لجريدة عمان:
2025-08-02@20:42:33 GMT

العالم في زمن «ما بعد النظام»

تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT

العالم في زمن «ما بعد النظام»

إذا لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران مفاجئا في توقيته وطبيعته، فإن المفاجئ فيه والصادم هو السياق الدولي الذي جرى فيه. فحين تتعرض دولة عضو في الأمم المتحدة، ذات سيادة كاملة، لضربات جوية تستهدف بنيتها التحتية النووية والمدنية، بلا غطاء قانوني، ولا ردع دولي، ولا حتى اعتراض دبلوماسي ذي قيمة، فإن الأمر لا يبقى في حدود النزاع الإقليمي المحدود، ولكنه انهيار محوري في العلاقات الدولية، واحترام سيادة الدولة الوطنية.

العدوان الذي استهدف منشآت نووية إيرانية، ومباني رسمية مثل وزارة الخارجية، ومقار إعلامية كبرى، بات يلقى يوما بعد آخر تأييدا قويا ودعما من قوى غربية كان حريا بها أن تسعى لوقف الحرب لا الانغماس فيها. وحين يصرح رئيس أكبر دولة في العالم بالقول إن اغتيال أكبر سلطة سياسية ودينية في إيران «هدف سهل» وأنه ينتظر الوقت المناسب لتحقيقه فهذا يخرج من سياق استعراض القدرات العسكرية إلى الدلالة الرمزية التي تشير بوضوح كامل إلى أنه لم يعد هناك في العالم أي خطوط حمراء ولا معنى فعلي لفكرة «الشرعية الدولية».

ما يشهده العالم اليوم بالتحديد هو الانتقال من نظام عالمي قائم على التوازنات والقواعد، إلى مرحلة التقويض المنهجي لأطر القانون الدولي. وهذا التحول لم يبدأ مع إيران ولكنه في الحقيقة بدأ مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 حين التفّت الولايات المتحدة على الأمم المتحدة، وشكّلت تحالفا دون غطاء قانوني، ثم صنعت رواية «أسلحة الدمار الشامل» التي تبيّن لاحقا أنها محض وهم كبير.

لكن ما يميز اللحظة الراهنة أن التفكك لم يعُد استثناء كما كان في عام 2003 ولكنه صار هو القاعدة الجديدة التي تحكم العالم.. فلم تعد القوانين الدولية عائقا أمام استخدام القوة، بل صارت في كثير من الأحيان جزءا من السردية التي تبررها. وبهذا المعنى، نحن لا نشهد مرحلة موت «النظام الدولي» بشكله الكلاسيكي، ولكن نشهد صعود نظام بديل، أكثر خطورة، يمكن أن نطلق عليه نظاما بلا قواعد، وبلا مؤسسات ضامنة، وبلا محاكم ذات فاعلية.

وفي إطار هذا التحول تصبح السيادة الوطنية مجرد مفهوم اسمي لا معنى جوهريا له. والدولة التي لا تندرج ضمن تحالفات الغرب، أو لا تتموضع ضمن المعسكرات الكبرى، تُصنّف ضمن «الأنظمة المارقة»، ويُفتح الباب لاستخدام أدوات القوة ضدها تحت مسميات متغيرة: الردع، الدفاع الوقائي، الاستباق الأمني، أو «حماية الأمن الدولي».

ومخطئ من يعتقد أن هذا الأمر يعني إيران وحدها، فآلية التصنيف هذه يمكن أن تطال، في الغد القريب، أي دولة شرق أوسطية تسعى إلى الاستقلال عن المحور الغربي، بصرف النظر عن نظامها السياسي.

