اللحظات الأخيرة في كارثة الطائرة الهندية المنكوبة
تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT
وكالات
قبل لحظات من سقوط الطائرة الهندية المنكوبة، التي أودت بحياة 279 شخصًا بعد إقلاعها من مطار أحمد آباد، التقط الصندوق الأسود صرخة استغاثة مدوّية من القبطان: “ماي داي.. لا قوة دفع، نفقد الطاقة!”، قبل أن تنقطع الإشارة وتتحطم الطائرة فوق مبنى طبي في مشهد مأساوي صدم العالم.
لكن ما أثار اهتمام خبراء الطيران ليس فقط ما قيل، بل “كيف يُقال” في هذه الثواني الحاسمة، تقارير وتحقيقات كشفت عن تقليد غير مكتوب بين الطيارين في حالات الطوارئ، حيث يختار البعض قول عبارات وداع إنسانية بصوت ثابت، مثل “وداعًا للجميع”، وهي جملة شهيرة تعود لحادث طائرة سويسرية عام 1970، قالها القبطان كارل بيرلينغر قبل انفجار الطائرة.
تلك الكلمات الأخيرة، سواء كانت نداءً فنياً أو رسالة وجدانية، تكشف الكثير عن اللحظات الحرجة داخل قمرة القيادة، وتُعد أحيانًا المفتاح الوحيد لفهم ما جرى عندما تصمت كل الأجهزة. وبينما يتكرر المشهد المؤلم في أكثر من حادث، تبقى هذه العبارات شاهداً حيًا على الثواني الأخيرة من حياة المئات.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الطائرة الهندية كارثة مطار أحمد آباد
إقرأ أيضاً:
قصة حُلم معطّل 18 الأخيرة
الكاتب حمد الناصري
اتخذت "عزّة " ابنة خال سعيد، حرفة عصر الزعفران وصناعة ماء الورد كحال سائر أهالي الجبل ووادي جرفة، حرفة اتخذوها منذ مئات السنين كما تفتخر عزّة، بأنّ أبوها، حبيب بين عبدالله، ويُكنى بالرّامي، لكونه يمتاز بشجاعة تصويب الهدف، لا يُخطي إذْ رمَى.. ماهر بجودة عالية في القنص.. وحين كان سعيد في القرية، يعمل في محصول خاله عبدالله بن حبيب، وأم سَعيد " مُزنة بنت حبيب " شريكة أخوها في أثمار البُستان والأرض مع خاله حبيب، ويُعرف محلياً بـ المال.؛ فقد ورثا "المال" من أبيهما حبيب الرّامي الذي لا وريث سواهما، حيث أنّ أمهما "نورة " قدا وافتها المنية، وعرّجت روحها إلى ربّها، بعد أيام قليلة من وفاة زوجها.
وكان سَعيد يُعاون "عزة " في المال" ويعمل معها في إدارة معمل عصر الورد والزعفران، وبينهما مودة وإعجاب وقُربى، فضلاً عن أنّ أم سعيد " مزنة بنت حبيب" تشدّه إلى التقارب من ابنة أخيها وتُعزز الارتباط بينهما، فهي ترى أنها خير مثال للزوجة الصالحة، تعمل في عصر الورد والزعفران وتكدح في البُستان.؛
كانت عين سَعيد الحوز امتدّتا إلى ما برزا على صَدر كاترينا وبدا مشدوداً إليها، وفي أعماقه حديث، لماذا تتبدّل نفختهما من يوم لآخر، أم أنّ لهما أوقاتاً حسّية، تكون خاوية الإحساس في أخرى، نظرة بُليَ بها سَعيد الحوز كلما التقتْ عينيه في حسّ مثله.. وما كان له أن يتخذ حسّاً، يشغله عمّا أراده أبيه، ولكن الأشياء من حوله، تُمكّنه أن يتذوّق بما يشعر به، وكُل أؤلئك تقف قُبالته، ولا يستطيع لمسها، فالأشياء لها وجود في قلبه، يُحسّ بها، إثارتها تتماهى، بترابط ينصهر بين شيئين، هما مصدر الإثارة ومصدر الدافع، وقد عزم مرة، في لحظةٍ حسّاسة مع كاترينا وكاد يَفعلها مع ايرين الحكيمة.. سحب نفساً وأخرجه في زفرة واحدة.. وقال: أمي هيَ الأصوب في اختيارها، فـ عزة إبنة خالي تمتلك البُستان ومعمل اللورد والزعفران.
