في لحظة فارقة من عمر الجغرافيا السياسية في الإقليم، تقف مصر أمام معادلة بالغة التعقيد والخطورة، تُجسد صراع الإرادات، وتعيد تعريف الأمن القومي العربي برمّته. فبين كماشة الجنوب، وتوترات الغرب، وضغوط الشرق، تبدو خريطة التهديدات وكأنها تتقاطع جميعها عند عتبة الحدود المصرية، في مشهد لم يعد يحتمل التبسيط أو التأجيل في التحليل أو المواجهة.

الحدود الجنوبية: الدعم السريع و"أشباح" الخارج

قوات الدعم السريع السودانية، المدعومة بعناصر غير سودانية، تتحرك على مقربة من الحدود الجنوبية لمصر. هذا التحرك لا يبدو عشوائيًا، بل يأتي في توقيت حساس، ويطرح تساؤلات خطيرة حول أهدافه، خصوصًا في ظل انهيار الدولة السودانية ودخول أطراف إقليمية ودولية على خط الحرب هناك.

فهل تسعى هذه القوات إلى اختبار جاهزية الرد المصري؟ أم أن هناك من يدفع الصراع جنوبًا لخلط الأوراق من جديد؟

الحدود الغربية: قوافل "غامضة" وممرات مهجورة

من ليبيا، وفي ظل الفوضى التي تعصف بالمنطقة منذ سنوات، تُرصد تحركات لقوافل بشرية خارجة من الجزائر، مرورًا بتونس وليبيا، باتجاه الحدود الغربية لمصر. وتشير معلومات متداولة إلى نوايا لإدخال هذه القوافل إلى الأراضي المصرية بهدف الوصول إلى قطاع غزة، ما يطرح علامات استفهام خطيرة حول التنسيق، والتمويل، والأهداف الحقيقية.

فهل نحن أمام سيناريو لإعادة رسم خرائط الهجرة واللجوء في المنطقة؟ أم أن هناك محاولات ممنهجة لإرهاق مصر من بواباتها الخلفية؟

الحدود الشرقية: غزة و"صفقة التهجير" الناعمة

في الشرق، تدفع إسرائيل بعشرات الآلاف من سكان غزة نحو معبر رفح، محاولةً خلق ضغط ديموغرافي هائل على سيناء، ضمن ما يشبه خطة تهجير قسري ناعمة. ورغم صمود غزة ومقاومتها، فإن الأوضاع الإنسانية المتدهورة قد تخلق ظروفًا قسرية تُجبر الآلاف على النزوح.

وهنا تطرح مصر تساؤلاتها السيادية الكبرى: هل يُراد لها أن تتحمل عبء تصفية القضية الفلسطينية على أرضها؟

جغرافيا العقاب ولعنة الموقع

لطالما كانت الجغرافيا سلاحًا ذا حدّين. فبالنسبة لمصر، كان الموقع نعمة ونقمة. من قناة السويس إلى البحر الأحمر، ومن سيناء إلى الحدود الطويلة مع ليبيا والسودان، تبدو البلاد وكأنها في مرمى نيران متقاطعة.

إن "لعنة الموقع"، كما يسميها بعض منظّري "الجيوبوليتيك"، تفرض على مصر تحديات لا يمكن التعامل معها بالأدوات التقليدية وحدها، بل تتطلب رؤية استراتيجية شاملة تستبق الأحداث وتُعيد تعريف مفهوم الردع والسيادة.

من يُشعل حدود مصر؟

السؤال الأهم الذي لا ينبغي تجاهله: من يُشعل حدود مصر في هذا التوقيت؟ من الذي يدفع بقوات غير نظامية من الجنوب، ويحرّك قوافل بشرية من الغرب، ويخلق ضغطًا ديموغرافيًا من الشرق؟ ومن المستفيد من إنهاك الدولة المصرية ومحاصرتها على كل الاتجاهات؟

إن تتبع خطوط الاتصال بين بعض العواصم الإقليمية والغربية يُظهر أن ما يجري ليس صدفة، بل هو جزء من صراع أكبر على النفوذ والمصالح، قد تكون مصر فيه الهدف أو الجائزة.

