حكاية موت يتكرر في غزة: أشرف شبات وعماد عبد الجواد
تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT
بعد أن غرز الجوع انيابه في أمعاء أطفالهم في خيام النزوح ومراكز الايواء في رحلة نزوح مؤلمة حملتهم من بلدة بيت حانون التي طالما كانت تتربع بزهوٍ على سلة خضار طيب المذاق تعرفه قرى ومدن محافظات غزة ، حمل عشرات الالاف من ابناء البلدة كسواهم ما خف من امتعتهم نزحوا في بداية العدوان إلى الجنوب لكنهم عادوا إلى بلدتهم التي ترعرعوا في مروجها الخضراء حاولوا ترميم بيوتهم المدمرة وزراعة حواكيرهم ومئات الدونمات لكن العدوان باغتهم مرة اخرى واضطروا لتجرع كأس النزوح مرة اخرى وهذه المرة نصبوا خيامهم البالية في شوارع مدينة غزة وحطوا الرحال في بعضٍ مراكز الايواء المزدحمة .
الشاب / اشرف احمد شبات
ورفيق رحلته الأخيرة الدكتور / عماد عبد الجواد ابو زريق ، مع اشتداد جائحة المجاعة وبعد أن بات الجوع ينهش أمعاء أطفالهم ، ذهبوا عدة مرات يبحثون عن ما يمكن العثور عليه لسد الرمق في منطقة تطل على بلدتهم بيت حانون نجحوا مرات رغم ازيز الرصاص ودوي المدافع، لكنهم صباح يوم الجمعة الموافق ٢٠ / ٦ /٢٠٢٥ ذهبو بصمتهم المعتاد جمعوا ما تيسر لهم من أوراق الشجر وبعضٍ مما زرع ، لكنهم لم يعلموا ان شبح الموت يخيم فوقهم في طريق العودة وهناك على شارع صلاح الدين حيث تتمركز في السماء طائرات الموت باغتتهم بصاروخ مزق اجسادهم التي تناثرت وغدت أشلاء دون أن يعلم أحد عن هذا المصير مثلهم مثل المئات الذين يقتلون يومياً بقصف وقنص لا يتوقف، على وقع الامل كان الأهل ، آبائهم وأمهاتهم اخوتهم وزوجاتهم واطفالهم والجوع ينهش أمعائهم ينتظرون بقلق لهذا الغياب المقلق ، اهالي غزة اعتادوا أن مثل هذا الغياب لما بعد غروب الشمس وحلول الظلام ينبىء بالخبر السيئ فبدأ ذوي اشرف وعماد بالبحث والتحري عن المكان المتوقع توجههم اليه ناشدوا الجهات الدولية الصليب الأحمر والهلال الأحمر البحث عنهما والمساعدة في الحصول عن اي معلومة يمكن الاستفادة منها لكن دون جدوى ، حينها قررت عائلة اهل الشهيد اشرف شبات البحث بأنفسهم عنهما وفي صباح يوم السبت ٢١/٦/٢٠٢٥ ذهبا تحت هدير الطائرات وأزيز الرصاص تحت غطاء من الكواد كابتر اللعينة وبعد استفسارات من بعض سكان المنطقة الذين ما زالوا تحت الخطر تبين ان المنطقة تعرضت لقصف عنيف وان جثثٍ لمجهولين تطايرت في المكان عصر يوم الجمعة مما زاد من الريبة والشك لمصير أبناءهم المتوقع ،في ساعات مساء الجمعة كان الليل يلف المنطقة وتنتشر بها عدد كبير من الكلاب الضالة التي تنهش جثامين الشهداء كل يوم وبسبب صعوبة الوضع عاد الشباب دون العثور عن من يبحثون ، لكن بعض الشباب من ال شبات قرروا المحاولة يوم السبت رغم شبح الموت وقد عززت شكوكهم المحزنة عندما شاهدوا الكلآب تتقاطر مجموعات على زوايا معينة تلتهم الأشلاء ، خاطروا بحياتهم وتنقلوا من بيت لبيت بحذر شديد وبخطر أشد حملوا معهم ادوات تساعدهم على حمل جثامين الشهداء مثل كروسة يد