لماذا يخترق الحزب الشيوعي الشركات الكبرى في الصين؟
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
مقدمة الترجمة
منذ نجاح الرئيس الصيني الحالي "شي جين بينغ" في تعديل قواعد النظام الصيني وبدء فترة رئاسية ثالثة، يسود الحديث عن تغيُّرات في سياسات الدولة الصينية واتجاهها نحو درجة أكبر من "السلطوية"، وخاصة بعد تشديد سياسات الإغلاق بذريعة موجات جائحة كوفيد حتى نهايات العام الماضي. بيد أن التحوُّلات الاقتصادية الجارية بموجب سيطرة "شي" على الحزب الشيوعي لا تقِل أهمية، ورغم أن تداخل سلطة الحزب الشيوعي في شتى قطاعات الاقتصاد الصيني وشركاته الكُبرى يحدث منذ وقت طويل، فقد جدَّ جديد في الفترة الأخيرة يُظهِر تنامي اختراق الحزب الحاكم، التنظيم السياسي الأكبر في العالم، للقطاع الخاص في بلاده، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
بدأ الاختراق المتزايد من طرف الحزب الشيوعي الصيني الحاكم للقطاع الخاص في إثارة قلق واسع وفقا لما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية. فقد نُظِر إلى قرار تأسيس وحدات للحزب داخل الشركات الخاصة بوصفه ذراعا للتأثير داخل تلك الشركات، ووسيلة مالية وتنظيمية تتيح للحكومة أن توجِّه دفة الشركات كي تلتزم بالنهج الذي يريده الحزب الحاكم. وبينما تظهر بجلاء سياسة المركزية المتنامية للحزب الشيوعي في إدارة الشركات المملوكة للدولة، يبدو أن دوره في الشركات الخاصة ليس بالوضوح نفسه.
إن وجود وحدات تابعة للحزب الحاكم في الشركات الخاصة ليس ظاهرة جديدة، فمنذ الثمانينيات أكَّد الحزب رغبته في ترسيخ حضوره داخل اقتصاد القطاع الخاص النامي آنذاك، لا سيَّما المشاريع المشتركة مع أطراف أجنبية. ففي عام 1992، شمل ميثاق الحزب الشيوعي "الشركات" في قائمة المؤسسات التي يجب تأسيس وحدات حزبية فيها إن استضافت بين جنباتها ثلاثة أعضاء بالحزب أو أكثر. كما فرض قانون الشركات لعام 1993 على جميع الشركات التي لها مقرات في الصين أن تسمح بتأسيس وحدات تتابع أنشطة الحزب الحاكم.
إن اختراق الحزب الشيوعي للقطاع الخاص سرعان ما اكتسب زخما جديدا في مطلع الألفية إبَّان دعوة الرئيس السابق "جيانغ زَمين" للحزب الحاكم بأن يُمثِّل "القوة الإنتاجية المتطورة"، وأن يُرحِّب برُوَّاد أعمال القطاع الخاص الصاعدين في البلاد. ولا يزال يُنظر إلى القطاع الخاص في الصين بوصفه جبهة لتوسيع عضوية الحزب، وقد تحوَّل ذلك إلى أولوية على يد الرئيس الحالي "شي جين بينغ". ففي عام 2012 دعت لجنة التنظيم الحزبية إلى تغطية القطاع الخاص "بشكل شامل"، وشملت هذه الموجة من الجهود الحزبية إرسال "مستشارين في توسيع عضوية الحزب" إلى الشركات الخاصة التي لا يوجد بها وحدة حزبية، وتأسيس هيئات للإشراف على تلك الجهود.
وفقا لاتحاد الصناعة والتجارة لعموم الصين (ACFIC) ارتفعت نسبة الشركات الخاصة التي تحوي وحدة للحزب الشيوعي من 27% في عام 2002 إلى 48% في عام 2018، وهي نسبة تتركَّز في شمالي البلاد وفي القطاع الصناعي خاصة. إن معظم الشركات التي لا تزال بلا وحدة حزبية لم تفي حتى اللحظة بشرط استضافة ثلاثة أعضاء فأكثر من الحزب الحاكم. ولكن وفقا لإحصائيات الحزب نفسه، أسَّست 73% من الشركات الخاصة وحدات حزبية بالفعل بحلول عام 2017. ويُمكن تفسير هذا التباين في الإحصائيات الرسمية بين اتحاد الصناعة والتجارة من جهة والحزب من جهة أخرى بوجود أكثر من طريقة لتمثيل وجود الحزب، حيث توجد وحدات مشتركة تغطي أكثر من شركة كي تُشرِف على الشركات التي لا تملك وحدتها الحزبية الخاصة. بالنظر إلى الشركات الأكبر حجما، نجد أن أكثر من 92% من أكبر 500 شركة خاصة في الصين تستضيف وحدة حزبية بالفعل. ومنذ عام 2018، بات لزاما على أي شركة محلية أن تؤسس وحدة حزبية.
