جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-16@19:03:09 GMT

مستقبل الصراع بين إيران وأمريكا

تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT

مستقبل الصراع بين إيران وأمريكا

 

 

د. عبدالله الأشعل **

الصراع بين إيران والولايات المتحدة سببه الأساسي زرع إسرائيل في المنطقة ثمَّ هناك أسباب فرعية أخرى؛ وهي أنَّ إيران دولة مركزية وقديمة تُماثل مصر، وعندما كان الشاه يحكم إيران كانت المصالح الأمنية الأمريكية والإسرائيلية مضمونة، ولكن الثورة الإسلامية هي المشكلة، ولذلك فالصراع بين الطرفين صراع وجودي وعقائدي؛ بمعنى أن "إيران الثورة" قامت لتحرير إيران من السطوة الأمريكية وسطوة أسرة الشاه؛ ولذلك منذ اليوم الأول أعلنت الثورة العداء لإسرائيل والولايات المتحدة معًا.

وتعتقد إيران- عن حق- أن الولايات المتحدة هي صانعة إسرائيل وأن إسرائيل توظف لخدمة المصالح الأمريكية والغربية عمومًا؛ لذلك فالصراع بين أمريكا وإيران صراع من أجل النفوذ. وتصر إيران على أنها مستقلة، ومن ناحية أخرى ترفع شعار الدفاع عن القدس والأماكن المقدسة وكذلك الدفاع عن المستضعفين.

والحق أن سلوك إيران الإسلامية كان منسجمًا مع شعاراتها؛ ذلك أن إيران أيَّدت انتفاضة الأقصى وأيدت المقاومة ضد إسرائيل، لسببين؛ الأول: نصرة المشروع الإيراني وهذا جانب سياسي، والسبب الثاني هو نصرة الأقصى، لكن سلوك إيران تجاه السببين لم يرق للوسط العربي والإسلامي لأسباب كثيرة.

والولايات المتحدة وإسرائيل تنظران لإيران الإسلامية على أساس أنها تهديد وجودي لإسرائيل لأنَّ المقاومة تنفرد إيران بمساندتها، أما بقية أطراف المنطقة، فهي تُقيم أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة لكي تكون إسرائيل جارة مسالمة لهم ولا شأن لهم بفلسطين. وأذكر عندما اتهمت الدول العربية مصر بأنها عقدت صلحًا منفردًا مع إسرائيل، فهمته واشنطن على أنه بسبب نزاعات بين الدول العربية وانحياز الولايات المتحدة الكامل لإسرائيل. وقطعت الدول العربية كل علاقاتها الدبلوماسية والقنصلية والاقتصادية والثقافية مع مصر، أملًا في أن ترجع مصر عن هذه الخطوة. وقد قطعت معظم الدول العربية علاقاتها بمصر، واستمر هذا الانقطاع عشر سنوات كاملة من 1979 إلى 1989، لكن سلطنة عُمان والسودان وجيبوتي رفضت قطع العلاقات مع مصر؛ لأسباب كثيرة فصلها الباحثون في الشؤون العربية.

الصراع بين إيران والولايات المتحدة بدأ عام 1979 عندما قامت الثورة الإسلامية، وهو صراع سياسي بطبيعته ومفتاح لكل الصراعات في المنطقة العربية، ويُخطئ من يعتقد أنَّ إسرائيل دولة عادية؛ بل إنها دولة وظيفية ومافياوية، وأن زرعها في المنطقة مقصود، ولذلك.. فإنَّ الصراع بين إيران والولايات المتحدة يُلقى بظلاله على المنطقة بأسرها، والموقف الأمريكي من إيران ناتج عن حرص أمريكا على تسيُّد إسرائيل في المنطقة ودعم المشروع الصهيوني.

وقد لاحظتْ الولايات المتحدة وإسرائيل أن غزو بيروت في 5 يونيو 1982 هو الذي أدى إلى إنشاء "حزب الله"، وأن إيران أصبح لها وجود في المنطقة منذ ذلك الوقت، وكلما اشتد التحالف بين الولايات المتحدة والدول العربية، انحازت هذه الدول العربية إلى الموقف الأمريكي والإسرائيلي، وهذا هو التفسير الجزئي لموقف معظم الدول العربية من المقاومة ضد إسرائيل.

ولن تقنع واشنطن إلّا بإزالة النظام الإسلامي في إيران، ولذلك حرضت إسرائيل على تنفيذ المخطط المشترك ضد إيران عسكريًا.

لكن.. هل يجوز لإسرائيل العدوان والتذرُّع بأنها تريد إزالة البرنامج النووي الإيراني؟

إسرائيل برَّرت عدوانها على إيران بأنَّها تريد أن تمارس حق الدفاع الشرعي الوقائي لتفكيك عناصر البرنامج النووي الإيراني، والذي تعتبره إسرائيل تهديدًا وجوديًا لها، لكن إسرائيل تُبرِّر هجومها على إيران واغتيالها الشخصيات القيادية للحرس الثوري والجيش الإيراني، بأنها تدافع عن نفسها. وسبق لإسرائيل أن اعتدت على مصر وسوريا والأردن عام 1967، بنفس الزعم، وقد نوقشت الحجة الإسرائيلية في مجلس الأمن في نوفمبر 1967، وأجمع مجلس الأمن على تضمين القرار رقم 242، المبدأ القانوني وهو عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، وكان يجب على المجلس- آنذاك- أن يحظر العدوان على الدول. لأن العدوان يؤدي إلى الاحتلال، وحاولت إسرائيل والولايات المتحدة الترويج لفكرة الدفاع الشرعي الوقائي، لكن المجلس تمسك بمفهوم الدفاع الشرعي الوارد في المادة 51 من الميثاق، ورفض نظرية إسرائيل في الدفاع الشرعي الوقائي، وتفادت المادة 51 المصطلحات الخلافية في هذا الشأن.

ويُقر القانون الدولي حق جميع الدول في امتلاك السلاح النووي ومن قبله الاستخدام السلمي للطاقة النووية، لكن القانون الدولي لا يحظر سوى استخدام السلاح النووي بالنظر إلى خطورته. ولذلك أباحت اتفاقية منع الانتشار النووي في المادة العاشرة للدول الأطراف الانسحاب من المعاهدة دون إبداء الأسباب. وما دامت إيران قد اتهمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتواطؤ مع إسرائيل وأمريكا، وأن نقدها لسلوك إيران النووي شجَّع إسرائيل على العدوان على عناصر البرنامج النووي الإيراني، يفتح الباب لانسحاب إيران- إذا أرادت- من اتفاقية منع الانتشار النووي، وإذا فعلت ذلك مثل كوريا الشمالية، فلن يكون للوكالة الحق في مساءلة إيران.

الخلاصة.. أن الصراع الأمريكي الإيراني يختلف عن الصراع الإسرائيلي الإيراني في أمر واحد، وهو أن إيران تعتبر المشروع الإسرائيلي مُهدِّدًا لوجودها، وإسرائيل تعتقد المثل، لكن المشروع النووي الإيراني ليس مُهدِّدًا لوجود الولايات المتحدة، وإذا تحوَّل الصراع السياسي إلى صراع عسكري؛ فسوف ينتهى بتوسيع نطاق الحرب، مما يحوله من صراع ثنائي إلى حرب عالمية ثالثة، وهذا الاحتمال وارد في التحليل؛ لذلك فإن أطرافًا كثيرة سوف تتدخل للوساطة بين الطرفين المتصارعين، وهذه النقلة تعتمد على الموقف الأمريكي الذى يتماهى مع الموقف الإسرائيلي.

والسؤال: هل تخضع إيران لرغبة إسرائيل وواشنطن في التوقيع على اتفاق استسلام في الملف النووي والصاروخي، والبديل هو سحق أمريكا للمنشآت النووية الإيرانية؟

الموقف الإيراني بالغ الدقة؛ حيث إن إيران لا تحتمل الثور الأمريكي، وحتى إذا تدخلت دول أخرى لمساندة إيران، فإن استسلمت تُشجِّع على إزالة النظام وربما احتلال إيران، وإن رفضت الإنذار الأمريكي، فلربما تتسع الحرب، وربما تنطلق بعض العمليات في المنطقة لتخريب المصالح الامريكية.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بعد اتفاق غزة وقمة شرم الشيخ: القضية الفلسطينية والموجة الترامبية الجديدة إلى أين؟

بعد عامين على معركة طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تم التوصل إلى اتفاق لوقف العدوان الإسرائيلي برعاية أمريكية- مصرية- قطرية- تركية، ومن خلال الدور المباشر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي حرص على رعاية الاتفاق من خلال زيارته للكيان الصهيوني وإلقاء كلمة في الكنيست الإسرائيلي، ومن ثم المشاركة في قمة شرم الشيخ بحضور رؤساء وممثلين لعشرين دول عربية وإسلامية.

كل هذه التطورات تؤكد أن القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة في المرحلة المقبلة في ظل استعادة مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل عقد اتفاقيات أبراهام، أو ما يسميها التسوية الشاملة في المنطقة ووقف الحروب والصراع، وفي ظل الادعاءات التي أطلقها خلال كلمته في الكنيست الإسرائيلي بأنه تم تدمير المشروع الإيراني النووي والقضاء على قوى المقاومة في المنطقة.

هل ستنجح الموجة الترامبية الجديدة بفرض تسوية شاملة في المنطقة ووقف الحروب وإنهاء القضية الفلسطينية؟ وما هي خيارات قوى المقاومة في المرحلة المقبلة؟
فكيف يمكن أن نقرأ التطورات التي حصلت خلال عامين من معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكل الحروب والصراعات التي شهدتها المنطقة وشهدها العالم خلال هذين العامين؟ وهل ستنجح الموجة الترامبية الجديدة بفرض تسوية شاملة في المنطقة ووقف الحروب وإنهاء القضية الفلسطينية؟ وما هي خيارات قوى المقاومة في المرحلة المقبلة؟

كل هذه الأحداث كانت محور نقاشات وحوارات في العديد من المؤتمرات والندوات التي عقدت مؤخرا في أكثر من عاصمة عربية وغربية، ومنها على سبيل المثال المؤتمر المهم الذي عقدته مؤسسة الدراسات الفلسطينية بالتعاون مع جامعة القديس يوسف ومؤسسات أخرى، والذي استمر لعدة أيام وعقدت جلساته في بيروت ورام الله ومدن أخرى، وشارك فيه عدد كبير من المفكرين والكتاب والأكاديميين اللبنانيين والعرب والفلسطينيين، وقُدّمت فيه قراءات معمقة لمعركة طوفان الأقصى ونتائجها.

كما أقام معهد الدراسات الدولية في بيروت بالتعاون مع منتدى مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني لقاء حواريا حول اتفاق غزة ومستقبل الصراع مع العدو الصهيوني، وبدأت العديد من مراكز الدراسات والأبحاث التحضير لعقد ورش حوارية لتقييم ما جرى ووضع الخطط للمرحلة المقبلة.

وفي خلاصة الحوارات والنقاشات التي جرت والتي تشكل بداية لحوارات معمقة في المرحلة المقبلة، فإننا اليوم أمام مرحلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي، وأن معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة وتداعياتها في كل المنطقة تركت وستترك انعكاسات مهمة، سواء داخل الكيان الصهيوني أو على صعيد قوى المقاومة أو مستقبل الصراع مع العدو الصهيوني.

وتعتبر بعض الأوساط المتابعة للصراع العربي- الإسرائيلي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحاول اليوم فرض سردية جديدة للصراع، بعد أن أدت معركة طوفان الأقصى لإنهاء السردية الإسرائيلية القديمة ودفعت الأوساط الدولية لتبني السردية الفلسطينية وبروز عزلة كبيرة للكيان الصهيوني في العالم، وهذا ما برز خلال إلقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كلمته في الأمم المتحدة وخروج معظم ممثلي الدول من قاعة الأمم المتحدة، وفي المقابل الدعم الكبير لقيام الدولة الفلسطينية والحراك الدولي الداعم للشعب الفلسطيني.

وفي مقابل هذه التغيرات الدولية يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انطلاقا من اتفاق غزة ووقف الحرب وقمة شرم الشيخ وفي كلمته أمام الكنيست الإسرائيلي، الادعاء بأن قوى المقاومة فشلت وخسرت الحرب وأنه تم توجيه ضربة قاسية لمحور المقاومة وعلى رأسه إيران، وأنه حان الوقت للذهاب إلى تسوية شاملة في المنطقة من خلال مشروع اقتصادي كبير، لكن الخطورة الكبيرة في المشروع الترامبي الجديد أنه يعطي الكيان الصهيوني الحق في السيطرة على مناطق جديدة في كل المنطقة وعدم الاكتفاء بالحدود الحالية، وهذا يعني تكريس الاحتلال للضفة الغربية والجولان ومناطق في لبنان وسوريا، مع مكانية التوسع إلى دول أخرى لأنه اعتبر أن مساحة إسرائيل اليوم غير كافية.