نظر سعيد الحوز إلى أعلى، فإذا هو مشدودٌ إلى جبل عظيم، قرية الجبل بهيّة.. وسِراً همس إلى نفسه : تتميّز قرية الجبل بجمالها الساحر، جمال طبيعي في قلوب ساكنيها لا يُضاهيها سِحر المدينة، قرية حافظت على القيم والتقاليد القديمة بل أنّ قرى الجبل مثالاً للتقاليد الأصيلة ، حافظ أهل الجبل على تقاليدهم وأسلوب حياتهم ، وحافظ أهل قرية وادي نزوة ، على الحِرف التقليدية ، وما جاورها من القرى وما يُحيط بها ، من البُلدان والأحياء كمنظومة اقتصادية وإجتماعية ، فهي تُمثّل جزءاً من الهوية الوطنية ، وتُعزز الروابط المُهمة في مُحيط وادي نزوة ، ولا تزال تلك القِيم باقية في مُحيطها المكاني ، كرمز للماضي الجميل ، وكرمز لتقاليدٍ مُتّزنة ساهمت في خلق هويّة ثقافية وحرفٍ تقليدية ، عزّزت المعرفة بالإرث التقليدي المحلي ، ورِفعةً لـ مجتمع الجبل العظيم.
قال في نفسه: أراني مشدوداً إلى رأي أمي، لاعتبارات كثيرة، منها أنّ "عَزّة" إبنة خالي عبدالله، أقرب الناس إليّ، وربما لها نظرة فيما تعطّل.. كفاني خذلان، خذلتني المشاعر، انطفأتْ شُعلة الشهوة، أهملتني أحلامي، فلم يكن لي غير حُلم مُعطّل.؛ تكفيني مرارة تجربة، مشاعرها في وضْع مُعطّل، تركت أحلاماً قاسية في داخلي وانطفأتْ جذوة ما أحببته، ولم يكن بوسْعي استبدال شهوة أو يخطر ببالي، أن تأتيني مُفاجأة سِرّها صعبٌ جداً وقاسياً، والنيّة الطيبة وحدها لا تكفي، بل تلزمها الأفعال وجُهد ملموس.. نعم ابنة خالي عبدالله ، فتاة رائعة، وقد تمنعها قيمها وعزّتها، وهذا ما أتوقعهُ.. وإني أعلم كثيراً مما يمرّون به، والذين تعطّلت أحلامهم ولم تَعُد أشياءهم يعتدون بها ، يرجون زُلفاً من الوسيلة وقُربة من رضا الذينَ يُخفون الأسْرار ولا يبوحون بها لغيرهم ويكتمون ما عرفوا ولا يَعيبون ما خفي من أسرار مُعطّلة ولا يجهرون بحديث مثلها أبداً، أؤلئك الذين يُؤمنون بقول ربّهم ويفهمون أحوال غيرهم بحسن نيّة، حتى لو كانوا يعلمون.
