دخل وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيز التنفيذ اليوم لتبدأ بعد ذلك التصريحات المتضاربة حول حسابات النصر والخسارة؛ من كسب الحرب ومن حقق بها انتصارات استراتيجية. لكن خلف هذه التصريحات، تظل الحقيقة الأوضح أن هذه الحرب، رغم توقف نيرانها، لم تُنهِ الأسباب التي سبقتها، ولا التهديدات التي ستتبعها، ما دام المجتمع الدولي عاجزًا عن ردع إسرائيل عن خرق القانون الدولي.

. وبالتالي فإن الحرب لم تنتج شرقا أوسطا جديدا أكثر أمنا كما تدعي كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.. بل إن الحقيقة الأصعب الآن أن قواعد الاشتباك التي كان يحترمها الجميع قد انتهت إلى غير رجعة.

ومنذ الساعات الأولى للهجوم الإسرائيلي المفاجئ على المنشآت النووية الإيرانية، بدا أن الهدف كان يتجاوز مجرد الردع الذي تدعيه إسرائيل إلى محاولة إحداث قطيعة دائمة في قدرات إيران التخصيبية. ورغم أن تصريحات ترامب وصور الأقمار الصناعية وتحليلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير جميعها إلى دمار واسع لحق بمنشآت نطنز وفوردو وأصفهان إلا أن كل هذا لا يعني نهاية الملف النووي الذي ما زالت إيران تصر أنه سلمي.

والمفارقة المهمة الناتجة عن هذه الحرب أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت أمس إنها لم تعد قادرة على تعقب مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي كمية تكفي، حسب الوكالة، لتصنيع ما يصل إلى 10 رؤوس نووية إذا تم تخصيبها بنسبة 90%. هذا التطور، حسب ما أشار إليه خبراء منع الانتشار النووي، يُعد أسوأ سيناريو استراتيجي؛ حيث تغيب كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب عن رقابة الوكالة! ما يشير إلى أن الحرب لم تُنهِ الملف النووي، بل زادت تعقيده وخطورته.

الأمر الآخر المهم أن الضربات الإسرائيلية، التي جاءت بموافقة أمريكية ضمنية ولاحقا مشاركة أساسية، لم تحقق مكاسب سياسية واضحة، ورغم التأييد الغربي، فإن أكثر دول العالم نظرت إلى ما أقدم عليه نتنياهو باعتباره إمعانا في التهور والتخبط السياسي الذي كاد يقود العالم إلى كارثة وجودية.

أما بالنسبة لإيران، فرغم الضربات، لم يظهر النظام مؤشرات على اهتزاز داخلي أو ضعف بنيوي، بل استعاد توازنه سريعا، وجاء رده الصاروخي كرسالة مفادها أن معادلة الردع ما زالت قائمة وأن الحرب فرضت قواعد جديدة ومفتوحة للاشتباك.

كشفت هذه الحرب أيضا، عن هشاشة متزايدة في أدوات الضبط الدولية. فقد بدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم دورها الرقابي، عاجزة عن مواكبة التحولات الميدانية السريعة، وفقدت قدرتها على تتبع مواد نووية خطرة. أما مجلس الأمن، الغائب فعليا عن مجريات التصعيد، فقد كرس شعورا عالميا بأن آليات الردع القانونية لم تعد صالحة لإدارة أزمات بهذا التعقيد. وفي غياب أدوات دولية فعّالة، فإن القرارات تُتخذ اليوم خارج المؤسسات الأممية، ما يفتح الباب أمام ممارسات أحادية تُبرر ذاتها بالقوة، لا بالقانون.

أما بالنسبة للمنطقة فإن الأهم الآن ليس من أعلن النصر، ولكن ما إذا كانت هذه الحرب ستُقرأ باعتبارها نهاية لمرحلة، أم مقدّمة لسباق تسلح جديد خاصة وأن الأوراق والسيناريوهات بالنسبة للطرفين كشفت بشكل كامل، كما كشفت المواقف العالمية سواء على المستوى العسكري أم المستوى السياسي. ما جرى قد يُقنع القيادة الإيرانية، على المدى المتوسط، بأن الردع النووي هو الخيار الوحيد لحماية الدولة من الهجوم الخارجي، وهي نتيجة ـ إن تأكدت ـ تمثل خسارة كبيرة وانتكاسة لإسرائيل في المقام الأول وللغرب في المقام الثاني وهي تأكيد أن الحرب لا يمكن أن تحل موضوع الملف النووي الإيراني.

بهذا المعنى، لا يمكن اعتبار وقف إطلاق النار نهاية لصراع معقّد بقدر ما هو استراحة مؤقتة في حرب مفتوحة على كل الاحتمالات، تتشابك فيها الأبعاد النووية بالجيوسياسية، وتغيب فيها الحلول المستدامة. والأخطر أن الحروب التي تبدأ بادعاء نزع السلاح، قد تنتهي بتسويغ سباق جديد نحوه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

إيران: الادعاءات الكاذبة حول البرنامج النووي لا تبرر الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على أراضينا

قالت الخارجية الإيرانية، إن الادعاءات الكاذبة حول البرنامج النووي  لا تبرر الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على أراضينا.

اول تعليق من ايران علي دعوة ترامب لطهران بإبرام إتفاق مع واشنطنإيران: رغبة ترامب في السلام والحوار تتناقض مع سلوكه العدائي تجاه طهران

وأوضحت: نحن منفتحون على الحوار لكن سنتعامل بحزم للدفاع عن مصالحنا العليا، جاء ذلك خلال خبرا عاجلا أذاعته فضائية القاهرة الإخبارية.

كما أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن تطلعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام والحوار تتعارض مع أفعال أمريكا العدائيةِ والإجرامية ضد الشعب الإيراني.

كما ادانت الخارجية الإيرانية بشدة الاتهامات الباطلة والادعاءات غير المسؤولة التي أطلقها الرئيس الأمريكي بشأن إيران في “الكنيست”.

وقالت الخارجية الأيرانية : أمريكا بصفتها أكبر منتج للإرهاب وداعم للكيان الصهيوني لا يحق لها توجيه الاتهامات للآخرين..

طباعة شارك الخارجية الإيرانية إيران إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات مشابهة

  • شككت في جدوى التعاون النووي.. طهران: لا وجود لمفتشي الوكالة الذرية بإيران
  • الإشادات الدولية بدور مصر في وقف الحرب على غزة والترقب للمرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ.. تفاصيل
  • العمري : “الملك عبدالله الثاني يعيد تعريف القيادة الدولية تجاه غزة”
  • الناتو يطلق مناورات ستيدفاست نون 2025 لتعزيز الردع النووي بمشاركة 14 دولة
  • إيران: الادعاءات الكاذبة حول البرنامج النووي لا تبرر الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على أراضينا
  • باستخدام الردع النووي.. قوات الناتو تبدأ مناوراتها السنوية
  • بمشاركة 14 دولة.. الناتو يبدأ مناورات لـ«الردع النووي»
  • ترامب: إيران تدعم وقف إطلاق النار.. وكل ما فعلته في حياتي وقف الحروب
  • ترامب: إيران لو امتلكت السلاح النووي لما شعرت الدول العربية بالارتياح
  • ماكرون يدعو إلى وضع إطار قانوني للقوة الدولية في غزة