الرباط – تشهد المملكة المغربية في الوقت الراهن دينامية ملحوظة في قطاع البناء، مدفوعة بالتحضيرات الجارية لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال. ويُرتقب أن تشكّل هذه الاستضافة نقطة تحول محورية على الصعيدين الاقتصادي والعمراني.

وتتجلى مظاهر هذه الحركية في مدن كبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش، طنجة، فاس، وأغادير، حيث تُضخ استثمارات ضخمة في تطوير المنشآت الرياضية وتعزيز البنية التحتية المرافقة، في إطار رؤية طموحة تتجاوز البعد الرياضي لتلامس جوانب تنموية شاملة.

فالاستعدادات للمونديال تُعد فرصة لتقوية سلاسل التوريد والبناء، وتنشيط قطاعات مثل الأسمنت، والصلب، والنقل، والخدمات التقنية واللوجستية، بما يعزز من خلق فرص الشغل وتحفيز الدورة الاقتصادية الوطنية. غير أن هذا الزخم لا يخلو من تحديات حقيقية، تتراوح بين ارتفاع التكاليف، ونقص اليد العاملة المؤهلة، وصولًا إلى ضرورة ضمان استدامة هذه الاستثمارات بعد انتهاء البطولة، حتى لا تتحول إلى "فيل أبيض" يثقل كاهل ميزانية الدولة.

يذكر أن "الفيل الأبيض" مصطلح يُستخدم في عالم الاقتصاد وإدارة المشاريع للإشارة إلى المشروعات الضخمة والمكلفة للغاية، التي لا تحقق الفائدة المرجوة منها أو تكون تكلفتها التشغيلية والصيانيّة عالية جدًا مقارنة بالفوائد والعوائد التي تنتجها، أو حتى لا يكون لها أي فائدة تُذكر بعد اكتمالها.

استثمار بمليارات الدراهم

ورصد المغرب ما بين 50 و60 مليار درهم (ما يعادل 5 إلى 6 مليارات دولار) لإنجاز مشاريع مرتبطة بكأس العالم 2030، من بينها نحو 25 مليار درهم (2.5 مليار دولار) ستمول من الميزانية العامة خلال الفترة الممتدة بين 2024 و2030.

محمد محبوب يؤكد أن استثمار الدولة في البنيات التحتية يُمثّل رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (الجزيرة)

وتشمل هذه المشاريع تهيئة الملاعب، توسيع شبكات الطرق، وتعزيز البنى التحتية، وهو ما يمنح دفعة نوعية لقطاع البناء الوطني. ويرى محمد محبوب، رئيس الجامعة الوطنية للبناء والأشغال العمومية، أن هذه المرحلة تشكّل فرصة لانطلاقة جديدة نحو نموذج تنموي متجدد لهذا القطاع.

إعلان

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح محبوب أن استثمار الدولة في البنيات التحتية ليس هدفًا في حد ذاته، بل يشكل رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر خلق مناصب شغل، وتعزيز الإدماج المجالي، ورفع جاذبية الجهات والأقاليم.

من جانبه، يلفت الخبير في التخطيط الإستراتيجي أمين سامي إلى أن حجم الاستثمارات المرتقبة يبقى مبررًا بالنظر إلى ما يمكن أن تحققه من مردودية اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، سواء من خلال تحفيز قطاعات السياحة والتشغيل، أو من خلال تنشيط الطلب المحلي. لكنه في الوقت نفسه يشدد على ضرورة أن تترافق هذه النفقات مع دعم مستمر للقطاعات الاجتماعية الحيوية، وعلى رأسها التعليم، الصحة، والسكن.

زخم في التشغيل

ووفقًا للبيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، فقد أسهم قطاع البناء خلال الفصل الأول من سنة 2025 في خلق حوالي 52 ألف منصب شغل جديد، مما عزز مكانته كمشغل رئيسي بنسبة 12.5% من إجمالي المشتغلين.

وتُظهر المؤشرات توقعات باستمرارية هذا الزخم خلال الفصل الثاني، إذ تشير التقديرات إلى بلوغ الطاقة الإنتاجية المستعملة 72%، رغم التحديات المرتبطة بتموين بعض المقاولات.

ويؤكد أستاذ الاقتصاد ياسين أعليا، في تصريح للجزيرة نت، أن تسارع وتيرة الأوراش الكبرى المرتبطة بكأس العالم أسهم بشكل ملموس في إنعاش سوق الشغل، خاصة في المدن التي ستستضيف الحدث. إلا أنه ينبه إلى الطابع الظرفي لهذا الانتعاش، في ظل التحول المتسارع نحو أنماط بناء تعتمد بشكل أقل على اليد العاملة، ما يفرض تطوير سياسات تأهيلية لضمان استدامة التشغيل بعد عام 2030.

