الليالي الطويلة التي عاشها الاحتلال الإسرائيلي بفعل الرد الإيراني، لم تكن مجرد لحظة عابرة في مسار الصراع، بل تمثل منعطفًا قد يُغيّر قواعد الاشتباك في المنطقة.
فالهجوم الإيراني، على الرغم من أنه لم يكن مفاجئًا في توقيته، فإن شكله واتساعه شكّلا صدمة عسكرية وسياسية في تل أبيب.
القرار الذي اتخذه نتنياهو بتوجيه ضربة لإيران لم ينبع من حكمة استراتيجية أو قراءة دقيقة لموازين القوى، بل كان نتاجًا لحالة غرور سياسي وتغطية أميركية منحها له دونالد ترامب.


اعتقد نتنياهو أن بإمكانه حسم مواجهة إقليمية بتفوق جوي مؤقت، لكنه لم يحسب حساب الرد الإيراني المعقّد والممتد.
إيران لم تكن البادئة، لكنها ليست عاجزة، ومع ما تملكه من أدوات الردع والصبر الاستراتيجي، فإن ردّها لن يكون لمرة واحدة، بل في جولات قد تمتد لأسابيع ما دام الاحتلال لم يتلقّ الثمن المناسب لما فعله.
على الرغم من مرور أكثر من عام وثمانية أشهر على عملية طوفان الأقصى، فإن نتنياهو لم ينجح في محو آثار الهزيمة التي لحقت بإسرائيل.
كل الجولات العسكرية في غزة، وكل حملات التدمير الشامل، لم تمحُ عار السابع من أكتوبر، واليوم، ومع دخول إيران على خط المواجهة، يتجدد الفشل الإسرائيلي، وتتعزز صورة الدولة الضعيفة التي تُهاجَم ولا تستطيع الرد بالشكل المناسب.
المفارقة أن نتنياهو، الذي كان يحلم بتحقيق نصر استراتيجي يعيد إليه مجد زعماء إسرائيل الأوائل، يجد نفسه اليوم أقرب إلى نهاية سياسية لا تشبه تلك التي خطط لها.
فالوحل في غزة، والورطة مع إيران، والانقسام الداخلي، كلها عوامل تُهدد مستقبله.
في خضم هذه المتغيرات، يُطرح سؤال جوهري: هل يُعيد نتنياهو ترتيب أولوياته؟ وهل يُدرك أن استنزاف الحرب على غزة لم يعد ذا جدوى سياسية أو عسكرية؟
الواقع أن الولايات المتحدة، التي حاولت إدارة صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، لم تعد محل ثقة في نظر المقاومة.
فقد تخلّت عن الحياد، ومنحت الغطاء الكامل للعدوان الإسرائيلي، سواء في غزة أو إيران، كما أن سلوكها في صفقة الجندي “عيدان” كشف عن ضعف التزامها بأي تفاهمات.
ومع ذلك، فإن فرص التوصل إلى صفقة تبادل لا تزال قائمة، فهي حاجة فلسطينية إنسانية، لكنها أيضًا حاجة إسرائيلية سياسية وعسكرية، وقد يراها نتنياهو فرصة لحفظ ماء الوجه، أو لخفض منسوب التوتر الداخلي، ولا سيما مع التورط المتزايد مع إيران.
ما يحدث اليوم يُشير بوضوح إلى أن الهندسة السياسية والعسكرية لمحور المقاومة قد نجحت في توسيع ساحة الاشتباك، فالمواجهة لم تعد مقتصرة على غزة، بل شملت لبنان، واليمن، والعراق، وها هي اليوم تطال إيران بشكل مباشر.
وبينما يُراهن الاحتلال على الدعم الأمريكي لضمان التفوق، فإن الوقائع الميدانية والدبلوماسية تقول إن إسرائيل تسير في حقل ألغام إقليمي ودولي، قد تُفجّر مفاجآت غير محسوبة.
نتنياهو الذي سعى لتحويل السابع من أكتوبر إلى قصة انتصار، يجد نفسه اليوم عالقًا بين خيبات غزة وارتدادات طهران. وحتى لو أدار معركة تفاوضية ناجحة، فإن جراح الساحة الإقليمية ستبقى مفتوحة، وستُبقي إسرائيل في دائرة التوتر والانكشاف.
لقد دخلت المنطقة مرحلة جديدة، يُعاد فيها رسم التحالفات والتوازنات، في حين يسقط وهم “التفوق الإسرائيلي” الواحد تلو الآخر.
وما لم يُراجع الاحتلال حساباته، فقد تكون الضربة التالية أقسى، وأكثر إيلامًا، وأبعد من مجرد رد فعل.

