عندما تدعوني رئيسة مركز الدراسات والبحوث في عدن، اترك كل التزاماتي واعمالي واذهب اليها مهما كان موضوع الدعوة، فإنني اشتم رائحة التاريخ والموروث والهوية و انا على بعد امتار من قصر السلطان العبدلي، وهو ما تبقى من الذاكرة الثقافية والموروث الحضاري لمدينة عدن، بعد ان دمُرت مكتبة اذاعة وتلفزيون عدن، ودمُر معها الارث الغنائي والفلكلور العدني، واصبح الموروث الموسيقي والغنائي ورقصات الفلكلور منهوب تتداوله دول الجوار على انه موروثها، دون الذكر بالبذرة الاولى التي نبت فيها وهي عدن وحضرموت وما بينهما، بعد أن اصبحت المتاحف خالية من القطع الاثرية والمخطوطات التي تحكي للأجيال حضارة اسلافنا، بعد أن اصبحت المكتبة الوطنية مهملة، ومحتوياتها مرمية غزتها الحشرات التي تتغذى على اوراق تحتوي لكم هائل من المعلومات والمعرفة التي تغذي العقول وتشذب النفوس وترتقي بالإنسان ليرتقي بالمجتمع، وترتقي الامة.

ما يربطنا بالجذور التاريخية والهوية هي تلك القلاع ومنها قلعة صيرة واحجارها المتداعية، والمدافع التي كانت تحمي المدينة قد تدحرجت لتغوص في مياه البحر، مع شكرنا وتقديرنا لمحاولات البعض انتشالها وترميمها، فلا ننسى صهاريج عدن المعلم التاريخ العظيم بعظمة العقول التي بنته منذ الالف السنين، ولم يعد يبقى من الذاكرة الثقافية غير مخطوطات ومحتويات المركز، تشعر بالفخر وانت تعتلي السلم التاريخي للمركز، وتتمعن بالبناء الشامخ على تل حي الرزمت الخليج الامامي المطل على شاطئ صيرة، فتطل من نوافذه لتستطلع القلعة وجبل معاشق وتتذكر الغزاة وهم يجتازون الشاطئ بعد ملاحم بطولية مع ابناء عدن الذي هزمتهم فارق التسليح والمكر السياسي.

هذه عدن المتجذرة في التاريخ والراسخة بهويتها، قاومت كل الغزاة والطامعين واستبسل ابنائها دفاعا عنها، تقاوم الحفاظ على ذاكرتها الثقافية والتاريخية، التي تعرضت للمحو، وسعى اعدائها محو أي ارتباط بالجذور التاريخية والهوية، مما احدث هشاشة يمكن من خلالها احداث تغييرات ديمغرافية وثقافية للسيطرة عليها، واخضاعها لخدمات المستعمر القديم الجديد.

كانت دعوة لندوة حماية الموروث الثقافي والتاريخي الاصيل الذي يعود الاف السنين، وهو ثمرت كفاح القدماء، وعصارة عقول الاجيال وما زال المركز يتلقى البحوث والدراسات والصحف والمجلات، مع ما يعيشه من وضع سيء بسوء الوطن والدولة، والميزانية الحقيرة التي لا تذكر لحقارتها، حضر الندوة كوكبة من ابناء عدن الخيرين بكل اطيافهم واعراقهم، تنوع امتازت به عدن عن غيرها وتعدد ارتقت به لمصاف الدول المحترمة، مثل الحضور هذا الرقي بتعدده وتنوعه، وهم يرفعون صوتهم للدفاع عن ذاكرتهم الثقافية وموروثه التاريخي، و يجتهدون في سبل الدفاع عن هذه الذاكرة وذلك الموروث، طب علينا محافظ عدن، واشتد النقاش حدة وحماس الحاضرون، و وعد ونتمنى ان يكون عند وعده، وحفز الحاضرين بتشكيل لجنة واعداد استراتيجية تطوير وتحسين، وننتظر تفعيل ما تفق عليه والايفاء بما وعد، وهو بداية لتستعيد عدن مكانتها كمحمية تاريخية قديمة بقدم معالمها وارثها، وتصحح كل الهشاشة المصطنعة اليوم في مجتمعها، والتفسخ المتعمد الناتج عن صراع عبثي استمر عشرات السنين ، ومشاريع كانت عدن قد رفضتها واليوم يراد لها ان تعود، ما يطفو اليوم على المشهد في عدن، هي نتائج طبيعية لتدمير الذاكرة الثقافية والهوية، بسبب تراكمات الصراع البيني، والتدخل الخارجي، والمستعمر الذي مرغت عدن انفه وخرج صاغرا، يعتقد انه سيعود من خلال هذه الهشاشة.