كان النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، ثم أعيد هيكلته بعد الحرب الباردة، يستند إلى ثلاث ركائز: قوة الردع، والشرعية القانونية، ومبدأ عدم التدخل.. ما نراه اليوم هو انهيار كامل تقريبا لكل ركيزة من هذه الركائز. قوة الردع لم تعد تردع أحدا، بل تغذي سباق التسلح. والشرعية القانونية فقدت معناها أمام فشل المؤسسات الدولية ولنا فيما حدث ويحدث في غزة خير مثال يشهد عليه الجميع الآن، أمّا مبدأ عدم التدخل فقد أصبح انتقائيا، يُفعل حسب الهوية الجيوسياسية للضحية.

ما يُقلق أكثر أن هذا «الفراغ النظامي» يُدار الآن بتكنولوجيا تتجاوز السياسة نفسها تتمثل في حرب الطائرات المسيّرة، والضربات السيبرانية، والذكاء الاصطناعي في توجيه الهجمات، كل ذلك يعمّق هشاشة العالم بدل أن يضبطه، فلم يعُد الصراع بين دول وجيوش، بل بين أنظمة تشغيل وأجندات غير مرئية.

ومكانة الشرق الأوسط من هذا المشهد المحتم تتمثل في تحويله إلى مختبر لمرحلة ما بعد النظام. أما دول المنطقة فإنها تواجه سؤالا وجوديا خطيرا جدا هو: هل يمكن بناء أمن قومي في ظل انعدام المرجعيات الدولية؟ وهل هناك مستقبل لأي مشروع سياسي مستقل لا يخضع للابتزاز أو الحصار أو التهديد بالضربات الاستباقية؟

على هذه الدول أن تجيب على هذا السؤال وأن تجلس في حوار صريح بعيدا عن كل الأوهام التاريخية التي حرمت هذه المنطقة من أي استقرار حقيقي.. وتحاول أن ترى مستقبلها إن كان ثمة مجال للرؤية.

أما النظام العالمي فلا يبدو أن ثمة مجالا لإصلاحه ولكن من المهم أيضا أن يعاد تعريف الفكرة نفسها: ما هو النظام، إن لم يكن مبنيا على قواعد ملزمة للجميع؟ وما جدوى عضوية الأمم المتحدة، إذا كانت لا تضمن حماية دولة من عدوان خارجي؟ وإذا استمر هذا الاتجاه، فهل ستكون «القاعدة الجديدة» هي: من لا ينتمي إلى محور القوة، لا يستحق السيادة؟

من المؤكد أن ما بدأ في إيران لن يتوقف عندها. وإذا لم تتم مساءلة هذا المنعطف الخطير الذي دخل فيه العالم، فإن مرحلة ما بعد النظام ستكون بداية عصر جديد من الفوضى المستقرة.. فوضى تُدار بأزرار الطائرات المسيّرة، وتُشرعن بصمت مجلس الأمن، وتُنسى مع تسارع دورات العنف.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ما بعد

إقرأ أيضاً:

أنظمة المنزل الذكي.. تحت المجهر

تجذب أنظمة المنزل الذكي العملاء إليها من خلال سيناريوهات الاستخدام المختلفة مثل فتح الستائر وغلقها حسب حالة الطقس أو في أوقات معينة أو تدفئة جميع غرف المنزل تلقائيا أو فتح وقفل باب المنزل بمجرد اقتراب أحد قاطني المنزل منه أو تشغيل ماكينة القهوة في الصباح مع رنين المنبه.

وأوضحت هيئة اختبار السلع والمنتجات بألمانيا في تقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية أن هذه الأنظمة الذكية تتمكن من دمج أجهزة طرفية من شركات مختلفة عن طريق واجهات بينية لاسلكية مختلفة.

يمتاز نظام البيت الذكي بأنه مفتوح المصدر ومتعدد الاستخدامات ويمكن استعماله دون الحاجة إلى الإنترنت (شترستوك)مركز التحكم اللاسلكي

ويمثل مركز التحكم اللاسلكي قلب أي نظام منزلي ذكي، ويطلق عليه اسم المحور (Hub)؛ حيث يتم توصيل جميع المستشعرات والأجهزة الطرفية المركبة في المنزل بهذا المركز، الذي يعتبر بمثابة حلقة الوصل بين الأجهزة وتطبيقات التحكم على الهواتف الذكية أو الحواسيب اللوحية.