توقّف فجأة.. وكأنّ شيئاً حدث غير متوقّع.. هزّ رأسه وأردف: تحدثتُ ذات مرة، مع أسماء ابنة خالي عبدالله ، وقد فهمت من قولها، ما يدفعني أن أتمسّك بها.. لا يهمّني في الرجل قوته ولا صلابته ولا نشاطه الخاص، ما يهمّني هو صفاؤه ونقاؤه.؛ وربما ذلك من قول أمي، فاقتنعتْ به، وأنا بـ الطبع، أتفق معها كما اتفقتْ أسْماء مع أمي في صوابها.؛
سكت بُرهة، سحب نفساً عميقا وأخرجه زفرة واحدة: كل منهما يُريدني لإبنة أخيه.. يجب أن أتوقف عن الرأيين، فأحسن سيرتي مع والديّ، فكلاهما له الحق، ولديه الصواب.. وعَزّة ابنت عمي، لا ارتاح لها كثيراً، تتحدث بلغة أهل العلم والمعرفة وكأنّها أحد فلاسفة الجبل العظيم.. شدّ نظره مرة أخرى إلى كاترينا، وأردف.. من الذي يَترك هذا السّخاء.؛ من الذي يبخل على نفسه ويغمض عينيه عن زينةٍ تُبرز حياء أثِيْنا التاريخية.. وتُخفي أسرار عيون حضارتها العتيقة.. من ذا الذي.. سكت.. حكّ عينيه، شعر بإحمرارهما، وسُخونة بدت تُخرج إفرازات من عينيه.. لكنه أبقاهما مشدودتين فيهما، وكأنه يُناديها.. إقبلي فأنا... توقف كأنما نزعة أخذته.. لن يكون أحداً معي ساعتها.. إذا ما رأيت أخطائي كموج البحر يركمني ويجمع شِدته فوق بعضه، أو يُغرقني إلى ما لا نهاية ... انتباهة شدّته وكأنه يرى شيئاً هُلامياً، فزعَ وخاف وارتبك واهتز.. استحضر آية حكيمة.. استقوى بها، " لا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به .... " ثم أردف، بالصبر نتعلّم.. وبالحزن نفهم.. والتفت إلى كاترينا وقال: الحياة صَبر ومن امتلك الصّبر ملك الحياة.؛ ثم همّ بـ المسير.. لكنه تراجع، لحظة نظرة الحكيمة إيرين، مع حمحمة.. اجلس سعيد.
الليل ظلامه ثقيل، وفي الغرفة جروح ووجع، أجوائها باردة، وفُرشها ساكنة، بالوجع والحزن.. حاولَ سعيد، يُغادر المكان، بأدب ابن القرية العتيقة وماء وادي جرفة.. اسمحي لي سيدتي، لا أستطيع البقاء.. لا مُكث بعدها، وغداً نلتقي..، هزّت رأسها.. كأنها اتفقت مع ما يُبديه من أمر.. ولكنها وفي نفسها ، كشفت عن سِرّ دفين لم يطّلع عليه أحد، فلم تُفلت.. أخذته إلى ركن قصِي.. سَعيد خُذها نصيحة.. لا تُعقّد الأمور، لا تُقدس قول مضى أو تاريخ جانح، لا تتعاظم ولا ترمي حجَراً فقد تحتاج إليه يوماً، لا تنفرد بروحك.. احتوي من يحتويك، قد تَعْتى عليكَ أمورًا، وقد تسهل لك أمورًا أخرى.. فالحياة أحاديث شتى، وفضفضة ومُعانقة واحتضان.؛ هزّ رأسه مُتفقاً، لكنه لم يستسلم كما ذلك الجبل العظيم ذي المُنحدرات الحادّة لا يعرفها غير أهلها، تماثلت، صُورة ملحمة إبنة الرجل الأول "نزوة الحسناء" الذي نزل على أرض سيح "يدم " التي تشرفت باسمه.. ولكن أخلاقه، أذِنت له بالسكون والسّمت والترفّع عن ما يخلّ بها.
استدعت الحكيمة على عجل ميلاد إبراهيم وخولة وسَمر زوجة المدير التنفيذي لأرقى فندق في العاصمة، مدينة الحُلم واليقظة والتهلكة، وملاذ الأجساد الهائمة.. وقالت لـ ميلاد ابراهيم: بتصرّفك هذا، سوف تجرّنا إلى الخيبة.. والتفريط بـ سعيد الحوز.. أي خطأ هُنا، سوف تتحمّله وحدك.. سنقوم بـ الإبلاغ.؛ ولم تزد حرفاً.
شمس النهار تُشرق فرحاً بنجاة سعيد الحوز من وغَى كاد أن يجرهُ إلى تيهٍ لا يعرف مداه.. رفع رأسه ومدّها إلى قُرصها الملتهب، نظرة إجلال وامتنان، وبدتْ الشمس في عينيه بداية تهافتَ إليها قلبه وشغف بها، ابنة خاله عزة بنت عبدالله حبيب الرّامي، وظنّت كاترينا أنه مُتمسّك بها، دسّت مَبلغاً كبيراً، سُرّ به سعيد الحوز، وفرح مُستبشراً بنهاية صفحة المدينة والعودة إلى القرية العتيقة. إلى ما هو أنفع.
انتهت بعون الله
9 يونيو 2025 مساء 2