لكي نستعيد عدن علينا ان نستعيد ذاكراتها الثقافية ومورثها التاريخي، ونعود لفكر لقمان وباذيب، لننقب عن مشروع عدن الوطني، ومن لا يعلم عن مشروع عدن الوطني عليه ان يعود لينقب في الذاكرة، سيعرف ان عدن تصدت لكل المشاريع الاستعمارية والمؤامرات الخبيثة لتطويعها لخدمة اعداء الامة.

شكرا لكل من اعد ورتب ونظم الندوة وكل من شارك وتحدث واهتم بعدن المدينة والمدنية.

احمد ناصر حميدان

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الظروف القاسية اليمن عدن الذاکرة الثقافیة

إقرأ أيضاً:

مبروكة تستعرض الخطوط العريضة لتنفيذ المخطط الثلاثي للتنمية الثقافية

ترأست وزيرة الثقافة والتنمية المعرفية في حكومة الدبيبة، مبروكة توغي، اليوم الأحد، اجتماعًا بمكتبها في ديوان الوزارة، لمتابعة تنفيذ المخطط الثلاثي للتنمية الثقافية في ليبيا، ووضع خطة وبرنامج عمل للمخطط، وذلك بمشاركة عدد من مدراء الإدارات والمكاتب بالوزارة.

وخلال الاجتماع، استعرضت الوزيرة الخطوط العريضة لتنفيذ المخطط الثلاثي، بما يسهم في الحفاظ على التراث الثقافي، ويوفر بيئة محفزة للإبداع والابتكار. كما وجهت بضرورة التنسيق بين الوزارة والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لضمان تنفيذ المخطط بكفاءة.
وناقش المشاركون، في الاجتماع، المعايير الأساسية للمخطط، مستعرضين تجارب عدد من الدول العربية في هذا المجال، إلى جانب تحديد الأولويات والملامح التي سيتم العمل عليها.
وتمت مناقشة الأسس اللازمة لوضع خطة تنفيذية تحقق الأهداف المرجوة وتعزز دور القطاع الثقافي في تحقيق التنمية المستدامة.
الجدير بالذكر، أن المخطط الثلاثي يُعد برنامجًا خاصًا ضمن برامج إدارة الثقافة بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، حيث يهدف إلى تعزيز التنمية الثقافية عبر دمج الثقافة في التحولات الاجتماعية والاقتصادية وسياسات التنمية.
كما يركز البرنامج على دعم الثقافة كعامل رئيسي لخلق فرص الاستثمار والتشغيل والإدماج الاجتماعي. وتشمل القطاعات الرئيسية للمخطط الثلاثي للتنمية الثقافية في الدول العربية: الصناعات الثقافية والإبداعية، الكتاب كركيزة أساسية للثقافة الداعمة للتنمية، والتراث الثقافي، وفقا للبيان الصادر.
ويهدف الاجتماع إلى الإعداد والتحضير لبرنامج خاص يُركز على التنمية الثقافية باعتبارها دعامة أساسية لبناء المستقبل، ومحركًا رئيسيًا لتنمية شاملة، مستدامة وعادلة، فضلاً عن تعزيز دور الثقافة في توفير فرص الاستثمار والتشغيل والإدماج الاجتماعي، على حد تعبير البيان الصادر.

مقالات مشابهة

  • ما الذي يُخبرنا به التاريخ عن تأثير صدمات أسعار النفط؟
  • لجنة شؤون التعليم تناقش بيان الحكومة بشأن "تعزيز القيم والهوية الوطنية"
  • الملحقية الثقافية السعودية في الصين تستقبل وفدًا طلابيًا من جامعة تسينغهوا
  • كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقافية بين الشرق والغرب؟
  • «التغيير» تنشر نص رؤية «صمود» لإنهاء الحروب واستعادة الثورة وتأسيس الدولة
  • أفضل سناكس لطلاب الثانوية العامة.. تعزز الذاكرة والتركيز في موسم الامتحانات
  • قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي العراقي
  • مشروب صيفي مذهل.. يرطّب الجسم في الحر ويقوّي الذاكرة ويفقدك الوزن سريعا
  • مبروكة تستعرض الخطوط العريضة لتنفيذ المخطط الثلاثي للتنمية الثقافية