وبطانية وعصي لمواجهة الكلآب التي باتت تسرح وتمرح في المنطقة دون رادع وقد غدت منطقة تسكنها الأشباح ، بحث الشباب على اطراف الشوارع وجذوع الشجر هناك كانت اشلاء الشهيد اشرف شبات متناثرة حيث تعرف شقيقه عليها من هويته الشخصية وبطاقة الصراف التي مزقتها الشظايا وعلى بعد أمتار قليلة تم العثور على جثة رفيقه الدكتور عماد ابو زريق متناثرة الأشلاء على اطراف الطريق ، جرى كل ذلك في مغامرة تتكرر كل يوم للبحث عن مفقود سرعان ما يكون قطيع الكلاب هو الدليل القاطع على وجود اشلاء بشرية في الجوار ، جمعوا اشلاء من احبوا لفوها بالبطانية ووضعوها على الكروسة وطائرات الاكواد كابتر تزأر وترشق رصاصها المسموم في كل صوب ، لكن بفعل عزيمة الشباب وقوة روابط الاخوة نجحوا في تأمين وصول جثث الشهيدين إلى غرب مستشفى الدرة ، لكن المفاجئة التي تدمع لها العيون كانت اثناء تجميع الجثث كل على حدة بان قدم احد الشهداء لا زالت ناقصة وبقيت في المكان فقرر شقيقه الا يتركها لتنهشها الكلآب وعاد مخاطراً إلى ان استعادها لتكتمل الجثة باطرافها الاربع ، انها قدم الشهيد هذه هي اشرف من رأس كل الذين يستخفون بأرواح الناس ودماء الأطفال ويعتبرونها من شرفات فنادقهم خسائر تكتيكية يمكن اعادة إنتاجها ،، وبعد ان تمت عملية استعادة الجثامين بدت إجراءات التشييع والدفن في وداع مؤلم وقاسٍ من ذوي الشهداء ومواراتهم الثرى في مقبرة الشيخ رضوان ،، هنا حيث كما قلت في مقال سابق ( انه موت وخراب ديار ) ، حيث لايمكن ان تضع الميت في قبره ليستريح الا بعد دفع مبلغ 1000 شيكل ثمن لكل قبر وبالطبع دون ان تحصل على ايصال ولا حتى معرفة هوية الجهة التي تتحصل هذا المبلغ دون وصل دفع لأي جهة رسمية يمكن مساءلتها، اليوم الثلاثاء ذهبت لعزاء اسرة شبات التي اعرفها واعتز بها منذ ان كنت ازروهم في بيت حانون حيث العز وحسن الاستقبال وكرم الضيافة زرتهم اليوم معزياً باستشهاد نجلهم في مركز ايواء والده المكسور غلبت التجاعيد جبينه والدموع كادت ان تتحجر في مقلتيه و الابتسامة وخفة الظل التي كانت تميزه غابت ، ويبدو انها لم تغب عنه وحده بل عنا جميعاً، بعد ان ترك مصيرنا بيد الجهلاء والمراهقين والمراهنين على الأوهام . اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من مقالات وآراء الكُتاب أميركا لا تزال دولة إمبريالية إيران إلى أين؟ الضــربــة الأمـيركـيـة بأدواتها الاستراتيجية الأكثر قراءة الجيش الإسرائيلي يُصدر أوامر إخلاء جديدة لعدة مناطق في خانيونس حماس تكشف حقيقة وجود "تقدّم" في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة سعر صرف الدولار والدينار مقابل الشيكل اليوم الأربعاء 18 يونيو بالصور: 34 شهيدا وعشرات الإصابات برصاص وقصف إسرائيلي على غزة اليوم عاجل
جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025
المصدر: وكالة سوا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
من حكاية العمدة إلى دكتور الفول: أزمة القيادة في زمن الألقاب المزيفة.. !