اللحظة الحاسمة: بين الصمود والمواجهة

إنها لحظة حاسمة، تتطلب من الدولة المصرية أعلى درجات الحذر واليقظة، وأقصى درجات التنسيق السياسي والعسكري، ليس فقط لحماية حدودها، بل للحفاظ على دورها الإقليمي، وهويتها الوطنية. كما أن هذه اللحظة تتطلب من النخب الفكرية والسياسية في الوطن العربي مراجعة المفهوم الغائب للأمن القومي، الذي تاه في دهاليز الانقسامات والحسابات الضيقة.

لم يعد الأمر مجرد تحركات على أطراف الخريطة، بل أصبح اختبارًا مصيريًا لوحدة الأرض والقرار والوعي.

[email protected]

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: ليبيا سيناء الجزائر تونس الدعم السريع حدود مصر صمود غزة والسودان

إقرأ أيضاً:

رئيس اتحاد المحامين العرب يدعم موقف الخارجية المصرية بشأن زيارة الحدود مع غـزة

أصدر  عبد الحليم علام نقيب المحامين رئيس اتحاد المحامين العرب، اليوم بياناً يدعم فيه موقف الخارجية المصرية بشأن زيارة المنطقة الحدودية مع غـزة، ويشيد فيه بكافة الجهود المبذولة لرفع الحصار عن قطاع غزة، وجاء نص البيان كالآتي:

أتابع عن كثب ما يتعلق بقافلة "الصمود" المتجهة إلى الحدود الغربية المصرية، وما يحيط بها من تفاعلات ومواقف.

وإذ أُثمن الموقف الرسمي للدولة المصرية، الذي عبّرت عنه وزارة الخارجية، والهادف إلى الالتزام بالضوابط التنظيمية المنظمة لتحركات الوفود، حرصًا على سلامتها وأمنها، وضمانًا لتوحيد الجهود المخلصة في دعم الشعب الفلسطيني الشقيق، ومنع افتعال أزمات قد تصرف الأنظار عن جوهر القضية، فإنني أؤكد أهمية الاصطفاف خلف هذا النهج المسؤول.

كما أُشيد بالمشاعر الصادقة والدوافع النبيلة التي تُحرّك جهود الدعم الشعبي لفلسطين، وأُؤكد في الوقت ذاته أن هذه المبادرات تحتاج إلى قدر عالٍ من التنسيق مع الجهات المعنية، لضمان تحقيق مقاصدها الإنسانية والوطنية، في إطار يحفظ مقتضيات السيادة المصرية، ويراعي اعتبارات الأمن القومي، ولا يفاقم من تعقيدات القضية الفلسطينية أو يُستغل في غير موضعه.

وأجدد التأكيد على الثوابت القومية التي أعلنتها الدولة المصرية بوضوح، وفي مقدمتها: الدعم الكامل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض كافة محاولات التهجير أو الانتقاص من حقوقه التاريخية، والتأكيد على إقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني.

كما أُناشد الجميع بضرورة وحدة الصف العربي، وتكامل المواقف الرسمية والشعبية، بروح من الحكمة والمسؤولية، في لحظة تاريخية تستدعي تضافر الجهود وتغليب المصلحة العليا للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب المركزية.

طباعة شارك المحامين العرب الحدود الغربية صمود

مقالات مشابهة

  • أونروا تشيد بمصر: لو فتحت الحدود لما كانت هناك قضية فلسطينية
  • هكذا ترحّل السلطات المصرية المتضامنين مع قافلة الصمود (شاهد)
  • ماذا قال نشطاء قافلة الصمود في طريقهم من ليبيا إلى الحدود المصرية؟
  • ناشطون يتوقعون مصير قافلة الصمود مع اقترابها من الحدود المصرية / فيديوهات
  • مغردون يناقشون مصير قافلة الصمود مع اقترابها من الحدود المصرية
  • رئيس اتحاد المحامين العرب يدعم موقف الخارجية المصرية بشأن زيارة الحدود مع غـزة
  • برلماني: 30 يونيو أنقذت الوطن.. ومخططات الإخوان لن تنجح بفضل وعي المصريين
  • حصار مضاعف.. هل تُعرقل الحدود المصرية قافلة المتضامنين مع غزة؟
  • “حرس حدود المدينة” ينقذ مواطنًا من الغرق أثناء ممارسة السباحة