داعية بنغلاديش البارز.. سيرة الشيخ دلوار سعيدي بين المنبر والبرلمان
تاريخ النشر: 20th, June 2025 GMT
الشيخ دلوار حسين سعيدي عَلَمٌ من أعلام الدعوة، ومفسِّر بارع، وخطيب مفوَّه، وسياسي محنَّك، وقائد حكيم. اجتمعت فيه صفات القيادة والبيان، فكان من أعمدة الخطابة الإسلامية في بنغلاديش والعالم الإسلامي.
امتدّ أثره وتجاوزت شهرته حدود الوطن، فبلغ صدى كلماته آفاق العالم، وتردد اسمه في مشارق الأرض ومغاربها، ولا سيما في أوساط الجاليات البنغالية المقيمة في الخارج.
كان الشيخ سعيدي من الخطباء الذين تركوا أثرًا لا يُمحى، وذكرى عطرة في نفوس من عرفوه وسمعوه. جمع بين فصاحة اللسان، وصدق البيان، وحرارة الإيمان، فكان أحد أبرز الرموز الدعوية في عصره، وأحد القلائل الذين تصنعهم المبادئ وتخلّدهم الرسالة.
مولده ونشأته
وُلد الشيخ دلوار حسين سعيدي، العالم الرباني والخطيب اللامع، في محافظة فيروزبور، إحدى حواضر الإقليم الجنوبي من بنغلاديش، عام 1940م، إبان الحكم البريطاني للبلاد. نشأ في بيت عُرف بالعلم والتقوى، في كنف والده الشيخ يوسف سعيدي، الخطيب المفوَّه والداعية الملهم، الذي عمّ صوته جنبات الجنوب داعيًا إلى الله ومذكّرًا بالحق.
نشأ الشيخ دلوار في بيئة طاهرة، وتربى في أجواء روحانية عابقة بنفحات الإيمان، وتفتحت مداركه في رحاب الدعوة والخطابة والموعظة.
بدأ الشيخ دلوار رحلته العلمية في مدرسة أسسها والده، الذي استلهم من روح عصره همّة التأسيس وغرس بذور العلم في البيئة الأولى. ثم التحق بمدرسة "سار سينا العالية الإسلامية"، حيث درس بجدّ واجتهاد حتى تخرّج فيها عام 1962م.
كان للشيخ سعيدي دورٌ محوريٌّ في مواجهة الفتن والانحرافات العقدية، وعلى رأسها فتنة القاديانية، التي ظهرت أولى بوادرها عام 1882م. فكان من أوائل من تصدوا لها، وفضحوا زيفها، داعيًا إلى تحصين الأمة منها. ألف كتابًا بعنوان "القاديانية طائفة كافرة"، ضمن فيه الحجج العلمية والدينية التي تدحض هذه النحلة المارقة.بعد إتمامه الدراسة النظامية، انكبّ على تحصيل العلم ذاتيًا، غائصًا في بحار علوم الحديث والتفسير والفقه، وباحثًا عن جوهر الحقيقة ونقاء المنهج. لم يقتصر على العلوم الشرعية، بل اطّلع أيضًا على العلوم السياسية والاقتصادية، ودرس العلاقات الدولية، واللغات، والعقائد المختلفة، ليُصوغ رؤية إسلامية نابضة بالحياة ومنسجمة مع مقتضيات العصر.
خلال خمس سنوات من الجهاد العلمي، تعلّم عدة لغات حيّة: العربية، البنغالية، الأردية، والإنجليزية، مما أتاح له نافذة واسعة على الفكر الإنساني، وفتح أمامه آفاقًا للحوار مع المدارس الفكرية المتنوعة.
أنشطته الدعوية
انطلقت المسيرة الدعوية للشيخ دلوار سعيدي عام 1967م، حاملاً على عاتقه رسالة الإسلام الخالدة، ساعيًا بكل ما أوتي من علم وإخلاص إلى إعلاء كلمة الله، وإحياء شعائر الدين في أرض البنغال.
أجمع أبناء الأمة البنغالية على أنه كان رمزًا من رموز الصحوة الإسلامية، وصوتًا يُوقظ العقول، ويُلهب القلوب، ويؤسس لمشروع نهضوي أصيل، يستمد روحه من مقومات الأمة وأمجادها، ويستشرف مستقبلها بوعي وبصيرة.
سخّر حياته للدعوة، متنقلاً بين المنابر والمحافل، ناشرًا نور العلم، ومربّيًا ومرشدًا ومصلحًا. لم يكن خطيبًا منعزلاً، بل كان من رجال الميدان، يسير في مقدمة الصفوف، لا يلين أمام الشدائد، ولا يتراجع في وجه الباطل.
دعا إلى شمول الإسلام، وألهم الناس بضرورة الالتفاف حول رايته الجامعة، مذكّرًا بأن الإسلام ليس طقوسًا جامدة، بل منهاج حياة، ونظام رباني يُنظّم شؤون الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء.
مواقفه في مواجهة الانحراف والعدوان
كان للشيخ سعيدي دورٌ محوريٌّ في مواجهة الفتن والانحرافات العقدية، وعلى رأسها فتنة القاديانية، التي ظهرت أولى بوادرها عام 1882م. فكان من أوائل من تصدوا لها، وفضحوا زيفها، داعيًا إلى تحصين الأمة منها. ألف كتابًا بعنوان "القاديانية طائفة كافرة"، ضمن فيه الحجج العلمية والدينية التي تدحض هذه النحلة المارقة.
كما كان له موقف جريء في مواجهة العدوان الهندي على المسلمين البنغاليين، فندد بقتلهم على الحدود، واحتج على بناء السدود الجائرة، وأدان بشدة هدم المسجد البابري على أيدي الهندوس المتعصبين.
انخراطه في العمل السياسي
في عام 1979م، انضم الشيخ سعيدي إلى الجماعة الإسلامية البنغلاديشية، مؤمنًا بأن العمل الجماعي المنظم هو السبيل إلى النهضة. وكان يرى أن الجماعة امتدادٌ لفكر الإمام أبو الأعلى المودودي، ومشروعها لا يقتصر على السياسة، بل هو دعوة لإقامة الدين على كافة المستويات.
كان له دور بارز في ترسيخ دعائم الجماعة، وتنشيط ميادينها الدعوية والتنظيمية. حضر الاجتماعات، وشارك في المؤتمرات، وكان صوته داعمًا ومحفزًا في كل موقع.
وفي المجال السياسي، انتُخب نائبًا في البرلمان الوطني مرتين، عن دائرة بيروج بور، وحقق فوزًا كاسحًا في انتخابات 2002م، حتى إن أصواتًا من أبناء الطائفة الهندوسية صبت لصالحه، لما لمسوه فيه من عدل وأمانة.
صوت الإسلام في البرلمان
في عام 1996م، ترأس الشيخ الكتلة البرلمانية للجماعة الإسلامية، وبرز صوته من المعارضة، مناهضًا سياسات حزب رابطة العوام. وعلى الرغم من التضييق وإغلاق منابر الإعلام أمامه، بقي صامدًا، لا يلين ولا يتراجع.
دعا إلى شمول الإسلام، وألهم الناس بضرورة الالتفاف حول رايته الجامعة، مذكّرًا بأن الإسلام ليس طقوسًا جامدة، بل منهاج حياة، ونظام رباني يُنظّم شؤون الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء.شارك في البرلمان الدولي للكومنويلث عام 2003م بكندا، وكان حضوره هناك امتدادًا لصوته الوطني والإسلامي.
ومن أبرز مواقفه داخل البرلمان اعتراضه على تقليد الانحناء لرئيس المجلس، معتبرًا إياه مخالفًا للعقيدة الإسلامية، فطالب بإلغائه، ونجح لاحقًا في ذلك حين أُعيد انتخابه، فصدر القانون واعتُمد رسميًا.
كما قدّم مشروع قانون لحظر الخمر والميسر عام 1996م، لكنه رُفض حينها لأسباب سياسية، إلا أنه شكّل خطوة بارزة في مشروعه الإصلاحي تحت قبة البرلمان.
كان الشيخ دلوار حسين سعيدي مدرسةً قائمة في الثبات على المبدأ، وعلمًا من أعلام الدعوة والفكر والسياسة. امتزج فيه العمق الفكري بنفاذ البصيرة، والجرأة بالاتزان، والقيادة بالتواضع.
*عميد كلية اللغة العربية بجامعة الشيخ محمد الحسن الددو الإسلامية – بنغلاديش
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير بنغلاديش المسيرة مسيرة قيادي بنغلاديش اسلاميون سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مواجهة کان من
إقرأ أيضاً:
عالم أزهري: حب الوطن فطرة إنسانية وقيمة دينية في الإسلام
أكد الدكتور سيد نجم، أحد علماء الأزهر الشريف، أن حب الوطن من الفطر التي جبل الله الإنسان عليها، مشددا على أن الانتماء للوطن لا يقتصر على المشاعر، بل هو سلوك عملي وقيمة دينية راسخة في وجدان كل مسلم.
وأوضح نجم، خلال حواره ببرنامج صباح البلد المذاع على قناة صدى البلد، أن القرآن الكريم والسنة النبوية يحتويان على العديد من الشواهد التي تعكس أهمية الوطن في الإسلام.
ولفت إلى أن النبي محمد ﷺ عبّر عن حبه الشديد لمكة حين قال عند خروجه منها: "إنكِ لأحب البلاد إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منكِ ما خرجت".
وأضاف أن الإسلام لا يفصل بين الدين والوطن، بل يعتبر حب الأوطان من أركان الانتماء الإيماني الصادق، لافتا إلى أن الحفاظ على الوطن وخدمته هو شكل من أشكال العبادة والعمل الصالح.