفنانين وسماه "الزهرة البرية". ولم ينس أن يوصي عائلته أن يكتبوا على شاهد قبره هذه الأبيات لأبي العلاء المعري:
علّلاني فإنّ بِيضَ الأماني
فَنِيَتْ والظّلامُ ليسَ بِفاني
إن تَنَاسَيْتُما وِدادَ أُناسٍ
فاجعَلاني مِن بعضِ مَن تَذكُرانِ
لقد غامر حسونة المصباحي بحياته مرات عدة، مرة عندما لوح بنفسه خارج تونس بعد أن استقال من وظيفته مدرسا للفرنسية وتوجه شرقا نحو العراق، ثم واصل رحلته إلى أوروبا واستقر في ألمانيا، ومرة عندما قرر بعد عشرات السنين أن يعود إلى تونس ويترك أوروبا التي كان يحلم بها التونسيون، ومرة عندما هجر مدن تونس وتوجه إلى قريته التي أتى منها أول مرة.
إعلانهذه الحلقة الدائرية تلخص رحلة الأديب الحياتية والأدبية، فحيث صاحت أمه في رواية "هلوسات ترشيش": "هنا ولدتك"، قرر أن يدفن. ظل حسونة مفكرا في أسطورته الشخصية التي بناها حتى وهو يحتضر. لقد مات وهو يكتب، كما مات المطرب علي الرياحي وهو يغني. سقط على ركح الكتابة حاملا قلمه، لكنه كان منتصرا، فقد أنهى روايته رغم المرض وآلامه.
كان حسونة المصباحي جريئا في مواقفه، خاصة تجاه الأيديولوجيا، عندما خرج عن اليسار السياسي وكفر بمشروعه، وظل منتميا لليسار الثقافي العالمي، منتقدا إياه متى وجب النقد، مثلما كان يفعل مع الإسلام السياسي والتيار القومي. ظل يغامر بالكتابة في أنساق وأنواع مختلفة، فيتداخل فيه الصحفي الثقافي بالروائي، بكاتب السير، بالمحاور، بالقارئ، بكاتب الأعمال الفكرية، بكاتب اليوميات، وكاتب السيناريو، والقصة القصيرة، والشعر. لم يترك نوعا من الكتابة إلا وخاض فيه، بين التخييل واللاتخييل، مؤمنا بأن الكاتب أكبر من أن يختصر في ألقاب من قبيل روائي وقاص وشاعر وغيرها.
يشهد لحسونة المصباحي كل من قرأ له ومن عرفه بثقافته الواسعة التي راكمها عبر حياته وترحاله، فقد وهب حياته للكتابة. تزوج مرة واحدة بألمانية، ثم افترقا، ولم يتزوج بعدها، ولم ينجب إلا الكتب.
الترحال والهوية التونسيةعاش حسونة المصباحي رحالة من بلد إلى آخر، يلاحق تائهه، حتى عندما استقر في ألمانيا كان دائم السفر. وأكسبه ذلك السفر الدائم وتعرفه على الشعوب الأخرى وثقافاتها قناعة بأن الكاتب ابن بيئته، لذلك تدور معظم أعماله في تونس، وتنتصب الذاكرة أحد آليات التخييل عنده، كما تمثل الطفولة المعين الذي لا ينضب للكاتب، منذ قصصه الأولى حتى روايته الأخيرة.
لم يكن حسونة المصباحي يهتم بما يسمونه "الحبكة الروائية"، لذلك كان يكتب بكل حرية، فالرواية هي ما سيتشكل بين يديه عندما يروي. وساعده في ذلك اطلاعه الكبير على الأدب الغربي بتنوعه، فتبنى بعض أفكاره، ومنها الأدب المتحرر من القوانين والحبكات. وهذا ما وجده أيضا في فن اليوميات، فألف فيه 5 كتب، وهو بذلك الكاتب العربي الأكثر غزارة في هذا الفن النادر عربيا.
إعلاننقلت لنا أعماله الروائية الريف التونسي، وخاصة ريف القيروان، على امتداد نصف قرن، وشملت مواقفه من السياسة الداخلية والخارجية ومن القضايا العربية. كتب بكل جرأة عن تخوفاته من مصير الثورات العربية، والثورة التونسية تحديدا، وتوقع أن تفشل، لأن بها من العلامات والسمات ما سيجعلها تفشل كغيرها من الثورات، وأولها العنف الذي تحرك به الشعب التونسي، وحالة النفاق التي كانت مستشرية في الإعلام التونسي في التعاطي مع الانتفاضة. كما كتب ضد الرئيس قيس سعيد في كتابه "يوميات الكورونا" وانتقد سياسته.
دون في يومياته، منذ "يوميات ميونخ" إلى "يوميات الذهيبات"، موقفه من المشهد الثقافي التونسي، وكشف رداءة هذا المشهد والضغائن التي تتحرك فيه. ظل يكتب تدويناته على حسابه في فيسبوك ساخطا على المؤسسات الثقافية، وعلى الجوائز ولجانها، ومعارض الكتاب وبرامجها، منطلقا في ذلك من غيرته على الأدب الأصيل.
أنهى مشروعه في اليوميات في فترة علاجه الأولى بنشر يومياته في تركيا: "أيام في إسطنبول"، كما أنهى مشروعه الفكري بكتابه "أنوار جرمانية"، وأنهى حياته الروائية بروايته "يوم موت سالمة". وقد ترجمت أعماله إلى لغات عديدة منها الفرنسية والألمانية والإنجليزية، ويحتفي بها "ملتقى تورنتو الدولي لفن اليوميات" في أكتوبر القادم باعتباره رائدا في هذا الفن عربيا.
رحل حسونة المصباحي وترك لنا مكتبة ضخمة في قريته الذهيبات، تلك القرية التي عانت العطش منذ ولد حتى توفي، والتي كان يحلم أن تكون مزارا للكتاب والفنانين. فهل يتحقق حلمه؟ وهل ينجح ورثته في مواصلة مشروعه، خاصة أنه ذكرهم وهو يملي وصيته بما حصل للكاتب المغربي محمد شكري مع ورثته وتراثه الفكري؟
إعلانلكن بيته، الذي سماه "الزهرة البرية"، والذي جهزه وطلب أن يدفن أمامه، يجعل الأمل قائما في أن تعيش "الزهرة البرية" وتزهر، رغم العطش.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
صورة لغوريلا مرحة تفوز بمسابقة التصوير الكوميدي للحياة البرية
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أمضى المصور البريطاني مارك ميث-كوهن أربعة أيام في رحلة شاقة عبر جبال فيرونغا برواندا بحثًا عن الغوريلا، إلى أن أثمرت جهوده في نهاية المطاف.
هناك، التقى البريطاني بذكر غوريلا يافع كان متحمسًا لاستعراض مهاراته في الرقص، وهو أمر وثّقه ميث-كوهن بعدسته، وأكسبه ذلك الجائزة الكبرى في مسابقة التصوير الكوميدي للحياة البرية لعام 2025.
وفي بيان صحفي، أفاد ميث-كوهن عن صورته التي فازت أيضًا ضمن فئة الثدييات: "كان أحد الذكور الصغار حريصًا بشكلٍ خاص على استعراض مهاراته البهلوانية عبر الدوران، والشقلبة، ورفع ساقيه عاليًا. كانت مشاهدة أدائه ممتعة جدًا، وأنا سعيد جدًا لأنني تمكنت من التقاط روحه المرحة في هذه الصورة".
وقال المنظمون إنّها كانت سنة قياسية للمسابقة السنوية، إذ أنّها تلقت أكثر من 10 آلاف مشاركة من 109 دول.
وتم إعلان أسماء الفائزين في حفلٍ أقيم في مدينة لندن البريطانية مساء الثلاثاء.
قام الحكام بتقليص عدد المشاركات إلى 40 صورة، ومن ثمّ عُرضت تلك الصور على لجنة تحكيم اختارت الفائز بالجائزة الكبرى، بالإضافة إلى الفائزين في الفئات المختلفة.
تم تقييم المتأهلين للتصفيات النهائية في سبع فئات، شملت فئة الزواحف والحشرات والأسماك، بالإضافة إلى قسم للمصورين الشباب.
تضمنت المسابقة أيضًا جائزة "اختيار الجمهور"، مع فتح باب التصويت على موقع المسابقة الإلكتروني عبر الإنترنت حتى الأول من مارس/آذار.
كما تمت الإشادة بـ10 مشاركين آخرين.
و الفائزون في فئات المسابقة الأمريكي غرايسون بيل، البالغ من العمر 13 عامًا، الذي فاز بجائزة "نيكون" للمصورين الصغار (لمن تبلغ أعمارهم 16 عامًا وما دون).
وفاز بيل أيضًا في فئة الزواحف والبرمائيات والحشرات بفضل صورةٍ وثّقها لضفدعين يتصارعان في الماء.
وفازت باولا روستماير من ألمانيا بجائزة "نيكون" للفئة الشابة (للمصورين الذين يبلغون من العمر ما دون 25 عامًا) بفضل صورةٍ لثعالب مرحة.
وأفاد المدير العام الأول للتسويق في "نيكون أوروبا"، ستيفان ماير، في بيان صحفي: "يستخدم جميع الفائزين في فئات المسابقة الفرح والمهارة والخيال لتوثيق العالَم الطبيعي، وتُجسِّد صورة مارك الفائزة روح المرح التي تتميز بها الحياة البرية".