في قرانا القديمة، لم يكن لقب "العمدة" مجرد كلمة تُقال أو صفة تُمنح عبثًا، بل كان ثمرة صراع طويل، وحكاية تحمل بين طياتها مآسي الانتصار ومرارة الخسارة. كان العمدة زعيمًا، حاكمًا، وحكيمًا، يختبره الزمان وينتخبه الناس ليقودهم في أحلك الظروف. لم يكن منصبًا يُشترى أو يُورّث، بل حصيلة مواقف وشجاعة وتضحيات حقيقية.كان صراع العمدية في الماضي أشبه بمعارك الأباطرة، فليس كرسيًا فارغًا، بل قوة تُمارس بحنكة وحكمة. من استطاع أن يوازن بين قوى القرية، ويحافظ على النظام والعدالة، وينقل صوت الجماعة بثقة، كان قائدًا حقيقيًا يستحق الاحترام، بل ويُعتبر روح القرية نفسها.وللحديث عن المهن، كان لكل مهنة احترافها الخاص، من مهندس الري الذي جسد شخصيته الأديب الكبير طه حسين في رواية "دعاء الكروان"، رجل يحمل بين يديه حياة القرية ومصيرها، يشق القنوات ويعيد للماء مساره كأنه يكتب قصيدة لا تُقرأ إلا بأعين الأرض.وكان مهندس الزراعة، والمعلم، من الوظائف الحيوية التي تتطلب صبرًا وجهدًا ووفاءً. فالمعلم لا يزرع في الأرض فقط، بل في نفوس الأجيال، وبذرة الحكمة تنمو في صمت، بعكس الألقاب التي تُوزع على عجل.لكن مع تقدم الزمن، وامتداد موجة الألقاب الفارغة، تحولت هذه المهن التي كانت رمزًا للتميز إلى مجرد أسماء تُنسب بلا محتوى، وفصول تُحذف فيها الروح لصالح البهرجة.في عصر مقاهي شبكات التواصل الاجتماعي، تفشت الألقاب كالنار في الهشيم، خاصة في الإعلام والسياسة. صرت ترى "خبيرًا استراتيجيًا" لا يملك أدنى تجربة مهنية أو خلفية أكاديمية في تخصصه، يطل من خلف شاشة ليمنح آراءً بلا عمق وتحليلات بلا أساس، وكأنه يمارس لعبة الألقاب بدلًا من خدمة المعرفة.ولا ننسى انتشار "حاملي الكرنيهات" في مجالات شتى، و"حاملي الدكتوراه الفخرية" في أكثر المواضع غرابة، من بائع الفول إلى عامل الطعمية الذي صار "دكتورًا في فنون القلي والتتبيل".في هذه البيئة، لم تعد الألقاب تعبر عن جوهر، بل أصبحت أدوات تسويق وديكورًا زائفًا لصناعة المشاهير. صار "الدكتور" و"الخبير" مجرد لافتات تُعلق على جدران الصالات الافتراضية، تُستخدم لجذب المتابعين لا لتنوير العقول أو توجيه الجماهير.كما قال سقراط:"العقل مثل المظلة، لا يعمل إلا إذا كان مفتوحًا." وهي معاناة من يعانق الألقاب من دون أن يفتح مظلة الفهم.القيادة الحقيقية، كما في عهد العمدة، ليست بطاقة تُحمل، ولا منصبًا يُشغل، بل موقف يُختبر في لحظة الانكسار، تضحية تُقاس في لحظات القمع، ومعرفة تُنير الطريق وسط ظلام الفوضى.حتى في القرى التي ظنناها ملاذًا للحكمة والبساطة، بدأ وباء الألقاب الزائفة ينتشر، من "خبير زراعي" لا يعرف رائحة الأرض، إلى "ناشط مجتمعي" لا يعرف أسمى معاني القرب من الناس.كما قال نيتشه:"من لا يملك سببًا للعيش، يستطيع أن يتحمل أي كيفية." فهل من يقبل بهذه الألقاب الوهمية سببًا حقيقيًا للقيادة؟ أم أنهم يختبئون خلفها كي يتحملوا فراغهم؟علينا أن نتذكر، وسط هذه الزحام من الألقاب الورقية، أن القيادة شرف لا يُمنح إلا لمن يثبت نفسه بأفعاله، لا بمنصب فارغ أو لقب مبهر.فلتكن أفعالنا هي التي تُكتب في التاريخ، وقلوبنا هي التي تختار القادة، لا الألقاب التي تُلصق وتُباع في مقاهي الوهم.. .!!
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية