الهجمات الإيرانية تكشف هشاشة المنظومة الاعتراضية للكيان
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
الثورة / متابعة / عبد الملك الشرعبي
مع تصاعد المواجهة بين ايران وكيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي بادر بشن عدوان كبير على طهران فجر الجمعة الماضية، بدأت تتكشّف ملامح أزمة دفاعية غير مسبوقة داخل المنظومة العسكرية االصهيونية، تتجاوز حدود الاستنزاف اليومي إلى تهديد جوهري يمسّ قدرة «تل أبيب» على الصمود في حرب طويلة الأمد.
وباتت «إسرائيل» تواجه نقصاً في صواريخ «آرو» الدفاعية الاعتراضية، ما يثير القلق في الداخل الإسرائيلي حول قدرات القبة الحديدية على مواجهة الصواريخ الباليستية طويلة المدى التي تطلق من إيران.
وتجمع التحليلات والتقارير على أن منظومة الدفاع الإسرائيلية باتت في مرحلة حرجة، وأن تصدّيها لصواريخ إيران في الأسابيع المقبلة يعتمد بدرجة كبيرة على الدعم الأمريكي، الذي هو بدوره أمام اختبار استنزاف مماثل.
وفي هذا السياق كشف مسؤول أمريكي لصحيفة وول ستريت جورنال أن إسرائيل تواجه نقصًا في صواريخ «آرو» الاعتراضية المصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وهي إحدى ركائز دفاعها ضد هجمات من هذا النوع. وبحسب المسؤول، فإن القلق الأمريكي والإسرائيلي يتزايد من تراجع قدرة منظومة “حيتس (Arrow) “ على توفير الحماية الكافية إذا استمر الصراع الحالي دون حل سريع.
وأكدت الصحيفة، نقلاً عن المسؤول الأمريكي ، أن الولايات المتحدة كانت على دراية بمشكلات القدرات منذ أشهر، مشيراً إلى أنها تعمل على تعزيز دفاعات «إسرائيل» بأنظمة برية وبحرية وجوية.
ولفتت إلى أنَّ البنتاغون، ومنذ تصاعد الصراع في يونيو، أرسل المزيد من أصول الدفاع الصاروخي إلى المنطقة، وهناك الآن قلق من أن الولايات المتحدة قد تحرق مخزونها من صواريخ الاعتراض أيضاً، وفقاً للمسؤول.
وفي ذات السياق حذّر توم كاراكو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، من استنزاف الموارد الدفاعية قائلًا: «لا يمكن للولايات المتحدة ولا لإسرائيل الاستمرار في اعتراض الصواريخ طوال اليوم»، مؤكدًا أن الوضع يتطلب قرارات استراتيجية عاجلة لا يمكن تأجيلها.
مليار شيكل كل ليلة
وفي مؤشر آخر على الاستنزاف المتسارع، كشفت صحيفة ماركر الإسرائيلية – نقلتها واشنطن بوست – أن تكلفة الدفاع الصاروخي لإسرائيل وصلت إلى مليار شيكل (نحو 285 مليون دولار) يوميًا، أي ما يعادل ميزانية صغيرة لدولة كاملة تُهدر يوميًا فقط للحماية من صواريخ إيران ووكلائها.
مصدر مطّلع على التقييمات الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية صرّح لـواشنطن بوست أن إسرائيل قد تتمكن من الصمود من 10 – 12 يومًا فقط بمفردها، في حال واصلت إيران نفس وتيرة الهجمات، ودون تدخل مباشر أو تعزيزات كبيرة من الولايات المتحدة.
ومع تضاؤل المخزون الدفاعي، بدأت أنظمة الاعتراض الإسرائيلية تواجه معضلة الاختيار بين الأهداف، حيث قال المصدر نفسه: “سيتعيّن عليهم اختيار ما يريدون اعتراضه… النظام مُثقل بالفعل”.
اختراقات مقلقة
لكن ما يثير الذعر في الشارع الإسرائيلي – بحسب تقرير موسّع لصحيفة التلغراف البريطانية – هو اختراق الصواريخ الإيرانية لما كان يُعتقد أنها طبقات حماية منيعة فوق إسرائيل. الصحيفة نقلت عن مسؤولين ومراقبين أن مشاهد الدمار في «تل أبيب» بعد موجات القصف الأخيرة أظهرت حدود فعالية «القبة الحديدية» وغيرها من الأنظمة، ما دفع الجيش الإسرائيلي نفسه إلى الإقرار علنًا بأن دفاعاته «ليست محكمة»، محذرًا السكان من الإفراط في الاعتماد عليها.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي قد تتجاوز سرعتها ماخ 5 (أي أسرع من الصوت بخمس مرات)، تُصعّب مهمة الأنظمة الاعتراضية، خصوصًا في حالة القصف الكثيف. وأضافت أن إيران قد تستخدم في البداية وابلًا من الصواريخ التقليدية لتشتيت وإغراق المنظومات الدفاعية، تمهيدًا لإطلاق صواريخ أكثر دقة وخطورة مثل صواريخ «شاهد ، حاج قاسم ، سجيل ، شهاب «.
فشل مدو للقبة الحديدية
في الاثناء سلّط موقع إنسايد أوفر الإيطالي، الضوء على ما وصفه بـ”الصمت الإعلامي الغربي” تجاه فشل منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية في التصدي للهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، معتبراً أن العجز الإسرائيلي عن حماية أجوائها يشكل تحولاً استراتيجياً بالغ الأهمية في الشرق الأوسط لم يلقَ التغطية الكافية. وقال الموقع إن ما يلفت الانتباه في الأحداث المتسارعة ليس الهجوم الإسرائيلي على إيران، بل عجز الاحتلال الإسرائيلي الواضح عن الدفاع عن أراضيها ضد الضربات الإيرانية، التي نجحت في تجاوز أنظمة الدفاع الجوية الإسرائيلية وإلحاق أضرار مادية وبشرية ملموسة.
ووفق التقرير، فإن هذه الهجمات كشفت هشاشة الدفاعات الإسرائيلية، في وقت تواصل فيه وسائل الإعلام الغربية بث رسائل الطمأنة والترويج لقدرات دولة الاحتلال العسكرية باعتبارها «حصناً منيعاً» في المنطقة، رغم أن الواقع الميداني أظهر صورة مغايرة تماماً.
فشل القبة الحديدية
وركّز التقرير بشكل خاص على إخفاق منظومة القبة الحديدية، التي كانت حتى وقت قريب تُقدّم كنموذج متفوق للدفاع الجوي قصير المدى.
وأشار إلى أن النظام الذي طوّرته شركة «رافائيل» الإسرائيلية بالتعاون مع الصناعات الجوية وبدعم مالي كبير من الولايات المتحدة، أُعدّ لاعتراض الصواريخ وقذائف المدفعية التي لا يتجاوز مداها 70 كيلومتراً، مثل تلك التي تُطلق من غزة.
لكنّ فعاليته الحقيقية تقتصر، بحسب الموقع، على التصدي لصواريخ بدائية نسبياً، مثل «القسام» أو «غراد»، التي لا تتمتع بأنظمة توجيه وتتحرك في مسارات يسهل التنبؤ بها. أما في مواجهة صواريخ أكثر تطوراً – كالباليستية، وصواريخ كروز، والصواريخ الفرط صوتية – فالقبة الحديدية ليست معدة للتعامل معها، وقد أثبتت الهجمات الأخيرة ذلك بشكل جليّ.
وأشار التقرير إلى أن بعض الصواريخ تم اعتراضها بدعم مباشر من أنظمة دفاعية أمريكية وبريطانية وفرنسية، ما يكشف اعتماد إسرائيل المتزايد على الحلفاء في الدفاع عن أراضيها، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرتها على التصدي منفردة لهجمات مشابهة مستقبلاً.
وختم التقرير بطرح تساؤل مثير للقلق: “إذا كانت (إسرائيل)، الدولة الأكثر تسليحاً في المنطقة، فشلت في حماية نفسها، فماذا عن مدن أوروبية كروما أو ميلانو أو باريس في حال تعرضت لهجوم مماثل من قوى كبرى؟”.
ويرى محللون وخبراء عسكريون أن المعضلة لا تتعلق فقط بنقص الذخائر، بل بفعالية الأنظمة نفسها أمام التطورات التكنولوجية في الترسانة الإيرانية، وقدرتها على التعامل مع سيناريو «حرب استنزاف» طويلة الأمد. وبينما يسابق الجيش الإسرائيلي الزمن لتعزيز قدراته، تتزايد التساؤلات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية حول مستقبل الأمن الإسرائيلي، في حال استمرت المعركة بنفس الوتيرة أو تصاعدت حدتها في الأيام المقبلة .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
لوموند تكشف ضغوطا غير مسبوقة على الجنائية الدولية لحماية إسرائيل
كشفت صحيفة لوموند الفرنسية في تحقيق نشرته أمس الجمعة عما وصفته بـ"العام الأسود" للمحكمة الجنائية الدولية، بعد تعرضها العام الماضي لضغوط وتهديدات غير مسبوقة، هدفت إلى منع إصدار أو تنفيذ مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين، على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.
ووفقا لما ورد في التحقيق، فإن المحكمة لم تواجه منذ إنشائها تحديات بهذا الحجم، إذ طالت العقوبات الأميركية 4 قضاة والمدعي العام كريم خان، وسط تهديدات وتحركات سياسية استخباراتية، تقودها واشنطن، وتهدف إلى "إجهاض أي محاولة لمحاسبة إسرائيل على جرائم محتملة في الأراضي الفلسطينية".
تهديدات صريحةويقول المحامي البريطاني أندرو كايلي، أحد المسؤولين عن الملف الفلسطيني في المحكمة، إنه عاش العام الماضي "أسوأ شهور حياته".
ويضيف في حديثه للصحيفة إنه تلقى تهديدا مباشرا مفاده أنه "عدو لإسرائيل"، مشيرا إلى أنه تلقى تحذيرات بعدم التعاون مع المحكمة عقب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، مما دفعه إلى الاستقالة والعودة إلى بريطانيا في مارس/آذار الماضي، خوفا من عقوبات أميركية محتملة.
كذلك زادت الضغوط على خان منذ إعلانه في مارس/آذار 2024 نيته السعي إلى توجيه اتهامات لنتنياهو وغالانت بارتكاب جرائم حرب.
وردا على ذلك، تحركت إسرائيل لحشد حلفائها ضد المحكمة، ووفق التحقيق، تلقى خان اتصالا غاضبا من وزير الخارجية البريطاني حينها ديفيد كاميرون خلال زيارته لفنزويلا، مهددا بانسحاب بريطانيا من نظام روما المؤسس للمحكمة إذا مضى خان قدما في مسعاه.
تواطؤ أميركيوحسب تحقيق لوموند، توالت الضغوط الغربية على المحكمة، فقد اتصل وزير الخارجية الأميركي حينها أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وعدد من المسؤولين الأوروبيين بخان لإثنائه عن قراره.
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن مصدر في المحكمة قوله إن تلك الجهات اتهمت خان بتقويض السلام وتهديد حياة المحتجزين الإسرائيليين.
إعلانوأشارت الصحيفة إلى أنه في محاولة بديلة، سعت الولايات المتحدة إلى تفعيل بند "التكاملية"، الذي يمنح المحاكم الوطنية الأولوية في المحاسبة على الجرائم الدولية، من خلال تعزيز التعاون بين إسرائيل ومكتب المدعي العام.
وذكرت أن تقريرا صادرا عن الاستخبارات الهولندية بتاريخ 17 يوليو/تموز 2024 أشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أصبحت "هدفا مغريا للتجسس والتأثير التخريبي" من قبل دول عدة، وخص بالذكر الولايات المتحدة وإسرائيل.
كما أفاد التحقيق بأن العلاقة بين خان وأحد مستشاريه الأميركيين توماس لينش شهدت توترا، خصوصا مع تصاعد الشكوك حول وجود تأثير خارجي على بعض المستشارين، ما أدى إلى تآكل الثقة بين كريم خان وعدد من معاونيه، في مرحلة شديدة الحساسية من مسار القضية الفلسطينية داخل المحكمة.
تهديد إسرائيليوكشفت لوموند عن اجتماع جرى في الأول من مايو/أيار 2024 في لاهاي، جمع بين المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان والمحامي الجنائي الإسرائيلي نيكولاس كوفمان.
وحسب تقرير للاجتماع اطّلعت عليه الصحيفة، جاء اللقاء بعد يوم من اجتماع كوفمان مع روي شوندورف، نائب المدعي العام الإسرائيلي السابق والمستشار القانوني لرئيس الوزراء الإسرائيلي فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية.
ووفقا للتقرير، اقترح كوفمان على خان تغيير تصنيف ملف مذكرة توقيف نتنياهو من "سري" إلى "سري للغاية"، بما يتيح لإسرائيل الاطلاع عليه رسميا.
كما نقل التقرير أن كوفمان حث خان على سحب مذكرات التوقيف الصادرة بحق نتنياهو وغالانت، محذرا إياه من أن الاستمرار في هذا المسار "سيؤدي إلى تدميره شخصيا، وتدمير المحكمة".
وفي ظل رفض خان لذلك، نشرت بعد 10 أيام صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا يتهم كريم خان بالاعتداء الجنسي على إحدى موظفاته على مدار عام، ما بدا أنه في إطار الضغوط عليه لوقف تحركه ضد مسؤولين إسرائيليين، لا سيما أنه نفى الاتهامات.
ورغم أن الضحية المزعومة لم تقدم شكوى رسمية، فإن رئيسة المحكمة توموكو آكاني طلبت من خان التنحي مؤقتا عن مهامه، وذلك ما وصفه القاضي السابق في المحكمة كونو تارفسر بأنه "انقلاب".
وبعد تعليق خان، تولى نائباه مام ماندايي نيانغ ونزهات شميم خان الإشراف على الملف الفلسطيني، وحسب ما ورد في صحيفة لوموند، فإن الخوف من عقوبات أميركية محتملة يجعل الملف الفلسطيني في حالة جمود دون إحراز أي تقدم.
وذكرت الصحيفة أن التحقيقات بشأن سلوك خان أُحيلت إلى الأمم المتحدة، ومن المتوقع صدور نتائجها في سبتمبر/أيلول المقبل، وإذا ثبتت عليه "مخالفة جسيمة"، فقد تُطرح مسألة إقالته للتصويت بين الدول الأطراف.
وتشير التسريبات إلى أن الغرب يفكر في تعيين امرأة من "دولة ضعيفة نسبيا" لتولي المنصب، بغية الحفاظ على هامش من المناورة، ومنع صدور مذكرات توقيف إضافية بحق مسؤولين إسرائيليين.