وحسب نظام المنزل الذكي غالبا ما يكون المحور عبارة عن جهاز منفصل أو جهاز الراوتر الخاص بشبكة الواي فاي، أو أن يكون "مختفيا" في جهاز البث التلفزيوني أو في سماعة ذكية.

اختبار

وقامت الهيئة الألمانية باختبار 14 نظاما لأتمتة المنازل، وقامت بشراء جهاز المحور المناسب لكل نظام منزلي ذكي، وبعد ذلك تم توصيله بكاشفات الحركة الذكية واللمبات وأقفال الأبواب والثرموستات وحتى المقابس الكهربائية، وبعد ذلك تم إعداد أنظمة أتمتة مثالية.

وشملت نقاط الاختبار الأخرى طريقة الاستعمال عن طريق تطبيق الهاتف الذكي أو بواسطة المساعد الصوتي، وماذا يحدث في حالة انقطاع الإنترنت أو تعطل الشبكة المنزلية، وبطبيعة الحال التحقق من التوافق مع الأنظمة الأخرى. وكلما زاد عدد الواجهات البينية اللاسلكية والملحقات الذكية، التي يدعمها النظام، كان النظام أكثر مرونة عند إعداد المنزل الذكي.

إعلان

وأظهرت نتائج الاختبار أن بعض أنظمة المنزل الذكي لا يمكنها تلبية جميع الاحتياجات. وتصدر نتائج الاختبار نظام هوم أسيستانت (Home Assistant) والنظام الهولندي هومي (Homey) بتقييم إجمالي 2.3 لكل منهما، ويتفوق نظام imld على النظام المنافس بوضوح في سهولة الاستعمال؛ حيث يمكن إعداده وتشغيله بسهولة كبيرة على الرغم من وظائفه المتنوعة.

حسب نظام المنزل الذكي غالبا ما يكون المحور عبارة عن جهاز منفصل أو جهاز الراوتر الخاص بشبكة الواي فاي (شترستوك)

ولكن على الجانب الآخر يمتاز النظام هوم أسيستانت بأنه مفتوح المصدر ومتعدد الاستخدامات ويمكن استعماله دون الحاجة إلى الإنترنت أو خدمات الحوسبة السحابية، وبالتالي فإنه يحظى باهتمام خاص لدى العملاء، الذين يولون عناية خاصة بالخصوصية وحماية البيانات.

وجاءت أنظمة المنزل الذكي من الشركات الكبيرة في المركز الثاني والثالث مثل نظام سامسونغ سمارت ثنغز (Smartthings) بتقييم إجمالي 2.4 ونظام آبل هوم (Home) بتقييم إجمالي 2.5.

مقالات مشابهة

  • إيران: وكالة الطاقة الدولية فتحت بابًا جديدًا للتفاوض وسترسل وفدًا
  • العراقيون لا يأتمنون البنوك.. أكثر من 90٪ من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي
  • أنظمة المنزل الذكي.. تحت المجهر
  • إيران في الذكرى الأولى لاستشهاد “هنية”: جريمةٌ كبرى وانتهاكٌ صارخٌ للمبادئ الدولية
  • تصنيف الدول حسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب (إنفوغراف)
  • رغم ادعاء وفاته.. الأمن العراقي يطيح بـحَجّاج نگرة السلمان من النظام السابق
  • المبعوث الأمريكي يوضح عدد الساعات التي قضاها في غزة والهدف من زيارته
  • رابطة العالم الإسلامي: نجاح المملكة في مؤتمر حلّ الدولتين يمثَّل محطة مفصلية في تنفيذ القرارات الدولية تجاه القضية الفلسطينية
  • نيجيرفان بارزاني مستذكراً إبادة البارزانيين: النظام البائد فشل بكسر إرادة الكورد
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعود إلى إيران للمرة الأولى منذ حرب الأيام الـ12