الوحدات الحزبية تفرد أجنحتها تحت قيادة "شي"ارتبطت الوحدات الحزبية تاريخيا بتجنيد أعضاء للحزب من بين موظفي الشركات وإدارة شؤونهم. وعلى عكس الشركات المملوكة للدولة، منح ميثاق الحزب لتلك الوحدات دورا محدودا داخل شركات القطاع الخاص، حيث أوكِلت إليها مهمة التأكُّد من أن الشركات ملتزمة بالقوانين وتُعزِّز تطوُّرها بشكل صحي. ففي معظم الشركات، تميل الوحدات الحزبية للتركيز على النشاطات التي تساعد بيئة الأعمال، ولا يتعدَّى دورها تنظيم دورات تدريبية أو لقاءات اجتماعية لأعضاء الحزب.
بيد أن هذا الدور المحدود بدأ في التغيُّر بعد أن دعا الرئيس "شي" القطاع الخاص إلى التوحُّد والالتفاف حول الحزب الشيوعي. وإثر تمرير تعديلات جديدة عام 2015 تسري على الشركات المملوكة للدولة أكَّدت دور الوحدات الحزبية، بدأ عدد متزايد من الشركات الخاصة أيضا في تطبيق تلك التعديلات، لا سيَّما الشركات ذات المِلكية العامة-الخاصة المختلطة أو الشركات الخاصة صاحبة الصلات السياسية بالنخبة الحاكمة. إن هدف الحزب الشيوعي هو "زرع فريق من الأشخاص أصحاب الخلفية الاقتصادية الخاصة والعازمين على السير وفقا لخط الحزب.. والذين يُمكن الاعتماد عليهم في أوقات الأزمات". ويُنتظَر من رُوَّاد الأعمال أن يخضعوا للمزيد من التدريب والرقابة للتأكُّد من التزامهم بأهداف الحزب.
لقد صرَّح "يِه تشينغ"، نائب رئيس اتحاد الصناعة والتجارة لعموم الصين، بأن الشركات الخاصة لا يكفيها أن تقِر بالدور الريادي للحزب الحاكم في صياغة لوائح الشركات، بل يجب عليها أن تُخصِّص تمويلا منفصلا لنشاطات الوحدات الحزبية، فعلاوة على رسوم العضوية التي تجمعها الوحدة من أعضائها، يمكن لها الاعتماد على تمويل إضافي من الشركات يكافئ نحو 1% من نفقات طاقم الوحدة.
وقد دعا اتحاد الصناعة والتجارة أيضا الحزب الحاكم نفسه إلى "لعب دوره القيادي في إدارة الكوادر.. لتجنُّب أن يقوم مُدير ما بترقية أي شخص يحلو له"، كما أوصى بأن تؤسس الشركات هيئة رقابية تحت قيادة الحزب لمراقبة الموظفين ورصد أي سلوك غير طبيعي في الشركات والتعامل مع الخروقات القانونية. ويصعُب تقييم الحد الذي وصل إليه تطبيق تلك القواعد بخصوص توسيع عضوية الحزب وحضوره في القطاع الخاص، لا سيَّما أن العمل الميداني لإجراء بحث من هذا النوع في الصين يواجه تحديات متزايدة.
ورغم أن توسيع نفوذ الحزب في صفوف الشركات يتراوح وفقا للقطاع الذي تعمل فيه الشركة وحجمها والمحافظة التي تتمركز فيها، يبدو أن جلَّ أعضاء الوحدات الحزبية في معظم الشركات هُم موظفون بتلك الشركات، ما يعني أن تأثير الحزب الحاكم قد يكون محدودا بالنظر لعدم قدرة هؤلاء الموظفين على تحدي إدارة شركتهم بسهولة. إن تعيين سكرتير للحزب الشيوعي داخل بنية الشركة سيُحدِث فارقا كبيرا، فحين يصبح مالك الشركة أو مديرها التنفيذي هو نفسه سكرتير الحزب بالشركة، سينشأ بطبيعة الحال انسجام واضح بين الوحدة الحزبية وأولويات الشركة، وقد يؤدي ذلك إلى تحوُّل الوحدات إلى أندية عائلة بالنظر إلى أن رؤساء الشركات عادة ما يُعيِّنون أقاربهم في أعلى المستويات في الحزب.
تصبح الأمور أكثر تعقيدا حين يُعيَّن شخص آخر من إدارة الشركة سكرتيرا للحزب الشيوعي، إذ يُمكن أن يؤثر ذلك على توازن القوى الداخلي بتعزيز موقع ذلك الشخص في الشركة. في النهاية، يُعَدُّ توازن القوى داخل الشركات الصينية مُهما لفهم نهج الحزب الشيوعي الذي يُطبَّق من أعلى إلى أسفل حيال الشركات الخاصة، وكيف يتبلور ذلك النهج على الأرض في الآونة الأخيرة.