بدوره، يُبرز محمد محبوب أن المقاولات الوطنية سخّرت إمكانياتها البشرية والتقنية، بالإضافة إلى قدراتها التنظيمية واللوجستية، من أجل مواكبة الدينامية المتصاعدة في القطاع. كما يعتبر أن استخدام تقنيات متطورة مثل الإنجاز المتسارع والنمذجة الرقمية يعزز من كفاءة أداء هذه المقاولات، ويبرز جودة اليد العاملة المغربية، خاصة في ظل الجهود المستمرة في مجال التأهيل ومواكبة التحولات المستقبلية.

تحديات الجاهزية البيئية والتقنية

تفرض المعايير المعتمدة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تحولات جذرية في طرق تنفيذ مشاريع البناء، تضع المقاولات المغربية أمام اختبار جاهزية جديد، سواء من الناحية البيئية أو التقنية.

ياسين أعليا يؤكد أن التحدي الحقيقي يتمثل في ضمان استدامة مناصب الشغل بعد سنة 2030 (الجزيرة)

وفي هذا الإطار، يوضح الأكاديمي ياسين أعليا أن هذه المعايير تشترط الاعتماد الكامل على مصادر الطاقة المتجددة، تدوير النفايات، تقليص البصمة البيئية، واستخدام تقنيات ذكية لترشيد استهلاك الماء والطاقة. كما تُعطَى الأولوية لتأهيل الملاعب القائمة بدلًا من بناء منشآت جديدة من الصفر.

ورغم صرامة هذه المعايير، يرى أعليا أنها لا تشكل عائقًا حقيقيًا أمام المقاولات المغربية، التي تشتغل في بيئة وطنية داعمة لمبادئ الاستدامة، إلا أن التحدي الأكبر يبقى في ارتفاع التكلفة، خاصة عند اللجوء إلى مواد بناء منخفضة الكربون وتقنيات متقدمة تضمن استدامة المنشآت.

إعلان

من جانبه، يوضح الأكاديمي كارتي أن هذه الدينامية الاستثمارية ليست جديدة، بل تُعد امتدادًا لإستراتيجية وطنية انطلقت منذ سنوات وشملت قطاعات الموانئ، المطارات، والسكك الحديدية.

ويُبرز فوز شركتين مغربيتين بصفقة بناء ملعب الحسن الثاني في بنسليمان، بسعة 115 ألف متفرج وتكلفة تناهز 5 مليارات درهم (500 مليون دولار)، كدليل قوي على جاهزية المقاولات الوطنية. كما يشير إلى أن المغرب يستفيد من شراكات إستراتيجية مع دول مثل الصين وتركيا، في تنفيذ مشاريع نوعية من بينها خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، ما يُعزز من تبادل الخبرات وتكامل الكفاءات.

تحديات التمويل واليد العاملة

ورغم الحركية الإيجابية، لا يخلو المشهد من تحديات تمويلية وبنيوية، تتعلق أساسًا بارتفاع التكاليف، نقص اليد العاملة، وضغط سلاسل التموين، في ظل ظرفية اقتصادية دقيقة.

ويحذر الأكاديمي أمين سامي من أن مشاريع البنية التحتية الكبرى عادة ما تتجاوز الميزانيات الأصلية بنسبة قد تصل إلى 45%، ما يستدعي تعزيز آليات التخطيط القبلي، وتبني ممارسات تنفيذية متقدمة، للحد من أي انزلاقات مالية.

ويرى سامي أن الاعتماد الكبير على التمويل العمومي قد يزيد من ضغط خدمة الدين، خاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة، داعيًا إلى توسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل ضمان استدامة المشاريع وتوزيع المخاطر بصورة متوازنة.

من جهته، يشير الأكاديمي كارتي إلى أن النقص المسجل في اليد العاملة داخل القطاع أسهم في ارتفاع الأجور بنسبة تصل إلى 50% خلال فترات قصيرة، وهو ما دفع بعض المقاولات إلى استقطاب عمالة من قطاعات أخرى. غير أن الجفاف سهّل نسبيًا انتقال اليد العاملة من الزراعة إلى البناء، ما خفف من الضغط القائم.

على صعيد آخر، يؤكد كارتي أن الطاقة الإنتاجية الوطنية من الأسمنت تبلغ حوالي 20 مليون طن سنويًا، في حين لا يتجاوز الطلب في الظروف العادية 14 مليون طن، ما يجعل السوق المحلية قادرة على تلبية حاجيات مشاريع المونديال دون اختناقات.

رهانات الاستدامة بعد المونديال

تحذر تجارب دولية من تحوّل بعض المنشآت الرياضية، التي تُبنى لمناسبات كبرى مثل كأس العالم، إلى عبء مالي دون جدوى واضحة، كما حصل مع ملعب كيب تاون في جنوب أفريقيا، الذي تُقدر تكلفة صيانته السنوية بنحو 35 مليون درهم (3.5 مليونات دولار).

أمين سامي يُشدد على ضرورة موازنة الإنفاق على البنية التحتية مع دعم القطاعات الاجتماعية الأساسية (الجزيرة)

وفي هذا الصدد، يؤكد ياسين أعليا أن التحدي لا يكمن فقط في إنجاز المشاريع، بل في توجيهها نحو نماذج بناء مستدامة، تحقق التوازن بين الفعالية الاقتصادية والجدوى الاجتماعية، خاصة في ظل التحولات المتوقعة في سوق العمل.

أما الأكاديمي كارتي، فيُبرز أن مرحلة ما بعد كأس العالم لن تكون مرحلة ركود، بل ستشهد استمرارًا لزخم الأوراش الكبرى، لا سيما مشاريع تحلية مياه البحر، بناء السدود، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة.

ويؤكد محمد محبوب أن المقاولات المغربية تواصل التفاعل مع التحول البيئي، من خلال تبني ممارسات بناء مستدامة، استخدام المواد المحلية، تفعيل الاقتصاد الدائري، وتقليص البصمة الكربونية.

في الختام، يشدد الخبير أمين سامي على أهمية تبني نماذج متعددة الاستخدام، تُحول الملاعب إلى مراكز رياضية، ثقافية، وتعليمية، مرتبطة بخريطة تنموية متكاملة، تضمن استمرارية الاستفادة من هذه المنشآت فيما بعد الحدث الكروي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الید العاملة کأس العالم أمین سامی

إقرأ أيضاً:

بمشاركة السومة.. الوداد المغربي يواجه يوفنتوس في مونديال الأندية

يلتقي نادي الوداد الرياضي المغربي مساء اليوم الأحد، مع نظيره يوفنتوس الإيطالي، في قمة مثيرة ضمن الجولة الثانية للمجموعة السابعة في كأس العالم للأندية 2025، والتي تقام على ملعب “لينكولن فاينانسيال فيلد” بالولايات المتحدة.

ويدخل الوداد المباراة بطموح التعويض بعد خسارته في الجولة الأولى أمام مانشستر سيتي الإنجليزي بهدفين دون مقابل، بينما يتصدر يوفنتوس المجموعة برصيد 3 نقاط، عقب فوزه العريض على العين الإماراتي بخمسة أهداف نظيفة.

ويعزز الوداد صفوفه في هذه المواجهة بعودة النجم السوري عمر السومة، الذي شارك في مرانه الأول مع الفريق يوم الجمعة، بعد أن غاب عن اللقاء الافتتاحي بسبب تأخر إجراءات سفره إلى أميركا. وتُعوّل الجماهير المغربية على خبرة السومة في تقديم الإضافة الهجومية أمام فريق بحجم يوفنتوس.

وتنطلق صافرة البداية في تمام الساعة 5 مساء بتوقيت المغرب (7 مساء بتوقيت مصر والسعودية)، وتنقل المباراة عبر شبكة “DAZN”، بصوت المعلق خالد الغول.

ويأمل الوداد، ثالث الترتيب حالياً دون نقاط، في تحقيق نتيجة إيجابية تُبقي على آماله في التأهل، قبل مواجهته المرتقبة أمام العين الإماراتي في ختام دور المجموعات، بينما يسعى يوفنتوس لحسم تأهله مبكراً إلى الدور المقبل.

The work is done. Now it’s showtime ⏳#DimaWydad #FIFACWC #TakeItToTheWorld pic.twitter.com/yvb93feckJ

— Wydad Athletic Club (@WACofficiel) June 21, 2025

????????????????????????????????????????????????????????????

يوم المُباراة؛ يوم القمّة؛ يوم المعركة؛ يوم كأس العالم!

???????? يوفنتوس Vs الوداد ????????

???? كاس العالم للأندية 2025م

⏰ الساعـة 7:00م

????️ ملعب لينكولن

???? DAZN

????️ خالد الغول

مرابط والسومة في مهمة صعبة ضد اليوفي! ????????♥️???? pic.twitter.com/EEpUw0pNrA

— عمرو (@bt3) June 21, 2025

مقالات مشابهة

  • غرفة تجارة وصناعة عمان تناقش مستقبل قطاع الإنشاءات في سلطنة عمان
  • "الغرفة" تستكشف أحدث الابتكارات والحلول بقطاع الإنشاءات في ندوة حول مستقبل القطاع
  • اجتماع برئاسة وزير النقل والأشغال يؤكد على الالتزام بقانون البناء والإنشاءات
  • المغربي حكيمي يقود سان جيرمان إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية
  • تمديد عطلة الأمومة..بن طالب يعرض مشروع القانون أمام مجلس الأمة
  • «الطاقة والبنية التحتية» تُطلق المرحلة الثانية من تصفير البيروقراطية
  • من وادي السيليكون إلى العالم.. مليون وظيفة تختفي من قطاع التكنولوجيا في 2025
  • بمشاركة السومة.. الوداد المغربي يواجه يوفنتوس في مونديال الأندية
  • محافظ مطروح: توفير 177 فرصة عمل للشباب خلال شهر مايو الماضى.