* كاتب فلسطيني

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

"تضامن" تصدر تقريرا حول استشهاد 75 أسيرًا بسجون الاحتلال منذ أكتوبر 2023

سجون الاحتلال - صفا

أصدرت المؤسسة الدولية للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين "تضامن" تقريرًا توثيقيًا يرصد استشهاد 75  أسيرًا فلسطينيًا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وذلك خلال الفترة الممتدة من 7 أكتوبر 2023 حتى 7 أغسطس 2025.

وأوضحت المؤسسة، استنادًا إلى تقارير حقوقية وشهادات موثقة، أن الشهداء من الأسرى تعرضوا لانتهاكات جسيمة وممنهجة، شملت التعذيب الجسدي، والإهمال الطبي، والتجويع، والضرب الوحشي، والعزل، والتحقيق العسكري القاسي، والحرمان من العلاج، إلى جانب ظروف اعتقال لاإنسانية أدت إلى تدهور حالتهم الصحية والنفسية بشكل مباشر.

وبحسب ما رصدته "تضامن"، فإن أكثر من 46 شهيدًا من بين الأسرى ينحدرون من قطاع غزة، وجرى اعتقالهم بعد العدوان الإسرائيلي المكثف على القطاع، دون لوائح اتهام أو محاكمات، واحتُجزوا في ظروف وصفتها المؤسسات الحقوقية بـ"السرية والمهينة"، في مواقع عسكرية ومعسكرات مغلقة، أبرزها معتقل "سديه تيمان".

وأشار التقرير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل احتجاز جثامين الشهداء الأسرى، ويرفض تسليمهم لذويهم، ما يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، ويؤكد الطابع الانتقامي للمنظومة العقابية الإسرائيلية تجاه الأسرى الفلسطينيين.

ودعت المؤسسة إلى تحرك عاجل من المجتمع الدولي، بما يشمل إرسال لجان تحقيق دولية مستقلة إلى داخل السجون، وفتح ملفات المحاسبة القانونية في المحاكم الدولية، خاصة المحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم ضد الأسرى.

وختمت "تضامن" بيانها بالتشديد على أن استشهاد هذا العدد الكبير من الأسرى خلال أقل من عامين يكشف حجم الجريمة المستمرة بحق الحركة الأسيرة، ويُلزم المؤسسات القانونية والحقوقية الدولية بوقف صمتها، والانتصار للكرامة الإنسانية ولقيم العدالة.

مقالات مشابهة

  • صحة غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر إلى 61، 330 شهيدًا و152، 359 مصابًا
  • حماس: قرار إسرائيل احتلال غزة يؤكد أن نتنياهو وحكومته لا يكترثون لمصير أسراهم
  • البرغوثي يعلق على خطة غزة التي أعلنها نتنياهو
  • ما أبرز ملامح الخطة التي تناقشها حكومة نتنياهو لـإعادة السيطرة على غزة؟
  • اعترفت بقتل 11 زوجا لها خلال مسيرتها الزوجية وعقدت على 18 زوجا بالمتعة.. الإيرانية كلثوم أكبري الزوجة الحنونة التي هزت إيران
  • نتنياهو: إسرائيل لن تضم غزة.. وسنسلم القطاع إلى هيئة حاكمة مؤقتا
  • الخارجية الإيرانية تحذر دول الجوار: إسرائيل تستغل أراضيكم لتهديد أمننا
  • "تضامن" تصدر تقريرا حول استشهاد 75 أسيرًا بسجون الاحتلال منذ أكتوبر 2023
  • الضربات لم تكسر شوكة إيران ومكانتها الإقليمية باقية ولكنها مأزومة.. دراسة جديدة
  • إسرائيل كاتس يساند رئيس أركان جيش الاحتلال بعد انتقاده من نتنياهو