___________________________________
ترجمة: ماجدة معروف
هذا التقرير مترجم عن East Asia Forum ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الصناعة والتجارة الشرکات الخاصة الحزب الشیوعی الحزب الحاکم للقطاع الخاص القطاع الخاص فی الشرکات فی الصین أکثر من فی عام
إقرأ أيضاً:
منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي من “يانغو تك” تمكّن الشركات من تعزيز عروضها عبر روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي
أعلنت يانغو تك، منظومة الحلول التقنية المتطورة المصممة خصيصاً للشركات المحلية ضمن مجموعة يانغو، عن اقتراب إطلاق منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي، النظام الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمساعدة تجار التجزئة والعلامات التجارية على تحقيق أعلى مستوى من الظهور والتفاعل مع العملاء عبر روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي مثل “كلود” (Claude)، “تشات جي بي تي”، و “بيربليكسيتي” (Perplexity).
ستُتيح منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديدة لتجار التجزئة عرض منتجاتهم والترويج لها مباشرةً عبر واجهات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي، مما يُحوّل المحادثات اليومية إلى تجارب تسوق جادة بأعلى معايير الجودة. على سبيل المثال، عندما يبحث العملاء عن منتج ما باستخدام كلمات مثل “أفضل الأحذية الرياضية بأقل من 200 دولار،” أو “أين يمكن شراء مصفف شعر جديد”، ستظهر محلات التجزئة التي تستخدم منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعلى نتائج البحث، مع تقديم الأسعار وتوافر المنتجات بشكل لحظي.
تخطط يانغو تك إلى طرح منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي لنخبة من شركات تجارة التجزئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول نهاية عام 2025. من أهم فوائد المنصة: تحسين إمكانية اكتشاف المستهلكين لشركات تجارة التجزئة، فبدلاً من الاعتماد حصرياً على الويب أو التطبيقات، أصبح من الممكن الآن إبراز الشركات في نتائج دردشة الذكاء الاصطناعي، مما يخلق توازناً سلساً بين عروضها وعمليات البحث الجاد عن المنتجات ويزيد من احتمالية التحويل. على سبيل المثال، يمكن لمتاجر البقالة الإلكترونية التي تستخدم منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي من يانغو تك ضمان إبراز منتجاتها الطازجة أولاً عندما يستفسر العميل عن خيارات تخطيط الوجبات على “Perplexity”.
وبهذه المناسبة، صرّح ماكس أفتوخوف، الرئيس التنفيذي لشركة يانغو تك لتجارة التجزئة، قائلاً: “في وقت تهيمن فيه المنصات القائمة على الذكاء الاصطناعي على عمليات البحث اليومية، تُمثل منصة يانغو تك للذكاء الاصطناعي التوليدي والتي تم تصميمها للارتقاء بعمليات تجارة التجزئة خطوةً جريئةً نحو الأمام. يعتمد المستهلكون اليوم كثيراً على أدوات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي – من نصائح السفر إلى اقتراحات المنتجات المُخصصة، مما يبشّر بعصر جديد من تجارب التسوق الشخصية السلسة. هذه نقلة نوعية بحق، فمن البحث عبر متصفحات الكمبيوترات إلى البحث عبر الأجهزة المحمولة، والآن إلى منصات المحادثة الذكية. نحن نُدرك ما يتطلبه النجاح في عالم تجارة التجزئة، لهذا يُمثل هذا التحول تجربة تجارية جديدة كلياً، وستوفر منصتنا الجديدة لتجار التجزئة البنية التحتية اللازمة ليس فقط للظهور، بل للنجاح والازدهار.”
تعتمد المنصة على نظام توجيه محتوى شركات التجارة الإلكترونية، المعروف باسم “MCP”، وميزة التصنيف المدعومة بالذكاء الاصطناعي (Ranking AI Block) من يانغو تك، والذي يعمل كمترجم مركزي ومدير لحركة البيانات. يجمع النظام الاستعلامات المتعلقة بالمنتج من منصات ذكاء اصطناعي مختلفة، ويوجهها إلى أنظمة محتوى شركة تجارة التجزئة، ثم يُرسل النتائج المصنفة إلى المستخدم مباشرة، وهو ما يشكّل قناة جديدة للتجارة التفاعلية تلتقي عليها تفاعلات العملاء بالمعاملات الفورية.
يأتي إطلاق المنصة في وقت تشهد فيه المنطقة طلباً كبيراً على الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، فمن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 150 مليار دولار في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، بينما من المتوقع أن يشهد سوق الذكاء الاصطناعي التحاوري معدل نمو بنسبة 23.6% بحلول عام 2033 في المنطقة، في حين من المتوقع أن ينمو قطاع التجزئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 1.4 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2032.
كما تضمن منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي تقديم الدعم لشركات التجزئة والعلامات التجارية عبر واجهات متعددة، مما يسمح للشركات بالتجاوب بسهولة عبر ملايين التفاعلات اليومية مع الحفاظ على أوقات استجابة منخفضة ورسائل متسقة، وهو ما يُعتبر ضرورياً للغاية، حيث يعتمد 80% من المستخدمين على الذكاء الاصطناعي في 40% من الحالات عند البحث أونلاين.
بعد إطلاق منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تخطط يانغو تك لتوسيع نطاق المنصة إلى أمريكا اللاتينية وأسواق أخرى طوال عام 2026، مما يدعم تجار التجزئة العالميين في جذب المستهلكين وتحقيق الإيرادات في عالم الذكاء الاصطناعي.