والمشروع الترامبي الجديد يحمل في داخله تناقضات كبيرة، فمن جهة يعلن أنه يريد السلام ووقف الحروب في المنطقة، ومن جهة أخرى يقدم كل أشكال الدعم للكيان الصهيوني في الحروب التي خاضها ويخوضها، وفي ظل إعلان نتنياهو عن العمل لقيام مشروع إسرائيل الكبرى، وهذا يتناقض مع الدعوة لقيام دولة فلسطينية أو اقامة تسوية كبرى في المنطقة، وهو يعتبر أنه تم سحق قوى المقاومة وأنه تم توجيه ضربة قاسية لإيران وأنه ليس أمام إيران خيار سوى العودة إلى المفاوضات والانخراط في مشروع التسوية.

الصراع سيستمر بأشكال جديدة وسنكون في المرحلة المقبلة أمام متغيرات كبرى تفرض على الجميع إعادة النظر بما جرى ووضع رؤية جديدة للمواجهة، والأهم اليوم عدم السقوط أمام الموجة الترامبية الجديدة، والبحث في كيفية قيام مشروع عربي إسلامي إنساني وعالمي لمواجهة هذه الحرب القاسية
كل هذه التطورات ستضع قوى المقاومة في المنطقة أمام تحديات كبيرة في كيفية مواجهة الموجة الترامبية الجديدة وكيفية استنهاض قواها بعد هذه الحرب القاسية التي خاضتها على عدة جبهات، مع الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي نشهد فيها موجة أمريكية لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية والدعوة لمشاريع السلام المختلفة.

فخلال السنوات الأربعين الماضية شهدنا العديد من المؤتمرات والمبادرات العربية والدولية والاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، ومنها اتفاقية كامب ديفيد ومؤتمر مدريد واتفاقية وادي عربة واتفاقية أوسلو وصفقة القرن واتفاقية 17 أيار ومبادرة السلام العربية، وغيرها من الاتفاقيات وموجات التفاوض، وبدلا من أن تؤدي كل هذه المبادرات والاتفاقيات إلى إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية؛ ها نحن نشهد اليوم أن هذا الصراع مستمر على كل الجبهات، وأن القضية الفلسطينية تزداد حضورا، وأنه رغم التفوق العسكري والتقني للكيان الصهيوني والدعم الأمريكي المطلق له فهو يواجه أزمات عديدة داخليا وخارجيا.

كل هذه المعطيات تفرض على قوى المقاومة إعادة تقييم المتغيرات والتطورات التي حصلت، وعدم الاستسلام للموجة الترامبية الجديدة والبحث عن كيفية مواصلة المقاومة حتى تحقيق الأهداف المطلوبة بقيام دولة فلسطين الحقيقية وإنهاء هذا الكيان الصهيوني، لأن الصراع سيستمر بأشكال جديدة وسنكون في المرحلة المقبلة أمام متغيرات كبرى تفرض على الجميع إعادة النظر بما جرى ووضع رؤية جديدة للمواجهة، والأهم اليوم عدم السقوط أمام الموجة الترامبية الجديدة، والبحث في كيفية قيام مشروع عربي إسلامي إنساني وعالمي لمواجهة هذه الحرب القاسية التي شُنت وتشن على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.

x.com/kassirkassem

مقالات مشابهة

  • حل معضلة النووي الإيراني ضروري لنجاح خطة ترامب للسلام في غزة
  • هل هذه هي الموجة التالية من الانتشار النووي؟
  • وفاة الخبير النووي الإسرائيلي أهارون مزراحي بعد إصابته في الهجوم الإيراني
  • بعد اتفاق غزة وقمة شرم الشيخ: القضية الفلسطينية والموجة الترامبية الجديدة إلى أين؟
  • بين تصفيق الكنيست ومسرحية شرم الشيخ: تحليل الأجندة المالية لمؤتمر السلام وخطة ترامب
  • إيران: الادعاءات الكاذبة حول البرنامج النووي لا تبرر الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على أراضينا
  • السفير معتز أحمدين: إسرائيل أول من ابتكر فكرة الميليشيات لزعزعة استقرار الدول
  • مندوب سابق في الأمم المتحدة: إسرائيل أول من ابتكر فكرة الميليشيات بالدول
  • السفير معتز أحمدين: إسرائيل أول من ابتكر فكرة الميليشيات في الدول
  • "مواجهة حامية".. معلومات صادمة عن مستقبل الصراع بين روسيا وأوروبا